الكاتب الجزائري عبد الرزاق بوكبة لـ دنيا الوطن: لا أفهم الرواية خارج تعدد الأصوات

الكاتب الجزائري عبد الرزاق بوكبة لـ دنيا الوطن: لا أفهم الرواية خارج تعدد الأصوات
الجزائر - دنيا الوطن رياض وطار 
 
عبد الرزاق بوكبة اسم  حفر له مكانة في المشهد الأدبي والإعلامي  والثقافي الجزائري بأحرف من تعب، صدرت له إلى الآن  روايتان هما "جلدة الظل: من قال للشمعة أف؟" و"ندبة الهلالي: من قال للشمعة أح؟"، وثلاثة كتب إبداعية هي "من دس خف سيبويه في الرمل؟" و"أجنحة لمزاج الذئب الأبيض" و"يبلل ريق الماء" وكتابان إعلاميان هما "عطش الساقية" و"نيوتن يصعد إلى التفاحة". وقد تم اختياره عام 2010 ضمن أفضل 39 كاتبا عربيا أقل من أربعين عاما.

اشتغل عبد الرزاق في العديد من المؤسسات الإعلامية والثقافية الهامة في الجزائر مثل المكتبة الوطنية والمسرح الوطني أين أدار فضاء  "صدى الأقلام" منذ 2006، دون أن ننسى تجربته في التنشيط بالإذاعة والتلفزيون الجزائريين أين أعد ونشط العديد من البرامج الثقافية الناجحة قبل أن يحط الرحال بالوكالة الجزائرية للاتصال والنشر والإشهار.

 في هذا الحوار الذي خص به قراء دنيا الوطن يتحدث بوكبة عن روايته الأخيرة "ندبة الهلالي" وعن نظرته للمشهد الأدبي الجزائري، ومواضيع أخرى تتعلق بتجربته الأدبية والإعلامية.

 

 

 

حاوره لدنيا الوطن بالجزائر: رياض وطار

 

 

 

 

قيل الكثير عن روايتك الأخيرة" ندبة الهلالي" فمنهم من انتقدها لصعوبة فهمها ومنهم من اعتبرها قفزة نوعية في مسارك الأدبي. كيف تتعاطى مع الأمر؟

سأكون كاذبا إذا قلت إن الأمر لا يهمني، فأنا من النوع الشغوف بتتبع آثار تلقي ما أكتب، لكنه لا يملك القدرة على أن يهز قناعاتي الأدبية في حالة اصطدامي بالرفض، أو يزيد من تكريسها عندي إذا اصطدمت بالقبول، إلا في حدود أصرّ على أن تكون خاضعة لوعي حاد بفعلي الكتابة والقراءة معا. أنا صاحب مشروع إبداعي، ومن السذاجة إخضاعه لمزاجيتي أو مزاجية القراء قبولا أو رفضا، ثم إن تباين ردود أفعال القراء حيال ما نكتب علامة صحية مشجعة. 

اتسمت الرواية بغياب الراوي، فهل هو تغييب متعمد أم غير مقصود؟

لا أومن بالعفوية في الكتابة الروائية، ولا أمارسها إلا في حدود الوعي الحاد بالجرعة المسموح بها في الكتابة، ذلك أن الرواية بنت الانتباه كما ورد على لسان أحد شخوص "ندبة الهلالي". الرواية بناء متكامل لا يقبل العبث، أقصد الاستسهال والارتجال، لا العبث بصفته حساسية وجودية وجمالية قائمة بحد ذاتها، وما أشرتَ إليه من غياب للراوي، هو محاولة مني لتجنب الراوي العليم، وانفتاح على الأصوات في تعددها ورغبتها في الحكي، ليصبح التعدد هو الراوي الرئيسي، مع توفير البنية السردية القادرة على تقديم هذا التعدد بشكل يخدم الرواية.

وهو ما جعل هذه الرواية تتميز عن أعمالك السابقة بتداخل الحكايات، ما هي خلفية هذا الخيار في الكتابة؟

ليس خيارا بل تجربة، أو لنقل إنه خيار التجريب، وقد أملته علي رغبتي في معايشة شخوصي كما يرسمون ملامحهم، لا كما أرسمهم أنا، ورغبتي في الاستمتاع بأن آخذ بأيديهم، وأقول لهم: تعالوا.. أنتم أيضا تستحقون أن تكتبوا. لقد عشت تجربتين في هذه الرواية، هما تجربة المعايشة في الواقع، وتجربة الكتابة نفسها، وقد حدث لي مثلا أن سهرت سهرة في وهران تحدث لي فيها سبعة عشر إنسانا في الوقت نفسه، وكان كل واحد يرغب في أن يستولي على رقعة الحكي، وكنت أستوعب الجميع، وهذا ما حدث أثناء لحظة الكتابة. لا أفهم الرواية خارج تعدد الأصوات.

 

هل انتقالك من الشعر إلى الكتابة الروائية نابع من مشاطرتك للرأي القائل إن عصر الشعر قد مضى وحل محله عصر الرواية أم ثمة أسباب أخرى؟

لا أتعاطى الأجناس الأدبية بصفتها سلعا، يمكن للواحدة أن تحل محل سلعة أخرى، أو يمكن لمنطق الموضة أن يخلق انزياحا لهذه السلعة لصالح تلك، بل من منطلق كونها بدائل نفسية، يؤطرها وعي حاد بفعل الكتابة. الكتابة فعل وليست رد فعل، وعندما تمارس وفق هذا المنطق، يصبح سؤال التجنيس معطى شكليا. ثم إنني لم أغادر الشعر يوما، لا كتابة ولا معايشة، بل إنني لم أغادره حتى داخل الرواية نفسها.

الكثير ممن يعرفونك سواء من القراء أو من الأدباء تأسف لتركك للشعر، فماذا تقول لهم، وهل يمكن لنا رؤيتك تعود مجددا إلى الشعر؟

لم أغادر حتى أعود، وليس ذنبي إذا تم التعتيم على تجربتي الجديدة "يبلل ريق الماء" الصادرة قبل شهور، وهي تجربة زجلية لفتت الانتباه إليها في المشهدين التونسي والمغربي، ولم تفعل في الجزائر، ثم لماذا لم يقل هؤلاء، وهم روائيون، إنني شاعر كبير كما يفعلون الآن، إلا بعد أن نشرت الرواية؟ لا أفهم هذا إلا محاولة لتثبيط عزيمتي الروائية، وأنا أؤكد على أنه ليس هناك من يستطيع تثبيطي روائيا إلا أنا ذاتي.

 باعتبارك أحد الناشطين المهمين في المشهد الثقافي الجزائري، ما تقييمك لواقع الساحة الثقافية عامة والأدبية خاصة؟

لا نملك ساحة ثقافية جزائرية، بل بقعا ثقافية تشرف عليها فرديات، تزدهر وتضمحل حسب ظروف وأمزجة هذه الفرديات، فالساحة لا تكون ساحة إلا إذا كانت خاضعة لإستراتيجية واضحة المنطلقات والآفاق، وهذا ما لا تملكه المؤسسة الثقافية الرسمية الجزائرية رغم ملاييرها،، ولا ترغب في امتلاكه، بل ولا تسمح بأن يكون، لأنه يؤسس للوعي بالذات والوجود من منطلق جمالي، وهي تتعامل معه ـ بصفتها تابعة للمؤسسة السياسية المتكلسة ـ على أنه مصدر خطر، هناك خطوط معينة مسموح بها، ومن يتجاوزها إما أن يجد نفسه مرغما على الهجرة أو الصمت أو الإجهاض.

هل يؤمن عبد الرزاق بالمجايلة في الأدب الجزائري، ولماذا هذا الصراع القائم بين الجيل القديم وشباب اليوم؟

كثيرا ما قلت إن ثقافة الصراع بين الأجيال الأدبية في الجزائر أفرزتها بنية الدولة نفسها، والتي قامت بعد الاستقلال، إنها بنية أقرب إلى طبيعة القبيلة منها إلى طبيعة الدولة المدنية، وهذه خلفية رئيسية من التعسف أن نقرأ جملة الصراعات الثقافية واللغوية وحتى السياسية بعيدا عن مراعاتها، وهي صراعات لا تزال سارية المفعول إلى غاية اليوم بين الأجيال، بل بين الجيل الواحد نفسه، مما أدى إلى حرمان المشهد الوطني من ثمار نخبته التي تجد نفسها في كل مرة مورطة في الصراع عوض الإبداع، ومرغمة على عدم التنسيق بين ثراءاتها وصولا إلى منظومة وطنية ثقافية تدرك رهاناتها ومنطلقاتها ومآلاتها في ظل أبعاد حضارية متنوعة "بعد إفريقي ـ متوسطي ـ أمازيغي ـ عربي ـ إسلامي" ، والنتيجة أن العوامل التي كانت قادرة على أن تشكل منطلقا للثراء باتت منطلقا للصراع.

هل تؤمن بالجوائز وهل تسعى إلى الفوز بها، علما أنه سبق لك وأن نلت جائزة  بيروت 39؟

مرحبا بالجائزة التي لا تلغي حريتي، ولا تفرض علي ولاءات معينة، ولا يزكي قبولي بها ما لا يحق لكاتب حقيقي أن يزكيه.

لماذا غياب الرواية عن اهتمامات السينمائيين والمسرحيين الجزائريين ؟

غياب أسست له عجينة من الجهل وعقدة النقص، ومنطق الريع من خلال الاستحواذ على الميزانية بتولي المخرج نفسه لكتابة النص.

وقعت لك حادثة مع الروائي الراحل الطاهر وطار أدت إلى انقطاع  تام للعلاقة التي كانت بينكما، هل أنت نادم على ما حدث بينكما؟

عمي الطاهر كاتب وإنسان كبير، وقد غضب شديدا حين أعلنت انسحابي من قائمة الموقعين على بيان وجّهه إلى الرئيس الحالي، يطالبه فيه بتحسين الذوق اللغوي للجزائريين، وقد كان انسحابي مقدمة لانسحاب أسماء أخرى، وسبب انسحابي أنه رفض التوقيع على بيان آخر لجماعة أخرى، غير أنه سمح لهم بأن يستعملوا أسماء من وقعوا على بيانه من غير أن يستشير أحدا. زرته في مكتبه بجمعية الجاحظية لأشرح له موقفي، فرفض استقبالي قائلا: لا تحضر حتى جنازتي، وهذا الذي كان.

باعتبارك المشرف على أهم فوروم أدبي" صدى الأقلام" التابع للمسرح الجزائري كيف نشأت لديك فكرة تأسيسه وما هي التجربة التي اكتسبتها منه بعد مرور 10 سنوات على ميلاده؟

لست من أسس الفضاء، بل مدير المسرح الوطني الجزائري الراحل امحمد بن قطاف، أنا التحقت به بعد عام تقريبا، وقد عملت على استغلال رغبته في ردم الهوة بين الأدباء والمسرحيين، فأدخلت الشعر والرواية والقصة القصيرة إلى المسرح، وأرى أن المسعى بدأ يؤتي ثماره.

سبق لك أن اشتغلت أيضا في الإعلام الجزائري الثقيل بنوعيه السمعي والمرئي من خلال تنشيطك لحصص أدبية، واليوم أنت مستقر بالوكالة الحكومية للنشر والإشهار، ألا يراودك الحنين إلى العمل الإعلامي، أم أن العمل الإداري قتل فيك الصحفي والمنشط؟

أكتب مقالي الأسبوعي بدون انقطاع، وأراسل القسم الثقافي لموقع "الجزيرة نت"، وأكتب في صحف عربية، أما التنشيط التلفزيوني والإذاعي، فأنا زاهد فيه هذه الأيام لعدم توفر فرص نظيفة، لست إداريا في عملي الجديد بالوكالة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار، بل أنا في صميم خدمة الكتاب والكتّاب.

من من الأدباء القدامى والشباب الذين تحبذ القراءة لهم وما هو آخر كتاب قرأته؟

أقرأ معظم ما يصدر في المشهد الجزائري من غير انتقاء، ثم أحكم بعد القراءة، وأنتقي ما يصدر خارجه، وأنا الآن بصدد قراءة رواية "كيف.. كيف" للتونسي يوسف بحري، وأجدها عملا خارقا للعادة المغاربية والعربية.

كخاتمة مسك لحوارنا ماذا يقول عبد الرزاق بوكبة للقارئ العربي؟

أشكره على الاحتفاء الذي يوليه للأدب الجزائري، وأثمّن منه ذلك، وأدعوه إلى البحث أكثر عن التجارب التي لا تلتفت إليها المنظومة الإعلامية حتى تصبح نظرته إلى هذا الأدب متوازنة.


التعليقات