عاجل

  • (الجزيرة): الشرطة البريطانية تعتقل عددا من المتظاهرين الرافضين للحرب على غزة

  • طائرات الاحتلال تستهدف شقة سكنية في عمارة السلام قرب دوار الخور بحي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة

حديث"صدام حسين وصلاح خلف" عجّل باغتياله .. أحمد عبد الرحمن يروي تفاصيل خطيرة :"قاتل أبو إياد" حاول قتل كل القيادة الفلسطينية وشخص واحد أنقذهم

حديث"صدام حسين وصلاح خلف" عجّل باغتياله .. أحمد عبد الرحمن يروي تفاصيل خطيرة :"قاتل أبو إياد" حاول قتل كل القيادة الفلسطينية وشخص واحد أنقذهم
صورة نادرة للشهيد خلف
رام الله - دنيا الوطن
بذكرى اغتيال القادة الثلاثة .. نعيد نشر تفاصيل حادثة اغتيال ابو اياد وابو الهول وابو محمد بحسب ما رواها احمد عبد الرحمن في كتابه عشت في زمن عرفات الذي نشرته دنيا الوطن حصريا ً ...

الفصل التاسع عشر:

اغتيال أبو إياد وأبو الهول وأبو محمد 

لم يكن أبو إياد مع احتلال الكويت، ولم يكن أبو مازن، ولم يكن خالد الحسن "أبو السعيد "مع الاحتلال، ولم يكن أبو الأديب "سليم الزعنون "مع احتلال الكويت وهايل عبد الحميد "أبو الهول " لم يكن كذلك مع مغامرة صدام باحتلال الكويت. هذه حقيقة للتاريخ، إلا أن وجود أبو عمار في بغداد، ومبادراته لحل الأزمة في البيت العربي الواحد، قد ألقى بظلاله على مواقف أعضاء اللجنة المركزية جميعا. في الواقع لم يكن لأبو عمار أي تأثير على صدام حسين، وقطعت مصر والسعودية أي اتصالات (معه) ما دام قرر البقاء في بغداد. وأجهزة الإعلام العراقية تنقل تصريحات على لسانه تؤيد صدام حسين وتشطب ما يرد على لسانه من كلمات خجولة حول جهوده والجهود الدولية والروسية والفرنسية من أجل الحل السياسي بدل الحل العسكري.

في هذا الوقت، أبدى صدام حسين تذمره من مواقف أبو إياد. ولهذا أقنع أبو عمار أبو إياد وأبو الهول وأبو مازن بزيارة بغداد والاجتماع مع صدام حسين. في أوائل كانون أول 1990 وبعد هذه الزيارة عاد أبو إياد إلى الأردن وتحدث في اجتماع جماهيري في ذكرى الانتفاضة، وفي زيارته الثانية لبغداد (أوائل يناير 91) اجتمع مع صدام حسين بحضور أبو الهول للمرة الثانية. وحين عدنا مع أبو عمار من بغداد إلى تونس يوم 7-1-91 قال أبو إياد: بأنه اجتمع هو وأبو الهول لعدة ساعات مع صدام حسين وأن الاجتماع أزال سوء الفهم. وقال أبو إياد: قلت لصدام إن احتلال الكويت كان خطأ ولكن إذا تعرض العراق للعدوان الأمريكي فنحن مع العراق. وكان أبو عمار يستمع إلى هذا الحديث بيني وبين أبو إياد، ويعبر عن رضاه بقوله: كان صدام يعتقد أن بيننا خلافات وما قاله أبو إياد قلته له ألف مرة، ولكن للأسف إنه لا يستمع إلى النصيحة، وهذه هي المأساة.

في هذه الرحلة من بغداد إلى تونس، كان أبو إياد يرتدي الملابس العسكرية التي وجد أبو عمار أنها أفضل من الملابس المدنية للتكيف مع الحالة العراقية، حيث لن ترى مسئولا عراقيا من المحيطين بصدام حسين أو طارق عزيز بغير الملابس العسكرية. وهذا الوسط العراقي هو المسئول عن العلاقات مع أبو عمار والفصائل التي أخذت تزور بغداد زرافات ووحدانا، وأخذت صور هؤلاء القادة والمسئولين مع صدام حسين تدخل كل بيت ومنبر إعلامي. ولا أستثني الكثيرين من قيادات وكوادر"فتح" سواء عن قناعة أو لأن أخذ صورة مع صدام صارت "موضة"، وكذلك الملابس العسكرية. وداعبت أبو إياد ونحن في الطائرة، وهنأته بهذا الزي الصدامي، فقال: هذا من بنات أفكار أخوك أبو عمار. ويقاطعه أبو عمار ويقول هناك أيضا "الترشيق"، والترشيق تخفيف الوزن والتخلص من السمنة في الجيش والإدارات، وهو قرار اتخذه صدام. فيضحك أبو إياد ويقول: هذه كلها أمور شكلية ومن المؤسف أن صدام قد ارتكب غلطة عمره وهذا لن ينتهي على خير.وقال لي أبو عمار: حضر نفسك، يجب أن نذهب غدا إلى السودان، فلدي موعد مع الرئيس عمر البشير، ونطمئن كذلك على أوضاع القوات في السودان.قلت لأبو عمار: أنا جاهز.

كان أبو عمار، كعادته في الأزمات، يبحث عن أبو إياد، ويحرص على أن يظهرا معا في كل المناسبات. وفي هذه الزيارة إلى بغداد بوجود أبو إياد لعدة أيام إلى جانب أبو عمار واجتماعه وأبو الهول مع صدام حسين، يكون أبو عمار قد بدد الشكوك بأنه وحده مع صدام وباقي القيادة لديهم مواقف مختلفة. ولا يكتفي أبو عمار بهذه الزيارات واللقاءات مع صدام. فالأزمة في ذروتها وهو يرى نتائج الحرب قبل أن تقع، وليس لديه أوهام، ولهذا يريد أن يظهر وكل أعضاء قيادته التاريخية معه في هذا الخيار الإجباري الذي لم يجد له بديلا، وهو أن يقف إلى جانب صدام ضد التدخل الأمريكي. ولا يجد مصدرا لقوته غير الموقف الشعبي سواء الفلسطيني أو العربي، ولأنه لاعب حر في الشرق الأوسط، ما دام بلا وطن وبلا ملاذ آمن فإنه أشد حرصا على وحدة قيادته لتشكل مع شعبيته الكاسحة في فلسطين والوطن العربي، المعادلة التي تضمن بقاءه واستمراريته أمام خسارته لمصر والسعودية وسوريا.

انتهز أبو عمار لحظة انشغال أبو إياد في حديث جانبي مع أحد الأخوة العائدين معنا إلى تونس، فقال أبو عمار لي: هذه عليك، أن تقنع أبو إياد بأن يذهب معنا غدا إلى الخرطوم وكلها سفرة لا تزيد عن يوم واحد "صد.. رد ". وبالفعل عدت أتبادل الحديث مع أبو إياد حول موضوعات مختلفة، ومنها أنه التقى بعض أفراد عائلته الذين حضروا من الكويت، وبعد ما سمعه منهم كان أكثر اقتناعا بأن احتلال الكويت كان عملا جنونيا، وأنه نقل لصدام ما يعانيه الناس في الكويت سواء كانوا فلسطينيين أو مصريين، وما ذنب هؤلاء إذا كانوا يعملون في شركات أو إدارات يملكها الكويتيون.

قلت لأبو إياد : كانت زيارتك لبغداد ضرورية لتبديد القيل والقال حول موقفك، ما دمت لم تؤيد علنا صدام حسين، في الوقت الذي لم يبق مسئول فلسطيني واحد من جميع الفصائل إلا وزار بغداد وقدم فروض الولاء والطاعة. لم يكن هؤلاء يؤيدون احتلال الكويت، ولا يعرفون شيئا عما يجري هناك، بل كانوا يعتقدون أن صدام سيحارب إسرائيل. وقد أيد الفلسطينيون عبد الناصر لأنهم رأوا فيه البطل القومي أو صلاح الدين الذي سيحرر القدس. ورد عليّ أبو إياد مقاطعا: لا يمكنني أن أخون ضميري وقناعاتي وأؤيد مغامرة صدام حسين. وحتى في بغداد لم أصرح بكلمة واحدة حول هذا الموضوع. وكل ما قلته أننا نقف إلى جانب العراق ضد العدوان الأمريكي، وقد أبلغته لصدام حسين بحضور كل أعضاء قيادته.

وحين بدأت الطائرة تحلق في أجواء تونس استعدادا للهبوط نهض أبو عمار كعادته ليرتدي ملابسه العسكرية، وفي هذه الأثناء قلت لأبو إياد بأن أبو عمار يرغب أن ترافقه غدا في زيارة "صدّ ردّ " إلى الخرطوم للاجتماع مع عمر البشير الرئيس السوداني.

رد أبو إياد: يكفيني عشرة أيام مع أبو عمار، وأنا أحتاج بعض الراحة.

قلت: كلام نهائي ؟

 قال: يا أحمد، أرجوك أن تعفيني من هذا الإلحاح، والسفر على طريقة أبو عمار لا يحتمل، والسكر عالي عندي بسبب هذه الرحلات الطويلة والاجتماعات، وأوضاع الأسرة والأولاد في الكويت تقلقني كل ساعة.

استقبلنا حكم في المطار، بعد رحلة طويلة بسبب إغلاق الأجواء السورية في وجه الطيران العراقي، وفي اليوم الثاني عند الظهر اتصلت مع أبو إياد من مكتبي في الإعلام، وكنا نلتقي في ذلك الوقت بين الواحدة والثانية والنصف. وفي أحيان كنت أرافق أبو ماهر غنيم في هذه اللقاءات، حيث كان مكتب الإعلام بجوار "التعبئة" ونسكن في منطقة المرسى شمال العاصمة التونسية. أما هذا اليوم، فحين سألت أجاب مرافق أبو إياد (  أبو عيشة  ) قال لي هذا وهو يضحك: أبو إياد ليس هنا، فقلت له: قل للأخ أبو إياد أنني لا أتحدث من مكتب أبو عمار بل من الإعلام. وفي هذه اللحظة أخذ أبو إياد سماعة الهاتف من مرافقه (أبو عيشه  ) وقال لي: خير إن شاء الله؟ السودان "ما فيش " . ضحكت وقلت له: انس الموضوع، أبلغت أبو عمار اعتذارك، وحتى الآن لا أعلم متى المغادرة.

كان أبو إياد يقول لي، حين يكون على خلاف مع أبو عمار: أنت الذي رأسته علينا. وحين يقع خلاف كهذا لا أنقطع عن الزيارة اليومية لأبو إياد، وكان يرتاح لهذا الموقف مني. وذات مرة كنت أرافق محمود درويش في زيارة أبو إياد، وكان هناك خلاف مع أبو عمار، وسأله محمود درويش عن أسباب الخلاف، فقال أبو إياد تفاصيل تافهة ثم أضاف: أعضاء القيادة لا يختلفون على الأهداف الكبيرة بل يختلفون على التفاصيل الصغيرة التي يخجل الإنسان من ذكرها. ولأن أبو إياد معروف بقوة الحجة، فكان يستطيع حين يختلف مع أبو عمار أن يشكل جبهة معارضة قوية ضد هذا الموقف أو ذاك لأبو عمار. فأبو إياد كان وراء بيان اللجنة المركزية ضد زيارة أبو عمار للقاهرة، وكذلك بيان اللجنة المركزية ضد الاتفاق الأردني  الفلسطيني الذي وقعه أبو عمار مع الملك حسين في شباط 1985.ولكنه لا يدفع الخلاف حد القطيعة، بل حين يحقق تصويب الموقف تعود المياه إلى مجاريها مع أبو عمار. والغريب أن أبو عمار صاحب الذاكرة الحديدية كان سريع النسيان تجاه أي خلاف سواء مع أعضاء القيادة، أو حتى على مستوى الكادر، وكان المبادر دائما لطي صفحة الخلاف وكأن شيئا لم يكن.

 قال أبو إياد: ورطتنا ورطة كبيرة بسبب هذه المغامرة التي أقدم عليها صدام حسين في الكويت.

قلت له: في "فتح" نقول دائما لدينا قائد عام وقائد أعلى.

فقال بهدوء: ربك يستر.

وحين جرى التحقيق مع القاتل "حمزة" الذي نفذ جريمة اغتيال أبو إياد وأبو الهول ومسئول الأمن أبو محمد مساء يوم 14/1/1991 في منزل أبو الهول، قال: كنت أنوي قتل جميع أعضاء القيادة، قبل أسبوعين، ولكن فتحي رئيس مرافقي أبو عمار منعني من الدخول، رغم أنني أعمل مرافقا لأبو الهول. وهنا نلاحظ الحرص الأمني عند أبو عمار، فحين يتواجد في أي مكان فإن تعليماته لفتحي أن يتولى حرسه الخاص مسؤولية الأمن، أما الحراسات الأخرى لأعضاء القيادة فتنتظر في الخارج ولا تقوم بأي نشاط في المكان. وقال حمزة في اعترافاته أنه حاول الدخول وهو يحمل رشاش الكلاشنكوف ولكن فتحي كان قاسيا معه ومنعه للمرة الثانية من الدخول في ذلك اليوم الأخير من كانون أول 1990حيث كان جميع أعضاء القيادة يتناولون الغداء في منزل أبو الهول .

كان يمكن أن تقع كارثة كبرى في ذلك اليوم لولا يقظة أبو عمار الدائمة ويقظة حرسه وتحديدا فتحي الذي يرافق أبو عمار على مدى ثلاثين سنة. وفي مساء يوم 8/1/1991 اتصل فتحي وأخبرني أن أكون مستعدا للمغادرة في الصباح الباكر إلى الخرطوم. وفي الخرطوم يوم 9/1/1991 اجتمع أبو عمار مع الرئيس عمر البشير، وكنت الوحيد الذي رافقه في هذه الرحلة. وبعد الخرطوم توجهنا إلى بغداد، وقد لفت انتباهي وأنا أقرأ الأخبار أن مسئولا أمريكيا حذر من أي اعتداء على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ووجه تحذيره للجماعات الإرهابية، ووضعت خطوطا تحت كلمات هذا التصريح الأمريكي وسلمته لأبو عمار الذي أخذ يقرأه أكثر من مرة، ويقول: هذا كلام خطير.وقلت لأبو عمار: ألا يكون لهذا التصريح علاقة بتصريح أبو إياد بأننا نقف إلى جانب العراق في حالة وقوع عدوان أمريكي؟ ناهيك عن تصريحات قادة الفصائل، الذين أعلنوا أن المصالح الأمريكية لن تكون بعيدة عن ضرباتهم في حال الاعتداء على العراق. ورد أبو عمار بقوله: الأمريكيون يأخذون على محمل الجد هذه التصريحات، وخاصة تصريحات أبو إياد.

في ذلك المساء الحزين في بغداد بعد عودتنا من عمان جاءت أخبار الكارثة تباعا. فجريمة الاغتيال وقعت في منزل أبو الهول، حيث دخل القاتل حمزة وهو يحمل رشاش الكلاشنكوف، وأغلق الباب، وتوجه إلى أبو إياد وأبو الهول وأبو محمد وأطلق النار عليهم دون رحمة، واحتجز زوجة أبو الهول وبناته، حتى وصل الأمن التونسي الذي اعتقله. وفيما بعد سلمه للأمن المركزي في "فتح" حيث جرى التحقيق معه وصدر القرار من محكمة أمن الثورة بإعدامه ونفذ فيه حكم الإعدام.

أبو عمار يغلي من الغضب والألم، وكل الترتيبات التي تحدثنا عنها للبقاء في بغداد بعد فشل البقاء في الأردن أصبحت في مهب الريح، وليس أمام أبو عمار إلا المغادرة إلى تونس على وجه السرعة بعد هذه الجريمة التي وجهت ضربة قاتلة لقيادته. ولكن، ماذا يقول للعراقيين الذين يعتبرون وجوده في بغداد - إذا اندلعت الحرب - دعما معنويا لمواقفهم أمام الشعب الفلسطيني والجماهير العربية؟ فأبو عمار يمثل فلسطين. ومن من العرب في مشرق الأرض ومغربها لا يحلم بالساعة التي يرى فيها فلسطين حرة، ويرى القدس ومقدساتها وقد عادت حرة أبية للعرب والمسلمين. وللحقيقة، فإن تأييد الجماهير العربية لصدام حسين لم يكن أبدا لمغامرته باحتلال الكويت، بل كان مصدر هذا التأييد ما أعلنه صدام حسين بأن هدفه تحرير فلسطين، وأن لديه الجيش الكفيل بتحريرها. وعززت هذه الحالة العربية العاطفية الخرافات والأساطير التي لا يصدقها لا عقل ولا عاقل، إلا أنها سيطرت على الرأي العام العربي من المحيط إلى الخليج. وتحدثت كتابات أخرى عن الكلدان والأشوريين وسبي بابل وتدمير الهيكل. وما دام هؤلاء أصلهم من العراق فان صدام وريثهم، ويقوم بالعمل نفسه ويحرر فلسطين ويقضي على إسرائيل، ناهيك عن الحديث الهامس في أوساط المسئولين العراقيين عن "الجمرة الخبيثة "وأن إسرائيل ستكفي قنبلة واحدة لتدميرها وتشريد سكانها. وتضيف هذه الأوساط أن صدام، مقابل تحرير فلسطين، لن يضيره أن يخسر ثلاثة ملايين عراقي. والذي يعطي هذه الأقوال والخرافات والادعاءات برهانا على صحتها هو وجود أبو عمار إلى جانب صدام حسين في بغداد. والعدوان الأمريكي الوشيك هو في هذه الحالة عدوان على العراق وعلى فلسطين. وما يدريك؟ فقد تثور الجماهير العربية كلها من أجل هذا الأمل الذي يجسده صدام حسين الذي يتحدث علنا عن تحرير فلسطين، والذي ربط بين الانسحاب من الكويت والانسحاب الإسرائيلي من فلسطين.

على أية حال، كل هذه الترتيبات لبقاء أبو عمار في بغداد انتهت بعد أن أصيبت قيادته وحركته بهذه الضربة التي جعلت قيادته موضع شك أمام العالم. وصل طارق عزيز إلى مقر أبو عمار بعد منتصف الليل، وهو الأكثر اتزانا وواقعية من بين الذين يحيطون بصدام. وقدم التعازي لأبو عمار، وقال: أخي أبو عمار أبلغك تعازي الرئيس صدام وهو يرجوك أن تغادر إلى تونس، ولا يستطيع أحد غيرك احتواء هذه الضربة القاسية، وتفويت الفرصة على المتآمرين الذين أرادوا من ورائها القضاء على المنظمة بسبب مواقفها القومية، والرئيس صدام يعتبر هذه الضربة موجهة ضد العراق في هذه المعركة المصيرية والتي هدفها في نهاية المطاف تحرير فلسطين واستعادة الكرامة العربية المستباحة، والرئيس صدام أصدر تعليماته لعودتك إلى تونس غدا صباحا، وهو على ثقة أنك سواء بقيت معنا هنا في بغداد أو اضطررت للعودة إلى تونس، فإن معركة العراق هي معركتك.

 واستدعى طارق عزيز العقيد عصام المسئول عن إدارة شؤوننا في بغداد، وأمره بعمل الترتيبات لضمان أن يغادر أبو عمار صباحا إلى تونس، وفي الوقت نفسه بدأ عزام الأحمد اتصالاته مع سفرائنا لتأمين طريق جوي لمرور الطائرة الأخيرة التي تغادر بغداد. وبصعوبة أجبرنا أبو عمار أن يصعد إلى غرفته حتى يرتاح لساعتين أو ثلاثة، أما نحن العاملين معه فقد بقينا طوال هذه الساعات نتابع الكارثة  في تونس والتفاصيل تزيدنا حقدا ومرارة.

ولم تصل الموافقات على مرور الطائرة إلا بعد الظهر. وحضر العقيد عصام وعزام الأحمد وقالا إن كل شيء جاهز للمغادرة، عبر تركيا واليونان وإيطاليا. وقال العقيد عصام لأبو عمار: لن ينسى العراق وقفتكم إلى جانبه في وجه هذه المؤامرة الدولية. وحين تحرك الموكب إلى المطار كانت بغداد صامتة، والشوارع خالية تماما. فالوسطاء غادروا جميعا وآخرهم كان رئيس نيكاراغوا السابق مانويل اورتيغا، والزعيم الأمريكي جيسي جاكسون، ووزير العدل الأمريكي الأسبق رمزي كلارك، والأمين العام للأمم المتحدة ديكويلار. وفرغت فنادق بغداد من القادمين لتأييد صدام حسين. أما فندق الرشيد فقد حوله "بيتر ارندت "مراسل "CNN" إلى محطة تلفزيون. كل شيء يوحي بأن الحرب واقعة لا محالة. إلا أنني وأنا أصعد مع أبو عمار إلى الطائرة في هذه اللحظة الحزينة قلت في نفسي بأننا لن نعود بعد الآن إلى بغداد. فالأمريكيون بعد صورة صدام على غلاف مجلة "نيوز ويك" وهو يحمل "الصاعق "في يده وتحته هذه العبارة "الفارس الأسود في العراق "قد قرروا القضاء عليه وعلى العراق، وكانوا ينتظرون وقوعه في شرك الكويت حتى يوجهوا له الضربة القاضية.

ومن الغريب أنني تذكرت ثورة رشيد عالي الكيلاني في عام 1941 ووجود المفتي إلى جانبه، وهذا كان قبل خمسين عاما، وحين تحرك الإنكليز للقضاء على الثورة غادر المفتي الحاج أمين الحسيني بغداد إلى طهران ومنها إلى إيطاليا. أما أبو عمار فهو يغادر بغداد في اللحظة التي يحشد فيها الأمريكيون نصف مليون جندي للقضاء على صدام والعراق. فهذه البحيرة النفطية في قوس الأزمات لا يسمح الغرب بظهور قوة مستقلة فيها خارج سيطرته.

ويبقى السؤال الذي لا جواب عليه إلى الأبد : كيف تمكنت المخابرات الأمريكية من اختراق جماعة أبو نضال، وتجنيد القاتل حمزة ليقوم باغتيال أبو إياد وأبو الهول وأبو محمد قبل 48 ساعة من الهجوم الأمريكي على الكويت والعراق؟ وأين أصبح الآن مسجل لقاءات صدام حسين الذي نقل للمخابرات المركزية ما جرى بين أبو إياد وصدام حسين. فأوعزت للقاتل حمزة بتنفيذ جريمته؟
 
تفاصيل عملية اغتيال القادة الثلاثة بحسب موقع منظمة التحرير ...

في الساعة الحادية عشرة من مساء يوم الاثنين الرابع عشر من كانون الثاني 1991، اغتيل في تونس ثلاثة من قادة حركة فتح هم: صلاح خلف (أبو إياد) أحد أبرز أعضاء لجنة فتح المركزية ومسؤول الأمن الموحد، هايل عبد الحميد (أبو الهول) عضو لجنة فتح المركزية المسؤول عن جهاز الأمن والمعلومات منذ عام 1972، والذي أصبح بعد اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) يتولى أيضاً مسؤولية شبكة الاتصالات والتنسيق مع المناطق المحتلة ومتابعة شؤون الانتفاضة، وفخري العمري (أبو محمد) أحد المساعدين المقربين لأبي إياد في جهاز الأمن الموحد، وذلك أثناء اجتماع كان يعقده الثلاثة في منزل هايل عبد الحميد في قرطاج إحدى ضواحي تونس العاصمة، حيث قام أحد مرافقي هايل عبد الحميد المدعو حمزة عبد الله أبو زيد بمهاجمة القادة الثلاثة وهم يجتمعون في إحدى غرف الطابق الأرضي من منزل هايل عبد الحميد، مستخدماً رشاش كلاشينكوف. وأشارت رواية أخرى إلى أن القاتل هاجم صلاح خلف وزميليه عند مدخل منزل أبي الهول، بعد خروجهم من الاجتماع، وتتفق أكثر من رواية على أن أبا أياد كان المستهدف أساساً من قبل الجاني، وإن هايل عبد الحميد قتل أثناء محاولته منع الجاني من إطلاق النار على أبي إياد والوقوف بين الاثنين، وأن أبا أياد لقي مصرعه على الفور بينما توفي هايل عبد الحميد بعد نقله إلى أحد المستشفيات. وفور تنفيذ جريمته سارع القاتل إلى الصعود للطابق العلوي من المنزل، حيث احتجز هناك زوجة هايل عبد الحميد (نادرة الشخشير) وابنته (سعاد) رهينتين، لمدة ست ساعات، قبل أن يستسلم لقوات الأمن التونسية التي كانت قد حاصرت المكان، وبعد إلقاء القبض على الجاني باشرت أجهزة الأمن التونسية التحقيق معه، بحضور ممثل عن جهاز (القضاء الثوري) في حركة فتح، ومن ثم قامت السلطات التونسية بتسليم القاتل إلى حركة فتح، التي نقلته من تونس إلى اليمن، حيث جرت، حسبما ذكرت إذاعة مونتي كارلو بتاريخ 5/4/1991 محاكمته أمام محكمة عسكرية فلسطينية، حكمت عليه بالإعدام، ولكن الحكم لم ينفذ حتى التاريخ المذكور.

وعملية الاغتيال هذه تكاد تكون الوحيدة، من بين كل عمليات الاغتيال التي تعرض لها قادة فلسطينيون، التي كان فيها الجاني معروفا، ومن المفروض على هذا الأساس، أن يكون التحقيق قد كشف عن جميع ملابساتها ودوافعها وأسبابها والجهة التي تقف وراءها. لكن البيانات التي نشرت حول نتائج التحقيق كانت مختصرة، ولا تكشف سوى القليل، وفي إطار العموميات وحتى الآن لم ينشر تقرير كامل عن نتائج التحقيق، أو عن إجراءات محاكمة الجاني، ولأن حرب الخليج التي اندلعت بعد يومين من وقوع حادثة الاغتيال استقطبت اهتمام الرأي العام العربي والعالمي وأجهزت الإعلام، فقد غطت على الحادث، ولم يحظ بمتابعة إعلامية تساعد في الكشف عن غوامضه، ومن هنا كانت تقديرات مختلفة تتناقلها الأوساط الفلسطينية حول الجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال.

ومن بين المؤشرات التي تعتمد عليها التقديرات المذكورة هوية القاتل حمزة عبد الله أبو زيد، الذي سبق له أن ابتعد عن العمل في صفوف حركة فتح، لمدة ثلاث سنوات، سافر خلالها إلى بولندا، وهناك أجرى اتصالات مع جماعة «فتح المجلس الثوري» المعروفة باسم جماعة «أبو نضال» (صبري البنا)، وانضم إليها وقبل حوالي سنة خرج من جماعة «أبو نضال» في الانشقاق الذي تزعمه عاطف أبو بكر، وخرج من ليبيا إلى تونس، حيث أعيد للعمل في فتح مرافقا لأبي الهول، وربما بتزكية من عاطف أبو بكر.

إن هوية القاتل وتاريخه، وملابسات عودته إلى حركة فتح وسرعة ضمه إلى مرافقة أبي الهول، وملابسات الحادث نفسه، بالإضافة إلى أمور أخرى أصبحت معروفة، تضع علامات استفهام كبيرة حول يقظة وفعالية ومنعة جهاز الأمن الفلسطيني الذي يتقاسم صلاح خلف وهايل عبد الحميد المسؤولية الأساسية عنه.

بعد انتهاء التحقيقات الأولية مع الجاني، أعلنت السلطات التونسية أن المتورطين في عملية الاغتيال كلهم فلسطينيون ومعروفون من منظمة التحرير الفلسطينية، وإن الاغتيال تم في نطاق عمليات التصفية الجسدية التي نقوم بها المنظمات الفلسطينية فيما بينها.

أما حركة فتح، فقالت في البيان الذي أصدرته غداة وقوع الحادث، أنه «تبين من التحقيقات الأولية أن القاتل على صلة بجهة عميلة مأجورة» وحملت جماعة «أبو نضال» المسؤولية. وقبل ذلك، كان بعض قادة فتح قد صرحوا بأن الموساد الإسرائيلي وراء عملية الاغتيال ، فقد قال عباس زكي عضو لجنة فتح المركزية، أن الموساد خطط لذلك للتأثير على الشعب الفلسطيني والأمة العربية وتوجيه ضربة للانتفاضة.

وبنفس المنحى تولى ناصر القدوة ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في المم المتحدة، فحمل «إسرائيل مسؤولية عملية الاغتيال» ولكنه أضاف بأنه لا يمتلك أدلة رسمية على تورط الإسرائيليين. ونسبت إذاعة مونتي كارلو بتاريخ 16/1/1991 إلى مصدر فلسطيني رسمي قوله «إن أجهزة الموساد متورطة في عملية الاغتيال، حسبما تبين من التحقيقات الأولية التي أجرتها أجهزة الأمن الفلسطينية. وإن القاتل اعترف بأنه أجرى اتصالات في قبرص مع ضابط في الموساد».

ومع أنه من البديهي أن تكون الموساد معنية بملاحقة القادة الفلسطينيين، إلا أن مقولة مسؤولية الموساد عن الحادثة قد تراجعت خصوصاً بعد التحقيق مع القاتل، وصدور بيان تونسي يلقي المسؤولية على جهات فلسطينية.

هذا إضافة إلى أن الموساد تحرص في عملياتها، كما ثبت من عمليات الاغتيال السابقة التي نفذتها، على عدم ترك أي دليل يشير إلى تورطها أو في هذه المرة، وخلافاً للعادة في الحوادث السابقة، سارعت إسرائيل إلى نفي علاقتها بالحادث بلسان وزير الحرب الصهيوني موشي أرنس، الذي أعلن أنه «بالتأكيد ليس لنا علاقة بذلك».

أما التقدير الأكثر رواجاً في الأوساط الفلسطينية، فهو أن جماعة «أبو نضال» هي التي تقف وراء الجاني، الذي كان حتى عام مضى ينتمي إلى تلك الجماعة، وإن خروجه مع انشقاق عاطف أبو بكر ومجموعته ربما كان مرتباً ومدبراً من قبل أجهزة جماعة «أبو نضال»، ومن المعروف أن بين حركة فتح وجماعة «أبو نضال» تاريخ طويل من العداء والتصفيات الجسدية، كما أن جماعة «أبو نضال» تتخذ منذ سنوات موقفاً شديد العداء ضد صلاح خلف، لأنه كمسؤول عن جهاز الأمن الموحد في فتح، يقف حسب اعتقاد جماعة (أبو نضال) وراء الملاحقات والتصفيات الجسدية والانقسامات التي تعرضت لها هذه الجماعة. وقد اعتادت حركة (أبو نضال) أن تصف صلاح خلف في منشوراتها وبياناتها بأنه «مجرم» وأن توجه له أقسى الاتهامات وتقرن بعض الأوساط الفلسطينية بين حادثة الاغتيال وبين حملة التصفية التي تعرضت لها جماعة (أبو نضال) من قبل حركة فتح في مخيمات جنوب لبنان مؤخراً، ويذكر قادمون من تونس، نقلاً عن زوجة هايل عبد الحميد أن القاتل ظل طوال فترة احتجازه لها مع ابنتها، يكيل السباب والشتائم والاتهامات للقيادات الفلسطينية، بالأسلوب والصياغات التي تتحدث بها جماعة (أبو نضال) في منشوراتها وبياناتها.

الشهيد صلاح خلف

ولد الشهيد القائد صلاح خلف “أبو إياد” في مدينة يافا في العام 1933، حيث عاش أول سنين حياته حتى قبل قيام الكيان الصهيوني في العام 1948 بيوم واحد، حيث اضطر قسرا وعائلته إلى مغادرة مدينة يافا وتوجه إلى غزة عن طريق البحر واستقر فيها مع أسرته، وأكمل فيها دراسته الإعدادية ثم الثانوية ثم غادرها إلى جمهورية مصر العربية عام 1951 لاستكمال دراسته الجامعية، حيث انتسب إلى دار العلوم ، ثم حصل بعدها على دبلوم تربية وعلم نفس من جامعة عين شمس.

وأثناء وجوده في القاهرة كان نقطة انطلاق لعملية النضال، حيث تعرف على ياسر عرفات الطالب في كلية الهندسة آنذاك، وبدأ ينمو توجه بين عدد من الطلبة – كان هو من بينهم – يدعو إلى ضرورة اعتماد الفلسطينيين على أنفسهم بعد أن فقدوا الثقة بالأنظمة العربية، فقرروا عام 1952م مباشرة هذه الفكرة بتقديم ترشيحهم إلى قيادة اتحاد الطلاب الفلسطينيين، وكان التشكيل الوحيد الذي يمثل قطاعًا ما من الرأي العام الفلسطيني، ونجحت لائحة “أنصار الاتحاد الطلابي”، وأثبت ذلك أن الطلاب يتطلعون – وبرغم معتقداتهم الإيديولوجية – إلى عمل وحدوي.

وبدأ التطور في عمل الطلبة الفلسطينيين بعد الغارة الإسرائيلية على غزة في عام 1955م، حيث نظموا المظاهرات والإضرابات عن الطعام، وكان من جملة مطالبهم إلغاء نظام التأشيرات بين غزة ومصر، وإقامة معسكرات تدريب إجبارية تتيح للفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات الإسرائيلية، واستجاب الرئيس عبد الناصر لمطالبهم، وبدأت العلاقة تتوطد بين الطلبة والثورة المصرية، ونشط أبو إياد ورفاقه في تجنيد الكوادر وتوطيد هذه العلاقة. بعد أن أنهى أبو إياد دراسته في مصر عاد إلى غزة عام 1957م للتدريس، وبدأ عمله السري في تجنيد مجموعات من المناضلين وتنظيمهم في غزة. 

أبو إياد وبدايات تأسيس حركة فتح

وعلى الطرف الآخر في الكويت كان رفيق دربه: أبو عَمَّار يعمل هناك مهندسًا وينشط في تجنيد المجموعات الفلسطينية. وانتقل أبو إياد إلى الكويت عام 1959م للعمل مدرسًا، وكانت فرصة له هو ورفاقه ياسر عرفات وخالد الحسن وسليم الزعنون وفاروق القدومي (أبو اللطف) ومناضلين آخرين في بلدان مختلفة ، كان أبرزهم أبو يوسف النجار وكمال عدوان ومحمود عباس (أبو مازن) المقيمين في قطر، لتوحيد جهودهم لإنشاء حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” لتعيد الفلسطينيين إلى أرضهم وحقوقهم وعزم مؤسسو “فتح” على التصدي لكل محاولة لإخضاع الحركة الوطنية لإشراف أية حكومة عربية ، لما في ذلك من عقبات قد تثنيهم أو تُبَطِّئ بهم السير نحو هدفهم، وبدءوا بعرض مبادئهم أمام الجماهير الواسعة بواسطة مجلة “فلسطيننا”، وابتكروا جهازين: أحدهما عسكري، والآخر سياسي في الفترة ما بين 1959م –1964م. مكن (المؤسسون) من بناء الحركة التي أصبحت في السنوات اللاحقة أكبر فصيل فلسطيني ورائدة النضال الوطني التحرري الفلسطيني. وكان أبو إياد منذ ذلك الوقت وحتى استشهاده يوصف بأنه الرجل الثاني في فتح، وفي منظمة التحرير الفلسطينية…

رحل جسد وبقي فكراً ونهجاً

بعملية الاغتيال الجبانة هذه استطاعت أيدي الغدر أن تذهب جسد الشهيد القائد صلاح خلف بعيداً عنا إلى عالم آخر، لكنها لم تستطع أن تذهب فكره ونهجه الثوري من عقول أبناء فتح وأبناء فلسطين الأوفياء، الذين سيستمرون في السير على نهجك وخطاك الثورية يا سيدي القائد أبو إياد. 

تمر الذكرى العشرون لرحيلك ونحن بأمس الحاجة لحنكتك السياسية التي طالما استطاعت أن تنزع فتيل أزمة أو شقاق سواء على المستوى الفلسطيني أو العربي ، نستذكرك وساحتنا الفلسطينية منقسمة على نفسها وأنت من جسد ورفاقك الأطهار معاني الوحدة والوفاق ، سيدي كم نحن بحاجة لصبرك وجراءتك ، كم نحن بحاجة لحنكتك العسكرية ، كم نحن بحاجة لدبلوماسيتك الناجحة، كم نحن بحاجة لعقليتك الأمنية الفريدة .

فلك منا ألف سلام وأنت تخلد في الجنان ، لك منا ألف سلام وروحك الطاهرة تحلق في فضاء الوطن ، لك منا ألف سلام وأنت تعلمنا في موتك الصلابة والتحدي والعنفوان.

هايل عبد الحميد أبو الهول

ولد هايل عبد الحميد المعروف بـ “أبو الهول” عام 1937 في مدينة صفد. هُجر مع عائلته في العام 1948 إلى سورية، والتحق بالمدرسة في دمشق ونشط في التظاهرات والتجمعات التي كانت تجري في المناسبات الوطنية. بدأ في شبابه المبكر السعي لتشكيل تجمع تنظيمي للاجئين الفلسطينيين في سورية، وأسّس منظمة “عرب فلسطين” انسجاما مع التوجهات القومية السائدة آنذاك، وكانت التنظيمات السياسية محظورة في ذلك الوقت في سورية. قاد هايل عبد الحميد عام 1957 تحركاً فلسطينياً للمطالبة بمنح اللاجئين الفلسطينيين نفس الحقوق المدنية للمواطنين السوريين، باستثناء الجنسية وجواز السفر، حفاظاً على الهوية الوطنية الفلسطينية وتحقيقاً لكرامتهم. وقد أقر البرلمان السوري برئاسة أكرم الحوراني حينها المطلب الفلسطيني. انضمت “منظمة عرب فلسطين” التي أسّسها في سورية هايل عبد الحميد في عام 1960م إلى الإطار التنظيمي لحركة “فتح”، والذي كان يتهيأ للإعلان عن انطلاقته كفصيل مسلح. كان أبو الهول أحد مؤسسي أذرع حركة فتح بألمانيا والنمسا – كما شارك في تأسيس حركة “فتح” بالقاهرة سنة 1964، وشغل موقع أمين سر التنظيم في القاهرة. وفي سنة 1972 أصبح معتمد حركة “فتح” في لبنان. حوصر مع خليل الوزير (أبو جهاد) وقوات الثورة الفلسطينية في خريف 1983 في طرابلس من قبل المنشقين والقوات السورية، ثم انضم لهم ياسر عرفات حتى 19 كانون الأول/ديسمبر 1983 حين غادر طرابلس بحراً برفقة ياسر عرفات والقوات الفلسطينية. تولّى مسؤولية الأمن والمعلومات لحركة “فتح” إلى جانب صلاح خلف “أبو إياد”. وعمل مفوضاً لجهاز الأرض المحتلة بعد استشهاد خليل الوزير “أبو جهاد”، إضافة إلى مسؤولياته في جهاز الأمن، واستمرّ في ذلك حتى تاريخ استشهاده مع صلاح خلف “أبو إياد”، وفخري العمري “أبو محمد”، في عملية اغتيال في قرطاج بتونس يوم 14/1/1991م، وحمّلت منظمة التحرير الفلسطينية “الموساد ” الإسرائيلي مسؤولية اغتيالهم بواسطة جماعة “أبو نضال” المنشقة عن حركة “فتح”.