"فيل المفاوضات".. "حمامة البابا"و"الآكشن الفلسطيني"!

كتب غازي مرتجى
(1)
منذ بدأت المفاوضات الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية وحتى اللحظة لم يستخدم المُفاوض الفلسطيني التعامل بشفافية مع جمهوره الداخلي وهو ما خلق حالة من الرفض المُطلق لما أُطلق عليه اتفاق إطار كيري , وكذا خلق حالة من عدم الثقة بأي تصريحات سياسية موجهّة من قبل الطرف الفلسطيني , على الرغم من تعامل المُعارضين مع التسريبات الصحفية المُترجمة حتى لو كان هدف تسريبها لم يكن الرأي العام الفلسطيني ..
وُجهت رسائل الى القيادة الفلسطينية والوفد المفاوض بأنّ التفاوض بالخفاء والعمل تحت سقف مُعتم لا يُفيد بل سيجعل أي "تسريب" حتى لو كان هُلامي أو من نسج الخيال يدخل العقول الرافضة للمفاوضات من الأساس , ويُصدقه المواطن البسيط والجهبذ , وهو ما كان .. فعشرات التظاهرات الرافضة لاتفاق كيري انطلقت لتُعارض تسريبات خطة كيري ! ..
أحد القيادات الفلسطينية أسرّ لي بأن القيادات الفلسطينية -إلاّ من رحم ربي- .. ليس لديها المعلومات الكافية عن عروض كيري وتتفاعل مع الإعلام بناء على تسريبات الإعلام المبنية على مصادر وهمية وخفية !.
أحد القيادات الفلسطينية أسرّ لي بأن القيادات الفلسطينية -إلاّ من رحم ربي- .. ليس لديها المعلومات الكافية عن عروض كيري وتتفاعل مع الإعلام بناء على تسريبات الإعلام المبنية على مصادر وهمية وخفية !.
الأسابيع القادمة بحسب المدة المُتفق عليها لإنهاء المفاوضات ستكون حاسمة , وتقدير الموقف الذي أجمع عليه الكثيرين أنّ أيام صعبة ستواجه القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في كلتا الحالتين , فلو رفض الرئيس أبو مازن عروض كيري -على الأقل اعتماداً على ما تم تسريبه- فحينها سيلقى ذات مصير عرفات وربما أسوأ بسبب الإنشغال الإقليمي العربي , ولو وافق الرئيس ابو مازن سيفقد نتنياهو ائتلافه الحكومي وسندخل في حرب عاصفة يُشعلها اليمين المتطرف لإعادة الثقة للداخل الإسرائيلي وكذلك في حالتنا الفلسطينية ستتفاقم الخلافات الداخلية وسندخل في نفق أكثر ظلمة من الحالي ..
الرئيس أبو مازن دخل المفاوضات مُرغماً ولم يكن ضمن مخططاته دخول مفاوضات مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى القدامى وتجميد جزئي للاستيطان , وكان يوّد الدخول من حيث انتهى السابقون لكنه لم يتمكّن وأُرغم على القبول بذلك .. وبرأيي طالما استمرّت الأوضاع الإقليمية والداخلية على حالها واستمرّت عروض كيري -الخُرافية- فإن الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية ستُحشر في الزاوية فبديل الرفض سيُغضب الجميع وبديل الموافقة سيُغضب الحُلفاء ! ..
باعتقادي أن القيادة الفلسطينية ستعتبر المفاوضات "فيلاً" وستُغير الصورة النمطية عنها بأنها "امرأة قبيحة" وستؤخر موعد رؤية "الجنين" بدلاً من شهور تسعة لتُصبح أربعة وعشرين مجازاً -وهي فترة حمل انثى "الفيل"- !
في الصورة الحيوانية السابقة وبعيداً عن تحليلات الساسة فمولود المرأة القبيحة في الشهور التسعة لن يخرج لا "وزناً" ولا "جمالاً" بمولود الأربع والعشرون الذي سيولد "فيلاً" مهيب الخرطوم وذو وزن لن يتمكّن من حمله الإسرائيلي أو الأمريكي مجتمعين ما لم تتغيّر ظروف "الفيل" المُحيطة بها .
(2)
احتفالية روتينية تُقيمها أكبر مرجعية دينية مسيحية في دولة الفاتيكان يُطلق من خلالها "البابا" حمامة السلام ليعّم السلام في العالم بعد "حمامته" المصحوبة بدعوات التبشير للسلام والمحبّة .
"البابا" الذي يتمتّع بسيرة ذاتية عملية رائعة , ويقف مع الشعوب المظلومة ولا يُبالي لـ"لوبي" ويعمل بصدق لتحقيق السلام العالمي الذي يتطلّع إليه كل إنسان على البسيطة وموقفه من الحرب على سوريا والعنف الاسرائيلي ضد الفلسطينيين حاضراً ..
أطلق "البابا" حمامته ليلتقفها "غراب" بعد فك أسرها للحرية بثوانٍ قليلة .. دلالة "طُعم" الغراب لم يكن صدفةً بل أراد "الغراب" أن تصل الرسالة للعالم أجمع بأنّ "الغربان" هم المنتصرون دوماً إلى أن يريد الله عكس ذلك .
في سوريا .. أطفال يموتون يومياً ونساء يُرملّن كل ساعة وأزواج فقدوا قوتهم وأصبحوا من دعاة الموت بلا رحمة .. وفي فلسطين لا يخفى أمرهم إلاّ على مُتآمر , فحصار يأكل اليابس قبل الأخضر وإحتلال يحصد كل ما يُزرع والطين يزداد بلّة بأصحاب المصالح و"الغربان" !
في كل بقاع العالم يحكم الطاغوت وقانون البقاء للأقوى سائد .. فلا "عدل" إلاّ برحمة الله , ولا حق يظهر إلا بإرادة "الرب" ولا يُنصف مظلوم إلا بأمره وحده ..
يا "حمامة البابا" وصلت بفقدانكم الرسالة , فلا يعيش فيها إلا القوم الظالمين !
(3)
فكرة شيّقة أعدها الكوميديان الفلسطيني "محمود زعيتر" والذي تُبث حلقات برنامجه عبر شاشة التلفزيون الفلسطيني , تابعت حلقات برنامجه الشيّقة , في إحدى حلقاته التي حملت عنوان "لو كنت في فيلم ماذا ستختار نوعه واسمه ؟" , ولأننا شعب لا يعرف إلا "الآكشن" كان مُريدو الفيلم الآكشن يفوق ثلثي ضيوف الكوميديان .. بينما لم يجرؤ أي ضيف من ضيوفه القول أن حياته "فيلم رومانسي" !.
لو أجرينا استطلاع رأي عن القنوات الفضائية المفضلة للفلسطييين , فستجد أن القنوات الإخبارية هي المتصدرة , وفي وقت الفراغ وفي حال ملّ الفلسطيني من الأخبار والسياسة تجد قناته المفضلة قنوات "الآكشن والرعب" !
في زيارتي الاولى لـ"مصر" لم أكن أسمع أي من المصريين يتحدث في الأمور السياسية وكان حديثهم مُنصّب على النكات والمزاح , في زيارتي الثانية بعد الثورة المصرية كنت أحد الشهود على "طوشة" في المترو بين "فيسبوكيين" تناقشا فيما بينهما على المؤامرة الإمبريالية الغربية الامريكية وتدخلاتها في الثورة المصرية .. طبعاً كان النقاش "بدائي" إلى أبعد الحدود ولم أسمع في زيارتي المُشار إليها إلاّ قليلاً من النكات !
في زيارة ثالثة .. وكأنّ المصريين على رؤوسهم الطير فلا تسمع إلاّ نعرات "طائفية" وغمز ولمز بحُكامها في حينه , وأصبح لسان حالهم يقول "ضِعنا من بعدك يا مبارك" , وأصبحت احاديث عودة الإستعمار و"آكشن" المصريين المُبهّر بالقصص التاريخية غير التاريخية هي السائدة .. ولم أستمع لنكتة واحدة طوال فترة زيارتي !
الحالة العامة في أي بلد تؤثر بشكل مباشر على الحالة النفسية للمواطنين وتجعل من "الضاحك" باكي ومن "المتفائل" متشائم .. والعكس في الحالة الأخرى , ويسود اللونين الأسود والأبيض دون رمادي يفصل بينهما !.