المشاكل الاقتصادية المصرية وسبل حلها

المشاكل الاقتصادية المصرية وسبل حلها
الدكتور عادل عامر

المقدمة :-

ان أي إصلاح اقتصادي وبصرف النظر عن مضمونه، يتطلب إعادة النظر في البنية المؤسسية لإدارة الموارد المالية للدولة. واذا كانت الخطوة الاولى هى اعادة النظر فى البنية الاساسية والمؤسسيه لادارة الموارد المالية للدولة، فان الاقتصاد المصرى يواجه، حاليا، عددا من المشاكل الرئيسية التى ينبغى على كل تنظيم سياسى أن يقدم رؤيته لأهم هذه المشاكل وما يقترحه من أساليب لعلاجها. وبطبيعة الأحوال فليس المطلوب هو وضع قائمة تفصيلية بجميع المشاكل والحلول المقترحة لكل منها. فمثل هذا الى جانب أنه ليس عمليا ولا مفيدا، فانه قد يؤدى الى الغرق فى التفاصيل والخلط بين الغث والثمين. ولذلك فان اختيار عدد محدود من القضايا الاقتصادية لا يعنى فقط توجيه النظر الى ماهو أكثر أهمية، ولكنه يكشف فى نفس الوقت فى التوجهات العامة فى علاج المشاكل وبالتالى يقدم نموذجا لما ينبغى القيام به ازاء مشاكل أخرى أقل أهمية. وأخيرا فان البرنامج الاقتصادى لن يقتصر على بيان رؤيته لما ينبغى عمله فى اصلاح البنية المؤسسية لإدارة الموارد المالية للدولة، أو ما يعتبره أهم المشاكل الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد المصري في الفترة الحالية، بل لابد أيضا أن يقدم الحزب رؤيته بالنسبة لأدوات السياسات الاقتصادية المتعددة ومدى حدودها وكيفية التعامل معها.

ولذلك فان البرنامج الاقتصادي يتضمن ثلاثة أجزاء على النحو التالي :

أولاً- البنية المؤسسية لإدارة الموارد المالية للدولة.

ثانياً- المشاكل الأساسية للاقتصاد المصري فى الوقت الراهن.

ثالثاً- السياسات الاقتصادية وحدودها ومداها.

أولاً: البنية المؤسسية لإدارة موارد الدولة

تقوم الدولة بنشاط - يضيق أو يتسع - وفقا لما يتوافر لها من موادر مالية. والأصل أن الدولة لا تقوم بالانتاج، ولذلك فليس لها - فى العادة - موارد ذاتية للتمويل وانما تستخدم حقها فى السيادة فى فرض الضرائب وغيرها من الاعباء على الافراد لتمويل نشاطها لمصلحة الجماعة. وقد تنبهت الشعوب مبكرا الى ضرورة مشاركتها وقبولها لما يفرض عليها من اعباء، وارتبط ذلك بما عرف فى تاريخ الديمقراطية بانه "لاضرائب دون تمثيل شعبى". وهكذا بدأ مبدأ الديمقراطية والمشاركة الشعبية من ضرورة للحصول على موافقة الشعب وممثليه على ما يفرض من ضرائب وغيرها من الإيرادات ثم على كيفية التصرف في هذه الموارد وبالتالي مراقبة كل عناصر الموازنة من ايرادات ونفقات. وهكذا أصبحت الموازنة ركناً رئيسيا فى كافة الدساتير الديمقراطية وبحيث تصبح الرقابة الشعبية عليها ضرورة لسلامة ادارة الموارد المالية. وفى نفس الوقت طورت العلوم المالية عدة مبادئ ينبغى التمسك بها من أجل سلامة التعامل فى الموارد المالية للدولة وبما يحقق معانى الحرية والعدالة والمساءلة.

إيرادات الدولة :-

أن هيكل الإيرادات ارتفع نتيجة زيادة الإيرادات الضريبة لتبلغ 95 مليار جنيه، مقابل 75.1 مليار جنيه لترتفع بنسبة 26.5 %، ثم المنح والتي سجلت 1.8 مليار جنيه مقابل 1.3 مليار جنيه، لترتفع بنسبة 41.4 %.ان ارتفاع قيمة العجز الكلي خلال العام المالي المنصرم، بنحو 44%، ليبلغ 239.9 مليار جنيه، مقابل 166.7 مليار جنيه خلال العام المالي السابق عليه، كما ارتفع العجز النقدي بنسبة 42.2 % ليبلغ 238.1 مليار جنيه، مقابل 167.4 مليار جنيه .لان حجم الإيرادات زاد خلال بنسبة 13.5%، خلال العام المالي الماضي،  ليبلغ 344.6 مليار جنيه، مقابل 303.6 مليار جنيه خلال العام المالي السابق عليه، ليرتفع بنحو 41 مليار جنيه، لافتاً إلى أن نسبة المصروفات خلال العام المالي السابق زادت بنسبة 23.7%، ليبلغ 582.7 مليار جنيه، مقابل 471 مليار جنيه خلال االعام السابق عليه ليزيد بنحو 112 مليار جنيه.

 أن هيكل المصروفات العامة خلال العام المالي المنصرم،"2012-2013"، تضمن 141 مليار جنيه على الأجور وتعويضات العاملين، و197 مليار جنيه على الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، و147 مليار جنيه فوائد دين، والتي تشكل عبئا كبيرا على الموزانة العامة، في حين بلغت الاستثمارات الحكومية نحو 38.1 مليار جنيه، وشراء السلع والخدمات نحو 25.1 مليار جنيه.

والآن، وقد اتجه الانتاج فى معظم الدول الى الاقتصاد الصناعى والخدمى، وبالتالى، تحرر الى حد بعيد من الخضوع للظروف الجوية والمناخية. ولذلك فان معظم المؤسسات الاقتصادية -الشركات والمشروعات - تحدد بدء السنة المالية بأول يناير مسايرة للسنة الميلادية.

مبدأ وحدة وعمومية الموازنة

ولعل من أهم المبادئ التى استقرت فى علم المالية العامة هو مبدأ وحدة وعمومية الموازنة. والمقصود بذلك هو أن ترصد جميع الايرادات والنفقات التى تقوم بها الحكومة ووحداتها المختلفة فى وثيقة واحدة هى الموازنة، أما أن يجرى توزيعها فى وثائق متعددة أو حسابات منفصله تحت مسميات مختلفة وبعضها لا يعرض أصلا على البرلمان - فهذا خروج عن مبدأ وحدة وعمومية الموازنة، ويترتب عليه أن تعرض على مجلس الشعب صورة جزئية ومشوهه عن حقيقة ما تحصله الحكومة من مختلف الجهات أو ما تقوم بانفاقه على اوجه الانفاق المختلفة.

وقد شاع خلال السنوات الاخيرة انشاء صناديق خاصة تحصل ايرادات من مصادر محلية أو أجنبيه ويتفق منها مباشرة على اوجه متعددة دون أن يمر ذلك بالموازنة. كذلك فان مفهوم الموازنات المستقلة والملحقه والذى قام - فى الأصل - لاعطاء بعض المؤسسات مزيدا من المرونة فى التصرفات المالية تحول فى العمل الى اسلوب لتحصيل موارد - كثيرا من مصادر أجنبية - والقيام بمصروفات بعيدا عن كل رقابة أو اشراف فى البرلمان. وليس الأمر متعلقا فقط بضرورة وحدة وعمومية الموازنة لاعتبارات الرقابة والاشراف، بل أن تعدد الوثائق وما فى كل منها من ايرادات ومصروفات يفقد القدرة على معرفة الاولويات، حيث تضيع وسط العديد من الوثائق والمصالح والمؤسسات، وكل منها يضع أولوياته بعيدا عن الآخر.

ولذلك نرى أن احد الشروط الاساسية لحسن الادارة المالية لموارد الدولة هو العودة الى الالتزام بمبدأ وحدة وعمومية الموازنة، وبحيث تظهر كافة ايرادات الدولة ومصروفاتها فى وثيقة واحدة، وهى الموازنة. واذا كانت دواعى الاستقلال المالى والادارى تتطلب بعض المرونة والاستقلال فى موازنات بعض المصالح والهيئات العامة، فلا بأس أن يقرر لها موازنات ومستقله أو ملحقه، على أن تكون كلا متكامل مع الموازنة العامة وتصدر معها وترفق بها كأحد التقسيمات النوعية للموازنة العامة.

اولا:-التقسيمات النوعية للموازنة العامة.

الدومين العام والدومين الخاص: تمتلك الدولة العديد من الأصول، ويمكن التمييز فى هذه الملكية بين نوعين من الملكية، الملكية العامة، أو الدومين العام وهو ملكية المرافق العامة المخصصة للمنفعة العامة من ناحية، وبين ملكية الدولة الخاصة أو الدومين الخاص من ناحية أخرى وهى ملكية خاصة لا تختلف عن ملكية الأفراد. فأما عناصر الدومين العام من طرق وكبارى ومطارات وموانى وجسور وقناطر وغير ذلك من المرافق فانها تخصص للمنفعه العامة، وهى غير قابلة للتصرف للغير وبما يتنافى مع اداء غرضها فى المنفعة العامة، ويعهد بادارتها والاشراف عليها الى الجهة الادارية المسئولة عن ادارة هذا المرفق. وتتحدد طبيعة هذه الملكية وشروط استخدامها بما ينفق مع طبيعة المرفق والمنفعة العامة التى يوفرها. وعلى الجهة الادارية المنوط بها ادارة المرفق أن تضع الشروط والمواصفات المطلوبة للانتفاع به وبما يتفق مع طبيعة الخدمة المقصودة.

 أما الدومين الخاص فهو يمثل ما تملكه الدولة من أراضى وعقارات وغير ذلك من الأصول باعتبارها ملكيه خاصة لا تختلف عن الملكية الخاصة التى يعرفها القانونى المدنى. ولذلك يجوز التصرف فيها بكل انواع التصرفات المعروفة فى القانون المدنى من ايجار وبيع وغير ذلك. ولكن النقطة الاساسية فى هذا الصدد ليست طبيعه الملكية- فهى ملكية خاصة - وانما فى شكل المالك. المالك هنا هو الدولة. والدولة شخص قانونى ويمثلها وزارة المالية. والصحيح ان الوزارت هى اجهزة للدولة وليس لها شخصية قانونية، وبالتالى فليس هناك ملكية خاصة لوزارة من الوزارات. من الممكن أن تكون وزارة مشرفة على مرفق عام، كما هو الحال بالنسبة للطرق والكبارى، فهى خاضعة لوزارة النقل، كمرفق عام. أما الملكية الخاصة فانها تكون للدولة وحدها. وقد ساد انطباع حتى كاد يصبح عقيدة ان بعض الوزارات والتى كانت تشرف على اراض كانت مخصصة لمرافق عامة مثل المطارات أو معسكرات ثم لم تعد الحاجة الى هذه الخدمات العامة - فتتصرف الوزارة كما لو كانت هذه الاراضى ملكية خاصة لها تملك التصرف فيها بالبيع لصالحها بعيدا عن الموازنة العامة. وهذا خروج على مفهوم الدومين العام ومبدأ وحدة الموازنة. اذ يترتب على هذه الممارسات أن تتحول أصول مملوكة للدولة، وبالتالى لمصلحة الشعب، إلى أن تصبح مخصصة لوزارة أو هيئة ويتم التعامل فيها لمصلحة للعاملين فى هذه الوزارة أو الهيئة، بمقولة أنها ملكية خاصة لها. الملكية الخاصة للدولة هى للدولة وليس لوزارة أو مصلحة، ويمثل الدولة وزارة المالية، وتحصل ايه عائدات للببيع أو الاستقلال لمصلحة الموازنة العامة ولذلك ضمن الضروري أن تعود إدارة الدومين الخاص – أو الملكية الخاصة للدولة – لجهة إدارية واحدة هي وزارة المالية.

هذه هى بعض الاصلاحات المؤسسية فى إدارة موارد الدولة المالية، وهى شروط مبدئية للاصلاح لأى برنامج اقتصادى. ولكن البرنامج الاقتصادى لابد وأن يتعرض بشكل صريح ومباشر لأهم المشاكل الاقتصادية القائمة بأن يضع تصوراً للحلول المناسبة لهذه المشاكل وهو ما نتناوله في الآتي.

ثانياً: المشاكل الرئيسية للاقتصاد المصري

ليس الغرض من استعراض أهم المشاكل الاقتصادية هو سرد قائمة بكل هذه المشاكل، وانما الغرض هو طرح ما يبدو انه يمثل قضايا جوهرية وحيث يمثل هذا الطرح ليس فقط تقديم اقتراحات الحزب لبعض الحلول، وقد اخترنا أربعة قضايا لما تمثله من أهمية وخطورة، الأولى عن الخصخصة والتصرف فى وحدات القطاع العام بالبيع، والثانية عن البطالة، والثالثة عن الطاقة والرابعة عن الصادرات.

ولا تقتصر أهمية هذه القضايا على ما تطرحه من مشاكل وانما يثير كل منها جانباً هاما من توجهات الحزب فى ا لامور الاساسية فى ادارة الاقتصاد الوطنى. فقضية الخصخصة تعكس توجه الحزب الى تحديد المقصود "باقتصاد السوق" وما يجب أن يرد عليه من ضوابط، كما تبين قضية البطالة نظرة الحزب فى معالجة قضية "التنمية" بشكل عام، وتتعرض مشكلة الطاقة لواحدة من أخطر التحديات التي تواجه العالم ومصر بصفة خاصة في حماية مصادر الثروة الطبيعية وتطوير مصادر جديدة، وأخيرا يساعد طرح قضية الصادرات اهمية التعامل مع مفهوم التنمية فى اطار اقتصاد عالمى يعتمد بدرجة متزايدة على التطور التكنولوجى. ومن هنا فان اثارة هذه القضايا يطرح - ضمنا - قضايا اقتصاد السوق وضوابطه، وسياسه التنمية الاقتصادية فى اطار من الاصلاحات المؤسسية، والتعامل مع مصادر الثروة الطبيعية وتطوير مصادر جديدة. وأخيرا المشاركة فى الاقتصاد العالمى بالارتفاع بالمستوى التكنولوجى والصناعى.

الخصخصة وبيع وحدات القطاع العام: يمثل اقتصاد السوق أحد ركائز الفكر الديمقراطى الليبرالى وبالتالى فهو أحد أهم الاهداف التى يسعى اليها الحزب، ولذلك فمن الطبيعى أن يتعرض برنامج الحزب الاقتصادى لقضية الخصخصة. ومع ذلك فقد يكون من المفيد ونحن نتناول هذه القضية أن نزيل بعض اسباب اللبس التى كثيرا ما تصاحب الحديث عن الفكر الليبرالى ونظرته الى "اقتصاد السوق".

الليبرالية الاقتصادية

اذا كانت الليبرالية تستند الى "الفردية"، وتضع احترام حقوق الفرد وحرياته فى مقدمه اهتماماتها، فينبغى أن يكون واضحا أن الفكر الليبرالى هو مفهوم عن "المجتمع" وليس مفهوما عن "الفرد" منعزلا أو منفصلا. فالحديث عن "الفردية" فى الفكر الليبرالى لا يعدو أن يكون حديثا عن أفضل الوسائل لضمان صالح المجتمع وتقدمه. "فالفردية" وسيلة لغاية، والغاية أو الهدف النهائى هو صالح المجتمع ورخاؤه.

واذا كنا ندعو الى الأخذ "باقتصاد السوق"، فإنه يستنفذ في ذلك إلى المفهوم الليبرالى في ادارة الاقتصاد والذي يقوم على اساس الاخذ بالاسلوب اللامركزى فى ادارة الموارد الاقتصادية استنادا الى مفاهيم الملكية الفردية واقتصاد السوق. فالتعددية هى الاساس سواء فى النظام السياسى (الديمقراطية) أو النظام الاقتصادى (اقتصاد السوق). والفكر الليبرالى يرفض تركيز السلطات فى يد واحدة سواء فى السياسة أو الاقتصاد. ولذلك فإن الفكر الليبرالي يعادي الاحتكار ويقاومه تماماً كما يعادي تسلط السلطة السياسية على الموارد الاقتصادية.

على أن اقتصاد السوق ليس مجرد ملكية فردية وبيع وشراء، و انما هذا الاقتصاد هو منظومة كاملة من المؤسسات القانونية والتنظيمية وتحتل فيها الدولة مركزا رئيسيا. "فاقتصاد السوق" لا يلغى الدولة، أو يضعف من قوتها بل على العكس يزيد من هذه القوة بزيادة فاعليتها وتأثيرها. وقد اثبتت التجربة التاريخية أن توسع دور الدولة لم يترتب عليه زيادة فى فاعليتها بقدر ما انعكس فى ترهلها وضياع هيبتها فكما تتدهور قيمة النقود بالتوسع فى اصدارها (مع التضخم)، فبالمثل تتدهور هيبة الدولة بالتوسع فى نشاطها فى الهام والتافه. ولذلك فان الغرض من العودة الى "اقتصاد السوق" هو اعادة الدولة الى دورها الطبيعى فى السيادة والسيطرة والرقابة والاشراف فضلا عن تقديم الخدمات الرئيسية التى يمكن تقديمها بشكل مرض عن طريق السوق. فالسوق لاتعمل الا من خلال دولة قوية، ودونها تتحول السوق لتصبح غابة يتسيد فيه القوى ويزبل الضعيف. ولم يكن من قبيل الصدفة التاريخية أن نشأة اقتصاد السوق فى شكله المعاصر منذ نهاية القرن الثامن عشر قد سبقه ومهد له ظهور الدولة الحديثة منذ نهاية القرن السادس عشر - وسوف نتعرض للدور الاقتصادى للدولة عندما نتناول السياسات الاقتصادية.

واذا كنا نتناول فى هذه النقطة موضوع الخصخصة وبيع وحدات القطاع العام، فينبغى أن يكون واضحا ان قيام اقتصاد السوق ولا يتحقق بمجرد نقل ملكية وحدات القطاع العام الى القطاع الخاص، فالامر يتطلب توفير بنية اساسية قانونية ومؤسسات للرقابة والاشراف وتوفير الشفافية فى المعلومات. فيجب أن يسبق أو يصاحب عمليات الخصخصة تطوير وضبط الاطار المؤسسى لمباشرة النشاط الاقتصادى الخاص بشكل سليم. ويعتبر الاستقرار القانونى ووضوح المراكز والحقوق القانونية بشكل كامل لا لبس فيه - أمرا لاغنى عنه. فاستمرار حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية لا يمكن ان يساعد على نمو وازدهار نشاط القطاع الخاص، ولا يكفى القول بأن هذه القوانين والاحكام الاستثنائية لا تطبق إلا بالنسبة لأحوال الارهاب أو المخدرات، فمجرد وجودهما يعتبر سيفا مسلطا على الرقاب يمكن استخدامه فى اى وقت من الأوقات. كذلك يجب اصلاح كل ما يتعلق بحقوق الملكية وضمان احترامها واحترام العقود والتعهدات. وهناك حاجة الى تطوير نظم الشهر والتوثيق العقارى والمعاملات. وقد يكون من المناسب البدء فى تنفيذ نظام السجل العينى للعقارات والذى استمر الحديث عنه لما يقرب من نصف قرن. ومع ما تحقق من تقدم فى مجال الحاسبات الالكترونية (الكومبيوتر) فان ميكنه هذه العمليات تساعد كثيرا على ضبط المعاملات وتقليل حالات الغش والفساد وسرعه المعاملات. كذلك فان الاستقرار القانونى لا يمكن أن يتحقق دون قضاء مستقل يتمتع بالنراهة والاستقلال. وهناك حاجة الى توفير الضمانات لسرعة الفصل فى القضايا وجديه تنفيذ الاحكام. والى جانب توفير الاستقرار والوضوح للحقوق والمراكز القانونية هناك قوانين اساسية لسلامه اقتصاد وضمان حقوق المستهلكين فهناك قوانين حماية المستهلكين، وضمان توفير المنافسة ومحاربة الاحتكارات وتنظيم الاسواق المالية ومنع التضارب فى المصالح عند اتخاذ القرارات. وهناك ضرورة فى توفير المعايير والمواصفات للانتاج بما يضمن رعاية مصالح المستهلكين وصحتهم. ولا يمكن أن تنجح السوق مالم يكن هناك انسياب للمعلومات والبيانات الكافية والصادقة والمستمرة. ولا يقتصر الأمر على ما يصدر من هيئات عامة وحكومية بل لابد أن تضمن القوانين سلامة البيانات المالية التى تصدرها الشركات والمشروعات مما يضع مسئولية كبيرة على عاتق جمعيات ونقابات المحاسبة والمراجعة. وهكذا فان الانتقال الى اقتصاد السوق ليس مجرد عملية خصخصة وبيع وحدات القطاع العام، بقدر ما هو منظومة كاملة من السياسات والاجراءات.

وبصرف النظر عما يصاحب الخصخصة من اجراءات وسياسات للانتقال الى "اقتصاد السوق"، فان عملية الخصخصة ليست امرا واضحا ومحددا بل انه يتضمن عناصر متعددة وتثير العديد من الآراء المتعارضة والمتناقضة. فهناك اختيار الوحدات المطروحه للبيع، وليس كل ماهو مملوك للحكومة أو القطاع العام مطروحا للبيع. فهنا عملية اختيار تتوقف على العديد من الاعتبارات. وهناك النسبة التى تعرض للبيع، فقد يكون المشروع معروضا بالكامل للبيع أو نسبه منه فقط، والبيع ليس الوسيلة الوحيدة للخصخصة فهناك منح الادارة أو الاستغلال لفترة محددة يعاد النظر فى الامر فى نهايتها. وتختلف طرق البيع، فقد يتم البيع لمستثمر رئيسى، وقد تباع الوحدة بالمزاد، وقد تطرح فى شكل اسهم. وقد يكون البيع متاحا للجميع بدون تمييز، وقد تحدد نسبة للاجانب. وهناك مسألة التوقيت، فقد تطرح مشروعات كثيرة فى وقت واحد ودون مهلة كافية مما لا يتيح الفرصة لكثيرين للاستعداد بالترتيبات المالية المناسبة. وقد يسمح للبنوك بتمويل عمليات الشراء بنسب معينه.. وهكذا تتعدد الاعتبارات.

ولكل ذلك فاننا أن قضية الخصخصة لا يمكن أن تناقش بشكل جزئى متفرق بمناسبة بيع كل وحدة على حده، وانما ينبغى أن تناقش فى اطار برنامج شامل ومحدد لسياسة الحكومة عن الخصخصة لفترة قادمة محددة تناقش فيها كل الاعتبارات السابقة. ونود هنا أن نؤكد على أمرين في صدد الخصخصة لا يمكن تجاهلها دون الإضرار بعملية الخصخصة نفسها وربما الإساءة أيضا الى مبدأ "اقتصاد السوق". والأمران هما الشفافية والمشروعية، فدون أن يتوافر هذا الأمران فان الخصخصة لن تؤدى الغرض المقصود منها وقد تصبح عبئا على مستقبل "اقتصاد السوق" نفسه.

الخصخصة

أما الشفافية فهى ضرورة اعلان كل ما يتعلق باجراءات الخصخصة على الجمهور بشكل واضح وصريح ومفصل. فالأمر يتعلق بالتصرف فى أصول مملوكة - نظريا - للشعب، وبالتالى فيجب أن تكون جميع الاجراءات المتبعة معلنه. وينبغى ألا تظهر هذه العمليات كما لو كانت عمليات منفصله ومشتته وانما لابد وأن يجمعها برنامج متكامل للخصخصة، وأن يتضمن هذا البرنامج كل البيانات المناسبة، بما فى ذلك تحديد الوحدات المطلوب خصختها، ومبررات ذلك، والمواعيد المحددة لذلك، والمعايير المتخذة اساسا للتقييم، واساليب البيع ومبررات ذلك، وشروط الأهلية للتقدم للشراء، وما اذا كان الوحد متاحا للجميع ام للمواطنين فقط، وغير ذلك من الاعتبارات. وقد لا يكون من العبث التأكيد على أن توقيت عمليات البيع أمر هام. فهناك طاقة محدودة للاقتصاد الوطنى من حيث قدرته على شراء الاصول المعروضة للبيع فتركيز بيع الكثير من الأصول فى فترة قصيرة قد يعنى اما استبعاد المواطنين من شراء هذه الاصول، أو الاضطرار لبيعها باسعار منخفضة بالنظر الى الطاقة أو القدرة الشرائية المحدودة للاقتصادالمحلى. والغرض من هذه الشفافية هو توفير الفرصة لطرح مختلف الآراء وتحقيق نوع من التوافق العام حول جدوى وفائدة برنامج الخصخصة. الأمر الذى يطرح مسألة المشروعية على بساط البحث.

فعندما نتكلم عن ضرورة توافر المشروعية لبرنامج الخصخصة فاننا نقصد شيئا أكبر من مجرد توافر "الشرعية القانونية" التى تقتصر على الاتفاق مع نصوص القوانين القائمة. فالمشروعية مفهوم سياسى اجتماعى يجاوز المفهوم القانونى، والمقصود بذلك هو أن يتوافر نوع من التوافق العام بقبول مبدأ وعمليات الخصخصة باعتبارها عادلة ومنصفه وأنها تتم تحقيقا للمصلحة العامة وانه لم يشوبها عمليات محاباه أو تمييز بحيث يتمتع الجميع ازاءها بالمساواة فى الفرص. وبوجه خاص هناك ضرورة فى أن يتم التوافق العام على أن البيع قد تم بقيمه عادلة وان الثمن المعروض مناسب ومقبول وأن الاجراءات المتبعة قد اتاحت فرصا متكافئة لجميع المعنيين بالأمر. ودون أن يتوافر لعمليات الخصخصة "المشروعية" بهذا المعنى، فيخشى أن يؤدى فقدانها الى انعدام الثقة فى مصداقية "اقتصاد السوق" وبالتالى انهيار اساس هذا الاقتصاد. ولا يكفى فى هذا الصدد الادعاء بأن الاجراءات المتبعة قد راعت نصوص قانون قطاع الاعمال العام، وأنه قد تمت الموافقة على اجراءات البيع من الجمعيات العمومية للشركات القابضة باعتبارها مالكه لأصول القطاع العام فملكية الشركات القابضة لأصول القطاع العام هى مجرد مجاز قانونى، والملكية الحقيقية انما هى للشعب. ولذلك فمن الضرورى الحصول على الموافقة الشعبية فى شكل من اشكال التوافق العام حول مبدأ واجراءات الخصخصة. ودون ذلك تفقد الخصخصة مشروعيتها حتى واذا اتفقت مع ظاهر القانون.

البطالة:

تعتبر البطالة كارثة تستوجب الوقوف .. ولفت الانتباه .. فالواقع يؤكد أن معدلات البطالة في تزايد مستمر ، الجميع يحاول البحث عن طريق للخروج من الأزمة ولكن الواضح أنه يزداد ابتعادا!! و البطالة هي ظاهرة اقتصادية بدأ ظهورها بشكل ملموس مع ازدهار الصناعة إذ لم يكن للبطالة معنى في المجتمعات الريفية التقليدية. طبقا لمنظمة العمل الدولية فإن العاطل هو كل قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى.

من خلال هذا التعريف يتضح أنه ليس كل من لا يعمل عاطل فالتلاميذ والمعاقين والمسنين والمتقاعدين ومن فقد الأمل في العثور على عمل وأصحاب العمل المؤقت ومن هم في غنى عن العمل لا يتم أعتباهم عاطلين عن العمل و قد نتجت عن البطالة الكثير من الأمراض الاجتماعية مثل زيادة الهجرة غير الشرعية إلي الدول الأوروبية و إقبال عدد من الشباب المصري علي الانتحار للشعور باليأس بسبب البطالة و عدم قدرتهم علي إعالة أسرهم.

معدل البطالة:

معدل البطالة = عدد العاطلين مقسوما على عدد القوة العاملة مضروباً في مائة. معدل مشاركة القوة العاملة = قوة العمالة مقسوما على النسبة الفاعلة مضروباً في مائة.

وتعتبر نسب البطالة في صفوف الشباب العربي هي الأعلى عالمياً، وهي مرشحة للتصاعد في الكثير من الحالات. فالمعدل بالنسبة للدول العربية هو 25% طبقاً لبيانات الأمم المتحدة، أما في بعض البلدان فهي تصل أحيانا إلى 40% وبذلك تتضح حقيقة حجم مشكلة البطالة حيث يتوقع أن حجم البطالة الحقيقي لا يقل بأي حال من الأحوال عن 17 % : 20 % من حجم قوة العمل.. .

أنواع البطالة:

يمكن أن نشير إلى ثلاث أنواع رئيسية للبطالة وهي:

1- البطالة الدورية: و الناتجة عن دورية النظام الرأسمالي المنتقلة دوما بين الانتعاش و التوسع الاقتصادي و الانكماش و الأزمة الاقتصادية التي ينتج عنها وقف التوظيف و التنفيس عن الأزمة بتسريح العمال.

2- البطالة الاحتكاكية: و هي ناتجة عن تنقل العمال ما بين الوظائف و القطاعات و المناطق أو نقص المعلومات فيما يخص فرص العمل المتوفرة.

3- البطالة المقنعة: و هي تتمثل بحالة من يؤدي عملا ثانويا لا يوفر له كفايته من سبل العيش أو أن بضعة أفراد يعملون سويا في عمل يمكن أن يؤديه فرد واحد أو اثنان .

البطالة في مصر هي بطالة متعلمة فالغالبية العظمى من العاطلين من خريجي الجامعات ومدارس ثانوية كما أن اتجاه معدلات البطالة للارتفاع في الحضر بعد أن كانت في فترات سابقة ترتفع بنسبة أكبر في الريف

حلول للبطالة:

لا يرى الاقتصاديون من الطبقة البورجوازية حلاً لمشكلة البطالة إلا في اتجاهين أساسيين:

الاتجاه الأول: يرى للخروج من البطالة ضرورة رفع وتيرة النمو الاقتصادي بشكل يمكن من خلق مناصب الشغل .

الاتجاه الثاني: يرى للخروج من أزمة البطالة ضرورة تدخل الدولة لضبط الفوضى و تحقيق التوازن الاجتماعي و هذا الاتجاه اخذ يتواري بفضل ضغط العولمة.

** أما الحل الجذري لقضية البطالة فيتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد علي قاعدة نطاق الربح الرأسمالي, أي بناء لوسائل الإنتاج و تلبية الحاجات الأساسية لكل البشر خارج العيش المترف علي حساب عجز الأغلبية في الوصول إلي الحد الأدنى من العيش الكريم. مشكلة البطالة فى مصر وكيفية حلها

وقد بدأت مشكلة البطالة فى الظهور بعد قيام ثورة 23 يوليو وإعلان النظام الجمهورى فى مصر عام 1952، والتى كان لها مالها من إنجازات، وعليها ما عليها من إخفاقات، وقد كان من أهم إخفاقات تلك الثورة، محاولة كسب زعامة جماهيرية بالتضحية بنظم التعليم الراسخة القديمة مثل إعلان مجانية التعليم مجانية مطلقة بصرف النظر عن مسألة الجودة والتميز كشرط من شروط مجانية التعليم للمتميزين، وقد تسبب هذا الإجراء فى تطلع جميع طبقات المجتمع المصرى، والإسراع فى حصول أبنائه على المؤهلات العلمية العليا لاحتلال المراكز الوظيفية المرموقة، ونبذ التدريب على المهن الفنية وغير الفنية المختلفة التى يحتاجها المجتمع المصرى لاستكمال بنيانه الاجتماعى والثقافى والحضاري، حتى يواكب المجتمعات الأخرى المماثلة ويتفوق عليها كما كانت عادته قبل ذلك ويحافظ قوة بنائه، وإذا نظرنا إلى اندفاع الغالبية العظمى من الشعب المصرى إلى تعليم أبنائها تعليما جامعيا سعيا للتميز للوصول بهم إلى المراكز المرموقة فى المجتمع فقط، وبالأخذ فى الاعتبار لعنصر ثقافة المجتمع المصرى فى تحدى الصعاب والرغبة فى التميز، دون الأخذ فى الاعتبار تفاعل عنصرى العرض والطلب على سوق المؤهلات الجامعية فى المدة الطويلة، فقد حدثت كارثة الوفرة فوق اللازمة فى طلب التعليم العالى أو المؤهلات العليا أو صكوك الحصول على مؤهلات عليا دون تمييز، فارتفع عدد الطلبة فى الجامعات بشكل لا يسمح لأى أسرة إلا أن تسعى لنفس الاتجاه فى طلب صك لابنها بصرف النظر عن تخصصه، وطلب السوق فى المدة القصيرة والمدة الطويلة لهذا التخصص، وفقدت الصكوك التى يحملونها أهميتها.ومن أسباب ذلك، أن الوفرة فى طلب صكوك التعلم الزائفة فى معظمها، "المؤهلات العليا"، أدت إلى إهمال الكيف والاهتمام بالكم فى تخريج حملة صكوك التعلم والتوظيف، فشاعت فوضى التعليم الحقيقى ولم يعد هناك إلا الاهتمام بالحصول على صك التعيين الذى أصبح بعد ذلك عبئاً على حامله لما يتطلبه من مظهر يجبره على سلوكيات هو أصلاً لا يملك توفير تكلفة مظاهرها، وتضع عليه قيداً أدبياً اجتماعياً مصرياً، فى التدريب على مهنة أقل قيمة فى نظر المجتمع المصرى، باعتبار أن قيمة الفرد تعتمد على قيمة ما يحمل من صكوك التعيين فى الوظائف الهامة، وهى مع الأسف ثقافة الدول المتخلفة، حيث إن ثقافة الدول المتقدمة تفصل بين الشهادات العلمية والمهن الحرفية، فقد نجد سباكاً يحمل مؤهلاً علمياً بارزا، أو نجاراً يحمل مؤهلا عالياً ولكنه لم يجد مجال عمله فى ما يحمله من مؤهلات.واستمر الحال على هذا المنوال حتى يومنا هذا، فمع الأسف، مازالت سياسة ترميم نظام التعليم تخضع لأفكار متعددة تفسد التعليم أكثر من أن ترممه، نتيجة التخلف الإدارى الذى يتمتع به الروتين الذى يتبعه المسئولون الإصلاحيون الذين يزيدون الطين بله، عندما يتولون قيادة قطاع التعليم، ويصرون على تطبيق نظرياتهم الفاشلة فى ترميم التعليم خوفاً من الفئات المستفيدة من التعليم المجانى، أو الصكوك المجانية عديمة القيمة الحقيقية.وبمرور أكثر من خمسين عاما على مصر فى حظها العافر بالنسبة للتعليم، ونتيجة عدم الاهتمام بالإصلاح الحقيقى للتعليم، كان النظام الاقتصادى يسير فى تلك الفترة، من ضعف إلى أضعف نتيجة عدم إضافة مهنيين جدد بدلاً من هؤلاء الذين يختفون إما بالموت أو بالهجرة إلى دول العالم التى يمكنها توفير حياة أكثر رفاهية وفقاً لخبراتهم، وأصبح السوق المصرى يتضمن جهلة مهن وحرف فنية بدلاً من خبرات عالية، كانت تضارع بل تتغلب على الخبرات الأوربية.وكان هذا أحد سلبيات الثورة المصرية التى قامت سنة 1952، إضافة إلى التأثير السلبى على الحضارة والقيم الديمقراطية والأخلاقية الروحية المصرية واستبدالها، ونجحت الثورة بامتياز فى أن تلهث جميع طبقات الشعب المصرى، خلف تخريج شبابها حاملا شهادات تعقيدية، تدفع هؤلاء الشباب إلى المطالبة بمواقع عمل تناسب تلك الشهادات نظرياً، ولكنها لا تصلح عملياً إلا لتعليقها على الحوائط فقط، مما ضاعف الاحتقان فى نفوس المجتمع، مع انتشار البطالة ووجود وظائف شاغرة لا تجد من له مهارة شغلها.ومن أسباب أزمة البطالة أنه بعد أن كان الاقتصاد المصرى يدار بنجاح عندما كان تعداد السكان 14 مليونا أو عشرين مليون نسمة، يقوم بالإنتاج منهم حوالى 50%، أى حوالى عشرة ملايين فرد، أصبح تعداد السكان حوالى 80 مليون نسمة، مع عدم وجود أيدى عاملة وصالحة للعمل والإنتاج وكافية لإنتاج مايكفى استهلاك 80 مليون نسمة، وبالتالى فقد ارتفعت تكلفة المجتمع والخدمات المطلوبة لمعيشته، واتسعت الفجوة بين المتاح والمطلوب لتنفيذ خطط تنمية حقيقية إصلاحية.وبكلمات أخرى، يتركز سبب البطالة الرئيسى قبل الأزمة المالية العالمية الحالية فى أن جميع الخريجين بلا استثناء لم يتدربوا على أى مهارات شخصية مهنية أو علمية ترتبط وتتناسب مع احتياجات سوق العمل ولا حتى تتناسب مع ما يحملونه من صكوك تعيين فى مصر. ولم يجن الشباب من حملة الشهادات العليا غير الحسرة على وقت الدراسة والعمل من أجل الحصول على تلك الشهادات، وقد أهملت الحكومات المصرية المتعدد المتتالية، التخطيط والتدريب العلمى والعملى السليم وفقا للاحتياجات الفعلية لسوق العمل فى مصر.فالثقافة المصرية ومجانية التعليم مع إفقار المجتمع تسببت فى دفع الغالبية العظمى من الأسر والعائلات على الإصرار على تعليم أبنائهم تعليما جامعيا، وترتب على هذا وفرة فى الخريجين.وبالرغم من أن الإنسان المصرى مشهود له بالذكاء الفطرى، مع الوفرة العددية المطردة فى التعداد السكاني، الذى يمثل ميزة نسبية للاقتصاد المصرى كعنصر أساسى من عناصر الإنتاج، مع توفر عناصر الإنتاج الأخرى من مواد أولية وثروات طبيعية، فإن الإنسان المصرى تحول إلى عيب نسبى يستهلك ولا ينتج، نتيجة عدم توفر الخطط المركزية اللازمة لاستغلال طاقاته كعنصر هام من عناصر الإنتاج له ميزة اقتصادية نسبية. أدى سوء التخطيط المركزى، وعدم تفرغ القيادة المصرية لتنمية الاقتصاد المصرى نتيجة كثرة الحروب والصراعات المصرية الإسرائيلية فى سبيل القضية الفلسطينية، والبحث عن زعامة مصرية لما سمى وهماً بالعالم العربى، إلى استنفاذ ثروات مصر وإفقار المجتمع المصرى لدرجة أن تحول الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد طارد للمهارات، والأخلاق والقيم، نتيجة الفقر المتزايد للمجتمع المصرى، فهاجرت الأيدى العاملة المدربة إلى بعض الدول العربية التى استفادت من مشاكل مصر وتحولت إلى دول غنية، وإلى دول أوروبية وأمريكا الشمالية، وحرمت مصر من مهارات وخبرات أبنائها، مما تسبب فى عدم وجود كوادر مدربة لتدريب متدربين جدد فى المهن المختلفة لتنمية الاقتصاد المصرى الذى تحول إلى اقتصاد ضعيف بالمقارنة لاقتصاديات دول مثل الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا.إذاً ما هى الحلول الممكنة، ببساطة شديدة جداً يجب أن نطبق نماذج ناجحة فى دول ناجحة أخرى، مثل النماذج المطبقة بالولايات المتحدة أو تلك الموجودة فى الصين، والتى تتناسب مع إمكانية تطبيقها بنجاح فى مصر، فيطبق نظام التدريب الشامل، والجودة الشاملة، حيث تنتشر مراكز التدريب فى جميع الجامعات، وفى مراكز التدريب المختلفة، لتدريب من يرغب على مهارات المهن المختلفة المطلوبة للمجتمع مثل النجارة والسباكة والحدادة والكمبيوتر.. إلخ، ويمنح المتدرب فى نهاية تدريبه شهادة بانتهاء تدريبه، تعطيه الحق فى ممارسة المهنة التى تدرب عليها، إما فى الوظائف المختلفة أو فى فتح أنشطة خاصة بالمتدربين يمكنه استخدامها، على أنه لا يسمح لأى مواطن بالقيام بأى عمل فنى أو مهنى لدى الغير، أو إنشاء نشاط اقتصادى فنى خاص به بدون الحصول على تلك الشهادة، ولا يجوز لأى شخص لا يحمل شهادة التدريب المذكورة بالعمل كمحترف فى أى مهنة، ومدة التدريب حوالى ستة أشهر وتختلف من مهنة إلى أخرى.وتقوم الجهات المعنية بتحديد المهن المطلوب متدربين لها وتوجه الشباب للمهن المطلوبة.ويتم تحديد مراكز التدريب والمهن الممكن التدريب عليها بتسهيلات تتفق مع أهمية كل مهنة واحتياج سوق العمل إليها، بالإضافة إلى وجود سجلات لدى الجهة المسئولة عن هذه العملية تبين الشركات والمؤسسات التى تطلب وتحتاج إلى مهارات خاصة وفقاً لخطط الإصلاح الاقتصادى، والمشروعات الاقتصادية المطلوب تشجيعها لتطوير الاقتصاد، وشركات المالطى ناشيونال Multinational التى تعمل أو تخطط أن تعمل فى مصر. ويؤخذ فى الحسبان نشاط الهيئة العامة للاستثمار حالياً لتشجيع رأس المال الأجنبى المباشر على الاستثمار فى مصر، لإيجاد فرص العمل اللازمة مثل ما يحدث فى دول شرق آسيا والهند والصين، مع العلم أنه وفقا لنظرية ريكاردو فإن مصر تتمتع بمجموعة من الميزات النسبية فى وفرة الخامات والثروات المعدنية والأيدى العاملة الرخيصة نسبياً، وتعتبر فرص الاستثمار فى مصر أعلى من تلك الفرص المتوافرة فى الصين ودول شرق آسيا، حيث تتوفر العوامل المشجعة على جذب رأس المال الأجنبى المباشر، وأهمها أن العائد على الاستثمار فى مصر أكبر منه فى أى دولة أخرى نظراً للعوامل الآتية: 1- توفر الأراضى المطلوبة للمشروعات الصناعية والخدمية المختلفة بتكاليف رمزية نسبياً تجعلها فى مقدمة الدول الواجب الاستثمار فيها.2- توفر الأيدى العاملة الرخيصة التى تقل تكلفتها عن الأيدى العاملة فى الصين والهند ودول شرق آسيا حالياً.3- موقع مصر الجغرافى فى القلب من القارات الثلاث، أفريقيا وأوروبا وآسيا، علماً بأن السوق المصرى نتيجة الكثافة السكانية، والأسواق الأوروبية تعتبر الهدف الرئيسى للشركات وتلك التى ترغب فى الاستثمار، وهذا العنصر يمثل ميزة نسبية لمصر، نتيجة لانخفاض تكلفة النقل من مصر عنه فى دول شرق آسيا، وقرب المسافة بين مصر والدول الأوروبية، حيث تصل الشحنات بين مصر وأوروبا فى فترات تتراوح بين 48 ساعة وأربعة أيام، عن طريق البحر وأربعة ساعات على الأكثر عن طريق الجو.4- توفر التمويل المساعد من البنوك وشركات التمويل المصرية مع انخفاض تكلفته بشرط توفر المشروعات الجادة التى تشجع بيوت التمويل المصرية على تمويلها.5- كما قدمت الهيئة العامة للاستثمار تسهيلات أخرى للمستثمرين تتمثل فى إمكان قيامها بخلق فرص وتشجيع رأس المال المصرى الراغب فى الاستثمار الخارجى فى دول أخرى خارج مصر، فى إيجاد الطرف الآخر فى تلك الدول والمشروعات الممكن الاستثمار فيها.6- وأيضاً وجود المشروعات المصرية المناسبة للاستثمار فيها وإيجاد الشريك الأجنبى المناسب للمساهمة فى تلك المشروعات.كل هذه العوامل تشجع على إعادة، تطوير الاقتصاد المصرى بحيث يتعافى، وتعود مصر العزيزة إلى احتلال موقعها الريادى الاقتصادى فى المنطقة والذى فقدته، نتيجة بعدها عدة عقود عن الاهتمام بشئونها الداخلية ومتابعة مصالح الفرد المصرى والشعب المصرى ككل

مقترحات للقضاء علي البطالة:

1- تأهيل الباحثين عن العمل في مختلف المجالات مثل النجارة والحدادة وصيد الأسماك وغيرها من المشاريع الوطنية الهامة للمجتمع حتى يتم قبولهم في المؤسسات الخاصة أو العامة أما بالنسبة للفتيات فيتم تدريبهن في جمعيات خاصة بالمرأة حتى يتم تكوين الأسرة المنتجة .

2 - على الدولة أن تبحث عن سوق محلي وعالمي لدعم وتسويق المشاريع التي ينتجها الشباب والأسر المنتجة .

يمكن القول بأن البطالة تمثل أخطر مشكلة تواجه الاقتصاد المصرى وتهدد استقرار الاجتماعى والسياسى. وقد ارتفعت معدلات البطالة الى ما يجاوز 10% - وتذهب تقديرات اخرى لمعدلات أعلى من ذلك - وهى مستمرة منذ مايقرب من عقد ولايبدو أنها تتجه الى التناقص. ولاتقتصر البطالة على فئة دون أخرى، ومع ذلك فهى تصيب الشباب وخاصة خريجى المعاهد والجامعات بشكل واضح. وتذهب المؤسسات الدولية وكذا معظم الاقتصاديين الى أن العلاج الحاسم لقضية البطالة هو زيادة معدل نمو الاقتصاد القومى. فعلاج البطالة لا يكون بخلق وظائف حكومية غير منتجه يضيف الى اعداد البطالة المقنعة، وانما يتطلب زيادة الطاقة الانتاجية للاقتصاد الوطنى مع الزيادة فى معدلات الاستثمار وبالتالى فى معدلات النمو. ولا يتوقف الامر على ضعف معدلات استيعاب اليد المعاملة نتيجة لضعف معدلات النمو الاقتصادى، بل أنه مع استمرار الزيادة السكانيه، يضاف كل عام افواج من الشباب الباحثين فى العمل، ولذلك فان لمشكلة البطالة جانبا سكانيا يحتاج الى سياسة سكانية أكثر فاعلية الى جانب العمل على زيادة معدلات النمو والاستثمار وتقدر المؤسسات الدولية حاجة الاقتصاد المصرى الى النمو بمعدلات تتراوح بين 7 - 8% سنويا ولمدة عقود حتى يمكن استيعاب هذه الزيادات المستمرة فى عرض العمل. كذلك فان معدلات الادخار المحلى بالنسبة للناتج الاجمالى والاستثمار المحلى تتراوح بين 17 - 18 % فى حين ان هذه المعدلات لاتقل فى معظم دول جنوب شرق آسيا عن 25% وترتفع احيانا لتجاوز 30%.

ان قضية البطالة هى جوهر قضية التنمية، وأنه ليس هناك علاجا جزئيا لعلاج مشكلة البطالة بعيدا عن المعالجة لقضية التنمية برمتها، وبما يؤدى الى زيادة معدلات الاستثمار لاستيعاب اليد العاملة فى أعمال منتجه.

وفى ضوء التحول الى اقتصاد السوق، فنيغبى التنوية بما تقوم به الحكومة الحالية من اصلاحات من شأنها تحسين مناخ الاستثمار وبالتالى تشجيع القطاع الخاص المحلى والاجنبى على زيادة استثمارية. ويرحب الحزب بما قامت به الحكومة من اعادة النظر فى قوانين الضرائب وتخفيض معدلاتها، وتخفيض التعريفة الجمركية وترشيد تبويبها وتخفيض أو الغاء العديد من رسوم التسجيل فى الشهر العقارى. أو رسوم الدمغة. وكل هذه الاجراءات جيدة وينبغى التنويه بها. ومع ذلك فان الحديث عن توفير "مناخ الاستثمار" المناسب يجاوز ذلك ويتطلب اصلاحات أكثر راديكالية وجرأة. فنقطة البدء فى الاصلاح هو توفير دولة القانون، بما يترتب على ذلك من احترام كامل الحقوق والتحديات، ووضوح المراكز القانونية، والاطمئنان الى الاستقرار القانونى وخوضع الجميع للقانون العادى للمنازعات واستبعاد القوانين الاستثنائية وحالة الطوارئ. ولا يخفى أن مجرد استمرار حالة الطوارئ يقدم قرينه للمستثمر على أن الاوضاع السياسية والاجتماعية غير مستقرة، وأن القوانين العادية لاتكفى لضمان هذا الاستقرار علما بان الاستقرار هو أول وأهم مايسعى اليه المستثمر. فالدولة بتمسكها بالقوانين الاستثنائية انما تجهض - بفعلها - شعور الاطمئنان باستقرار الاوضاع لدى المستثمرين. ويرتبط بالاستقرار القانونى - كما سبق أن اشرنا - استقلال القضاء ونزاهته وسرعة الفصل فى المنازعات والقدرة على تنفيذ الاحكام بسهولة ويسر.

والى جانب الاستقرار والقدرة على التنبؤ والتوقع المعقول للتغيير فى الاوضاع القانونية، فان المستثمر يسعى الى تقليل تكلفة المعاملات بقدر الامكان. وكان الاعتقاد السائد أنه يكفى ان تكون اليد العاملة رخيصة والضرائب قليلة أو معفى منها حتى تتدفق رؤوس الأموال وتزيد الاستثمارات. وقد اوضحت التجربة أن هذه المزايا قد لاتكون كافية أو قد يلغى آثرها امور اخرى. فانخفاض الاجور غير مؤثر اذ أن العبرة هى بالانتاجية. فقد تكون الاجور متدنية، ولكن الانتاجية هزيله أو منعدمة، وعلى العكس فارتفاع الاجور قد يلغيه ارتفاع أكبر فى الانتاجية، وقد ترجع الانتاجية الى مستوى التدريب واخلاقيات العمل والوقاية وتقاليد التنظيم. ولكنها تتأثر قطعا بالمناخ العام للروتين الحكومى ومدى توافر الخدمات المكملة وغير ذلك. كذلك فان انخفاض معدلات الضرائب، أو حتى الاعفاء منها قد لا يكون كافيا لاغراء المستثمرين اذا كانت تكاليف المعاملات الاخرى تفوق المزايا الضريبية الممنوحة. ولذلك فقد عمدت المؤسسات الدولية - مثل البنك الدولى وغيره - إلى وضع مؤشرات لتكلفة المعاملات التى يتعرض لها للمستثمر لبدء مشروعه وممارسة نشاطه الانتاجى. من ذلك مثلا ما يتحمله المستثمر من وقت وجهد ومال لتأسيس شركته واستكمال الاجراءات القانونية لقيامها وبدئها النشاط، وما يتطلبه الامر من اجراءات لنقل الملكية وتسجيل العقود، وتعيين الموظفين أو ما يترتب عليه من اعباء عن انهاء عملهم، وماهى التسهيلات الائتمانية التى يمكن الحصول عليها من البنوك، وسرعة الحصول عليها، أو انهاء الشركة وتصفيتها أو تحويل الارباح، أو حصيلة التصفية. فالمشروع - أى مشروع - فى تعامل يومى مع الموردين وهو يستخدم الخدمات العامة من طرق ووسائل اتصال وبريد ويتعامل مع عشرات المصالح الحكومية للحصول على التراخيص والموافقات، فهو يتعامل مع الجمارك، ومصلحة الضرائب ومكاتب العمل وربما وزارات الصناعة أو الصحة، والقائمة طويلة. وهذه الاجراءات والعمليات تمثل تكلفة المعاملات بالنسبة لكل مشروع. فالمشروع يمكن ان يسيطر على مايتم داخله، فهو يختار افضل الآلات المناسبة، وهو المسئول عن تصميم المصنع، وهو يضع النظم الداخلية للحسابات وهو يختار الموظفين والعمال، وهو يضع نظم الرقابة على الجودة، وهو يقوم بالتسويق.. الخ. ولكن المشروع مضطر في النهاية الى التعامل مع البيئة المحيطة به من حكومة، وموردين، واستخدام مرافق عامة. وفى هذا المجال الخارجي يمكن أن ترتفع أو تتدنى تكلفة المعاملات.

وتصدر المؤسسات الدولية - البنك الدولي - مؤشرات متعددة عن مختلف جوانب تكلفة المعاملات فيما يسمى بتكلفة القيام أو ممارسة النشاط.

ويتضح من هذه المؤشرات أن تكلفة المعاملات للمستثمر فى مصر تجاوز بكثير الوضع المقابل ليس فقط فى الدول الصناعية المتقدمة بل أنها تأتى ايضا فى وضع متآخر بالنسبة لعدد غير قليل من الدول العربية الأخرى، ولذلك فان الحزب يرى أما يكون من المناسب العمل على الاقتراب من المعدلات الدولية فى هذه الموشرات خلال فترة محددة مثل ثلاث سنوات. وأهمية هذا الاقتراح هو أننا لا نتحدث بعبارات عامة غير محددة عن "تحسين مناخ الاستثمار"، وانما عن عدد محدد معروف لعدد من المؤشرات المنشورة عن تكاليف المعاملات التى يتحملها المستثمر فى مصر، وبذلك يمكن المساءلة عن مدى ما يمكن أن يتحقق فى هذا المجال.

واذا كانت تكلفة المعاملات تتطلب اعادة النظر فى العديد من الاجراءات المتبعة فى المصالح الحكومية وغيرها، فان هناك عنصرا أخرا لا يؤدى فقط الى ارتفاع تكاليف المعاملات وانما الى بزوغ خطر آخر يهدد الاستثمار وهو "عدم اليقين". فالمستثمر - أى مستثمر - يستطيع أن يتعامل مع أى عنصر من عناصر التكلفة بشكل أو بآخر، ولكنه لا يستطيع ابدا التعامل مع "عدم اليقين". فاذا كانت قواعد اللعبة تتعدل من وقت لآخر، فانه يفقد القدرة على التخطيط، واذا كانت التكلفة يمكن أن ترتفع 1% أو 1000% فهذا أمر لا يمكن مواجهته. واذا كان الشخص المسئول القادر على الانجاز يكن أن يتغير من لحظة لأخرى، فهذا لا يمكن التعامل معه. ولكل ذلك اعتبر الفساد هو أخطر مايهدد فرص الاستثمار. فالفساد لا يؤدى فقط الى ارتفاع التكلفة بما يتم يتقديمه للمسئولين، ولكن خطورة الفساد تأتى من أنه ينشئ جوا من عدم اليقين، وعدم تكافؤ الفرص. فالتعامل فى الظلام، يحول دون القدرة على الحساب الاقتصاد السليم. ولذلك فان الكثير من الشركات الكبيرة والناجحه تعبد عن مواطن الفساد، حيث لا ينجح فى هذه الأجواء الا كيانات غير جادة لا تبحث عن فرص للانتاج بقدر ما تبحث عن فرص للاستغلال والربح السريع. ومن هنا فقد كان الفساد هو العدو الاكبر للاستثمار المنتج.

وتصدر هيئة الشفافية الدولية - ومقرها برلين - مؤشرات عن الأنطباع عن الفساد" فى مختلف الدول. وأهمية هذا المؤشر هو انه يشير الى مايقر فى الاذهان عن الفساد فى دولة من الدول بعد اجراء استقصاء، وزيارات ميدانية. وبصرف النظر عن مدى دقه هذا المؤشر الذى ينشر سنويا فانه له مصداقيه معقولة. وللأسف فان مكان مصر فى هذا الموشر متأخر بالنسبة لمعظم الدول، بل أن مصر تقع فى مركز متأخر عن العديد من الدول العربية. ولاشك ان تحسين صورة الفساد فى مصر من شأنها تحسين مناخ الاستثمار بدرجة كبيرة.

واذا كان تحسين مناخ الاستثمار باستعادة مفهوم دولة القانون والعمل على تحسين وتخفيض تكلفه المعاملات ومحاربه الفساد وبجديه لما يساعد على تشجيع الاستثمارات، فلاشك ان زيادة تدفق المعلومات والبيانات المالية السليمه وعلى نحو منتظم لأمر بالغ الأهمية بالنسبة للاستثمار. فالمستثمر هو - فى نهاية مخطط يحسب العوائد والتكاليف المتوقعة ويقدر الفرص المتاحة وكيفية الاستفاده منها. ولا يمكن ان يتم اى حساب اقتصادى مالم تتوافر هذه المعلومات والبيانات. وهكذا فالشفافية أمر لازم لكفاءة اقتصاد السوق وتشجيع الاستثمار بقدر ما هى ضرورة للمساءلة السياسية والديمقراطية وينبغى الاشادة هنا بالاتجاه المتزايد نحو الاخذ بالمعايير الدولية فى نشر البيانات المالية للحكومة.

وفى كل هذا يمكن ان تقوم الدولة باصلاحات تؤدى الى تشجيع الاستثمار الخاص وبالتالى زيادة فرص العمالة. وقد اعلنت الحكومة عن برنامج لتوظيف لمزيد من العمالة فى الادارات الحكومية وخصصت له موازنه خاصة لتقديم وظائف بمرتب 150 جنيها للعامل. ونعتقد أن هذا الاجراء غير موفق لمحاربة البطالة. فالعدد المطلوب توظيفه قليل نسبيا بالمقارنة باعداد طالبى الوظائف، حتى ان الاعلانات الأولى لهذه الوظائف تلقت ملايين الطلبات. والمرتبات المقترحة لاتكاد تكفى للعيش وغالبا لن تؤدى الا اذا الى تز ايد التضخم الوظيفى فى اعمال غير منتجة قد تودى الى مزيد من التعقيدات الادارية وربما ارتفاع تكاليف المعاملات اذا لم تدع الى مزيد من الرشاوى الصغيرة بالنظر الى الانخفاض الشديد فى المرتبات المقترحة. ولعله كان من الافضل مادامت الدولة قد خصصت - فى موازنتها- هذه المبالغ للمساهمة فى علاج مشكلة البطالة، ان تضع هذه الاموال تحت تصرف القطاع الخاص للافادة منها. فمن الممكن مثلا ان تساهم الحكومة بنسبة مرتفعه 70 - 80% من المرتبات التى تدفع للمعينيين الجدد فى المشروعات لمدة سنة أو اثنين، مع اعفاء الشركات من دفع التأمينات الاجتماعية لهذه الفترة. فمثل هذه الحوافز قد تدفع القطاع الخاص الى مزيد من التعينات.وفى نهاية فترة الاعانة يكون الشاب قد اثبت مهارته وبالتالى احتمال الاحتفاظ به فى الشركة أو على الاقل فانه يكون قد اكتسب نوعا من الخبرة المهنية قد تساعده على الحصول على عمل فى مجال آخر مرتبط.

وهكذا، فانه يبدو لنا أن قضية البطالة ليست منفصله عن مشكلة التنمية الاقتصادية وان مواجهتها لا يمكن أن تتم باجراءات جزئية أو متفرقه وانما تتطلب مواجهة عامة وجادة لجهود التنمية.

على أن البطالة تثير فى نفس مشكلة أعمق وطويله الأمد وتتطلب جهدا موازا ومستمرا، وهو المشكلة السكانية. فاذا كانت مصر تعانى من ارتفاع فى معدلات البطالة بالنظر الى قصور جهود التنمية وانخفاض معدل الاستثمار بها، فلا ينبغى أن نتجاهل أن الزيادة السكانية - وان كانت قد بدأت تثمر بعض الانجازات - تتطلب مواجهة جادة على المستوى الاقتصادى والتعليمى والثقافى. فقضية الزيادة السكانية عميقه الجذور لها أبعاد ثقافية ودينيه الى جانب العناصر الاقتصادية. ولاشك ان برامج الحزب المكمله فى الصحة والسكان سوف تتعرض بشكل أكبر لهذه القضية.

أزمة الطاقة:

 مشكلة الطاقة في مصر مشكلة رئيسية لا تقتصر على الاقتصاد فحسب بل يمتد أثرها على كافة نواحي الحياة. فالطاقة هي محرك الحياة الحديثة. وأزمة الطاقة لا تقتصر على مصر بل أنها أزمة عالمية، ولكنها تأخذ في مصر أبعاداً أكثر خطورة مما يتطلب اعتماد سياسة استراتيجية للطاقة تحت إشراف هيئة أو وزارة يتسع مجالها لجميع مختلف صور الطاقة القائمة – النفط والغاز والكهرباء – والمتوقعة الطاقة النووية والطاقة الأيدرورجينية والطاقة الشمسية والرياح وغير ذلك، وأن يتوافر لها نوع من المتابعة للتطورات العليمة والصناعية في العالم في هذا المجال.

وقضية الطاقة بهذا الشكل ليست مسألة جانبية أو حتى قطاعية. فالأمر ليس مجرد مسألة فنية بزيادة الاستثمار أو الإنتاج في قطاع معين بقدر ما ينطوي على التصرف في مورد ناضب في ظل أزمة عالمية للطاقة من ناحية، ومن دولة لا تتمتع إلا بموارد محدودة من مصادر الطاقة البديلة من ناحية أخرى.

هناك على الأقل حقيقتان لا نعتقد أنه يسود حولهما أي خلاف كبير. أما الحقيقة الأولى فهي أن العالم يواجه – في مجموعه – أزمة خانقة للطاقة، وفي خلال فترة تتراوح بين عقدين أو ثلاثة سيبدأ العد التنازلي لإنتاج النفط والغاز في العالم. أم الحقيقة الثانية، فهي أن مصر – من بين مختلف دول العالم – لا تتمتع بأية موارد من الطاقة التقليدية مثل الفحم أو الكهرباء (مساقط المياه) ويكاد يكون مصدرها الوحيد للطاقة هو النفط والغاز، وكلاهما محدود الكمية. ولنتناول هذين الأمرين ببعض التفصيل.

ليس هناك من شك في أن تاريخ تقدم البشرية هو إلى حد بعيد تاريخ نجاح الإنسان في اكتشاف والسيطرة على مصادر الطاقة الطبيعية. فرغم أن الإنسان في شكله المعاصر Homo Sapiens قد عاش على الأرض لما يتراوح بين نصف المليون والمليون سنة، إلا أن تاريخ الحضارة لا يتجاوز عشرة آلاف سنة – ربما أقل – وذلك عند اكتشاف الزراعة. وكانت هذه الثروة التكنولوجية الأولى، راجعة إلى نجاح الإنسان في ترويض والسيطرة على قوى الحيوان وتسخيره لأغراضه في الزراعة في مجال الجر والنقل والحرث وغيرها من الأعمال الزراعية. وبعد ترويض الحيوان، أمكن للإنسان السيطرة على قوى الرياح والمياه فظهرت طواحين الهواء والماء وتم ركوب الأنهار والبحار.

ومنذ ما يقرب من ثلاثمائة عام، انتقلت البشرية إلى مرحلة جديدة من التقدم مع اكتشاف البخار واختراع الآلة البخارية، فكانت الثورة الصناعية. ولم يكن ذلك ممكناً دون تسخير مصادر جديدة للطاقة وخاصة من الفحم. ولم يكن غريباً أن تكون إنجلترا هي مهد الثورة الصناعية، فالجزر البريطانية، هي في نهاية الأمر، صخرة من الفحم. وبعدها جاء التوسع الصناعي في فرنسا ثمّ ألمانيا والولايات المتحدة وكلها دول غنية بمناجم الفحم. ومع اكتشاف الكهرباء وتعدد مساقط المياه في أوروبا وأمريكا، أضيفت طاقة جديدة إلى المصادر التقليدية (الفحم).

ومنذ بداية القرن العشرين، ظهر مصدر جديد للطاقة (النفط) وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. ومع الحرب العالمية الأولى وخاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت منطقة الشرق الأوسط أهم منطقة للمخزون من هذه الطاقة الجديدة للنفط. ومن عجب أن مصر كانت من أوائل الدول في الشرق الأوسط التي اكتشف فيها النفط (1908) قبل أن تتجه الأنظار إلى المناطق الأخرى الأكثر وفرة في حقول النفط في إيران والعراق ثمّ السعودية ودول الخليج.

ومع اكتشاف النفط وخاصة من دول الشرق الأوسط توافر للعالم مصدر جديد نظيف ورخيص للطاقة مما ساعد على الطفرة الاقتصادية التي عرفها العالم الصناعي الغربي وخاصة خلال ما عرف بربع القرن المجيد (1945-1970). فقد عرف النفط ثباتاً في الأسعار خلال ما يزيد على ستين عاماً مما مكّن أوروبا وأمريكا من تحقيق نمو اقتصادي مذهل خلال هذه الفترة نتيجة لهذه الطاقة الرخيصة. فقد كان ثمن برميل النفط في الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين (1910) حوالي 1،2 دولار، ولم يتجاوز سعره في عام 1970 أكثر من 1،7 دولار (الأحمدي – الكويت).

ولكن مشكلة النفط – ومعها الغاز الطبيعي – هي أنها مصادر نافدة وغير متجددة، وبالتالي فإن لها آجال – ومهما طالت – فهي محدودة. وقد بدأت بوادر هذه الحدود تظهر بالفعل، وأصبح العالم يتحدث عن أزمة الطاقة، وأن "نهاية النفط" وإن لم تكن غداً فهي ليست بعيدة، ومن ثمّ بدأت الدول الاستعداد لحقبة ما بعد النفط. وتتعدد تقديرات الخبراء ومراكز البحوث، ولكن النتيجة النهائية واحدة، والخلاف هو حول المدى الزمني لانتهاء حقبة النفط. وهناك على الأقل اتفاق بين الجميع حول أمرين. الأمر الأول هو التزايد الكبير المتوقع في حجم الاستهلاك من الطاقة وخاصة من النفط، والأمر الثاني هو أن الزيادة في حجم إنتاج النفط سوف تصل إلى مداها الأقصى خلال فترة قصيرة يبدأ بعدها الإنتاج في الانخفاض وتزداد حدة أزمة الطاقة.

فمن المتوقع أن يزيد استهلاك العالم من الطاقة في عام 2035 إلى ما يقرب من ضعفي المستوى الحالي ويرتفع بذلك استهلاك النفط من حوالي 84 برميل يومياً حالياً إلى أكثر من 140 مليون برميل في نفس الوقت الذي يزيد فيه استهلاك الغاز الطبيعي بأكثر من 120% والفحم بأكثر من 60%. ومن المتوقع أن تأتي الزيادة الكبرى في الاستهلاك من الدول النامية وخاصة من الصين والهند. ومن المتوقع أن يصل استهلاك العالم الثالث إلى حوالي نصف الإنتاج العالمي خلال عقدين من الزمان.

وبالنسبة للوصول إلى الحد الأقصى لإنتاج النفط فتختلف التقديرات. فتذهب أكثر التقديرات تفاؤلاً (الحكومة الأمريكية) إلى أن هذا الحد لن يتحقق قبل 2035 وبعدها يبدأ الإنتاج العالمي في التناقص. وتذهب تقديرات أخرى إلى أن هذا الحد يمكن أن يحدث في 2015 وربما 2025 في أحسن الأحوال.

وقد لجأت معظم دول العالم إلى وضع استراتيجيات لمستقبل الطاقة واستخداماتها. ونجحت معظم الدول الصناعية في تحقيق إنجازات ملموسة في ترشيد استخدام الطاقة بعد أزمة الطاقة في منتصف السبعينات من القرن الماضي. وقد حققت بعض هذه الدول وفراً في كفاءة استخدام النفط والغاز يعادل ما يقرب 30%. ويتزايد الحديث في الولايات المتحدة الأمريكية حول تطوير مصادر جديدة للطاقة وخاصة الطاقة الهيدروجينية فضلاً عما تملكه من قدرات نووية ومع استمرار البحث في تطوير الطاقات المتجددة من الرياح أو الطاقة الشمسية. وفي نفس الوقت فإن الدبلوماسية الأمريكية – مدعومة بقدرات عسكرية عالية – تعمل على تأمين مصادرها من النفط والغاز خارج الحدود وترشيد استخدامها لمصادرها المحلية. فالسياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تكاد تنحصر في تأمين مصادر النفط والغاز خارج حدودها. وبالمثل فاهتمام الولايات المتحدة بدول آسيا الوسطى (جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً) يدخل في هذا المضمار. فاستراتيجيات تأمين الطاقة في المستقبل هي الشغل الشاغل للجميع.

فماذا عن وضعنا في مصر؟

مصر – بصفة عامة – دولة فقيرة في مصادر الطاقة. فهي لا تتمتع بمناجم هائلة للفحم كما هو الحال في الصين مثلاً، كما لا تعرف مساقط متعددة للمياه – بالتالي الكهرباء – كما في حالة الهند. وإذا أضفنا أن هذين البلدين قد طورا قدرات نووية إلى جانب مواردها من مصادر الطاقة التقليدية، فإننا نجد أن مصر أقل منهما استعداداً للمستقبل. حقاً، تتمتع مصر ببعض الموارد من النفط وبنصيب أفضل من الغاز الطبيعي. ولكن هذه الموارد ما تزال محدودة ولا تقارن بما تتمتع به معظم دول الخليج أو ليبيا أو الجزائر أو نيجيريا مثلاً. أما النفط فهو يكفي بالكاد – ربما بزيادة طفيفة – للوفاء بالاحتياطيات المحلية. فما تصدره مصر من نفط – وبعد دفع حصة الشريك الأجنبي – فإنه يستخدم تقريباً للوفاء بدفع فاتورة الواردات من المنتجات النفطية. وإذا كان حظنا من موارد الغاز الطبيعي أفضل من أوضاع النفط، فإن ما نملكه ما زال محدوداً في دولة يزيد تعددها على 73 مليون نسمة وتتكاثر بسرعة. وإذا أضفنا إلى ذلك إلى أننا لا نملك قدرات نووية محلية وأن ما تحقق في مجال مصادر الطاقة المتجددة – من رياح أو طاقة شمسية – بالغ الضآلة. ولذلك فإن مستقبل مصر – في اللحظة الحالية - في الطاقة يستند إلى ما نملكه من غاز طبيعي وهو حق الأجيال القادمة. ولعله من المفيد الإشارة هنا إلى أن الطاقة الهيدروجينية التي يكثر الحديث عنها باعتبارها مصدر الطاقة في المستقبل، فإنها تعتمد لاستخراجها على الغاز الطبيعي باعتباره أنظف وأرخص وسيلة لذلك. فالغاز الطبيعي في مصر ليس فقط بديلاً فقط عن النفط بل أنه يمكن أن يمكن أساساً للطاقة الجديدة من الهيدروجين. وبطبيعة الأحوال فإن المستقبل يمكن أن يكون أكثر تفاؤلاً لمنطقتنا فيما لو أمكن توفير الطاقة الشمسية بأسعار اقتصادية. وهو أمر ربما يحتاج إلى جهد عربي مشترك باعتباره تحدياً لمستقبل المنطقة العربية في مجموعها. ولذلك فإنه يبدو لنا أنه في المرحلة الحالية فإن مواردنا من الغاز الطبيعي يمكن أن تمثّل الاحتياطي الاستراتيجي الوحيد المتاح لنا لحقبة ما بعد النفط، وهي بالنسبة لمصر ليست بالأمر البعيد. وربما يكون مفيداً أن نتذكر أن تجربة محمد علي الصناعية قد فشلت جزئياً في القرن التاسع عشر بسبب نقص موارد الطاقة في مصر في ذلك الحين. فقد كثر الحديث على رد هذا الفشل إلى المنافسة من السلع الأجنبية بعد أن فرضت عليها معاهدة 1840. ولكن لا ينبغي أن ننسى أن الصناعة المصرية قد واجهت في ذلك الوقت مشاكل فنية أهمها نقص مصادر الطاقة المحلية. وقد حاول محمد علي علاج المشكلة آنذاك بالاعتماد على الطاقة الحيوانية من بغال وحمير ولكن دون جدوى. وهكذا أجهض – جزئياً – مشروع النهضة الصناعية الأول مع محمد علي بسبب قصور مصادر الطاقة في مصر آنذاك.

بقي أن نشير إلى أن مزيداً من الاعتماد على النفط والغاز ليس فقط مخاطره بمستقبل الأجيال القادمة، ولكنه أيضاً مزيد من الوقوع في براثن الاقتصاد الريعي الذي يعطي انطباعاً كاذباً بالنجاح الاقتصادي في حين أننا لا نفعل أكثر من التصرف في الموارد الطبيعية الموروثة، كما يفعل الوارث النزق عندما يبيع ميراثه للإنفاق على ملذاته الآنية.

ومن حسن الحظ أن الحكومة قد قررت أخيراً تشكيل مجلس للطاقة، ومن المطلوب بأن يصدر عن المجلس أو غيره سياسة معلنة عن إستراتيجية متكاملة للطاقة بما في ذلك استخدامات المتاح لدينا من نفط وغاز وحدود التصدير المناسب، وسياسة لمستقبل الطاقة النووية مع الدعوة إلى القيام بمجهود جماعي عربي من أجل تطوير الطاقة الشمسية.

ومن حسن الحظ أن الحكومة الحالية أعلنت توجهها إلى الدخول في ميدان الطاقة النووية، ونعتقد أن هذا التوجه – في جوهره – سليم ويستحق أن تتخذ كافة الاستعدادات للتعايش مع مثل هذه المرحلة الجديدة، سواء بإعادة إحياء البرامج البحثية، أو تشجيع البحث العلمي وتكوين الكوادر الفنية المناسبة، أو عقد الاتفاقات الإستراتيجية مع دول سبقتنا في هذا المضمار. وإذا كان الحرص على التوافق مع اعتبارات الاستخدام السلمي للطاقة النووية مطلوباً، فلا يقل أهمية أن يكون دخول مصر في هذا الميدان مستنداً إلى معرفة وسيطرة وطنية على تكنولوجيا الطاقة النووية ومتطلباتها الصناعية على ما سنشير إليه في صدد السياسات.

تشجيع الصادرات: أخطر ما يعانى منه الاقتصاد المصري على المدى البعيد، الى جانب تفاقم مشكلة البطالة، هو نقص معدل المدخرات المحلية وضعف الميزان التجاري وخاصة ضآله الصادرات المصرية بالمقارنة باحتياجات الاقتصاد الى الاستيراد.

أما نقص معدل الادخار المحلى فانه يرجع بالدرجة الأولى الى الانخفاض النسبي فى مستويات الدخول وتواضع معدلات النمو الاقتصادي. ولذلك فان مواجهة مشكلة انخفاض الادخار المحلى هى جزء من جهود التنمية الاقتصادية والشاملة، والنجاح فيها سوف يحل، بالضرورة، مشكلة نقص المدخرات المحلية. وتظل مشكلة الصادرات وضعفها قضية حيوية تستحق اهتماما خاصا. بالإضافة الى ان اتخاذ إستراتيجية لتنمية الصادرات وخاصة وأن الصادرات الصناعية يمكن ان يكون مدخلا للتنمية الاقتصادية.

وكانت مصر قد عرفت مرحلة الازدهار الاقتصادي منذ منتصف القرن التاسع عشر حيث كان نمو الصادرات الزراعية - وخاصة القطن - هو القاطرة التى دفعت بالاقتصاد من ناحية، وان أدى ايضا الى تبعية الوطن للخارج وسقوطه فى قبضه الاستعمار من ناحية أخرى. وكان القطن المصرى قد أصبح بعد قيام الحرب الأهلية الأمريكية المورد الرئيسى لصناعة النسيج فى انجلترا كما فتح الباب لثروات كبيرة فى الداخل مع تدفق الاموال على مصر مما جذب اعدادا غير قليلة من المغامرين الاجانب الذين أوقعوا الحكومة المصرية آنذاك فى مشروعات عديدة - اكثرها وهمى. وكان أن عرفت مصر آنذاك نهضة ثانية مع الخديوى اسماعيل بعد نهضة محمد على وان شابها الكثير من البذخ والتبذير، وبوجه خاص الوقوع فى فخ المغامرين والنصابين الدوليين مما أدى الى زيادة مديونية الحكومة. وجاء افتتاح قناة السويس منبئا عن ظهور أهم ممر مائى يربط مستعمرات الامبراطورية البريطانية بالدولة الأم، وبذلك أصبحت مصر حلقة رئيسية فى شبكه المعاملات الدولية، وقد أدى هذا الاندماج المبكر فى دوره الاقتصاد العالمى وقبل أن يكتمل نضجها الداخلى، أن عرفت مصر مفارقة هامة تمثلت فى جهود للتحديث والعصرنه للعديد من مؤسساتها من ناحية، مع الوقوع فى شرك التبعية الاستعمارية من ناحية أخرى. وفى هذه المفارقة كانت الغلبه لعناصر التبعية والاستعمار، فخضعت مصر للاحتلال لتصبح محميه بريطانية خلال الحر ب العالمية الاولى ثم حصلت على استقلال منقوص فى 1922 وان تحسنت شروطه نسبيا فى 1936 مع استمرار الاحتلال العسكرى حتى منتصف القرن العشرين. واذا كان ازدهار الصادرات المصرية قد زاد الاطماع الخارجية فيها، فقد استدعى ايضا - وقبل الاحتلال البريطانى - عملية تحديث فى المؤسسات والنظم القانونية والاقتصادية. فبدأ وضع القوانين المدنية بدءا بالقانون المدنى المختلط ثم القانون المدنى الأهلي مع المحاكم المختلطة ثم المحاكم المدنية، وتأكد معنى الملكية الفردية وتوسعت ملكيات الأفراد العقارية فى الاراضى على حياء مع سعيد باشا ثم بشكل واسع مع بيع اراضى الدائرة السنية. وبدأت تجربة المجالس التشريعية فانشئ اول مجلس فى الستينيات من القرن التاسع عشر وقبل ان يعرف المانيا أو ايطاليا أن تجربة برلمانية، واعيد تخطيط القاهرة وانتعشت الاسكندرية واقيمت مدن القناة، وظهرت البورصة (بورصة العقود) ومعها أول تجربة للبيوع الآجلة، واقيمت الاوبرا، وبدأت الدعوة "لمصر قطعة من أوروبا".

وفى خضم هذه الحيوية الناشئة والمصالح المتضاربة ومع ضعف التمثيل الشعبى، استغلت انجلترا الازمة المالية للحكومة المصرية وتخلفها عن سداد ديونها للاجانب، ومع وقوع احداث فردية فى مدينة الاسكندرية، تدخلت القوات البريطانية واحتلت مصر لأكثر من سبعين سنه لاحقه. وهكذا بدأت اعادة ترتيب البلاد وتركيز عمليات التحديث فيما يخدم الدور المصرى كدولة مصدرة للقطن وممر مائى اساسى للتجارة العالمية. فنظمت التجارة الخارجية وضبطت احصاءاتها ووضعت استثمارات هامة فى الزراعة من ترع وجسور وسدود واقيم خزان اسوان وتمت تعليته أكثر من مرة، كما اقيم خزان جبل الأولياء مكملا له فى السودان استكمالا لضبط الدورة الزراعية، وتم الاعتناء بتحسين سلالات القطن وتوسعت خطوط السكك الحديدية لتربط مراكز الانتاج الزراعى بالميناء، واعيد فتح السودان تحت قيادة بريطانية مصرية، وبدأ تنظيم التعليم المدنى لتخريج فئة من الموظفين المناسبين لاداء الحكومة فى وظيفتها الجديدة كمصدر اساسى للقطن والى صلات الزارعية. وفى نفس الوقت ظلت سيطرة الاجانب ورؤس الاموال الاجنبية على البنوك والمؤسسات المالية. وهكذا تشكل المجتمع المصرى الجديد - بخيره وشره - وفقا لدور مصر الرئيسى كمصدر للقطن والحاصلات الزراعية.

وقامت الثورة فى منتصف القرن العشرين للخروج من هذه الاوضاع. وكان أحد توجهات الثورة الجديدة هو التخلص من ربقه التبعية للاقتصاد الزراعى والاعتماد على محصول واحد (القطن) الى تنويع مصادر الانتاج والاتجاه بقوة نحو التصنيع. وفي منتصف الخمسينات قامت الثورة بتولي الحسن مقاليد الحكم وإرساء قواعد نظام جديد يقوم على سيطرة الدولة على مقاليد الاقتصاد. ولكن التجربة واجهت مصاعب متعددة فى الخارج والداخل. فانشغلت الحكومة الجديدة - أو اشغلت - بالصراع العربى / الاسرائيلى ثم بالصراع العالمى بين الشرق والغرب، فضلا عن غير قليل من الصراعات العربية / العربية.وفى نفس الوقت، حاولت الدولة بناء قاعدة صناعية فى اطار من الحماية الصارمة والمبالغ فيها وبأسلوب مركزى يكاد يتجاهل الاعتبارات الاقتصادية فى التكلفة والعائد، وفى ظل ادارة يغلب عليها الطابع العسكرى. وكانت النتيجة هى التوسع فى فرشه عريضه من الصناعات المتنوعه دون عمق صناعى كاف مع تجاوز كبير لاعتبارات الكفاءة لحساب اعتبارات استراتيجية هى أمنيه فى أغلب الأحيان. ومع انعدام المنافسه وضعف المحاسبه والرقابة، وفى ظل ادارة بيروقراطية وحماية جمركية عالية لم يكن غريبا أن تتدهور الكفاءة الانتاجية، ثم بدأت تزحف ايضا عناصر من الفساد على ادارة بعض هذه المشروعات.

وكانت تجارة القطن قد ضربت فى مقتل منذ منتصف القرن العشرين بعد ظهور الألياف الصناعية وزوال أهمية الاقطان طويلة التيله التى تميزت بها مصر، مما أدى الى تدهور حصيلة الصادرات الزراعية المصرية. وهكذا تدهورت حصيلة العملات الأجنبية وأصبح العجز فى الميزان التجارى هو القيد الرئيسى على مستوى الانتاج. وقد ساعد مصر فى هذه الظروف وخلال الستينات و السبعينيات وجود كتله شرقيه تتعامل مع خلال اتفاقات التجارة فى علاقات اشبه بالمقايضه منها إلى التجارة الحرة. وتركزت تجارة مصر الخارجية مع دول الكتلة الشرقية فى ظل اتفاقيات دفع يتم فيها التبادل السلعى وفقا لاتفاقات بين الحكومات وبعيدا عن الاسواق الحرة. وهى اشكال للتبادل ترضخ للاعتبارات السياسية بأكثر مما تعكس المزايا الاقتصادية فى التكلفة أو الانتاجية.

وفى العقد الأخير من القرن العشرين انهار الاتحاد السوفيتى ومن ورائه الكتلة الاشتراكية، ولم يعد امام مصر إلا التعامل مع عالم خارجى فى سوق مفتوحه تقوم على الاعتبارات الاقتصادية فى التكلفة والعائد. وفى هذا العالم الجديد واجهت مصر معضله كبرى، فاقتصادها الانتاجى. زراعى وصناعى - لم يكن مهيئا للتبادل على أسس تجارية. فالزراعة تراجعت تحت الضغط السكانى ولم تعد كافية لسد الاحتياجات الغذائية. والمحاصيل الزراعية القابلة للتصدير محدودة، وخاصة فى مواجهة قيود شديدة من معظم الدول الصناعية فى وجه الواردات الزراعية من الدول النامية. و الانتاج الصناعى غير مهئ للمنافسه العالمية بعد أن عاش طويلا فى ظل حماية عالية بعيدا عن المنافسة. وهكذا تدهورت حصيلة الصادرات المصرية وأصبح الاقتصاد مضطرا للاعتماد على مصادر ريعيه للحصول على العملات الاجنبيه. فمنذ الربع الأخير للقرن العشرين أصبحت المصادر الرئيسية للعملات الاجنبيه هى : دخل قناة السويس، عائدات البترول، السياحه، تحويلات العاملين، ويلاحظ أن هذه المصادر الأربعه هى بشكل أو آخر مصادر ريعيه تعتمد على الريع من هباب الطبيعه أو مزايا الموقع والجوار أو التاريخ. وهى كلها أمور لا شأن لها بانتاجية المواطن، ويمكن بالتالى أن تعرض مستقبل الاقتصاد المصرى لمصير مأساوي.

وفى نفس الوقت الذى تراجع فيه الاقتصاد المصرى على الخريطة العالمية، كان هناك على الطرف الآخر - فى جنوب شرق اسيا - معجزة اقتصادية تنضج ببطء فى البداية ثم بسرعه مذهله فى السنوات الاخيرة من القرن العشرين. وهى ماعرف باسم تجربة "النمور الآسيوية". ورغم ماتعرضت له هذه التجربة من ازمة فى نهاية القرن إلا أنها عبرتها بكفاءة خلال عدة سنوات. وأقرب الامثله الينا من هذه المجموعة هي كوريا. فهو دولة متوسطة وليست مجرد مدينه كما هونج كونج أو سنغافورة، بل أن عدد سكانها يكاد يقترب من عدد سكان مصر. وهى ايضا دولة فقيرة فى الموارد الطبيعية ولا تتمتع بو فرة الموارد الطبيعية كماليزيا أو أندونيسيا. وهى أخيرا ليست بعيدة عن مواضع التوتر السياسى. فهى تخرج من استعمار يابانى لتقع فى نفوذ امريكى، وعلى حدودها الشمالية دولة شقيقة - ان لم تكن جزءا منها - تحت نظام عدائى، وقامت بينهما حروب ولم تتوقف الازمات على الحدود فى أى وقت. وقد كانت صادرات مصر فى منتصف القرن العشرين حوالى عشرة اضعاف الصادرات الكورية ومستوى الدخل الفردى أكثر من الضعف. فماذا فعلت أو حققت كوريا ? لقد اخذت بنظام تعليمى صارم وبالغ الكفاءة مع الاعتماد على الصناعة فى اقتصاد مفتوح، وكانت النتيجة أن اصبحت الصادرات الصناعية هى اساس التقدم الصناعى وقاطرة النمو بها. وقد حرصت كوريا على الاعتماد على صادرات صناعية متطورة وليس على منتجات مواد أولية أو طبعية بل اعتمدت على صناعة متقدمة تكنولوجيا فى ظل تحالفات مع أكبر الصناعات ومع توفير امكانيات التقدم والتطوير التكنولوجى فى جو من المنافسة والانفتاح على اقتصاد عالمى.

وفى ضوء تجربتنا التاريخية وقصص النجاح الاخرى وفى ظل اقتصاد عالمى تتراجع فيه الحدود والقيود تبدو فيه التكنولوجيا سيدة الموقف، ولذلك فاننا نعتقد ان الخلاص الاقتصادى لمصر يتطلب استراتيجية للتصنيع بعيد المدى فى ظل اقتصاد مفتوح والتركيز على الصادرات الصناعية وبشكل يضمن استمرار نجاحها فى عالم من المنافسة ومع مسايرة التطورات التكنولوجية والمساهمة فيها. ويتطلب هذا سياسات تعليميه وتدريبية مناسبه وتوفير الحوافز الكافية للصناعات المحلية والاجنبية لولوج المجالات الصناعية المختلفة مع الحرص على تطوير مزايا تناقشيه لهذه الصناعات. وبطبيعة الاحوال فان ترجمة هذه الاستراتيجية على القطاعات المختلفة يتطلب دراسات مستقله للاخذ فى الاعتبار طبيعة كل صناعة وخصائصها الذاتية وظروفها الدولية. ولكن الهام فى هذه المرحلة هو التأكيد على أنه لامناص من اعطاء التطوير الصناعى الأولية فى التنمية الاقتصادية، وعلى أن يكون ذلك على اساس من المزايا النسبية وفى جو من المنافسة، وبحيث تصبح الصناعات التصديرية هى قاطرة النمو التطور الاقتصادى.

وقد يكون من المفيد هنا التنويه الى بعض الاعتبارات العامة دون الدخول فى تفاصيل كل صناعة. هناك مثلا دعاوى تصدر بين الحين والآخر، للدعوة لتركيز الاهتمام بأسواق الدول الفقيرة فى افريقيا وغيرها من الدول النامية بالقول بانها تمثل اسواقا مناسبة للمنتجات المصرية ويمكن التوسع فيها، ورغم مافى هذا القول من بعض الصحة، الا انه ينبغى التأكيد الى ان النجاح الصناعى يتطلب السيطرة الكاملة على التكنولوجيا والارتفاع بالانتاجية الى اقصى ما يمكن، والتركيز على اسواق الدول الفقيرة معناه الهروب من المنافسة الحقيقية وقبول الاكتفاء بمعدلات متوسطة أو حتى منخفضة من الانتاجية، وهو شكل آخر من اشكال المنافسة فى ظل نوع من الحماية تجاه المنافسه العالمية. ولذلك لم تعرف دولة واحدة حققت تقدما اقتصاديا بتركيز تعاملها مع الدول الاقل نموا وبالتالى الأقل تشددا فى المواصفات الفنية. السبيل الوحيد هو المنافسة فى أكبر الاسواق وأكثرها ديناميكية وتطورا. فضلا عن أن الاسواق الفقيرة تنمو ببطء وكثيرا ما تتعثر فى الدفع. وكما هو الحال فى الفرق الرياضية، الارتفاع بالمستوى لا يتحقق إلا بالمنافسة مع الفرق الدولية ذات المستوى المرتفع. ولذلك فاننا نرى ان يكون الهدف من صادراتنا الصناعية هو الدخول فى الاسواق الاكثر تقدما والاسرع تقدما ونموا. ولابأس مع هذا التوجه العام توجيه بعض الصادرات الى الاسواق النامية على ألا يكون ذلك جوهر استراتيجية التصدير.

وفيما يتعلق بمختلف الصناعات فانها تختلف فيما بينها من حيث مدى التطور التكنولوجى. فهناك صناعات تكاد تكون قد استقرت تكنولوجيا، بحيث اصبحت تستخدم تكنولوجيات معروفه ومستقرة بما يجعلها أقرب الى التقليدية أو النمطية. وهناك على العكس صناعات مازالت فى سبيل التطور التكنولوجى، وكل يوم ينبئ بجديد، وعادة يحمى هذه الصناعات براءات اختراع بحيث لا يسهل اختراقها. ولا تتوقف هذه التفرقة على كامل الصناعة، فقد تعرف معظم مكونات الصناعة استقرارا فى التكنولوجيا المستخدمه فى حين تتركز التكنولوجيا المتقدمة والمتطورة على بعض المكونات الاساسية فى السلعة. ولكل ذلك فاننا عندما نتحدث عن التصنيع فليس من الضرورى أن يتجه هذا التصنيع الى كامل السلعة. فلم يعد من المقبول ان تقوم كل دولة بانتاج كامل السلعة بكل مكوناتها. فالعادة أن تلجأ الدول المتقدمة الى الاعتماد فى استيراد معظم المكونات - الاقل حاجة الى تقنيات متطورة - من دول أخرى. وقد دخلت معظم الدول النامية مجال التصدير الصناعى من هذا المدخل. فهذا ما فعلته جنوب شرق آسيا، وهو مايحدث حاليا فى العديد من دول وسط وشرق أوروبا. وبطبيعة الاحوال فان البدء بانتاج مكونات الصناعة الاكثر نمطية والاقل تطورا تكنولوجيا ليس نهاية المطاف، بل هو بداية الطريق تدرجا الى المراحل الأكثر تقدما والأكثر تعقيدا. ومن الطريف أن هذا هو بالضبط عكس مافعلته الصناعة المصرية. فانظر الى صناعة السيارات فبدلا من أن تبدأ مصر بانتاج "مكونات" السيارة، فانها ذهبت الى "تجميع" السيارات، حيث تستورد جميع اجزاء السيارة من الخارج ويتم تجميعها فى مصر. وربما كان الافضل البدء بانتاج المكونات فى المراحل الانتاجية الأولى للسيارة بدلا من التركيز على المرحلة الاخيرة فى تجميع المكونات تم انتاجها خارج البلاد. وبطبيعة الاحوال، فان الدخول فى صناعة مكونات الصناعة يتطلب مراعاة المواصفات والمعايير الدولية للانتاج، كما يتطلب - عادة. الدخول فى تحالفات واتفاقات مع الشركات العالمية والتى تسيطر على الصناعات المختلفة. ولا يخفى ان التعامل مع الشركات العالمية متعدية الجنسيات والتى تسيطر على معظم التكنولوجيات المتقدمة يتطلب استراتيجيات واضحة تحقق التوازن بين المصالح الوطنية وبين توفير الحوافز المناسبة لتشجيع هذه الشركات العالمية لاقامة والتعامل مع الشركات الصناعية المحلية لانتاج مكونات الانتاج.

ولا يكفى اختيار فروع الانتاج الصناعى لتطوير الصادرات الصناعية، بل أن التسويق يعتبر عنصرا اساسيا فى نجاح الصادرات. ومن هنا أهمية تطوير الشركات التجارية الدولية أو اقامة تحالفات مع شركات تجارية عالمية من أجل فتح الاسواق امام المنتجات المصرية. ولعلنا تذكر ان نجاح الدول الصناعية فى التصدير انما ارتبط بقدراتها التسويقيه والتجارية ان لم يكن بشيوع الثقافة التجارية. فانجلترا - كما قال نابليون عنها - هى" امه من البقالين"، أى من صغار التجار، وحيث تسود العقلية التجارية. وقد بدأ الاستعمار الأوربى لاسيا - وافريقيا - بانشاء مراكز تجارية ومستودعات للبضائع قبل ان تزحف الجيوش وتقام المعسكرات، بل ان بداية التواجد العسكرى فى هذه المستعمرات جاء لحماية المصالح التجارية، ولاننسى ان الاستعمار البريطانى لمعظم مستعمرات قد بدأ جديا مع شركة الهند الشرقية. وفى العصر الحديث، فان نجاح اليابان فى الصادرات الصناعية قد ارتبط بالدور الكبير الذى تقوم به شركات التجارة الدولية وقد انعكست هذه التجربة على التشكيل الحكومى حيث ان الصناعة تخضع لوزارة الصناعة والتجارة الخارجية Miti وقد اخذ التشكيل الحكومى الاخير فى مصر بهذا الاتجاه فيما يبدو.

وأخيرا فان النجاح فى ميدان الصادرات الصناعية لا يتوقف فقط على حسن اختيار مجالات التصنيع ومدى توافر القدرات التسويقية، بل لابد وان يصاحب ذلك تسهيلات تمويلية مناسبة. وتملك معظم الدول الصناعية مؤسسات مالية للمساعدة فى تمويل وضمان ائتمان الصادرات. وقد بدأت مصر هذه التجربة بانشاء البنك المصرى لتنمية الصادرات ثم الشركة المصرية لضمان الصادرات وكان ذلك، بامكانيات متواضعه. وبعد فترة رأينا أن نشاط البنك كاد يتحول الى نشاط تجارى لا يختلف فى انشطه البنوك التجارية العادية. ومنذ فترة قصيرة اعلن المسئولون عن نيه الحكومة فى خصخصة هذا البنك ليباع كبنك تجارى شأنه شأن البنوك التجارية الاخرى. وبذلك تفقد الدولة ذراعا لتمويل الصادرات. فبدلا من أن تعمد الحكومة الى تدعيم هذا البنك وتقوية دوره فى تمويل الصادرات واعادته للتركيز على هذا الدور، فانها تتجه - فيما يبدو - الى التخلى كليا عن فكرة وجود ذراع مالى للدولة لتمويل الصادرات على نحو ما يتمتع به معظم المصدرين فى الدول الأخرى.

ثالثا : السياسات الاقتصادية

انما جوهو الدور الاقتصادى للدولة هو ممارسة مستمرة والأخذ بعدد من السياسات الاقتصادية المناسبة بغرض تحقيق الاهداف الموجودة. وتتعدد أوجه السياسات الاقتصادية كما يمكن ان تختلف توجهاتها والضوابط والقيود التى ترد عليها باختلفا توجهات الاحزاب. وليس من السهل تفصيل وبيان شكل ومظمون كل سياسة اقتصادية، فهى فى النهاية خاضعة لتطور الاوضاع الداخلية والظروف الخارجية. ومع ذلك فيمكن تحديد معالم عامة لكل من هذه السياسات مع الاشارة الى عدد من الضوابط والقيود التى يلتزم بها البرنامج لاحزبى والذى قد يختلف فى ذلك مع الضوابط والقيود التى يعتنقها برنامج حزب آخر. ولذلك فاننا فى عرضنا لادوات هذه السياسات سوف نقتصر من ناحية على تعدادها للتأكيد على أن الأهداف المرجوة انما تتحقق من خلال سياسات متكاملة، ومن ناحية أخرى سوف نشير الى بعض الضوابط العامة التى تحكم فلسفة استخدام هذه السياسات.

السياسة النقدية: الاستقرار النقدى عنصر ضرورى لتهيئة الظروف المناسبة للنمو والازدهار الاقتصادى. واذا كان هذا الامر مطلوبا بشكل عام فأنه أكثر الحاحا بالنسبة الى "اقتصاد السوق". فهذا الاقتصاد يعتمد بدرجة كبيرة على مبادرات الأفراد والقطاع الخاص فى اتخاذ القرارات الاقتصادية وخاصة قرارات الاستثمار. ومن هنا الحاجة الى مقياس مستقر لحساب التكاليف والعوائد وفرص الربح والخسارة. والنقود هى القياس الطبيعى للقيم، وبدونها - أو بالأصح بدون نقود مستقرة - لا يمكن القيام بالحساب الاقتصادى. ولذلك فان حماية قيمة النقود يعتبر ركنا اساسيا لنجاح اقتصاد السوق. ولا يتعلق الأمر باستقرار الاسعار وبالتالى قيمة النقود - فى الحال، بل ينبغى أن يكون هناك توقعا معقولا لتطور الاسعار فى المستقبل.

كذلك يلاحظ أن التعامل مع السياسات النقدية سواء بالسيطرة على نمو عرض النقود أو التأثير فى تكلفتها اسعار الفائدة - انما يعنى التعامل مع كميات اقتصادية اجمالية تسرى على الجميع دون تمييز أو محاباه. فالسياسات النقدية هى طبيعتها اكثر حيادا بالمقارنة بالسياسات الاقتصادية الأخرى التى تؤدى عادة الى تمييز أو محاباة قطاع أو صناعة أو فئة اجتماعية فى مواجهة الآخرين. ومن هنا فان افراد مكان هام للسياسة النقدية يعنى افساح المجال لسياسات أكثر حيادا. وبطبيعة الاحوال فان ذلك لايحول دون اتخاذ سياسات أخرى موجهة لحماية أو تدعيم قطاع أو صناعة أو فئة تحتاج الى مثل هذه الحماية والرعاية.ويظل وجود سياسة نقدية فعاله عنصرا ضروريا وهاما فى ترسانه السياسات الاقتصادية للدولة، باعتبارها من أكثر هذه السياسات حيادا.

وذا كان الهدف الأول والرئيسى للسياسة النقدية هو توفير الاستقرار النقدى وبالتالى المحافظة على استقرار الاسعار، فان ذلك لا يمنع من ان يكون للسياسة النقدية أهداف أخرى مكمله فى دفع الاستثمار أو محاربة الكساد أو حماية استقرار ميزان المدفوعات أو غير ذلك من الاهداف وبمالا يتعارض مع الهدف الرئيسى فى الاستقرار النقدى، ولاشك ان تحديد أهداف السياسة النقدية - على هذا النحو - هو عملية سياسة بالدرجة الأولى، اذ أن السياسة النقدية لاتعدو أن تكون احدى سياسات الحكومة،.

وذا كان تحديد اهداف السياسة النقدية يتم بالتشاور بين الحكومة والبنك المركزى مع مسئولية الوزارة السياسية عنها، فان تنفيذ هذه السياسة هى مسئولية البنك المركزى الاولى، ومن ثم يجب ان يتمتع باكبر قدر من الاستقلال فى تنفيذ لهذه السياسة وفقا لما تتحدد لها من أهداف. ورغم ان القانون الأخير "قانون البنك المركزى المصرى والجهاز المصرفى والنقد الاجنبى" قد جاء تحت شعار توفير مزيد الاستقلال للبنك المركزى، فقد لاحظنا ان القانون الجديد قد جاء متراجعا فى بعض ضمانات استقلال البنك المركزى من حيث توفير الحصانه لمحافظ البنك خلال مدة خدمته. فالقانون القديم كان يضمن للمحافظ حصانه عدم القابلية للعزل خلال مدة خدمته، فاذا بالقانون الجديد يجئ خلوا من هذه الحصانة، الأمر الذى لا تخلو من دلاله، خاصة وان المحافظ السابق لم يترك لكى يكمل فترة خدمته. ونعتقد ان استقلال البنك المركزى يتطلب توفير أكبر قدر من الاستقلال والضمانات لاختيار افضل العناصر ليس فقط فى منصب المحافظ دائما ايضا بالنسبة لاعضاء مجلس ادارة البنك. وطالما يقوم البنك بهذا الدور الرئيسى فى المشاركة فى وضع اهداف السياسة النقدية وفى الاستقلال بتنفيذها ويقدم تقاريره الى مجلس الشعب، فقد يكون من المناسب توفير الضمانات اللازمة لهذه المناصب، باعادة عدم القابلية للعزل وربما باشترط عرض ترشيح اسماء المحافظ والمديرين على مجلس الشعب للموافقة أو على الاقل للمناقشة لتقديم تصوراتهم عن السياسة النقدية.

ومع تزايد أهمية السياسة النقدية ضمن منظومة السياسات الاقتصادية المعاصرة، فان معظم الدول تتجه الى تركيز مسئوليات البنك المركزى على السياسة النقدية والرقابة والاشراف على نظم الدفع وتخليص البنك المركزى من كثير من الاعباء الاخرى. فهناك اتجاه متزايد فى دول العالم الى اخراج الرقابة على البنوك من مسئوليات البنك المركزى، وضمها الى هيئة عامة للاشراف على البنوك وشركات التأمين والاسواق المالية لما ما بين هذه السواق من تداخل وترابط. ولم تتأكد بعد مزايا هذه الاتجاه وتنقسم دول العالم بين الاتجاهين. ولكن الاتجاه الأكبر هو أنه ليست هناك مصلحة فى زيادة الاعباء على البنك المركزى. ومع ذلك فقد جاء القانون الاخير للبنك المركزى والجهاز المصرفى ليلقى على البنك عبئا جديدا فى وضع والاشراف على نظام جديد للتأمين على الودائع. وهى وظيفة مستقلة تماما عن اعمال البنوك ولاتخرج عن شكل من أشكال اعمال التأمين. ومع تزايد الاعبء على البنك المركزى وتوزع المسئوليات على مجالات متعددة بعضها لاشأن له بأعمال البنوك فان هناك خطرا فى الا تحظى السياسة النقدية مع تستحقه من اهتمام وتركيز فى المسئولية.

ونضيف الى ماتقدم دورا مفيدا يقوم به البنك المر كزى وهى مسئولية نشر البيانات المالية وخاصة فيما يتعلق بالبنوك فأوضاع ميزان المدفوعات. وقد نجح البنك المركزى المصرى خلال السنوات الاخيرة فى اعطائه دفعة قوية للامام، ومما يدعو الى الارتياح هو ان هذه البيانات تنشر وفقا للتعريفات والتقسيمات المستقرة فى المعاملات الدولية وخاصة وفقا لمعايير صندوق النقد الدولى، فضلا عن ان هذه البيانات تنشر على موقع البنك وموقع صندوق النقد الدولى الالكترونى. وهى خدمه مميزة وهامة.

السياسة المالية:

 السياسة المالية من خلال ما تحصله الدولة من ايرادات وما تنفقه من مصروفات هى جوهر دور الدولة الاقتصادى، ومن هنا الأهمية القصوى للجوانب المؤسسة كموازنة الدولة. وقد سبق ان اشرنا فى الجزء الاول من هذا البرنامج الى ان هناك خللا مؤسسيا فى ادارة موارد الدولة المالية من حيث الرقابة والاشراف والمساءلة والشفافية. ولذلك فان البرنامج قد حرص على ان تبدأ عملية الاصلاح الاقتصادى باصلاح هذه البنية المؤسسية لادارة الموارد المالية من حيث الموافقة على الموازنة وتحديد بداية السنة المالية والارتباط الوثيق بين الموازنة والحساب الختامى وضرورة اتباع المبادئ المستقرة فى المالية العامة حول عمومية ووحدة الموازنة واعادة أموال الدوين الخاص الى حظيرة الموازنة العامة. فهذه الاصلاحات المؤسسية هى نقطة البدء فى اى اصلاح مالى واقتصادى، ولكن كل هذا لا يمثل أكثر من الخطوة الاولى أو الشروط الأولية للاصلاح. ولكنها وحدها غير كافية ويجب ان تستكمل برؤية متكاملة عن مضمون السياسة المالية. ولا يمكن التعرض هنا بتفصيل عن عناصر الانفاق والايرادات، ولكننا سوف نكتفى بالتأكيد على طبيعة دور الدولة الاقتصادى خاصة وأن هناك افكارا خاطئة عن هذا الدور فى ظل اقتصار السوق. فليس صحيحا ان هذا الدور يتضاءل مع اقتصاد السوق بقدر ما ينصلح باعفاء الدولة من العمليات التفصيلية والمتفرقة والتى أدت فى الواقع الى اهدار هذا الدور وضياع هيبه الدولة. الدولة فى ظل اقتصاد السوق تستعيد هيبتها وسيادتها وتفرض رؤيتها الشاملة وتستخدم ادوات السلطة والسيادة فى سياسات عامة أكثر منها فى قرارات فردية متناثرة. وبعد أن نؤكد على مفهوم دور الدولة - من خلال سياستها المالية - فاننا نستكمل ذلك بالقيود والضوابط التى ينبغى ان تراعيها. فاذا كانت العودة الى مبدأ عمومية ووحدة الموازنة أحد المبادئ الرئيسية لسلامة ادارة الموارد والمالية للدولة، فان مبدأ توازن الموازنة وحدود العجز ومديونية الدولة أحد الضوابط الرئيسية لفاعلية السياسة المالية. ونبدأ بالدور الاقتصادي للدولة.

يقوم اقتصاد السوق على فكرة اللامركزية فى ادارة الموارد الاقتصادية. ولكن ينبغى التأكيد على أن السوق لا تعنى مجرد تعدد البائعين والمشترين، فكل المجتمعات عرفت بشكل أو بآخر بأشكال المبادلات بيعا وشراء ولكنها لا تعتبر بالضرورة اقتصاد السوق. فهذا الاقتصاد هو نظام متكامل للتنسيق بين القرارات الاقتصادية الصادرة من وحدات متعددة من المستهلكين والمنتجين دون حاجة الى جهاز مركزى بيروقراطى لتحقيق هذا التنسيق. وليس معنى عدم وجود "نظام مركزي" للتنسيق فى القرارات الاقتصادية فى ظل نظام السوق، عدم وجود سلطة سياسية تضبط "السوق ومنع انحرافها. فالسلطة السياسية والتدخل الحكومى - وان كان لا يقوم بالتدخل مباشرة فى القرارات الاقتصادية لمختلف الوحادت - فهو يحرص على توفير التربة المناسبة لنجاح هذه السوق فى اداء وظيفتها كما يتدخل لمنع الانحرافات عندما تتعارض آثارها مع المصلحة العامة. فالدولة لا تتدخل - عادة- باعتبارها لاعبا "وانما باعتبارها حكما" يضع قواعد اللعبة ويتأكد من مراعاة الجميع لهذه القواعد. ومع ذلك فلا ينبغى التقليل من دور الدولة كلاعب مباشر فى الأسواق من خلال الموازنة. فالدولة عادة هى أكبر المشترين واحيانا البائعين فى السوق، ومن هنا فهى تؤثر ايضا وأحيانا بشكل مباشر فى التوازن فى الاسواق.

ويمكن القول بأن هناك اتفاقا بين معظم المفكرين للاقتصاد الليبرالى، أن للدولة ادوارا فى مجالات :

تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتوفير الرقابة والاشراف على النشاط الاقتصادى.

القيام بتوفير السلع والخدمات العامة.

تحقيق العدالة فى توزيع الثروات والدخول.

فالدولة باعتبارها صاحبة السيادة على الاقتصاد فانها تباشر نشاطها الاساسى من خلال ما تضعه - بالتوافق مع السلطات التشريعية - للقوانين المنظمة للنشاط الاقتصادى فى مختلف المجالات وبما يراعى تحقيق المصالح العامة. كذلك فالدولة تضع السياسات الاقتصادية المختلفة فى مجالات النقود والانفاق والضرائب والمشروعات العامة وبما يحقق الاهداف الاقتصادية العامة بالحرص على ضمان تحقيق مستوى معين من النمو الاقتصادى ومحاربة البطالة ومحاصرة التضخم. فالدولة تضع الاطار المؤسسى اللازم لكفاءة عمل نظام السوق، بمنع الاحتكار ووضع الضمانات لحماية المستهلك، ووضع الشروط والمواصفات لجودة الانتاج وسلامته، وهى تقدم الحوافز لتشجيع الاستثمار - ومنع الانحرافات. ويتطلب هذا الدور ممارسة الدولة لدورها السيادى. فهى المنظم للنشاط الاقتصادى بشكل عام. ويفترض هذا الدور التنظيمى الى جانب وضع قواعد والشروط لممارسة مختلف اوجه الانشطة الاقتصادية، الاشراف والرقابة للتأكد من عدم الخروج على هذا القواعد. فدور الدولة هنا دور للضبط أو البوليس الاقتصادى. كذلك تتخذ الدولة السياسات الماكرواقتصادية فى الانفاق والضرائب بما يحقق أكبر درجة من الاستقرار العام. وينبغى على الدولة ان تضع الاطار القانونى المناسب للحرية الاقتصادية واحترام حقوق الملكية والتعاقد. كما توفر الدولة البيانات والمعلومات اللازمة لحسن اتخاذ القرارات وتضمن سلامة البيانات التى ينشرها الافراد والشركات حماية للمواطنين. وتعمل الدولة على تقليل تكاليف المعاملات بما ييسر مجالات اعمال المستثمرين.

وأما الوظيفة الثانية فانها تنصرف الى مجال الانتاج وليس فقط الرقابة والاشراف. فالدولة توفر السلع والخدمات العامة التى لا يمكن ان توفرها الاسواق. فالخدمات العامة من أمن ودفاع وعدالة هى الوظائف التقليدية للدولة، والتى توفر لها الامن للمواطنين. ولكن الدولة تقوم ايضا بتوفير البنية الاساسية المادية المناسبة من طرق ومواصلات وموانى ومطارات وموارد للطاقة على العمل على توسيع فرص التعليم وخدمات الصحة العامة. وقد أصبحت البيئة وحمايتها من أهم واجبات الدولة، وكذا تشجيع البحث العلمى بكافة اشكاله. كذلك فقد أصبح توفير شبكة للضمان الاجتماعى ومحاربة الفقر والامراض المتوطنة من أهم مسئوليات الدولة.

وأخيرا وليس آخر تأتى الوظيفة التوزيعيه. فالدولة مسئولة عن تحقيق الاحساس بالعدل والانصاف بين المواطنين. فلا يكفى توفير المساواة فى الفرص أو المساواة امام القانون، بل ان التفاوت الكبير فى توزيع الدخول والثروات لا يؤذى فقط الشعور بالعدالة وانما هو ضار بالتنمية الاقتصادية وعبء عليها. فالتنمية الاقتصادية تتطلب احساسا بالمشاركة فى منافع واعباء التنمية. أما التوزيع غير العادل وبما يركز المزايا والنافع فى فئة أو طبقة وبفرض الاعباء والتكاليف على فئة أو طبقة أخرى فانه يضر ابلغ الضرر بقضية التنمية ويهدد الاستقرار الاجتماعى للجماعة.

وهكذا يتضح أن للدولة دورا رئيسيا فى اقتصاد السوق، فالدولة هى صاحبة السيادة فى وضع اطار النشاط الاقتصادى وهى المنظم والمراقب له وهى تضع السياسات اللازمة لذلك. كذلك فان الدولة تقدم خدمات وسلعا حيث يعجز السوق أو لا يقدمها بشروط مناسبة، وهى أخيرا موفر الاحساس بالعدل والانتماء. ولذلك فانه ليس صحيحا أن الدولة تستقيل من وظائفها فى ظل اقتصاد السوق، بقدر ما تظل المايسترو والمنظم للنشاط، ولكنها ليست اللاعب الوحيد فى الملعب، بل انها تستدعى الافراد والقطاع الخاص للمشاركة فى هذا العمل المجتمعى. وتمثل الديمقراطية السياسة الضمان السليم لضبط الايقاع تحت الرقابة الشعبية.

ولا يمكن أنهاء الحديث عن السياسة المالية دون الاشارة الى بعض القيود الكمية. فهل يمكن ان يتوسع النشاط الحكومى حتى يستوعب كل أو معظم النشاط الاقتصادى? وهل هناك من حدود? واذا كانت الدولة تملك حق الانفاق حتى فيما جاوز ما تحصله من ايرادات، فهل هناك من حدود قصوى لعجز الموازنة? واخيرا هل تستطيع الدولة ان تلجأ الى الاقتراض بلاحساب أم ان هناك قيودا وحدودا كل هذه اسئلة مشروعه تستحق اجابات أو فى الأقل عناصر للاجابة.

يختلف نظام اقتصاد السوق عن الاقتصادى المركزى فى تعدد اللاعبين الاقتصاديين بدلا من الدولة كلاعب وحيد على الساحة. ومع ذلك فان حجم نشاط الدولة حتى فى أكثر الدول توغلا فى الحرية الاقتصادية والرأسمالية يتزايد بشكل مستمر ولا يقل عن ثلث حجم الناتج الاجمالى، بل وقد يقترب من نصف هذا الحجم. وبشكل عام فان حجم الموازنة العامة - وخاصة عام الانفاق العام - يتراوح عادة بين 30 - 40% من حجم الناتج الاجمالى، ولذلك فان افساح المجال للقطاع الخاص لا يعنى، بأى شكل من الاشكال اختفاء دور الدولة الذى يظل دائما هاما مع ضرورة بروز دور القطاع الخاص فى نفس الوقت، ولكن الملاحظة الثانية هى ان هذا الحجم الكبير لدور الدولة فى الناتج الاجمالى لا تظهر عادة فى شكل قطاعات انتاجية (قطاع عام) يشارك فى الانتاج بقدر ما تظهر فى نفقات تنفق فى الاسواق لمصلحة المشروعات الخاصة. فالدولة - فى الاصل - ليست منتجه للسلع والخدمات (إلا بالنسبة للخدمات العامة) وهى تستند الى ما ينتجه القطاع الخاص كما انها توجهه باعتبارها من أكبر المشترين فى الاسواق. وخلاصة القول ان حجم الموازنة لا يكمن ان يكون صغيرا أو تافها بل ينبغى ان يكون حجما معقولا. ولكن لا ينبغى ان تهيمن الدولة على الاقتصاد بحيث تستوعب النفقات العامة كل أو معظم الناتج الاجمالى. ونسبة فى حدود 40% تبدو معقولة لاعطاء الدولة وزنا كافيا للتأثير فى الحياة الاقتصادية.

ونأتى الآن الى النقطة الأخيرة فى ضوابط السياسات المالية، وهى حدود توازن الموازنة. ذهبت المبادئ المستقرة فى المالية العامة حتى بدايات القرن العشرين الى أهمية تحقيق التوازن فى الموازنة بين الايرادات والمصروفات وبحيث ينظر الى العجز - كما هو الحال بالنسبة للمالية الخاصة للافراد - باعتباره استثناء وخروجا على قواعد الادارة السليمة للمالية. ومع ذلك فمنذ الازمة العالمية الكبرى فى الثلاثينيات وقد أظهر الاقتصادى البريطانى كينز أن العجز المقصود فى الموازنة فى اوقات الكساد قد يكون علاجا وضرورة. ومن هنا بدأ النظر الى العجز فى الموازنة بدرجة أكبر من التسامح مما كان عليه الحال فى النصف الاول من القرن العشرين. ولكن التجارب اللاحقة وان استمرت تنظر الى العجز فى الموازنة بدرجة كبيرة من التسامح واحيانا من التشجيع، إلا أنه أتضح ان استمرار العجز وتفاقمه يؤدى - فى الغالب - الى مزيد من التضخم وانفلات الاستقرار الاقتصادى. وهكذا يتجه الفكر السائد على انه مع قبول قدر من العجز المعقول فى الموازنات، فان ذلك يجب ان يظل فى الحدود المعقولة وبحيث لا يجاوز نسبا معينه من الناتج الاجمالى. وعند بدأ الاتحاد الاوربى فى النظر فى توحيد العملة الأوربية واصدار اليورو، اتفق على الايجاوز العجز 3% من الناتج الاجمالى. ونفتقد ان نسبة فى حدود3 - 5% من الناتج الاجمالى تمثل الحد الاقصى المقبول للعجز دون تعريض التوازن الاقتصادى للاختلال. ويرتبط بعجز الموازنة حجم الدين العام. فالعجز يسوى فى نهاية الأمر عن طريق الاقتراض، سواء من البنك المركزى - وبالتالى باصدار النقود - أو من السوق والقطاع الصرفى بشكل عام، وبذلك يتنافس المستثمرون فى الحصول على المدخرات المتاحة للاستثمار. وفى الحالين فان الدين يمثل ضغطا على الاقتصاد. فهو يمثل ضغطا تضخيما فى حالة الاقتراض من البنك المركزى، وهو يمثل ضغطا على الاستثمار بمزاحمة الاستثمار والخاص، والاستيلاء على قدر من المدخرات المتاحة. ولذلك فهناك محاولات لوضع حدود وقيود على حجم الدين العام، يشكلها بعدها نمو هذا الدين خطرا على استقرار الاقتصاد. وقد حدد هذا الحد الاقصى بالنسبة لدول الاتحاد الاوربى الاعضاء فى منطقة اليوريو ب- 60% من الناتج الاجمالى. ونعتقد ان هذا الحد يمثل حدا اقصى بالنسبة لاوضاع مصر، نظر ا لأن امكانيات الاقتصاديات المتقدمة على الاقتراض أكبر بكثير من الدول النامية. ولاشك ان ظروف مصر لا تستدعى توسعا فى هذا الجانب.

سياسة تكنولوجية:

 يجرى الاتفاق بين معظم الاقتصاديين على ان ادوات السياسة الاقتصادية للدولة هى السياسة النقدية والسياسية المالية والسياسة التجارية. وقد تناولنا فيما سبق السياسيتين النقدية والمالية. أما السياسة التجارية فيقصد بها ما يتخذ من اجراءات فى العلاقات الاقتصادية مع الخارج سواء فيما يتعلق بسياسات اسعار الصرف أو بتوجهات الرسوم الجمركية أو اتفاقات التجارة والدفع - وقد رأينا ان نتناول العلاقات الاقتصادية الخارجية من خلال مفهوم أوسع يتعلق بالتطوير التكنولوجى بدلا من الاقتصاد على مفهوم السياسة التجارية. ويرجع ذلك الى عدة أسباب. فمن ناحية فى ظل اوضاع الاقتصاد العالمى المعاصر وبعد انشاء منظمة التجارة العالمية والانضمام الى عضويتها، فان حرية الدول فى تشكيل تجارتها الخارجية قد تراجعت الى حد بعيد وبالتالى فقد اصبح استخدام السياسة التجارية اقل مرونة واضيق حركة. ولكننا اشرنا ايضا انه من ناحية اخرى فان أحد أكبر المشاكل التى تواجه الاقتصاد المصرى هو ضعف الصادرات الصناعية. وأن هذا الامر يحتاج الى سياسات خاصة فى ا لتشجيع والتوجيه. وهذه السياسات. تتعلق بالعلاقات مع الخارج كما تتعلق بالداخل، وجوهر هذه السياسات هو زيادة التطور التكنولوجى للانتاج لزيادة الانتاجية وبالتالى زيادة المساهمة فى الاقتصاد العالمى عن طريق زيادة الصادرات. فالتطوير التكنولوجى هو جوهر التقدم الاقتصادى، وسواء كانت تطبيقاته فى الزراعة أو الصناعة أو الخدمات. الانتاج الحديث بكل اشكاله يتوقف الى حد بعيد على مستوى التقدم التكنولوجى وفى هذه المرحلة التاريخية من التطور العالمى فان عناصر التقدم التكنولوجى فى الصناعة وفى العلوم وفى البحث العلمى توجد - فى اغلبها - فى الدول الصناعية. فضلا عن التوجه العام للنشاط الاقتصادى لكى يتجاوز الحدود المحلية والانتقال الى العالمية. وهكذا فان اكتساب التكنولوجيا وتطويرها يستدعى بالضرورة نظرة شاملة لما يجرى فى العالم واتخاذ سياسات مناسبة لانتقاء الجوانب الاكثر ملاءمة والواعدة. وهذا يتطلب نوعا من السياسات التجارية ذات المضمون التكنوجى. ولكن التطوير التكنولوجى لا يتطلب فقط علاقات اقتصادية خارجية مع الاسواق والاستثمارات العالمية بل انه يتطلب فى نفس تمهيد التربة المحلية واعداد البيئة المناسبة للتطوير التكنولوجى، من تطوير المعاهد التعليمية ومراكز البحوث والتدريب. ولايمكن الاعتماد فى هذا فقط على القطاع الخاص. فالقطاع الخاص قادر بشكل عام على انتهاز الفرص المتاحة فى ظل الامكانيات الموجودة من الهياكل التعليمية والتدريبية والبحثية، ولكنه فى الغالب غير قادر على تغيير البيئة بشكل جذرى. اقتصاد السوق يعمل عادة فى اطار من التغيرات التدريجية وفى اطار ماهو موجود أو متوقع. ولكن الدولة وحدها القادرة على تغيير هذا الواقع الى ماهو "مطلوب" وليس فقط ماهو "متوقع". ومن هنا فاننا نجد أن الطفرات التكنولوجية الكبرى خلال القرن الماضى، كانت إما بمبادرات حكومية أو نتيجة غير مقصودة لسياسات الدول. فالتقدم الهائل فى وسائل المواصلات العالمية فى البحر والجو كان نتيجة، لجهود الدول فى تحسين كفاءتها القتالية. فالانتقال الى السفن البخارية بدلا من السفن الشراعية كان بالدرجة الأولى جزءا من تدعيم القرارات القتالية للدول البحرية - انجلترا فى الدرجة الأولى ثم المانيا - ومثل هذا فى تطوير الطائرات. كذلك فان تطوير الصناعات الكيماوية ارتبط الى حد بعيد بتطوير الغازات السامة من أجل الحروب. وهناك بطبيعة الاحوال الدخول فى مرحلة الطاقة النووية نتيجة لمشروع منهاتن الكبير لانتاج القنبلة الذرية ثم أبحاث الفضاء والصراع بين الكتلتين، وأجراء الاتصالات والأنترنت التى عرفت الدفعة الاساسية كجزء من تنظيم وتنسيق جهود وزارت الدفع الأمريكية. فهذه الخطوات الجبارة فى القفزات التكنولوجية لم تكن ممكنة دون تدخل - ولو غير مقصود - من الدولة. ولا يمكن الاعتماد فيها على جهود القطاع الخاص وحده. ومع ذلك، فليس المطلوب أن تقوم الدولة بنفسها بهذه الجهود، بقدر المطلوب هو أن توفر الدفعة الاساسية بالتمويل والتوجيه والاشراف، ومطالبة القطاع الخاص العمل فى هذه الميادين لحساب الدولة. فالدولة تصمم المشروعات وتحدد المطلوب وتموله، ويقوم القطاع الخاص بتنفيذ المطلوب لحسابها.

وهناك قضايا اساسية تحتاج الى قدر من الإستراتيجية التكنولوجية العامة، من ذلك مثلا ماهى استراتيجيتنا للطاقة فى المستقبل. هناك حديث متزايد عن قرب انتهاء عصر الطاقة الأحفورية - من فحم وبترول وغاز - فما هو البديل? وماهى الاستعدادات اللازمة لذلك ?

ويتطلب ذلك تحديد سياستنا للطاقة النووية. وقد أعلنت الحكومة عن عزمها الدخول في هذا الميدان. ومن الضروري أن يتضمن الدخول في هذا المجال توفير قدر من الاستقلال الوطني بالسيطرة بدرجة معقولة على تكنولوجيا الطاقة النووية. أما إذا اقتصر الأمر على استيراد مكونات هذه الطاقة من الخارج، فإن هناك خطورة أن يؤدي مثل ذلك إلى مزيد من الاعتماد على الخارج مما قد يهدد من عناصر الاستقلال الذاتي، وبذلك تزداد التبعية التكنولوجية في أمر بالغ الحضارة مثل توفير الطاقة. ولاشك أن الخيار النووي يمثّل ضرورة وأهمية خاصة ليس فقط لتعويض ما يمكن أن نتعرض له من نقص في مواردنا النافدة من النفط والغاز بعد تناقصهما، وإنما أيضاً لما تفتحه التكنولوجيا النووية من مجالات هامة في التصنيع وفي التطوير التكنولوجي بشكل عام. فإذا كان تاريخ تقدم البشرية هو، إلى حد بعيد، تاريخ نجاح الإنسان في تسخير مصادر جديدة للطاقة، فإن الدخول في مرحلة استخدامات الطاقة النووية جاء عتبة جديدة في تاريخ هذا التطور التكنولوجي.

وهناك مجالات جديدة للطاقة تتطلب المتابعة والمشاركة فيها عن طريق مزيد من الاتفاق على مجالات التحديث العلمي والتطوير التكنولوجي من الطاقة الأيدوروجينية وغيرها. أما بالنسبة للطاقة الشمسية وهي تهم مجموع الدول العربية ويمكن أن تمثل البديل المتاح بعد انتهاء عصر النفط، فمن المفروض أن يتم عمل عربي جماعي لمثل هذا التطوير.

كذلك هناك قطاعات صناعية متعددة قديمة وحديثه. فما هو موقفنا منها. هناك الصناعات التقليدية التى تنتقل من الدول الصناعية الى الدول النامية والتى وصلت الى نوع من النضج التكنولوجي، وأصبح من السهل على الدول الصناعية ان تتخلى عنها. فما هو موقفنا منها? هناك الصناعات الملوثة للبيئة والتي تبحث عن اماكن لتوطئها. وهناك الاجيال الجديدة من الصناعات المتقدمة. وهناك محاولات الصناعة فى ميدان البيولوجيا، وفى مجال المعلومات والآلات المحاسبة، وهناك البرامج اللينه والآلات الخشنة. والى جانب هذا وذاك، هناك المعايير والمواصفات الفنية للانتاج. فما موقفنا منها? هل نصدر مواصفات محلية خاصة بنا، أم نتبنى أحد المواصفات العالمية (الأوربية مثلا) ضمان للارتفاع بجودة الإنتاج وفتح الأسواق إمامها.

كل هذا ينبغى أن يمثل خلفيه عامة لأيه سياسة تكنولوجية. فالتطوير التكنولوجى والعمل على زيادة الانتاجية هو الأساس فى كل تقدم اقتصادي.

سياسات ضمان اجتماعى: التنمية الاقتصادية ليست نزهة بلا ألم. فهناك دائما ثمن بدفع وآلام يتحملها الكثيرون فى مسيرة التنمية. فضلا عن أن نقطة البدء ليست خالية من المظالم والقسوة. ولذلك فان أى برامج اقتصادية لابد وان تفسح مجالا لتعويض وعلاج اوضاع الفئات المهمشة. ولا يقتصر الامر على النظر الى الجيل الحالى بل ينبغى اخذ مستقبل الاجيال القادمة فى الاعتبار. كذلك فانه من الضرورى عدم الوقوع فى الخطأ "الاقتصاداوى" بالاعتقاد ان زيادة الناتج الاجمالى والدخل الفردى هو المعيار الوحيد للتقدم، فالى جانب ما يقدم من "كم" من السلع له واثمان مقابل فى الاسواق، فان هناك معان لا تقل اهمية فى سعادة الفرد ورفاهيته. الحرية والعدل والكرامه والابداع قيم ليس لها ثمن فى السوق لأنها لا تقدر بثمن.

"الموازنة العامة"

 ليست مجرد أرقاماً صماء، بل تقديرات وحسابات تقوم علي التوقع العلمي الذي يغوص بدوره إلى أعماق أو جذور رفاهية الأفراد, بما تستهدفه دوماً من تحقيق الاستفادة القصوي من الإيرادات المتوقعة للدولة في عام قادم لتنشيط الأداء الاقتصادي وتوجيهه إلي الوجهة الصحيحة، لمواجهة مشكلات بعينها كالفقر الذي يستهدف إعادة توزيع الدخل، أو مواجهة البطالة وزيادة القدرة التشغيلية للاقتصاد، وهذا ما قد يستلزم موازنة توسعية تعطي قدراً كبيراً من الاهتمام للخطة الاستثمارية، فالموازنة العامة هي ذلك التقدير المفصل والمعتمد للنفقات العامة والإيرادات العامة، عن فترة مالية مستقبلة، غالباً ما تكون سنة. وهذا يكشف بدوره أن مـوازنة للدولة تستند إلى عنصرين أساسيين، هما التقدير والاعتماد، فالتقدير يتضح جلياً في تقدير أرقام تمثل الإيرادات العامة، التي يُنتظر أن تحصل عليها السلطة التنفيذية، وكذلك النفقات العامة التي يُنتظر أن تنفقها لإشباع الحاجات العامة للشعب، وذلك خلال فترة مالية مستقبلة، غالباً ما تكون سنة، فيما يقصد بالاعتماد حق السلطة التشريعية واختصاصها في الموافقة على توقعات السلطة التنفيذية من إيرادات عامة ونفقات عامة، وبالتالي، فإن الموازنة العامة تظل مجرد مشروع موازنة، حتى يتم اعتمادها من السلطة التشريعية.

 أن فكرة الموازنة العامة ليست فكرة حديثة، بل تعود إلى عقود قديمة، وهذا ما يقصه القرآن الكريم عن نبي الله يوسف عليه السلام، وكيف أنه وضع موازنة عامة لادارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية لمصر في ذلك الوقت، وذلك في قوله تعالي في سورة يوسف: "قال اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم، وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين" صدق الله العظيم.

جباية الأموال

أن الأمور تطورت إلي أن وصلت الموازنة العامة للشكل الذي هي عليه الآن بتطورات مختلفة، حيث كانت الأمم والحضارات القديمة في العصور الوسطى تقوم بجباية الأموال وتنفقها دون أن تتبع أسس وقواعد لذلك كما هو الآن، وهذا ما لا يروق للحكام قبل المحكومين لغياب الرؤية الشاملة في الجباية والانفاق، فضلاً عن غياب القدرة علي الرقابة، وبالتالي بدأت عملية ضبط شقي الموازنة العامة - الإيرادات والنفقات - في بريطانيا بدءاً من عام 1733م، وفي هذا التوقيت بدأ البرلمان البريطاني يراقب السلطة التنفيذية في جباية الضرائب, ويطلب منها أن تحصل على اعتماد مسبق للإيرادات, دون أن يتدخل في عملية الإنفاق العام، واستمر الوضع علي هذا الحال لقرابة قرن من الزمن، حتي جاءت تحركات برلمانية جادة تطالب السلطة التنفيذية بضرورة أن تحصل من السلطة التشريعية المتمثلة في البرلمان على اعتماد للنفقات العامة أيضاً، ومن ثم أصبح البرلمان يراقب ويحاسب على إنفاق المال العام أيضاً، وقد امتد العمل بمبدأ الرقابة علي الانفاق لفترة طويلة من الزمن إلي أن حصل البرلمان علي حقه في اعتماد سجل الإيرادات والنفقات العامة مجتمعة وبشكل دوري، واتبعت فرنسا فيما بعد مبدأ الموازنة العامة السنوية عام 1820م, وتبعتها في ذلك روسيا القيصرية عام 1836م, فيما اتبعت مصر مبدأ الموازنة العامة في عام 1880م، أما الولايات المتحدة الأمريكية فلم تطبق هذا المبدأ إلا في عام 1921م، وبعدها أستخدم في كل دول العالم تقريباً. أن الموازنة عرفت في الماضي بشكلها البسيط، فكانت تعتمد بالدرجة الأولى على غلة المحاصيل الزراعية والأملاك العامة، التي كانت معظمها تعود إلى الحاكم، والتي كان يعتمد عليها في تمويل النفقات العامة، إلا أنه في حالة زيادة النفقات في أوقات الأزمات يلجأ الحاكم إلى جمع جزء من أموال المواطنين لتغطية هذه النفقات، ومع تطور وظائف الدولة توسعت النفقات العامة، وتعددت مصادر الايرادات، لتصبح فيما بعد الموازنة أكثر تفصيلاً وأهمية حتى أضحت تتحدد بعنصرين، الأول: يتعلق بتقدير النفقات والايرادات للسنة القادمة، والثاني: يتعلق بتصديق السلطة التشريعية لهذه التقديرات.

أدوات السياسة الاقتصادية

أن الموازنة العامة باتت تلعب دوراً فعالاًً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للدولة، لكونها تـُستخدم دوماً كأداة لتعديل توزيع الدخل القومي بين الفئات الاجتماعية, وأنها أصبحت أكثر فاعلية وأهمية في الاقتصاديات الحديثة بعد أن تحولت إلى أداة من أدوات السياسة الاقتصادية، وأصبحت جزءاً متداخلاً ومكملاً للخطة المالية العامة للدولة، أن الموازنة العامة أصبحت الآن جزءاً رئيسياً من برامج الدولة، لكونها تعكس مجموع النشاط الاقتصادي والمالي للدولة، فضلاً عن أنها أداة من أدوات تحقيق التنمية الاقتصادية والرفاهية والعدالة الاجتماعية. أنه مع استمرار عملية التنمية، والانتقال إلي اقتصاد السوق الاجتماعي وإلى منهج التخطيط التأشيري، بات من الضروري إعادة النظر بالموازنة العامة للدولة، لكي تكون أداة جديدة لإدارة الاقتصاد ومنح القطاع العام الاستقلالية والمرونة وتحميل ادارته المسئولية في عملية التشغيل الاقتصادي وتحقيق ريعية اقتصادية، مشيراً إلي أنه في هذا السياق لا بد من إعادة النظر بهذه الأداة في جانبي الانفاق الاستثماري والإيرادات الاستثمارية وتطوير واعادة هيكلة الموازنة وتبويبها لخدمة أغراض التحليل الاقتصادي، وتقويم الأداء وإحداث مصرف للتنمية يتولى عملية التمويل التنموي وتوظيف السيولة الفائضة، كما أوضح أن الموازنة العامة تراهن عليها الاقتصاديات الحديثة لتكون الآلية الأساسية التي تستهدف تحقيق التشغيل الأمثل للاقتصاد بما يعنيه ذلك من توفير المزيد من فرص العمل للقضاء على البطالة، وتحقيق أعلي انتاجية ممكنى لزيادة الدخل القومي، فضلاً عن دورها في تحقيق العدالة الاجتماعية عبر إعادة توزيع الدخل ورفع مستوي المعيشة للمواطنين، وأخيراً، خلق طاقات انتاجية جديدة في البلاد.

تحقيق الاستقرار

أن تطور مفهوم الدولة من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة والمنتجة أدى إلى تزايد أهمية الإيرادات والنفقات العامة، وبالتالي الموازنة العامة للدولة، ومالها من دور في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، ولهذا يمكن القول أن النظام المالي للدولة ما هو إلا جزء من النظام الاقتصادي السائد في تلك الدولة، أما النفقات والإيرادات العامة ما هي إلا كميات اقتصادية، وهي الأخرى تمثل الجزء من الكل، وتقوم بينهما علاقات متبادلة في آن واحد، وأوضح أن الإيرادات العامة تقتطع من الكميات الاقتصادية الكلية، وهي الدخل القومي، ثم تأتي النفقات العامة لتضيف إلى الكميات الاقتصادية الكلية، فهي تؤدي إلى زيادة الإنفاق القومي، وتسهم في خلق جزء من الناتج القومي، ولأن النظام المالي يقوم داخل نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي معين فيكون انعكاساً لهذا النظام، كما يشكل جزءاً هاماً من النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وبالتالي يعتبر أداة هامة لتحقيقه.

أربعة أدوار

أن التجارب المالية في مختلف دول العالم كشفت عن تطور وظائف الموازنة العامة، مما جعلها تحظى بأهمية متزايدة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية في جميع الدول، وأوضح أن الموازنة العامة تعلب مجموعة من الأدوار، يأتي علي رأسها الدور السياسي، خاصة أنه يشترط –في البلدان البرلمانية- لتنفيذ بنود الموازنة العامة أن يعتمد مشروعها من طرف البرلمان، وهذا الاعتماد يعد بمثابة الموافقة من ممثلي الشعب على خطة عمل الحكومة، وعلى سياساتها المالية والاقتصادية بصفة عامة وأن تكون الموازنة المرآة العاكسة لها، فضلاً عن ذلك تمارس الموازنة تأثيراً حقيقياً على طبيعة النظام السياسي، وكذلك على استقراره، حيث توجد علاقة وثيقة بين الموازنة والبرلمان، والتجارب تذهب إلي حالات ظهرت فيها الموازنة العامة كعامل لدعم البرلمان وأحيانا أخرى عاملاً لاندثاره. فيما يتضح دور الموازنة العامة الاقتصادي، في كونها أصبحت أهم وثيقة اقتصادية تملكها الدولة، لكونها توفر معلومات تتعلق بأثر السياسات الحكومية في استخدام الموارد على مستوى التوظيف والنمو الاقتصادي وتوزيع الموارد داخل الاقتصاد، لدرجة أن هذه الموازنة قد تستخدم كأداة لتحقيق هدف العمالة الكاملة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وذلك بالاعتماد علي تغيير مستوى الطلب الكلي في الاتجاه المناسب، مستخدمة في ذلك الضرائب والنفقات، ولذلك أصبحت الموازنة الأداة الرئيسية للتدخل في الحياة الاقتصادية وتوجيهها نحو تحقيق أهداف التوازن الاقتصادي، كما تلعب الموازنة العامة دوراً اجتماعياً هاماً، حيث تستخدم كأداة لتحقيق أغراض اجتماعية، لكونها تعمل على تحقيق التوازن الاجتماعي والقضاء على التفاوت بين دخول الأفراد، مع ضمان وصول بعض الخدمات العامة دون مقابل للفئة عديمة الدخل أو ذات الدخل المحدود، معتمدة في ذلك على الضرائب ثم الأساليب التوزيعية للمنح والإعانات، التي تأخذ اتجاهاً عكسياً للآثار التوزيعية للضرائب.

كما تمارس الموازنة دوراً محاسبياً ملموساً أيضاً، حيث تمر الموازنة بعدة مراحل من أهمها مرحلة الإعداد والتنفيذ، مع الاعتماد في ذلك على النظم والأساليب المحاسبية، وبالتالي فإنها ضرورية لتحديد أنواع حسابات الإيرادات والنفقات التي ينبغي على المصالح الحكومية إمساكها لتنظيم معاملاتها المالية، إذ يُمسك لكل نوع من الإيرادات والنفقات حساب خاص وفقاً لطريقة ومدة اعتماد الموازنة، فضلاً عن أنه يمكن عبر النظام المحاسبي استخراج الحساب الختامي للموازنة العامة، والذي يتضمن الإيرادات والمصروفات الفعلية التي حُصلت أو صُرفت خلال السنة المالية، وهكذا تظهر أهمية المحاسبة بالنسبة للموازنة العامة في مراحلها المتعددة لاسيما أنها تساعد في إظهار ودراسة نتائج تنفيذ الموازنة.

تطوير الأداء

أنه لا خلاف على أهمية دور الموازنة العامة في أي دوله في تطوير الأداء في المنظمات العامة بها, حيث تعد الموازنة العامة من الأسباب الرئيسية وراء أية انجازات أوعقبات تحول دون تطوير الأداء العام, لذلك كانت الموازنة وما زالت محل الاهتمام المستمر من جانب الدول، لافتاً إلي أن الموازنة أداة رئيسيه للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتشكل رافداً أساسياً في إغناء السياسة والجهد التنموي وتلمس الاحتياجات وأولويات التنمية، خاصة أنها تجتهد لإعطاء فكرة موسعة عن جميع الإيرادات والنفقات الحكومية.

أن الموازنة العامة تلعب أيضاً دوراً ملموساً في توسع دور الدول في الحياة الاقتصادية والاجتماعية, حيث لم تعد الموازنة مجرد وسيله لحصر احتياجات الحكومة والإيرادات العامة للأموال لانجاز مهامها المحدودة, بل أصبحت لها وظائف أخرى تكاد تكون أساسية, وبالأخص استخدامها كوسيلة مفضله لضبط السياسة المالية للدولة وتحقيق أهدافها وتنفيذ سياستها الاقتصادية, فالموازنة قد أصبحت ذات صله وثيقة باقتصاد الدول المعاصرة, وهذا هو أهم الملامح التي تميز الموازنة العامة الحديثة عن الموازنة العامة التقليدية.

أن العنصر المالي أصبح سبب رئيسي لنجاح أي دوله في العالم, وأصبح الحفاظ على المال العام وحسن استغلاله مطلب ضروري ومهم للحفاظ على قوة الدولة, وبالرغم من التكاليف التي ستدفعها الدولة لإعدادها وتنفيذها إلا أن ايجابياتها ستكون أكبر من تكلفتها، لأنها تمكن الدولة من التنبؤ بالمشاكل المستقبلية المواجهة لها, وبالتالي اتخاذ ما يلزم من سياسات وتدابير لمواجهة هذه المشاكل والتحديات التي تواجه الدولة، وشدد علي ضرورة أن تأتي الموازنة في صيغة وثيقة تصب في قالب مالي قوامه الأهداف والأرقام, وتتمثل الأهداف فيما تعتزم الدولة القيام به من برامج ومشروعات خلال فترة زمنية, فيما تعبر الأرقام عما تعتزم الدولة إنفاقه على هذه الأهداف وما يتوقع تحصيله من مختلف مواردها خلال الفترة الزمنية نفسها، مؤكداً أن مبادئ الموازنة العامة تتمثل في وحدتها، بحيث تكون للحكومة موازنة واحدة، وسنويتها، بما يعنيه ذلك بأن يكون للموازنة بعد زمني في معظم الأحيان يكون سنة واحدة, وشموليتها، بحيث تُظهر جميع تقديرات النفقات والإيرادات العامة في وثيقة واحدة دون إجراء مقاصة بين الإثنين, وأخيراً، عدم تخصيصها للإيرادات، فلا يجوز تخصص إيراد معين لتغطية نفقات معينة.

البرازيل هي بحق ارض المتناقضات، حيث تختلط فيها ناطحات السحاب مع عشش الصفيح، ومناخيا توصف بأنها اكبر مستودع للتنوع الحيوي في العالم، حيث تتواجد جميع الأنظمة البيئية. وديموغرافيا يعيش على هذه الأرض شعب تشكل من أعراق وأصول متباينة 54% بيض 39% ملونين ينقسمون بدورهم إلى الملاتو(سلالة ناتجة من تزاوج الأفارقة والبيض) والكابوكلوز (سلالة ناتجة من تزاوج الهنود الأصليين والبيض) والكافوكوز (تزاوج الأفارقة والهنود الأصليين) و6% زنوج و 1% المهاجرين العرب، أما عدد السكان الأصليين الذين بقوا على نقاءهم ولم يختلطوا بأي من الشعوب القادمة يصل إلى نحو 200 ألف نسمة اى ما يعادل 0.1% من إجمالي السكان .

 إلا انه مجتمع متجانس عرقيا، بمعنى أن هذه الأصول لا يمكن وصفها بأنها طوائف أو أعراق مختلفة أو متصارعة أو يمكن رسم خطوط فاصلة بين تجمعات منفصلة تقوم على أساس اللون، وربما يكون الاستثناء الوحيد هو مجموعة السكان الأصليين الذين يصرون على الاحتفاظ على نقاءهم وخصوصيتهم الثقافية وما زالوا يسكنون في غابات الأمازون ويعتقدون بخصوصيتهم وضرورة الحفاظ عليها، لأنها كل ما تبقى لهم في معركة الإبادة التي خاضوها ضد الرجل الأبيض طوال 500 عام عند وصول البرتغاليين لأراضى البرازيل.

إذاً امتلكت البرازيل إلى جانب قدراتها الطبيعية من حيث الأراضي الزراعية الشاسعة والأنهار الكثيرة والثروات الطبيعية مثل النفط والمعادن الوفيرة، بالإضافة إلى القوة السكانية التي تقترب من 200 مليون نسمة. امتلكت إلى جانب كل ذلك مناخ ديمقراطي سليم بدأ أولى خطواته في 1985 واخذ في النمو والاستقرار على مدار سنوات. إذا عند وصول "لولا" إلى الحكم في 2003 كانت البرازيل لديها خبرة 17 عاما من التجربة الديمقراطية بعيدا عن تدخل المؤسسة العسكرية بعد تاريخ طويل من الاستبداد والقهر العسكري، هذا المناخ الديمقراطي افرز إرادة شعبية قوية ورغبة عارمة لدى البرازيليين لتحقيق النجاح والنمو والتقدم رغم الفقر الشديد، وفى النهاية توفر للبرازيل زعيم برتبة رئيس لديه تاريخ طويل من العمل السياسي والنقابي ولديه خبرة حقيقية بمشكلات الدولة والشعب والاهم أن لديه إرادة للنجاح وتحقيق النمو والتقدم وهدف وحيد وهو مصلحة البرازيل، وكما يقول المحللين في البرازيل أن "لولا" مكث في الرئاسة ثماني سنوات لم يتربح لنفسه ريالا واحدا على الإطلاق. امتلك "لولا" عزيمة قوية للنجاح وكاريزما جعلت من اوباما يقول عنه: (لولا هو السياسي الأكثر شعبية على وجه الأرض).

تواجه مصر هذه الأيام مشكلتان اقتصاديتان أساسيتنان، ببساطة هما:

    مشكلة توافر القمح.   مشكلة عجز الموازنة العامة.

مشكلة القمح في مصر تنقسم لمشكلتين: مشكلة على المدى القصير و مشكلة على المدى البعيد

بالنسبة لمشكلة القمح على المدى القريب: وفقاً لبوابة الحكومة المصرية على الإنترنت  فقد أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية أن إجمالي الرصيد الحالي في مصر من القمح (المحلي والمستورد) بلغ 2.007 مليون طن، وهو ما يكفى لمدة 81 يوم أي حتى 21 يونيو 2013، كما بلغ إجمالي التعاقدات الخارجية الجاري توريدها من القمح 180 ألف طن ، ليصبح الإجمالي الحالي والجاري التعاقد عليه 2.187 ملايين طن يكفي لمدة 88 يوما أي حتى 28 يونيو 2013. هذا يطرح سؤالاً و هو كيف سنملأ هذه المخازنة بعد 88 يوماً من الآن؟ مصر هي المستورد الأكبر للقمح في العالم   و بالرغم من أنها حققت تطورا ملحوظا في تقليل الاستيراد بين عامي 2011، و 2012  مما قد ينسب للدكتور عصام شرف في بعض الأحيان ومما ينسب للجيش  في مقولة البعض، و لكن ما نراه في الأرقام واضحا هو أن تلك الفترة شهدت هبوطا في استيراد القمح.. و من الطبيعي أن يستمر هذا المعدل بعد استقرار البلاد نسبياً حين تولاها رئيس مصري .. و مصر تستورد 40% من طعامها، و تستورد 60% من قمحها و المشكلة التي تواجه مصر في هذا العام سنة 2013 هو أن نسبة انتاج القمح في العالم تنزل باضطراد، على الأقل بسبب مشكلة الجو في روسيا و هي ثالث مصدر للقمح على مستوى العالم و تلعب دوراً كبيراً في تصدير القمح للوطن العربي إذ انخفض مستوى انتاج القمح بنسبة 40% في روسيا

ماذا تفعل مصر؟

في مقابل هذا نجد رئيس جمهورية مصر العربية في حواره مع قناة الجزيرة يؤكد على زيادة نسبة انتاجية القمح، مع العلم أن في كل سنين استيراد مصر للقمح كانت مصر تنتج قمحاً، يمثل فقط 40% من نسبة القمح الذي تستهلكه مصر،  و لا يبدو على الفلاحين المصريين الرضا الكامل عن مثل هذه التصريحات كما رد رئيس “الفلاحين”  بزيادة إنتاجية القمح: الإنتاجية ستقل هذا العام عن العام الماضي و كان يعيب هذه التصريحات أنها افتقرت للأرقام الاقتصادية، و لكن الجانب الوحيد الذي قد يؤيد الدكتور مرسي هو تصريح وزير الصناعة: إنتاج القمح سيصل لـ 10 ملايين طن لأول مرة في تاريخ مصر المهندس حاتم صالح، وزير الصناعة والتجارة الخارجية، و أن يذكر أن وزارة التموين والتجارة الداخلية قد سوقت الموسم الماضي 3.7 مليون طن قمح، وتستهدف تسويق 4.5 مليون طن هذا العام، بزيادة 800 ألف طن عن العام الماضي، بنسبة زيادة 22%، استناداً إلى ارتفاع الإنتاجية هذا العام، والتي بلغت نحو 9 مليون طن قمـح، طبقاً لما أفادت به وزارة الزراعة .

و لو صح هذا الكلام فهو حل لحوالي مليون طن فقط، و ليس حل المشكلة الفعلية و بقي سبعة ملايين و نصف أخرى تستوردها مصر هذا قد يفسر سبب وجود جنرالات من الجيش المصري في زيارة مرسي الأخبرة لروسيا، لأن هذه المسألة تتعلق بالأمن القومي، و  شبه التعتيم أو التعتيم الجزأي عليها من قبل السلطة المدنية قد يكون بسبب أنهم يريدون إيجاد حل بعيدا عن الخصومات السياسية و تضييع الوقت في شرخ المشكلة للرأي العام و الصمود لهجوم الاعلام المصري

أما المشكلة التي على المدى الطويل:  فتكمن في التالي:

    أن مصر تزيد نسبتها السكانية بنسبة 2% كل عام، و أن المساحة المزروعة عموما تقل بشكل مستمر نتيجة توسع النسبة السكانية و هو التحدي الذي يواجه مصر  انخفاض سعر الجنيه المستمر، و ارتفاع أسعار الوقود و قد صدر تقرير أمريكي عن هذه المشكلة مشكلة عدم نمو انتاج القمح على المستوى العالمي  مشكلة هدر كميات كبيرة من القمح بسبب سوء التخزين

ثالثا- الفقر:

أفاد تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية لعام 2007 أن مصر تحتل المركز الـ 111 بين دول العالم الأكثر فقرا و أن 14 مليون من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر بينهم أربعة ملايين لا يجدون قوت يومهم .

و من أكثر المحافظات فقرا محافظة المنوفية تليها محافظة الدقهلية ثم الشرقية و القليوبية و القاهرة و الإسماعيلية و الإسكندرية و البحيرة و الغربية.

أسباب الفقر :

يرجع سبب زيادة نسبة الفقر في مصر إلي السياسات الاقتصادية المتبعة التي لا تعمل علي مبدأ العدالة و ارتفاع معدلات التضخم في توزيع الثروات مما أدي إلي زيادة تفشي ظاهرة الفقر الأمر الذي يؤكد أن انتشار الفقر هو انعكاس لرفع يد الدولة عن المرافق والخدمات الأساسية المنصوص عليها في المواثيق و يساهم انتشار الفقر في تفجر العنف و ارتفاع معدلات الجريمة بكافة أشكالها.

مؤشرات الفقر:

الفقر المطلق: يعرف بأنه الحالة التي لا يستطيع فيها الإنسان عبر التصرف بدخله الوصول إلي إشباع الحاجات الأساسية المتمثلة بالغذاء و المسكن و الملبس و التعليم و الصحة.

الفقر المدقع: يعرف بأنه الحالة التي لا يستطيع فيها الإنسان عبر التصرف بدخله الوصول إلي إشباع الحاجة الغذائية المتمثلة بعدد معين من السعرات الحرارية التي تمكنه من مواصلة حياته عند حدود معينة.

خطة لمكافحة الفقر:

لابد من دراسة وضعية الفقر في مصر و معالجة أسبابه عبر جمع المعلومات علي إن تكون نقطة البداية تحليل الفقر و الفقراء و تصنيفها و تبويبها و تحليلها إضافة إلي تحديد مفهوم الفقر و جوانبه و قياس مستوياته و يتمثل الهدف الرئيسي لهذه الإستراتيجية في تأهيل الفقراء ليصبحوا أناسا يساهمون في تنمية المجتمع بدلا من أن يكونوا مجرد مستهلكين و بالتالي فان مكافحة الفقر تصب في التنمية البشرية بمفهومها الشامل و تأخذ هذه الإستراتيجية في اعتبارها الدروس المستفادة من تجارب الدول الاخري التي حققت نتائج سريعة في مجال تقليص الفقر .

رابعا- أطفال الشوارع:

تعتبر ظاهرة أطفال الشوارع في مصر بمثابة القنبلة الموقوتة التي ينتظر انفجارها بين حين وآخر، حيث يشير تقرير الهيئة العامة لحماية الطفل أن أعدادهم وصل في عام 1999 إلى 2 مليون طفل وفي تزايد مستمر مما يجعلهم عرضة لتبني السلوك الإجرامي في المجتمع المصري.

أسباب ظاهرة أطفال الشوارع في مصر:

تظهر البحوث التي تجرى على أطفال الشوارع في مصر تعدد للعوامل التي تؤدي إلى ظهور وتنامي المشكلة، ويتفق اغلبها على أن الأسباب الرئيسية للمشكلة هي الفقر، البطالة، التفكك الأسري، إيذاء الطفل، الإهمال، التسرب من المدارس، عمل الأطفال، تأثير النظراء، وعوامل أخرى اجتماعية نفسية لها صلة بالمحيط الاجتماعي أو شخصية الطفل مثل البحث عن الإثارة.

سلبيات ظاهرة أطفال الشوارع:

تشير إحصائيات الإدارة العامة للدفاع الاجتماعي إلى زيادة حجم الجنح المتصلة بتعرض أطفال الشوارع لانتهاك القانون، حيث كانت أكثر الجنح هي السرقة بنسبة 56%، والتعرض للتشرد بنسبة 16.5%، والتسول بنسبة 13.9%، والعنف بنسبة 5.2%، والجنوح بنسبة 2.9%. . وتقول دراسة قام بها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط "أن أطفال الشوارع في مصر يواجهون مشاكل وأخطار كثيرة من بينها العنف الذي يمثل الجانب الأكبر من حياتهم اليومية سواء العنف بين مجموعات الأطفال صغيري السن، أو العنف من المجتمع المحيط بهم، أو العنف أثناء العمل.

ويتعرض الأطفال أيضا لرفض المجتمع لكونهم أطفال غير مرغوب فيهم في مناطق مجتمعات معينة بسبب مظهرهم العام وسلوكهم، كما يخشى الكثير منهم القبض عليهم من رجال الشرطة وبالتالي إعادتهم إلى ذويهم أو أجهزة الرعاية. بالإضافة إلى تعرضهم لمشاكل صحية مختلفة، ومشاكل نفسية بسبب فشلهم في التكيف مع حياة الشارع , وأضافت دراسة أن أطفال الشوارع في مصر لديهم احتياجات مباشرة وغير مباشرة منها تعليم مهنة، الحصول على عمل يرتزقون منه لإعاشتهم وإعاشة عائلاتهم في حالة الرجوع إليهم.

الجهود المبذولة للحد من ظاهرة أطفال الشوارع:

و من الجدير بالذكر أن السيدة سوزان مبارك تبذل الكثير من الجهد لمواجهة ظاهرة أطفال الشوارع و ذلك من خلال المجلس القومي للطفولة والأمومة و المبادرات التي ينفذها المجلس بالتعاون مع الوزارات والجمعيات الأهلية، ومن بينها المبادرة القومية لتأهيل ودمج أطفال الشوارع في المجتمع و متابعة دور الوزارات في دعم مراكز استقبال الأطفال وإمكانية إنشاء مراكز إضافية وذلك لتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية للأطفال بلا مأوى لجذبهم بعيدا عن الشارع توطئة لإعادتهم لأسرهم، وتدريب الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين على التعامل معهم من منظور حقوق الطفل , كما تؤكد السيدة سوزان مبارك علي أن المدرسة يجب أن تكون جاذبة للطفل ملبية لاحتياجاته واحتياجات أسرته وان توفر الترفيه داخل المدرسة والرياضة.

خامسا- عمالة الأطفال:

تحتل قضية عمالة الأطفال في مصر والعالم أهمية كبيرة خاصة بالنسبة للمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية وقد أدي هذا الاهتمام إلي صدور عدد من الاتفاقيات الدولية التي تهدف لحماية حقوق الأطفال ورعايتهم كما أدي إلي قيام الحكومات الوطنية بإصدار عدد من التشريعات والقوانين التي تهدف إلي حماية ورعاية حقوق الأطفال .وعلى الرغم من هذا الاهتمام على المستوي المحلى والدولي إلا أن الأطفال العاملين والمعرضين للخطر يزداد عددهم سواء على مستوي العالم أو في مصر.

تقدر منظمة العمل الدولية عدد الأطفال العاملين في العالم بنحو 205 مليون طفل في الفئة العمرية من 5 :14 سنة 120 مليون منهم يعملون كل الوقت و أكثر من ثلثيهم يعملون حوالي 70.4% من الوقت كما أن عمالة الأطفال في بعض الدول النامية تصل نحو ثلث قوة العمل الزراعية.

أسباب ظاهرة عمالة الأطفال:

وتشير بعض التقارير والدراسات الدولية والمحلية أن الفقر وتدهور العملية التعليمية يعدان من الأسباب الرئيسية لزيادة عمالة الأطفال خاصة في قطاع الزراعة كما تشير معظم هذه التقارير بأن سياسات تحرير الأسواق ساهمت بشكل كبير في تنامي الظاهرة وانتهاك حقوق الأطفال في الرعاية والحماية , كما تشير بعض التقارير إلي وجود قصور تشريعي في بعض القوانين المصرية والتي بموجبها لا يكفل للطفل العامل الاشتراك في نقابة مهنية تدافع عنه أو عدم شموله بالرعاية الصحية والاجتماعية أو حقه في الحماية القانونية والتي ينظمها قانون العمل المصري. و كذلك تفعيل دور الجمعيات الأهلية المعنية بحقوق الإنسان عامة و حقوق الطفل خاصة.

سادسا- عمالة الأطفال في مصر:

تتواجد ظاهرة عمالة الأطفال بوضوح في مصر شانها شان معظم البلدان التي لها نفس الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فقد تبين من مسح أجرى في 1999 في القاهرة أن العمال الأطفال من الجنسين كانوا يعملون أكثر من 9 ساعات يوما في المتوسط وأكثر من ستة أيام أسبوعيا وهو ما يتجاوز أوقات العمل التي يقضيها الكبار داخل العينة ذاتها وقد تبين أن جميع الأطفال العاملين ، تقريبا يعملون بصورة غير رسمية وبدون بطاقات عمل أو شهادات صحية مما يعنى أنهم لا يتمتعون بأي حماية قانونية كما أوضحت الدراسة أن نسبة من هؤلاء الأطفال " حوالي الثلث " يعانون من المعاملة السيئة والعديد من أشكال العنف التي يلقونه من أرباب العمل والمشرفين عليهم. وفي مصر بالرغم من صدور قانون الطفل رقم ( 12 )الذي يحظر عمل الأطفال وتحتوي بنوده على الكثير من النصوص التي تكفل حماية حقوق الأطفال إلا أن التطبيق العملي يؤدي إلي انتهاك حقوق الأطفال حيث يصل عدد الأطفال العاملين إلي أكثر من ثلاثة مليون طفل عامل معظمهم يعمل في ظروف عمل خطرة خاصة العاملين في منهم في مجال الزراعة .وتشير بعض التقارير إلى تدهور ظروف تشغيل الأطفال من حيث تدني الأجر وعدم وجود أجازات بالإضافة إلي إهمال مؤسسات الدولة لكفالة حقوق هؤلاء الأطفال في التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية وغيرها من صور الرعاية و تشير هذه التقارير أن على الرغم من عمل المنظمات غير الحكومية لحــماية حقــوق الأطفال في مصر إلا أن هذه الجهود لا تصل إلي حلول لمشكلات الأطفال وأسرهم المتراكمة مما يؤدى لاستمرار عمل الأطفال سواء في المدن أو الريف على حد سواء وتزايدها بسبب التخلف الاقتصادي والاجتماعي وعدم التوزيع العادل للثروة بين الريف والحضر أو العاملين باجر وأصحاب الأعمال والمزارع الكبيرة.

كيفية التصدي لظاهرة عمالة الأطفال:

لابد من تطوير قانون الطفل المصري بما يتوافق مع الانتهاكات التي يتعرض لها الطفل المصري و أن يتضمن الحماية اللازمة من كافة الانتهاكات التي يتعرض لها الطفل المصري عن طريق تجميع و تطوير كافة المواد القانونية المنتشرة في القوانين و التشريعات المصرية في قانون جامع لحماية الطفل المصري في كافة الظروف.

سابعا- التسرب من التعليم:

أن التسرب من التعليم من أخطر المشكلات التي تواجه مصر ، كما أنها أحد الأسباب الجذرية للمشكلة السكانية حيث تؤدى إلى تدنى الخصائص السكانية وتكريس الفقر من جيل إلى آخر.

و مشكلة التسرب من التعليم لا تخص وزارة التربية والتعليم فقط ، ولكنها مشكلة تتطلب تنسيق وزارات أخرى مثل وزارة الأسرة والسكان ووزارة التضامن الاجتماعي لتغطية الأبعاد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمشكلة ، مؤكدة على ضرورة رصد الموارد الكافية لتفعيل إدارة مكافحة التسرب وإعادة النظر في القوانين الحاكمة لإعادة الأطفال المتسربين من التعليم . كما أن نسبة التسرب من التعليم في المرحلة الابتدائية تبلغ 1.23%، فيما تبلغ في المرحلة الإعدادية 2.06%.

أسباب ظاهرة التسرب من التعليم:

إن معظم الفئات المتسربة من التعليم هم الأطفال الذين يتجهون لسوق العمل لأسباب مختلفة سواء لعدم توافقهم مع العملية التعليمية أو لظروفهم الأسرية.

الجهود المبذولة للتصدي لظاهرة التسرب من التعليم:

و يعتبر رصد التسرب من التعليم هو التحدي الأكبر الذي يجب مواجهته لحل المشكلة و لابد من مراجعة آليات رصد التسرب الموجود حاليا ومحاولة الوصول إلى صياغة جديدة تسمح بمتابعة الأفواج التعليمية عبر سنوات مراحل التعليم المختلفة ودراسة حالة كل طفل لمحاولة إعادته إلى النسق التعليمي المناسب. و تقوم وزارة الأسرة والسكان من خلال المجلس القومي للطفولة والأمومة بمد يدها للعديد من الفئات الأكثر احتياجا في المناطق المحرومة والقرى والنجوع ، حيث تم بناء ألف و115 مدرسة في 9 محافظات وجارى إنشاء 37 مدرسة حاليا ، بالإضافة إلى تضمين مبادرة تعليم البنات مكونين لمعالجة القضية السكانية تحمل أهم الرسائل المرتبطة بهدف تعبئة المجتمع وتغيير توجهات المواطنين وتطلعاتهم بحيث يستطيع الفرد اتخاذ القرار الأمثل.

و لابد أن يركز الخطاب الديني على أن الحرمان من التعليم هو تكريس للفقر ويحث الأهالي على تعليم أولادهم ، موضحة أن أفقر الفئات لا ترى جدوى أو قيمة مادية ومعنوية من التعليم ، وبعض الأهالي يختارون حرمان أولادهم من التعليم ويزج بهم في سوق العمل مما يعنى المساهمة في زيادة البطالة بالنسبة للبالغين.

كيفية التصدي لظاهرة التسرب من التعليم:

أن التسرب من التعليم مرتبط بجودة التعليم و بالتالي يجب أن تشمل قواعد البيانات تحديد الموقع الجغرافي والحالة الاقتصادية للأسر حتى نضمن وضع أيدينا على الفئات الأكثر احتياجا لهذه القاعدة و محاولة إيجاد طرق جديدة للتعليم تكون أكثر ايجابية و فاعلية كأسلوب التعلم النشط و تطبيق التقويم الشامل و ضرورة زيادة التركيز علي التوعية المجتمعية بمتابعة الأطفال أثناء الدراسة و بحث المشاكل و تجميع بيانات الأطفال المحرومين من التعليم للظروف المتعلقة بالتعليم و الانتظام بالدراسة عن طريق وزارتي الأسرة السكان و التضامن الاجتماعي للعمل علي إعادة 300 ألف تلميذ متسرب من مرحلتي التعليم الأساسي إلي التعليم العام.

ثامنا-  الزيادة السكانية

التعريف بالمشكلة السكانية:

هي عدم التوازن بين عدد السكان والموارد والخدمات وهي زيادة عدد السكان دون تزايد فرص التعليم والمرافق الصحية وفرص العمل وارتفاع المستوى الاقتصادي فتظهر المشكلة بشكل واضح وتتمثل بمعدلات زيادة سكانية مرتفعة ومعدلات تنمية لا تتماشى مع معدلات الزيادة السكانية وانخفاض مستوى المعيشة، أي أنه لا ينظر إلى الزيادة السكانية كمشكلة فى حد ذاتها وانما ينظر إليها فى ضوء التوازن بين السكان والموارد فهناك كثير من الدول ترتفع فيها الكثافة السكانية ولكنها لا تعانى من مشكلة سكانية لانها حققت توازنًا بين السكان والموارد.

والمشكلة السكانية لا تتمثل فقط بالزيادة السكانية إنما تتمثل أيضاً بالنقصان السكاني، وبالتالي فإن الأزمات والمشكلات المرتبطة بالمشكلة السكانية تعرب عن نفسها من خلال نقص الأيدي العاملة وتدني مستوى الانتاجية ومشاكل مرتبطة بالأسرة.. الخ، بهذا المعنى نجد أن المشكلة السكانية لا يوجد لها قانون عام ولا تأخذ نفس المعنى والنتائج نفسها في كل المجتمعات وعلى اختلاف المراحل، بل لكل مجتمع ولكل مرحلة معطياتها الاقتصادية.. الخ هي التي تحدد طبيعة هذه المشكلة السكانية..

تعد المشكلة السكانية في مصر من أكبر المشكلات البيئية ونشأت كنتيجة طبيعية للتزايد السكاني الكبير تبعاً لارتفاع معدل مواليد وقلة معدل الوفيات , وهذا التزايد السكاني السريع يفوق كل معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وهو بهذا يهدد خطط التنمية المستقبلية وبالتالي يؤثر على وجود ورفاهية واستقرار الانيان المصري في النهاية .

والذي أدي إلي ظهور مثل هذه المشكلات هو اختلال العلاقة بين الإنسان وبيئته التي يعيش فيها بالإضافة إلى أسباب أخرى خارجة عن إرادته. مما لا شك فيه أنها مشكلة تمس حياة المواطن المصري اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً وثقافياً وأمنياً ونؤثر فيها تأثيراً مباشراً وخصوصاً أن زيادة السكان عن الحجم الأمثل من شأنه أن يؤثر في النهاية على مقدرات المجتمع وموارده وعدم القدرة على رفع مستوى المعيشة وتوفير الحياة المستقرة المزدهرة للمواطنين. 92مليون نسمة تعداد مصر بعد 15 عاما ومعدلات البطالة 9% فالإنفجار السكانى فى مصر المحروسة يأكل الأخضر واليابس ويعد أحد الأبعاد الأساسية للأزمة الإقتصادية التى واجهها المجتمع خلال السنوات العشرة الأخيرة حيث حدث إرتفاع ملحوظ فى عدد السكان منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى الأن فبينما كان التعداد عام 1897 قد بلغ 9.6 مليون نسمة ثم تضاعف خلال 50 عاما إلى 19 مليون نسمة وفى عام 1976 قفز إلى 37 مليون نسمة وطبقا لتقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بلغ عدد السكان 66 مليون نسمة عام 2002 ومن المتوقع أن يصل عدد السكان فى عام 2006 الى 72 مليون نسمة وفى عام 2020 الى 92 مليون نسمة . وتأخذ المشكلة السكانية فى مصر ثلاثة أبعاد كما يؤكد تقرير المجلس القومى للخدمات والتنمية الإجتماعية:

فالبعد الأول هو: النمو السكانى السريع والناتج عن تزايد الخصوبة وانخفاض معدلات الوفيات وارتفاع معدلات الهجرة للخارج وتعويق المفاهيم الثقافية استخدام وسائل تنظيم الأسرة لتعارضها مع المعتقدات الدينية الإسلامية والخوف من الأعراض الجانبية وقصور مستوى الخدمات الصحية ونقص التمويل اللازم لمعالجة هذا القصور وأسهم فى الزيادة السكانية أيضا انخفاض معدلات الوفيات من 29 فى الألف عام 1945 الى 17 فى الألف فى بداية الستينيات حتى بلغ 6.5 فى الألف عام 1998 وتزايدت الفجوة بين معدلات المواليد والوفيات وانخفضت معدلات وفيات الأطفال الرضع من 165 لكل 1000 مولود فى الفترة مابين 1933 حتى 1939 الى 44 فى الألف فى نهاية التسعينيات .

أما البعد الثانى للمشكلة هو:

التوزيع الجغرافى غير المتوازن للسكان ورغم أن المساحة الكلية لمصر حوالى مليون كيلومتر مربع إإلا أن السكان يتركزون فى شريط ضيق على وادى النيل مساحته 4.9% وبلغت الكثافة السكانية على أساس المساحة المأهولة 1.8 ألف نسمة فى الكيلومتر المربع وفى القاهرة وحدها 38.5 ألف نسمة فى الكيلومتر المربع مما أدى الى تزايد العبء والضغط على الخدمات فى المدن وظهرت مشكلات جديدة تشمل قصور المرافق وتلوث البيئة وزحف المبانى على الأراضى الزراعية المحددة وإنتشار العشوائيات .

أما البعد الثالث: فلقد فجرت الأزمة السكانية مشكلات اجتماعية واقتصادية خطيرة أهمها ارتفاع مستوى البطالة الذى وصل الى 10.7% من اجمالى قوة العمل للسكان بدءا من 15 عام فأكثر طبقا لبيانات تعداد 1986 ثم انخفض الى 9% عام 2000 وانخفضت نسبة مساهمة المرأة فى قوة العمل وبلغت عام 1984 نسبة 18% فى الفئة العمرية من 12 حتى 64 عاما وارتفعت الى 22% عام 1977 . 

وتنبع المشكلة السكانية في مصر أساساً من عدم التوازن بين عدد السكان الذي بلغ حتى مايو 2008 حوالى ٧٨.٧ مليون نسمة، وفقاً لآخر تعداد سكاني، وبين الموارد والخدمات، وهو ما يفسّر عدم إحساس المصريين بثمار التنمية. وقد وصل عدد السكان إلى نحو 7ر76 مليون نسمة في تعداد عام 2006 مقابل نحو 5ر61 مليون نسمة في تعداد عام 1996 بارتفاع بلغت نسبته 7ر24 في المئة في عشرة أعوام. وتوقع مسح ديموغرافي أخير أن يصل عدد سكان مصر إلى نحو 6ر94 مليون نسمة بحلول عام 2017 ونحو 6ر118 مليون نسمة بحلول عام 2030 في حال ثبوت معدل الإنجاب الكلي الحالي. أضف إلى هذا ارتفاع الكثافة السكانية التي نتفوق بها علي الصين حيث تبلغ هناك حوالي ٩00 في الكيلو متر المربع بينما هي ٢000 بنفس الوحدة في بلدنا التي تبلغ إجمالي مساحتها مليون كيلو متر مربع بينما يعيش 84% من السكان على مساحة 6% من المساحة الكلية لمصر. كما لا تقتصر المشكلة السكانية في مصر على زيادة عدد السكان فقط، بل أيضاً على التوزيع العمري لهؤلاء السكان، حيث إن نسبة كبيرة من سكان مصر تحت سنّ الـ١٥ عاماً، بالإضافة إلى النمو الحضري العشوائي الذي أدى إلى تفاقم المشكلة، بسبب سوء توزيع السكان على رقعة الدولة، حيث يمثل سكان الحضر حوالى ٥٦.٩١٪ من إجمالي سكان مصر، وهو ما يعني انخفاض العاملين في الزراعة، وقلّة المنتجات الزراعية وارتفاع أسعارها، وهو ما يؤدّي إلى الفجوة الغذائية. أضف إلى ذلك تدنى الخصائص البشرية (الصحية – التعليميه – الاجتماعيه -  الاقتصادية)، خصوصا الخصائص التالية:

1- ارتفاع معدلات الأمية خاصة بين النساء، والزواج المبكر للإناث في مصر، وبالتالي الإنجاب المبكر. فلابد من رفع سن زواج الفتاة فى مصر إلى سن العشرين لكى تحصل الفتاة على حقها الطبيعى فى التعليم وتستطيع أن تساهم فى إختيار شريك عمرها وحتى يصبح الإنجاب فى سن مناسبة.

2- عمالة الأطفال :

أشارت نتائج تعداد عام 1986 إلى أن هناك 1.4 مليون طفل عامل فى سن أقل من 15 سنة وهم يمثلون 11.6% من إجمالى قوة العمل، وقد أكدت نتائج بحث القوى العاملة بالعينة عام 1998 نفس الحجم تقريبا لعمالة الأطفال حيث بلغ 1.38 مليون طفل عامل فى سن أقل من 15 سنة وهم يمثلون 7.4 % من إجمالى قوة العمل. ترجع أسباب ظاهرة عمالة الأطفال إلى سببين هما:

فقر الأسر التى يعمل أطفالها، واعتبار التعليم غير مجد لهذه الأسر حيث أن تعلم الطفل حرفة أفضل إقتصاديا للأسرة.

3-  ارتفاع معدلات وفيات الأطفال الرضع : بلغ معدل وفيات الأطفال الرضع حوالى 116 فى الألف عام 1970، إلا أن هناك تقدما ملحوظا حيث إنخفاض إلى 29 فى الألف عام 1998، إلا أن هذا المعدل لا يزال مرتفعا مقارنة بالدول المتقدمة.

4- متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي : يعتبر ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي ذو صلة وثيقة بنجاح تنظيم الأسرة، حيث أظهرت البحوث الميدانية الخاصة بدراسة الخصوبة وتنظيم الأسرة أن الأسر الغنية هى الأسر الأكثر إقبالا على تنظيم الأسرة والأقل إنجابا للأطفال حيث أنها تريد الحفاظ على نفس المستوى الإقتصادى والإجتماعى، فى حين أن الأسر الفقيرة تعتمد على أطفالها فى زيادة دخلها نتيجة دفعهم إلى سوق العمل فى سن مبكرة.  ويؤكد التقرير على أن المخرج من المشكلة هو تفعيل دور الأجهزة المحلية بالمحافظات وزيادة مشاركتها فى وضع وتنفيذ ومتابعة وتقيم البرامج السكانية والتنسيق بين هذه السياسات والأوضاع الداخلية لكل محافظة وأن يكون المحافظ مسؤلا بشكل مباشر عن تحقيق الأهداف السكانية للمحافظة كما يتعين توفير الدعم المالى والفنى للاجهزة المحلية لمواجهة المشكلة لتحقيق مبدأ اللامركزية ومشاركة مؤسسات القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية مع المؤسسات الحكومية فى وضع الحلول للمشكلة السكانية وتوفير الدعم اللازم لها وإعادة النظر فى السياسة القومية للسكان بما يتفق مع الأهداف الحالية فلم يعد من المقبول التسليم بالحق المطلق للزوجين فى تحديد عدد الأطفال بإعتباره أمرا خاصا ولابد من التدخل المشروع للدولة بكل الأساليب لحل هذه المشكلة .

أسباب المشكلة السكانية في مصر:

1- انخفاض نسبة الوفيات بين الأطفال:

تحسن الأوضاع الصحية أدى إلى انخفاض نسبة الوفيات بين الأطفال بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المواليد ترتب عليه زيادة عدد السكان.

2- زيادة متوسط عمر الفرد:

تحسن الأوضاع الصحية أدى إلى زيادة متوسط عمر الفرد مما ترتب عليه زيادة كبار السن وزيادة نسبة الإعالة.

3- القيم الاجتماعية المرتبطة بالإنجاب:

تنتشر في المجتمع المصرى بعض القيم المرتبطة بزيادة النسل والإنجاب مثل: زيادة عدد الأولاد يؤدى إلى ربط الزوج، والرغبة في إنجاب الذكور، كثرة الإنجاب والرغبة في تكوين عزوة، زيادة الإنجاب للمساعدة في العمل في المجتمعات الزراعية. وشيوع معتقدات دينية خاطئة عند بعض الفئات من المجتمع، وضعف الاقتناع بمبدأ طفلين لكل أسرة مع عدم وضوح الفرق بين انجاب طفلين أو ثلاثة أطفال لدي كثير من الأسر بالاضافة الي رغبة الأسرة في إنجاب طفل من كل نوع حتي ولو اضطرهم ذلك الي انجاب طفل ثالث للحصول علي النوع المطلوب وخاصة الطفل الذكر وهو مايعتبر من الموروثات الاجتماعية الخاطئة‏.‏

4- عدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة بالرغم من الرغبة في منع أو تأجيل الحمل خوفاً من الآثار الجانبية للوسائل‏, وقصور دور الإعلام الجماهيري، وعدم كفاية الرائدات الريفيات .

ولقد أدى التزايد السكاني إلى :-

1- عجز في الموارد الغذائية ( لاحظ طوابير العيش والصراع في الحصول على رغيف الخبز)

2- عجز في فرص التعليم المتاحة لاحظ الفترات في المدرسة الواحدة وأعداد تلاميذ كل فصل .

3- عجز في الخدمات الصحية

" وهذا ما نلاحظه بوضوح في المستشفيات المكتظة بالمرضى وضرورة الاتفاق المسبق لحجز سرير قبل الشروع في إجراء عملية جراحية .

4- عجز في فرص العمل ( لاحظ نسبة البطالة والعاطلين ).

5- عجز في الدخل السنوي.

6- عجز في الخدمات العامة ( نلاحظ ذلك بوضوح في وسائل المواصلات بكل أنواعها وانفجار مواسير الصرف الصحي في كثير من الأحياء.

أثر النمو السكاني على التنمية الاقتصادية:

الزيادة السكانية لها تبعاتها السيئة فلابد أن تتبعها استثمارات إضافية ضخمة لتلبية متطلبات السكان من خدمات ومرافق، كما إنها إذا استمرت بالمعدل الحالى، فسوف تؤثر على نصيب الفرد من الاراضى الزراعية لتنخفض من فدان لكل 9 مواطنين الى فدان لكل 15 مواطن كما سينخفض نصيب المواطن من المياه الى النصف تقريباً، حيث أن مصر لها حصة ثابتة منذ آلاف السنين ولا تزيد بالإضافة الي انخفاض نصيب الفرد من القمح وهذا كله سيؤدى إلى تهديد لنوعية الحياة والنمو الاقتصادي.

1- أثر النمو السكاني على سوق العمل:

يزيد النمو السكاني من عرض قوة العمل، لكن هذا العرض الإضافي لا يساهم في زيادة الإنتاج إذا لم يتناسب مع الموارد المتاحة، وإنما سيؤدي إلى زيادة معدلات البطالة ويخفض من مستوى الأجور وبالتالي يتدنى المستوى التأهيلي لقوة العمل المستقبلية بسبب تأثير انخفاض الأجور على التركيب التعليمي للسكان.

2- أثر النمو السكاني على الادخار والاستثمار:

تؤدي زيادة عدد السكان إلى انخفاض الادخار والاستثمار وبالتالي انخفاض معدل النمو الاقتصادي والدخل الفردي، وتستند هذه الآراء إلى معدلات الخصوبة والمواليد، حيث أن التزايد السكاني يؤثر سلباً على عملية خلق التراكمات اللازمة لعملية التنمية، فارتفاع عدد السكان يؤدي إلى ارتفاع عدد المواليد في المجتمع، وهذا يؤدي بدوره إلى انخفاض نصيب الفرد الواحد مما يضعف مقدرة الأسر والإفراد على الادخار وانخفاض مستوى دخل الأسرة بالمقارنة مع عدد أفرادها يجعلها تكاد لا تفي باحتياجات هؤلاء الافراد من المادة الاستهلاكية الأساسية ويمنعهم من أي مدخرات ذات معنى وعندما يكون حجم الادخار في المجتمع ضعيفاً فسيكون بالتالي حجم الاستثمار ضعيفاً أيضاً والنتيجة ستضعف قدرة المجتمع على المشاريع الاستثمارية والتي ستعرقل عملية التنمية الاقتصادية.

3- أثر النمو السكاني على الاستهلاك:

يؤدي إلى زيادة الطلب الإجمالي على السلع بنوعيها الضروري والكمالي مقابل محدودية الدخل وزيادة الحاجات مما يشكل ضغوطاً على المسيرة التنموية للمجتمع .

للتغلب على المشكلة بآثارها الاقتصادية والاجتماعية :

للتغلب على المشكلة بآثارها الاقتصادية والاجتماعية لابد من السير في اتجاهين هما: تنظيم الأسرة، والتنمية الاقتصادية, وأن تركز السياسة الشاملة على مواجهة الأبعاد الثلاثة المتعلقة بالمشكلة وهى النمو والتوزيع والخصائص.

ومن أساليب مواجهة المشكلة السكانية:

1- زيادة الإنتاج والبحث عن موارد جديدة. والاهتمام بتوفير فرص العمل للقضاء علي الفقر وإنشاء مشروعات صغيرة خاصة في المناطق العشوائية وذات الزيادة السكانية ويفضل الاستفادة من فكرة بنك القروض المتناهية في الصغر.

2- الحد من زيادة السكان بإصدار التشريعات، مثل:

رفع سن الزواج، وربط علاوات العمل والإعفاءات الضريبية بعدد الأبناء، بمعنى إعفاء الأسر محدودة الدخل من أنواع معينة من الرسوم والضرائب أو منحها تأمينا صحيا شاملا أو الحصول علي دعم غذائي مجاني أو منح الأم التي تبلغ الخمسين مكافأة مالية إذا التزمت بطفلين وترفع عنها هذه المميزات إذا تجاوزت هذا الشرط‏. وتقديم حوافز للقري والمدن التي تحقق انضباطا في وقع الزيادة السكانية عبر خدمات ومشروعات تقام فيها‏.‏ ‏والاستفادة من تطبيق القوانين التى صدرت مؤخراً، وخاصة قانون الطفل الذى يجرم عمالة الأطفال كأحد المداخل المهمة وغير المباشرة لمواجهة المشكلة السكانية.

3- يجب وضع إستراتيجية إعلامية متكاملة تستهدف إقناع الأسر المصرية بثقافة الطفلين فقط، والربط بين القضية السكانية والقضايا الأخرى المتصلة بها مثل الأمية والمساهمة الاقتصادية للمرأة وعمالة الاطفال والتسرب من التعليم، وتنمية الثقافة السكانية. والتوعية بمشكلاتها.

4- عودة القطاع الخاص للمساهمة في حل المشكلة السكانية أصبح ضرورة ملحة ممثلا في قطاع رجال الأعمال والشركات الكبري وصولا إلي المساجد والكنائس والمدارس الريفية وذات الفصل الواحد.

5- الاهتمام بالخصائص السكانية وتبني برامج فعالة للتنمية البشرية في محو الأمية والتعليم والصحة لمرددها المباشر علي السكان.

6- أهمية التركيز علي فئة الشباب في المرحلة المقبلة لترسيخ مفاهيم الأسرة الصغيرة والتخطيط الانجابي والمساواة بين الجنسين حيث انهم يمثلون آباء وأمهات المستقبل وهم الطريق الي تحقيقا لهدف القومي المتمثل في طفلين لكل أسرة‏, وإعطاء دور أكبر للشباب في المساهمة في حل هذه المشكلة من خلال نشر التوعية والتحذير من خطورة الزيادة السكانية وأثرها على التنمية، والتحلي بقيم الإخلاص والعطاء والولاء للوطن، والعمل على الاستفادة بكل طاقاته في إكتساب المعارف والقدرات التي تؤهله للتعامل مع العصر بمقتضى معطياته.

7- تفعيل فكرة التوزيع السكاني من خلال خطط جذب السكان للمناطق الجديدة، وغزو الصحراء وإعادة النظر في خريطة توزيع السكان؛ فمصر من الناحية العددية تستوعب ضعف عددها الحالي ذلك أن المصريين يعيشون على 6% من مساحة مصر، بينما تحتاج 94% من مساحة مصر أن تكون مأهولةً بالسكان، وأن المصريين مكدَّسون في 3 محافظات، وباقي المحافظات بها خلخل سكاني رهيب.

8- زيادة الاهتمام بصعيد مصر؛ حيث إن 25% من سكان مصر يسكنون فى ريف الصعيد، وهم مسئولون عن 41% من الزيادة السكانية، كما أن للرجل فى صعيد مصر دورا مهما وكبيرا فى مواجهة المشكلة السكانية، حيث إن الرجل هو صاحب القرار فى الصعيد. ومن بين الأساليب غيرالتقليدية إحياء مشروع "الدوار"، وذلك لمناقشة الرجال فى كل ما يتعلق بتنطيم الأسرة، وسيكون لهم فاعلية فى إنجاح برامج تنظيم الأسرة وخاصه فى الريف، كما يجب دخال رجال الدين والعمده، وجميع الفئات الفاعلة والعاملة فى هذا المجال خاصة المجالس الشعبية والتنفيذية

تاسعا- ظاهرة التسول:

ظاهرة تفشت في المجتمع المصري ولا نبالغ عندما نقول أنها أصبحت مهنة مربحة للغاية يلجأ إليها الكثير لتحسين المستوى الاجتماعي لا لأنه في حالة احتياج مادي حقيقي، وإنما لأنه يبحث عن مستوى أعلى من تغطية احتياجه. إنه "التسول" الوباء الاجتماعي الذي ساد في المجتمع المصري في الآونة الأخيرة وأصبح عملاً لقطاعات عريضة من أبناء هذا المجتمع أصبح للتسول مفهوم حديث يتناسب مع روح العصر والمجتمع أيضاً الذي تظهر فيه الظاهرة ، وعلى الرغم من أن معظم القائمين به من الفئة التي لم تنل من العلم ما يؤهلها لدراسة المجتمع إلا أنهم يعلمون جيداً كيفية الوصول للفئة التي يتسولون منها و من الملاحظ أيضا أن نسبة التسول في النساء والأطفال واضحة بشكل ظاهر مع تراجعها عند الرجال بشكل ملحوظ .

أسباب ظاهرة التسول:

أن المتسول ليس مريضاً نفسياً وأنه لا علاقة بين المرض والتسول ، أما الظاهرة ترجع لأسباب عديدة من بينها الفقر والبطالة وتفاقم ظاهرة أولاد الشوارع التي تعد قنبلة موقوتة أقترب انفجارها كما أن الحقد الاجتماعي يلعب دوراً فيها، فالمتسول يعتقد خطأ أنه يأخذ حقه من المواطنين الذين سلبوه حقه في الحياة الكريمة وان ما يقوم به أفضل الطرق بدلاً من اللجوء للسرقة أو النصب.

و يعتبر التسول مشروع اقتصادي مربح لبعض فئات المجتمع من التي تستغل من هم أقل منهم و تعلم طرق التحايل على القانون هذه الفئة تعلم جيدا سبل الاستغلال الجيد لفئة أخرى يغفل عنها المجتمع وهم أطفال الشوارع المستغلين في كل الوظائف التي تسبب ضررا للمجتمع مثل (التسول، ترويج المخدرات، السرقة، الاعتداء الجنسي) وكلها أمراض تسبب الآلام للمجتمع المصري الذي يحاول التبرير للظاهرة عادةً ولا يضع يده على نقاط القوة والضعف فيها .

موقف الإسلام من التسول:

دعا الإسلام إلى التعفف وأكد على مكانة الفقراء الذين يرفضون التسول حفاظاً على أنفسهم وتعففاً حتى لو اضطروا لأي شيء المهم أنهم يرفضون النظرة الدنيا من الآخرين، وأكد علماء الدين ورجال الفقه أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية اقتضت التنفير الشديد من التسول، أما إذا كان الإنسان في حالة احتياج حقيقي ولا يجد حلاً أخر فلا لوم عليه، وإنما اللوم على من رفض مساعدته ، أما من يؤثر التسول وهو بإمكانه أن يستغنى فحكمه هو الكراهية الشديدة حيث أكدت الآيات على التنفير والتحذير من ذلك فالتلاعب والكذب والتضليل واستعمال الأطفال وما يشبه ذلك أعمال محرمة ولاشك في تحريمها.

كيفية التصدي لظاهرة التسول:

علاج هذه الظاهرة يحتاج إلى تكاتف المجتمع بأكمله لمناهضة التسول بدايةً من توسيع المشاركة العلمية في حل قضية أطفال الشوارع، والاهتمام بالتعليم ، وزيادة الوعي بأهمية قبول الآخر، خاصة ممن نشأ في ظروف اجتماعية واقتصادية سيئة كما أن الأمر يحتاج لمزيد من الإصرار ووضع خطط جيدة للقضاء عليها بشكل نهائي و التسول ظاهرة متشابكة ومعقدة تستوجب الاهتمام بها ومحاصرة القائمين عليها بكل الطرق حتى نتمكن من تقليل النسبة على الأقل والقضاء عليها بشكل تدريجي تعتبر الزكاة الحل الأساسي لمثل هذه الظاهرة لأنها ركن من أركان الإسلام ولو طبق هذا الركن سيكون حلاً جذرياً كما أن التطبيق الفعلي للقانون يلعب دورا مهما في القضاء علي هذه الظاهرة فقد نص القانون علي توقيع عقوبة الحبس، التي تقع بين شهر على الأقل وسنة على الأكثر، لمن يمارسه دون وجه حق .

عاشرا- الإدمان(التدخين و المخدرات)

التدخين:

أظهرت احد البحوث البريطانية أن دخان السجائر يؤدي إلي تلوث الهواء بنسبة اكبر(10 مرات) من عادم السيارة التي تعمل بوقود الديزل و أكدت دراسة أخري أن دخان السجائر لا يقتصر ضرره علي المدخنين فحسب و إنما يمتد الضرر ليشمل غير المدخنين أيضا كما أشارت الدراسة لإمكانية حدوث حرائق و كوارث من جراء إلقاء أعقاب السجائر مشتعلة وخاصة قرب الأشياء سريعة الاشتعال مما يؤدي إلي تلوث الهواء بالدخان مما يتسبب في الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب.

أخطار التدخين علي الفرد و المجتمع:

إن أخطار التدخين و عواقبه الوخيمة من تعرض للأمراض أو الوفاة و المرتبطة بالتدخين سواء كان اختياريا أو بالإكراه أي استنشاق دخان التبغ المنبعث من سجائر الآخرين عندما يكون المرء معهم في مكان مغلق كما انه يقلل العمر المتوقع للمدخن و يزيد من العجز و الضعف و يزيد نسبة التغيب عن العمل كما انه يسبب سرطان الرئة و هو من اشد الأمراض السرطانية خطورة و أكثر سببا للموت فقد أدي هذا المرض إلي وفاة الألوف بسببه و تقول التقارير أن التدخين مسئول عن الإصابة بأمراض السرطان بنسبة 75%لدي المدخنين و الجدير بالذكر أن مخاطر التدخين تطال غير المدخنين أيضا و الواقع أن المدخنين ليسوا فقط الذين يشربون الدخان بل يعتبر الذين يستنشقون الدخان من المدخنين أيضا.

المخدرات:

مصر دولة مستهلكة للمخدرات من بعض الدول الأوروبية و الأسيوية و العربية و الأمريكية كما أن موقعها الجغرافي جعل منها دولة عبور تمر المخدرات عبرها من الدول المنتجة إلي الدول المستهلكة.

مخاطر المخدرات علي الفرد و المجتمع:

أن المتعاطي يفقد السيطرة على سلوكه ومن ثم يصبح أسير ما يتعاطاه يعتمد عليه للحصول على نشوة زائفة هي في حقيقة الأمر مدمرة لكيانه ولوعيه بنفسه ولعلاقاته بمن يحيط بهم ويتحول إلى كائن ولا حول له ولا قوة . فالإدمان يمثل خطرا داهما على الفرد والمجتمع فمن مخاطره انه يكون وراء المشكلات الزوجية ومشاكل العمل والمخالفات القانونية وحوادث الطرق والديون والسلوك العدواني وله أيضا مخاطر صحية كالتهاب المعدة وقرحة الإحدى عشرية والتهاب الأعصاب وتليف الكبد والالتهاب الرئوي والايدز وأيضا إلى إمراض نفسية وعقلية كالقلق والاكتئاب ومحاولة الانتحار والجنون ويؤدى إلى ظهور كثير من المشكلات الاجتماعية كالانحراف والتفكك الاجتماعي واللامبالاة والمشكلات الأسرية ويؤثر على الإنتاج حيث يفقد المدمن القدرة على العمل ويؤدى كذلك إلى ضياع جانب كبير من ميزانية الدولة في العلاج ويرتبط الإدمان بالجريمة كالقتل والسرقة.

كيفية التصدي لظاهرة الإدمان:

أن الإقلاع عن الإدمان سواء كان إدمان للتدخين أو المخدرات لابد أن يكون نابعا من داخل الفرد المدمن حتى يؤتي ثماره كما انه لابد من زيادة حملات التوعية ضد مخاطر الوقوع في دائرة الإدمان و تطبيق القوانين أيضا يمكن أن يلعب دورا مهما في الحد من هذه الظاهرة الخطيرة كذلك لابد من تنمية الوعي الديني و الأخلاقي و القيمي لدي الشباب لحمايتهم من الوقوع في خطر الإدمان كما تمثل الرعاية الأسرية عاملا هاما في التصدي لتلك الظاهرة و التخفيف من أثارها السلبية في حالة حدوثها و أخيرا أننا ننصح كل المدمنين بالإقلاع فورا عن هذه الآفة الخطيرة التي ثبت ضررها في مختلف الميادين الصحية و الاجتماعية و الاقتصادية .

أهم التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر

تتسم المرحلة الحالية في مصر بحالة من عدم الإستقرار السياسي والإجتماعي، وهو ما يعد أهم الأسباب لعزوف المستثمرين الأجانب عن المجيء لمصر، بل إن الإستثمار المحلي أيضاً لديه المخاوف نفسها نتيجة تلاحق الظروف المتشابهة والتي كلما تتخذ إتجاهاً للنمو والتطور تأتي تطورات جديدة فترجعنا خطوات للوراء، فلا يمكن أن ننكر أن الوضع السياسي الراهن المتقلب والمتأرجح يؤثر بشكل مباشر على دخول الإستثمارات الأجنبية والمحلية. فالوضع السياسي المستقر يعني وجود خطة إقاصادية مدروسة ومحكمة مما يجعل المستثمر في حالة إطمئنان وتشجيع دائم على إستكمال مشروعاته أو خططته التنموية داخل مصر. تتأثر أيضاً العلاقات الإقتصادية والاستثمارية المصرية مع بعض الدول نتيجة ردود الأفعال التي إتخذتها هذه الدول فإختلطت الأمور، مستثمرون كثيرون هربوا من مصر عقب الموجة الأولى من الثورة في ٢٥ يناير و٣٠ يونيو وآخرون تخوفوا من المجيء للإستثمار في مصر في غضون هذه الفترة بكل ما فيها من توترات سياسية وأمنية واقتصادية. مع الوضع الحالي، يحاول متخذو القرار في الحكومة إتخاذ الخطوات اللازمة لتنشيط الإستثمار في مصر على الرغم من وجود بعض العثرات الإقتصادية أمامهم منها ما هو متعلق بتسهيل الإستثمارات الداخلية والتعاملات مع البنوك مع تيسير الإستثمار على صغار المستثمرين المحلين لتشجيع المشروعات الصغيرة.

1-   التحدي الأمني:

 من الجدير بالذكر أن الاستقرار الأمني يعد الداعم الرئيسي لتشجيع المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب للدفع بأموالهم لعمل حراك إقصادي في أي بلد، ومن قراءة المشهد الأمني في مصر في المرحلة الحالية أو بشكل أكثر تحديداً في الفترة ما بعد ٣٠ يونيو نجد أن إهتزاز الأمن وتزعزعه جعل الكثير من المستثمرين يتخوفون من ضخ أموالهم ومشروعاتهم لتنشيط الإستثمار في مصر. ومن ناحية أخرى تحاول الحكومة الحالية من خلال وزير الداخلية، على الرغم من محاولات زعزعة الأمن المصري ومنها محاولة اغتيال وزير الداخلية، أن تبذل جهودا حثيثة للسيطرة على الإنفلات الأمني وذلك من شأنه أن يزيد من تشجيع المستثمرين وتقليل مخاوفهم، ومن ناحية أخرى سيساعد على تنشيط السياحة وجذب المزيد منها خاصة وأن قطاع السياحة كان من أكثر القطاعات تأثراً بما حدث في هذه الفترة مع أنه كان يجلب لدخل مصر القومي قدراً كبيراً مما يساعد على إنتعاش الإقتصاد والإستثمار.

2- التحدي الإقتصادي:

نتيجة الأحداث السياسية المتلاحقة ونتيجة لوجود نسبة كبيرة من المتسثمرين الذين واجهوا عثرات إقتصادية لاسيما ما يتعلق بتصالح المستثمرين ورجال الأعمال، فكان من الضروري أن يتم تحفيز الإستثمار المؤسسي متوسط وطويل الأجل في السوق المصرية لضمان الحفاظ علي الإستقرار السوقي خاصة وأن مستقبل البورصة المصرية خلال الأشهر القليلة القادمة سوف يظل مرهوناً بأداء المستثمرين المحليين من أفراد وبنوك وصناديق إستثمار في الاساس ورغبة هذه الأطراف في مساندة السوق ودعمها حتى تجتاز هذه الفترة، فدعم الأطراف المحلية للسوق يعطي رسالة ثقة للمستثمرين الأجانب والعرب بأن الامور تمضي إلى الأفضل وبالتالي لا داعي للخروج من هذه السوق الواعدة. مما يعني أنه مع إستقرار الوضع السياسي الراهن ومع تفعيل فكرة المصالحة أو إستخدامها بشكل أفضل قد يفتح ذلك آفاقاً أفضل وأوسع للمستثمرين لإجذبهم في الفترة القادمة مع ضخ سيولة من الدول الداعمة للموقف السياسي الحالي مما يزيد إحتمالية الإنتعاش النسبي في المرحلة المقبلة.

3- ضعف الاستثمار المحلي:

من أهم التحديات التي يواجهها الإستثمار في مصر ضعف الإستثمارات المحلية المصرية مما يجعلها وحدها غير كافية على الإنعاش الإقتصادي المطلوب بالإضافة إلى أنه عقب أحداث ٣٠ يونيو تأثرت العديد من القطاعات الإقتصادية، خاصة مع إرتفاع طموحات المصريين عقب الثورة الأولى في ٢٥ يناير ٢٠١١ ثم مع ضعف الإنتاج مما جعل هذه أحد التحديات التي تحتاج لمواجهة من جانب الحكومة من ناحية ومن جانب المستثمرين من ناحية أخرى لتشجيع الإستثمار المحلي وتوفير عدد أكبر من فرص العمل لإستيعاب طاقة الشباب.

أما عن فرص الإستثمار في مصر في هذه المرحلة فيمكن رصدها في عدد من المؤشرات التي يرى البعض فيها الجانب المتفائل ومنها من يرى الرؤية ضبابية إلى حد كبير. فأصحاب وجهة النظر الأولى يقولون إن آفاق الإستثمار وفرصه ستزيد مع إستقرار الوضع الأمني والسياسي ومع قدوم مزيد من المستثمرين الأجانب، أما الجانب الآخر فيرى أن المشهد الحالي معقد إلى حد كبير خاصة من الناحية الإقتصادية وأن إلتزمات مصر الحالية وإرتفاع توقعات الشعب المصري إلى جانب عدم إستقرار الإستثمار هذا يعني أنه يحتاج لفترة لكي تتفتح الفرص. ومن هذا المنطلق هناك بعض التوصيات التي من شأنها أن تساعد في تحسين فرص الإستثمار في مصر في الفترة الحالية، ومن أهمها:

١- إتاحة فرص أكبر للإستثمار المحلي والأجنبي في كافة المجالات وذلك بتيسير القوانين الخاصة بالمستثمرين وأن تتيح قوانين الإستثمار العديد من فرص ومجالات الإستثمار أمام كافة المستثمرين بشكل عادل ومشجع وعدم تعقيد الإجراءات والخطوات.

٢- عمل لجنة إقتصادية متخصصة تجمع خبراء ومتخصصين وتكون موازية لعمل الحكومة الحالية ومن شأنها تبني أفكار استثمارية الجديدة وعمل الدراسات الازمة لها وترتيبها من حيث الأولويات الحالية وتقديمها للحكومة ويكون لهذه الهيئة طابع إستشاري يتم الأخذ به من جانب الحكومة الحالية للعمل على تشجيع الإستثمار وزيادته وتوفير فرص جديدة وفعالة من شأنها أن تستوعب الطاقة البشرية الكامنة في الشباب وإستغلالها في الإنتاج.

٣- العمل على تنشيط قطاع السياحة في مصر، فالسياحة هي قاطرة التنمية الإقتصادية. السياحة حينما تترجم اليوم إلى أرقام فإنها تعني ما يقرب من ٤٠% من إجمالى عائدات الخدمات، متجاوزة بذلك جميع إيرادات المتحصلات الخدمية و١٩,٣% من حصيلة النقد الأجنبى، وحوالي ٧% من إجمالي الناتج المحلي بصورة مباشرة، والذي يرتفع إلى ١١,٣% إذا ما أضفنا المساهمات غير المباشرة في قطاع السياحة والمتمثلة في الخدمات المصاحبة للسفر والسياحة حيث يمثل نصيب قطاع المطاعم والفنادق فيها فقط ٣,٥% وذلك لتشابك صناعة السياحة مع كثير من القطاعات الإنتاجية والخدمية التي تزيد على ٧٠ صناعة مغذية. كما تعتبر السياحة من أهم قطاعات الدولة توفيراً لفرص العمل حيث تصل نسبة الذين يعملون بها سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى حوالى ١٢,٦% من إجمالى حجم العمالة في الدولة. ومن هذا المنطلق لابد أن يستعيد هذا القطاع عافيته بالإضافة إلى باقي القطاعات الصناعية التجارية والزراعية والتكنولوجية.

٤- عمل الشراكات البناءة بين مصر والدول الأخرى وتدعيم ذلك من خلال تبادل الزيارات والتشجيع على عقد فعاليات جديدة ومستمرة لجذب المستثمرين الأجانب ودعوتهم لحضور اللقاءات المختلفة لكي يطمئنوا بأنفسهم من إستعادة الأمن وأن مصر طول الوقت هي مصدر ومركز التفاعل الإقتصادي والثقافي.

٥- الدعوة إلي نقاش عام حول التصالح مع رجال الأعمال والمستثمرين وذلك بمشاركة كافة القوى السياسية والمهتمين من رجال القضاء والإقتصاد والسياسة في ضوء إعتبارات تحقيق المصالح الاقتصادية للبلاد والعدالة الإجتماعية لكافة الفئات في المجتمع وذلك لتقرير ما إذا كان هناك توافق عام بشأن مبدأ التصالح مع هؤلاء أم لا، وفي حالة وجود توافق عام حول مبدأ التصالح مع المستثمرين ورجال الأعمال فيقترح إصدار تشريع ينظم عملية التصالح في قضايا الاستثمار. إن قضية التصالح مع المستثمرين ورجال الأعمال يجب أن لا تتم بمعزل عن القضية الأهم وهي المصالحة الوطنية الشاملة وأن لا يستثني رجال الأعمال والمستثمرين، ويجب أن يؤخذ في الاعتبار إختفاء الحدود الفاصلة بين اختصاصات وسلطات ذوي المناصب المختلفة سواء تنفيذية أو برلمانية في النظام السابق وبين رجال الأعمال والمستثمرين المتهمين في قضايا الفساد الإقتصادي والمالي بل إن عدد من هؤلاء المتهمين كانوا يشغلون مناصب هامة في الدولة سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية، وهو ما يستوجب في هذه الحالة التفرقة بين مستثمرين عاديين لم يرتبطوا سياسياً بالنظام السابق وبين مستثمرين كانوا جزءاً في الأجهزة السياسية للنظام السابق واستفادوا من هذا الارتباط السياسي.

٦- لابد من تبني سياسات وخطط مُتقدمة وواقعية، تعمل على توفير فُرص عمل، واستثمار جيد، مع التركيز على مجال البحث والتطوير، بالإضافة إلى ضرورة العمل على قضايا الدعم والأجور، وتطوير النظام الضريبي، والتوصُل إلى كيفية الإيقاف في مُواجهة أسباب تزايُد مُعدلات التضخُم، وعجز المُوازنة العامة، والتزايُد المُستمر لخسائر البورصة، وما إلى ذلك.

0-                      لابد وأن تتبنى الحكومة مبدأ الشفافية في التعامل مع تلك الإشكاليات الاقتصادية، والإطلاع على الوضع الاقتصادي الحقيقي للتعرف على كيفية تخطيه والتقدم نحو مستقبل أفضل وفرص أكثر للإقتصاد والإستثمار المصري ووضع رؤية متكاملة للإصلاح الضريبي، مع وضع أولويات وبدائل الإصلاح.

1-                      وبناء على ذلك ازدات الكتلة النقدية أكثر من أربعين ضعفاً عن الكتلة السلعية ، في ظل عدم قدرة الدولار أن يكون المقياس الحقيقي لقيمته النقدية ، في ظل إثبات الكثير من المستفيدين من البنوك والذين لا يستطيعون سداد ديونهم ،مما أدى لغرامات ووقوع الكثيرين تحت طائلة القانون ، وتتحمل الولايات المتحدة الكثير من أسباب هذه الأزمة بسبب زيادتها للانفاق العسكري على حساب زيادة الانفاق في مجال الاستثمار المفيد ، وأن هذه الأزمة ستنتقل إلى جميع الدول وستؤدي إلى الانخفاض على الطلب وخاصة في الاقتصاد العيني ، وأهم الأنعكاسات لهذه الأزمة على الدول النامية ومنها مصر فقد رأى المجتمعون مايلي :

2-                      - انخفاض معدلات النمو بسبب الركود الاقتصادي وانكماشه في الولايات المتحدة والعالم الغربي ، مما أدى إلى انخفاض التجارة الدولية بنسبة 10% خاصة أن هؤلاء شركاء تجاريين لكثير من هذه الدول .

3-                      - انخفاض الإيراردات من السياحة والمضائق والقنوات البحرية مثل قناة السويس.

4-                      - انخفاض الصادرات لهذه الدول

5-                      - انخفاض التحولات المصرفية

6-                      - انخفاض الطلب في الصناعات التحويلية بنسبة 4% ، بسبب حالة الفزع لدى الكثيرين .

7-                      - نقص الإيرادات من الأوراق النقدية

8-                      - عودة الاختلالات المالية وسعر الصرف

9-                      - تدني الجودة في الصناعات

10-           - تحول الاقتصاد إلى اقتصاد استهلاكي منه انتاجي

11-           - تدني الانتاج

12-           - وجود فجوة بين الصادرات والواردات

13-           - ضعف الاستثمار في الداخل مقارنة بالخارج

14-           - انسحاب الدولة من المجال الاقتصادي دون أن تدرك أنه لا يوجد قطاع خاص يستطيع أن يحل محلها .

15-           - التنازل عن بعض الإيرادات مثل ضريبة المبيعات وتخفيض الضريبة الجمركية .

16-           - انخفاض أداء الشركات وسلوكياتها

17-           - اتباع سياسة تحررية بلا نقاء

18-           وأكد المحاضرون أن الأزمة أدت إلى خسارة مالية لمصر تصل إلى خمسة مليارات خلال الفترة (2004-0008) ، وستزداد هذه الخسارة بالنسبة لمصر بسبب أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستخفف معونها لمصر من 450مليون دولار إلى 200 مليون دولار مع تقسيط هذه الديون إلى 350ملون دولار .

19-           كما رأى المحاضرون أيضاً أنه لحل هذه الأزمة يجب على الحكومات أن تقوم بعدة إجراءآت أهمها :

20-           - تشجيع الاستثمار في الداخل وتقليله في الخارج

21-           - دعم الصادرات وتقليل الواردات

22-           - زيادة الأجور

23-           - المساعدات الاجتماعية (المعاشات )

24-           - تفعيل صناديق الإئتمان والاستثمار والتأمين

25-           - الزيادة في الانفاق العام

26-           - إعادة ترتيب أولويات الإنفاق ( تقليل مخصصات الجيش وقوات الأمن ) ورفع مخصصات الصحة والضمان الاجتماعي ، والتعليم

27-           - ضرورة أن تقوم الحكومة بدراسة جدوى قبل تمويل أي مشروع .

28-           - البحث عن موارد إضافية

29-           - تقليل التضخم

30-           - حل مشكلة الغلاء والبطالة

31-           - المحافظة على معدل نمو مناسب

32-           - تسريع وتقديم المشروعات المؤجلة أو المستقبلية .

33-           - توفير البيانات ولجنة للمتابعة

34-           - الاهتمام بالزراعة كونها توفر العملة الصعبة وتحقق الاتفاق الذاتي للسكان من الغذاء.

35-           - عدم الاستغناء عن العمال والاهتمام برؤوس الأموال والشركات

36-           - تقليل بعض الخسائر بالنسبة لرجال الأعمال

37-           - ترشيد سوق العقارات

38-           - فرض ضرائب على المضاربات

39-           - فرض رقابة على سوق الأسعار

40-           - ضرورة وجود شفافية مطلقة لحل هذه الأزمة ، فمن غير المعقول زيادة الانفاق على قطاع على حساب قطاع آخر .

الخاتمة

 

 

1. كانت التقارير التي أصدرت عن النمو الاقتصادي في مصر، سواء المحلية أو الدولية مضللة، حيث ركزت على الإشادة بمعدلات النمو من الناحية المطلقة، دون أن تتطرق إلى أمرين في غاية الأهمية؛ الأول هو مصادر هذا النمو، والتي كانت في معظمها هامشية أو ريعية، في الوقت الذي كانت تتراجع فيه الأهمية النسبية للقاعدة الإنتاجية، سواء الصناعية أو الزراعية للاقتصاد المصري على نحو واضح، بحيث أصبحت مصر تفتقد حاليا إلى قاعدة إنتاجية تتناسب مع الموارد التي تملكها، خصوصا المورد البشري. فقد وجه النظام السابق جل اهتمامه إلى القطاعات الخدمية والقطاعات غير المنتجة، فتم الاهتمام بالإسكان الفاخر، وتنمية الشواطئ وبناء المنتجعات في الوقت الذي كانت تستورد فيه مصر جانبا كبيرا من السلع الاستهلاكية والآلات والمعدات والغذاء، وهو ما انعكس في العجز الهائل في الميزان التجاري المصري.

 

 

2. الأمر الثاني وهو توزيع هذا النمو، أو بالأحرى من استفاد من هذا النمو؟ فقد كان هذا النمو على حساب العدالة المفترضة في توزيع الدخل بين الفئات الدخلية المختلفة، حيث تراجعت مكانة الطبقة الوسطى والتي كانت تشكل غالبية الشعب المصري عندما استلم النظام السابق الحكم، وأصبحت الهوة بين الفئات الدخلية المرتفعة والفئات الفقيرة واسعة جدا، وقد اعترفت المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي بأن تقاريرها عن النمو الاقتصادي في مصر لم تكن دقيقة، لأنها ركزت على معدلات النمو من الناحية المطلقة، دون أن تأخذ في الاعتبار معايير التوزيع أو اعتبارات العدالة الناجمة عن هذا النمو.

 

 

3. نظرا لضيق القاعدة الإنتاجية عاشت مصر، ومازالت، فترات طويلة انتشرت فيها الضغوط التضخمية على نحو واسع، والتي ساعد على تعمقها ضعف قاعدة الإيرادات العامة للدولة والتي تسببت في عجز مستمر في الميزانية العامة للدولة والذي كان يتم تمويل جانب منه من خلال الإصدار النقدي الجديد، والذي يغذي الضغوط التضخمية. ونظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر حاليا من المتوقع ان تتعمق تلك الضغوط بصورة أكبر في المرحلة القادمة، ولسوء الحظ فإن محاربة التضخم في هذا التوقيت بالذات سوف تكون مهمة في غاية الصعوبة، وذلك نظرا للمناخين المحلي والدولي غير الموائمان حاليا، حيث ترتفع أسعار الغذاء عالميا ومحليا بصورة مثيرة للقلق.

 

 

4. من أخطر التحديات التي تواجه مصر حاليا وفي المستقبل هي ارتفاع معدلات البطالة، لأسباب عديدة أهمها عدم مناسبة إستراتيجية التعليم الحالية لمتطلبات سوق العمل، بصفة خاصة التعليم الجامعي، من ناحية أخرى فإن عمليات الاستثمار التي تتم حاليا في الاقتصاد المصري لا تخلق فرص عمل كافية للداخلين الجدد إلى سوق العمل، وقد كان من المفترض ان تركز استراتيجيات الاستثمار على الأنشطة كثيفة الاستخدام لعنصر العمل. عدد كبير من الداخلين الجدد لسوق العمل من كافة المصادر يقضون حاليا فترات طويلة في حالة بطالة بحثا عن العمل الذي لا يجدونه في كثير من الأحيان، وأمام هذه الضغوط يضطر الكثير من الشباب إما إلى الهجرة إلى الخارج أو قبول وظائف لا تتماشى مع مؤهلاتهم ومهاراتهم، أو العمل في القطاع غير الرسمي من الاقتصاد المصري، وهو ما يمثل هدرا للموارد الضخمة التي أنفقتها الدولة على عمليات تأهيلهم. المشكلة التي يواجهها صانع السياسة في مصر هي أن نسبة صغار السن تعد مرتفعة للغاية، وعاما بعد آخر ترتفع أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وكل عملية خلق لوظيفة إضافية تقتضي ضرورة القيام بإنفاق استثماري يعتمد على ما يطلق عليه في الاقتصاد بالمعامل الحدي لرأس المال/العمل، أي مستوى الإنفاق الرأسمالي اللازم لخلق وظيفة إضافية. وأخذا في الاعتبار المستويات الحالية للبطالة فإن التعامل مع مشكلة البطالة في المستقبل سوف يتطلب ضرورة القيام باستثمارات ضخمة تتجاوز إمكانيات الاقتصاد المصري حاليا، ولا شك أن استقرار مصر الاقتصادي في المستقبل سوف يتطلب ضرورة خلق عدد كاف من الوظائف المنتجة للملايين من العاطلين عن العمل حاليا، وللداخلين الجدد إلى سوق العمل، ولا شك أنه هذه مهمة لن تكون سهلة، وتتطلب رسم خطط متكاملة للتنمية في القطاعات الإنتاجية المختلفة في الاقتصاد المصري مصحوبة بسياسات فعالة لجذب الاستثمارات الأجنبية في الصناعات كثيفة الاستخدام لعنصر العمل.

5. على المستوى المالي تواجه مصر تحديا آخر مرتبط بارتفاع العجز في ميزانيتها العامة، والذي يصل في بعض الأحيان إلى نسبة 9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة جدا، وتفرض على مصر، في ظل ضعف القاعدة الضريبية بها أن تلجأ إلى الاقتراض، سواء المحلي أو الخارجي، ولا شك ان استمرار هذا العجز على نحو متصاعد يعني أن النمو الحالي في الدين العام سواء المحلي أو الخارجي لن يكون مستداما، ويتوقع أن يميل هذا العجز نحو الارتفاع بصورة واضحة في فترة ما بعد الثورة، وذلك قبل أن تعمل مصر على رفع إيراداتها العامة وترشيد نفقاتها بهدف السيطرة على النمو في ميزانيتها العامة. فعلى الرغم من هيكل الضرائب المكثف جدا الذي تتبناه مصر حاليا، إلا ان الإيرادات الضريبة تعتبر منخفضة بشكل عام، ولا تتجاوز نسبة الـ 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي بهذا الشكل تقل عن المستويات المحققة في معظم دول العالم المتقدم منها والنامي، الأمر الذي يعكس حقيقة ان الضرائب المفروضة، على كثافتها، لا تحصل، وأن هناك تهربا ضريبيا يمارس على نطاق واسع في الدولة من قبل الممولين وبمساعدة الجهاز الحكومي الذي يفرض ويحصل الضريبة، وأن الجهاز الضريبي لا يتسم بالكفاءة والفعالية المناسبة.

6. من ناحية أخرى تواجه مصر من الناحية التقليدية عجزا مستمرا ومتفاقما في ميزان المدفوعات، بصفة خاصة في الميزان التجاري (الصادرات السلعية والواردات السلعية)، حيث تعجز الإيرادات من النقد الأجنبي من الصادرات عن تغطية احتياجات مصر من الواردات من الخارج. وعلى الرغم من أن ميزان المعاملات غير المنظورة (صادرات وواردات الخدمات) يحقق فائضا، إلا إن هذا الفائض للأسف لا يكفي لتغطية فجوة الواردات في الميزان التجاري، لذلك تلجأ مصر إلى الاستدانة بصورة مستمرة لتغطية العجز في ميزان المدفوعات.

7. تواجه بيئة الأعمال في مصر عقبة خطيرة تتمثل في انتشار الفساد على نحو واسع والذي أصبح يؤثر سلبا على عمليات تخصيص الموارد وكيفية توزيعها بين الأطراف المختلفة في الدولة، كما أصبح الفساد يهدد إقبال المستثمرين على الاستثمار في مصر، بصفة خاصة الاستثمار الأجنبي. وتشير التقارير التي تصدرها منظمة الشفافية العالمية إلى تراجع ترتيب مصر الدولي في مجال مكافحة الفساد، ولا شك أن من أهم التحديات التي تواجهها مصر في المستقبل هي كيف تكسب معركة محاربة الفساد المستشري بصورة عميقة في كافة أرجاء الجهاز الإداري للدولة، خصوصا مع تدني مستوى المرتبات التي يحصل عليها العاملين في الدولة وتجاهل النظام السابق لهذه الحقيقية بصفة مستمرة وعدم العمل بجدية على تحسين أوضاع هؤلاء العاملين، وبما ان العاملين في الدولة ينبغي عليهم تدبير قوت يومهم بصورة ما، فقد انتشرت الرشوة وغيرها من أشكال الفساد الإداري على نطاق واسع.

8. وأخيرا يعد ضعف البنية التحتية وتردي مستواها أحد اخطر التحديات التي تواجه مصر لكي ترتفع بمستويات إنتاجها وتنافسيتها، فقطاعات مثل الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والطرق والمواصلات والاتصالات والمطارات والموانئ... الخ، في حاجة إلى تحسين ضخم لرفع كفاءتها المتدنية للغاية حاليا، والتي تضع مصر في مركز متدني كدولة مستقبلة للاستثمار الأجنبي أو مقدمة للخدمات بصفة خاصة الخدمات السياحية، ولاشك أن مصر تحتاج إلى أن تستثمر في بنيتها التحتية ذات المستوى الضعيف، وهي مهمة سوف تتطلب ميزانيات ضخمة قد لا تستطيع مصر الوفاء بها ذاتيا في الوقت الحالي، وسوف تحتاج مصر إلى مساعدة المؤسسات المالية الدولية والإقليمية لرفع قدرتها على الاستثمار في مجال البنى التحتية اللازمة لنمو، وألا فسيظل ضعف البنية التحتية في الاقتصاد المصري أهم القيود على تقدمه ونموه ورفع مستويات تنافسيته. هذه هي المشكلات الرئيسية التي تواجه مصر حاليا، ومما لا شك فيه ان هناك مشكلات أخرى ملحة مثل انتشار الفقر، وانتشار ثقافة التربح والكسب السريع وانتشار البيروقراطية ومركزية اتخاذ القرار وغيرها من المشكلات التي تكبل الاقتصاد المصري وتحول دون انطلاقه نحو الأمام لتصبح مصر في مصاف الدول الناشئة في العالم مثل ماليزيا وكوريا الشمالية، والتي لا تقل مصر عن هذه الدول من حيث الموارد والإمكانيات، ولكن المشكلة الأساسية التي تواجه الاقتصاد المصري هي في سوء عملية توجيه الموارد وإدارتها.

 

 

التعليقات