غزة.. لا ولن تنسى يومي 7 و 14 مارس عام 1957م

غزة.. لا ولن تنسى يومي 7 و 14 مارس عام 1957م
 بقلم:طلال قديح 

في 29 أكتوبر عام 1956 م ، فوجئ العالم العربي ومعه أحرار العالم ، بالعدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر ، رداً على قرار الزعيم الخالد جمال عبدالناصر ، بتأميم قناة السويس ، شركة مصرية مملوكة للشعب المصري، الذي شقهها أبناؤه بجهودهم ورووا ثراها بدمائهم الغالية.
ظلت بريطانيا تستثمر قناة السويس وتتحكم في الملاحة فيها كيفما يحلو لها بعيداً عن حق الشعب المصري الذي يفترض أن تكون له السيادة والتحكم فيها.
أحس المصريون بالغبن، فكانت ثورة يوليو عام 1952م ، انتفض أحرار مصروالتف حولهم الشعب كله، وبدأت مصر التاريخ تستعيد دورها القيادي في العالمين العربي والإسلامي والعالم الثالث " دول عدم النحياز" التي غدت لها وزنها ودورها على المستوى العالمي.. وكانت مصر والهند ويوغسلافيا لها الدور الريادي القائد.. وعرف العالم ناصر ونهرو وتيتو هذا الثلاثي العظيم الذي فرض حضوره وتأثيره وكان الصوت المجلجل في كل المجالات.
كان تأميم القناة بمثابة صفعة قوية على وجه الاستعمار الغربي ، أفقدته صوابه ليتوجه إلى مصر بطائراته وأساطيله، وانتهزت إسرائيل الفرصة لتدفع بقواتها لغزو مصر.. وهكذا كان العدوان الثلاثي الذي قوبل من مصر وغزة بمقاومة شديدة أذهلت الأعداء الذين كانوا يتوهمون أن الأمر سيكون مجرد نزهة ، اغتراراً منهم بقوتهم ووفرة أسلحتهم الفتاكة. خرج المصريون ومعهم الشعب العربي كله وأحرار العالم، يستنكرون هذا العدوان الغاشم ، ويشجبون المؤامرة الثلاثية .. وكان لدول عدم الانحياز دور كبير في لجم هذا العدوان، إضافة إلى موقف الاتحاد السوفييتي التاريخي في مجلس الأمن والأمم المتحدة .. وصدر قرار تاريخي بوقف العدوان وضرورة انسحاب القوات الغازية بأسرع وقت ممكن.
وغادرت القوات الغازية الأراضي المصرية مرغمة، تجر أذيال الهزيمة والعار.وتم ذلك في 23 ديسمبر عام 1956م ، ليصبح هذا اليوم عيد النصر تحتفل به مصر كل عام.
وكعادنها تلكأت وراوغت إسرائيل وحاولت بكل عنادها عدم الانسحاب من قطاع غزة.. لكنهه فشلت في ذلك وأرغمت على الانسحاب وتحقق ذلك في 7 مارس 1957، فتخرج الجماهير الفلسطينية مهللة مكبرة ، احتفاء بالخلاص من هذا العدو البغيض.. امتلأت الشوارع والميادين وأقيمت الاحتفالات مع أهازيج النصر والفرح..
ودخلت قوات الطوارئ الدولية غزة وأخذت مواقعها على الحدود الفاصلة مع العدو.. وكان مقرها الرئيس في قلب مدينة غزة ، ورفعت علمها الأزرق على السارية‘ إلا أن ذلك أثار حفيظة الغزيين الذين لايرضون بالإدارة المصرية بديلاً.. فالعلاقة بمصر علاقة تاريخية.. انبرى أحد شباب غزة الذي لم يقبل بهذا العلم ، فتسلق السارية لينزل علم الأمم المتحدة ، ويرفع بدلاً منه العلم المصري..لكن سرعان أن أطلقت النار عليه فسقط شهيداً فداء للعلاقة الأخوية المتميزة بين فلسطين ومصر.
وعادت الإدارة المصرية لقطاع غزة ، واستقبل الناس الحاكم الإداري العام بحفاوة بالغة وهتفوا لمصر ولناصر وللأمة العربية.. هكذا كانت غزة عبر التاريخ ، تجسد الوفاء لكل من وقف معها، وأيد النضال الفلسطيني.. وكانت مصر هي الرائدة على الدوام.
لن ننسى 14 مارس أبداً، كنا آنئذ طلابا في المرحلة الابتدائية ، فشاركنا في الاحتفالات ورددنا بأعلى أصواتنا، وقلوبنا ترقص فرحاً، ونفوسنا تفيض سعادة، أناشيد النصر..وكان أبرزها نشيد الله أكبر..
الله أكبر ، الله أكبر فوق كيد المعتدي.. والله للمظلوم خير مؤيد.. أنا بالحق وباليقين سأفتدي.. بلدي ونور الحق في يدي. 
إن جيلنا الذي رضع حب الأمة العربية ، وخاصة حب مصر، لايمكن إلا أن يظل متمسكاً بهذه الثوابت فهي تجري في عروقة مجرى الدم.. وتزداد مع مرور الزمن تأصلاً وثباتاً. كنا ننتظر 7 مارس كل عام بفارغ الصبر ، فهو عيد النصر الذي يحتفل به الناس جميعاً ويجدون فيه بادرة خير بنصر كامل يعيد اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها قسراً.وظلماً. 
اعتادت مصر أن توفد كل عام في 7 مارس، وفداً رفيع المستوى يرأسه نائب رئيس الجمهورية، يضم نخباً من وجوه المجتمع في الأدب والصحافة والعلم والسياسة، مما وثق العلاقات لتمتاز بخصوصية فريدة، يشارك غزة فرحتها بجلاء المحتل .. وكانت تلقى فيه الخطب الحماسية والقصائد الوطنية الحماسية فتشعل الغزيين حماساً وتزيدهم تمسكاً بحقوقهم الثابتة.. وكل أبناء غزة مدينون لمصر حيث تلقوا علومهم في جامعاتها على أيدي عمالقة ممن تتوج أسماؤهم هامة العلم والفكر.. وكان الفلسطينيون طلاباً أوفياء ونجباء ، اقتفوا أثر أساتذتهم، وساروا على نهجهم.. ووصلوا إلى الذروة عالمياً، يشار إليهم بالبنان. 
سقياً لتلك الأيام ، فقد كانت تملؤنا عزة وشموخاً،وتدفعنا قدماً على طريق الوفاء للأجداد والآباء، الذين بهم نعتز ونفخر، ونعض على تراثهم بالنواجذ، ونتمسك به بكل قوة ولا نحيد عنه أبداً.
• كاتب ومفكر عربي.
• 14مارس 2014م.

التعليقات