"التشريعي" .. أنهى ولايتين ويدخل اليوم الثالثة رغماً عنا .!

"التشريعي" .. أنهى ولايتين ويدخل اليوم الثالثة رغماً عنا .!
بقلم : أكرم عطا الله
بلا طقوس سوى من بعض الهزل يدخل أولئك المخلدون من أعضاء المجلس التشريعي المنتهية ولايته اليوم دورتهم الثالثة دون استشارة أولئك المغلوب على أمرهم والذين صدقوا يوما أنهم يشاركون في بناء نظامهم السياسي حين اصطفوا طوابير قبل ثماني سنوات أمام صناديق اقتراعهم معتقدين بسذاجة أن لهم مكاناً في غابة السياسة .. مساكين لأنهم صدقوا أن أحزابهم وقواهم تعطيهم من الكرامة ما يحقق لهم مشاركة سياسية كباقي شعوب الأرض.
هكذا وبكل بساطة تمديد تلقائي إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، ومدهش ألا نرى واحدا من أولئك المؤبدين على رقابنا رغما عنا يعلن احترامه لهذا الشعب ويقدم استقالته من هذا المجلس الذي يعيش البطالة منذ انتخابه ولا زال سوى من بعض الامتيازات الشخصية يوفرها لأعضائه باعتبارهم من السادة وليسوا من الرعية، لا أحد فعلها الا المرحوم حيدر عبد الشافي حين أدرك أنه لم يعد قادرا على خدمة شعبه انسحب بهدوء ليسجل في ذاكرتنا صفحة بيضاء في تاريخه الناصع وليس مثلهم .
لا أحد فعلها لا من اليمين ولا من اليسار ..لا من الدكتاتوريين ولا من الديمقراطيين ،لا الذين يخافون الله ولا الذين يخافون الشعب، كلهم في السلطة سواء حتى اليسار الذي أرهقنا في الحديث عن الديمقراطية وإرادة الشعوب وبالرغم من حضوره الذي يشبه غيابه في "التشريعي" إلا أن إصرار ممثليه على الاحتفاظ باللقب بعد انتهاء التكليف يثير شكا حول مصداقيته تماما مثل أحزاب الصراع على السلطة.
محاكمة التاريخ ستسجل أننا ذهبنا يوما لاختيار ممثلينا لنكتشف أنهم احتلونا، فلدينا مجلس معطل لو انحل أو قدم كل الأعضاء استقالتهم لن يشعر الشعب الفلسطيني بغيابه أو أنه خسر شيئا، فهو لا يراقب حكومات ولا يضع قوانين ولا يوقف تغول أجهزة أمن ،أعضاؤه حزبيون، انقساميون قسموه إلى مجلسين اصطف كل منهم خلف حركته وحكومته التي كانت جزءا من مأساة الوطن .
يستمر أعضاء المجلس التشريعي في احتلال مقاعدهم بقوة السلاح لا بقوة القانون بحماية الأجهزة الأمنية لا بأصوات الشعب، فهذه كانت لفترة محددة ومحدودة ولولا سطوة القوة لتمكن الشعب من حل هذا المجلس المشلول منذ زمن ولكن الجميع يعرف ماذا ستفعل القوى الأمنية فيما لو خرج الناس للشوارع أو للسيطرة على هذا المجلس لإرغامه على الرحيل، التجربة كانت أمامنا في غزة وفي الضفة لن تكون أفضل .
ذلك طبعا لن يبرر عجز هذا الشعب عن اتخاذ القرار وعجزه عن الحركة إلى الحد الذي يمكن أن يقال أنه لا يستحق أكثر من هذا الأداء الرديء، فكيف يمكن أن يصمت الفرد على ضياع أدنى حقوقه وكيف يقبل أن يتحول التمثيل بالإرادة إلى التمثيل بالقوة ؟ فأعضاء "التشريعي" قتلوا كل الشرعيات ووجهوا ضربة قاصمة للقيم الديمقراطية بتشبثهم بمقاعدهم الوثيرة يعتدون يوميا على حقنا في اختيار ممثلينا، يديرون ظهورهم ويخرجون ألسنتهم لنا جميعا قائلين بصوت واحد اذهبوا للجحيم .
الحقيقة أننا أمام قدر كبير من غياب الثقافة السياسية وممارسة الحكم سواء لدى المواطن أم لدى ممثليه المنتهية ولايتهم، فالانتخابات هي عبارة عن عقد اجتماعي محدد يقوم خلالها الشعب صاحب السلطة الحقيقية باختيار أو تكليف البعض للعمل لديه لمدة أربع سنوات، وهذه هي مدة التعاقد ينتهي التكليف بعدها أو يعاد تجديده مرة أخرى، يبدو أن لا أحد يفهم بأن أي يوم بعد مدة العقد تصبح اغتصابا للسلطة وتجاوزا للقانون وللأعراف السياسية التي تعارفت عليها النظم التي أعادت صياغة طبيعة العلاقة بين الشعب والسلطة .
فالشعب هو سيد السلطات ومصدرها يعطيها لمن تشاء ويحجبها عمن يشاء، وهو الحاكم الفعلي، وتنعقد المحاكمة كل أربع سنوات وفقا للقانون، فالانتخابات هو يوم إصدار الشعب قراره بالمكافأة أو العقاب، بالتكليف أو الإعفاء، بالإعلان عن النجاح أو الفشل ،ولكن هذا لا يحدث عندنا، فعندما جرت الانتخابات كان أحد الفائزين بعضوية المجلس شاب في حوالي الثلاثين من عمره صرح قائلا : نحن جئنا لنحكم أربعين سنة، يظهر أن ذلك الشاب حسب عمره الزمني حتى السبعين وأراد أن يقضي بقية حياته في المجلس ويبدو أن نبوءته تتحقق.
هل يعقل طوال عقدين من إنشاء السلطة ألا تجرى الانتخابات سوى مرتين، هذا لا يحدث في أكثر الدول تخلفا، وأكثر الشعوب بلاهة حتى في مجاهل أفريقيا تتم الانتخابات في موعدها بالرغم من الحروب القبلية والصراعات، لكن يبدو أن لدينا أحزابا وقوى ونظاما سياسيا وشعبا منسجمين تماما في مستوى الوعي السياسي حتى يمر موعد الانتخابات دون أن يخجل أي من أعضاء المجلس لأنه يتجاوز الرخصة المحددة له، فهناك خلل في فهم العلاقة بين الشعب والسلطة، خلل في الثقافة السياسية، فالشعب هو السيد صاحب الأرض والسيادة ومالك الوطن وأعضاء السلطة ليسوا سوى خدم لديه، وكم هي رائعة مقولة رئيس الوزراء البريطاني الأشهر ونستون تشرشل الذي كان يذيل كل خطاباته للشعب البريطاني يكلمه " خادمكم المطيع " ولنا أن نتصور أن يقوم السيد بتوظيف خادم لديه لمدة محددة وبعد نهاية هذه المدة يبقى ذلك الخادم يعمل لدى السيد رغما عنه ويهدده بإطلاق النار لو فكر بطرده ويجدد عقده لوحده .
البرلمان الفلسطيني الأول استمر عقدا من الزمن بفعل تواطؤ كان قد نشأ بين السلطة والمعارضة، بين حركة فتح وباقي القوى المعارضة التي لم تضغط للدفاع عن حق المواطن في إجراء الانتخابات في موعدها لأن الأمر لا يعنيها ولأن لا تريد السقوط في "مستنقع" أوسلو، ولكن وهج السلطة أسال لعابها لتزحف بعد سنوات إلى حيث ما توفره امتيازات أوسلو لتغيير شكل التواطؤ مرة أخرى بالتقاسم الهادئ على حساب الوطن والمواطن .
كان عدد أعضاء البرلمان الأول 88 عضوا واتفقت الفصائل على رفعه إلى مائة واثنين وثلاثين حتى تتمكن من إدخال أكبر عدد من كوادرها لتتم رشوة الصف الأول والثاني بامتيازات المقعد الوثير وجواز السفر وحصانة وسيارة وراتب كبير، وها هو يمدد لنفسه تلقائيا ومن لم يعجبه بإمكانه أن يضرب رأسه في الجدار العازل الطويل الذي تبينه إسرائيل في الضفة أو يشرب من بحر غزة، ولكن شريطة ألا يتجاوز الأميال التي حددتها إسرائيل في اتفاقية التهدئة الأخيرة .
ما رأيكم أن نخاطب أي عضو في المجلس التشريعي بـ " المنتهية ولايته" وللتذكير فهو مصطلح أهدته حماس لقاموسنا السياسي حين شارفت ولاية الرئيس على الانتهاء ثم سحبته من التداول عندما أصبح كوادرها المنتخبون منتهية ولايتهم .. يا لهذا التواطؤ حين تصبح مصلحتهم ضد القانون ..!
[email protected]

التعليقات