اللواء الدكتور كامل ابو عيسى يتذكر مع دنيا الوطن: ابو عمار وهاني الحسن والسفير الروسي وخطة خارطة الطريق

رام الله - دنيا الوطن
قال اللواء كامل ابو عيسى لدنيا الوطن: فجأة شعرت بالوهن وعدم القدرة على النوم ليلاً أو نهاراً ولم أجد لدى الأطباء اللذين راجعتهم في الامر أي نصيحة مجدية سوى تقديم بعض المقترحات والنصائح بالابتعاد عن التوتر والقلق وابتلاع الاقراص المهدئة ، وكالعادة المعتادة فعندما اشعر بوعكة صحية شديدة او غامضة اكتب للأخ الرئيس ابو عمار للحصول على الإذن والدعم المالي الكافي للسفر والعلاج في موسكو وفي نفس اليوم وافق الاخ الرئيس وفي تمام الساعة الواحدة ظهراً توجهت إلى السفارة الروسية في مدينة غزة ، فاستقبلني السكرتير الاول (سيرجي نارينكا) بنوع من الود وسالني عن الامر فأبلغته برغبتي العاجلة بالحصول على تأشيرة للسفر وبغرض العلاج في روسيا ، وبعد ان احتسيت معه كوبا من الشاي نهض من مكانه ومعه جواز سفري وصور شخصية بالإضافة إلى طلب عبأه باللغة الروسية واتجه إلى مكتب السفير للحصول على الموافقة بعد أن أبلغني بأن الامر سيستغرق مدة اسبوع ، وبعد عدة دقائق كانت المفاجأة حضر السفير شخصياً وإلى جانبه (سيرجي نارينكا) صافحني بود وحرارة وجلس بجواري إنه الرفيق (بيسكوف) زميل الدراسة فهو من خريجي معهد أسيا وافريقيا في جامعة موسكو الحكومية وقد درس معي في قسم الشرق الأوسط وكان يشرف على اطروحته لنيل شهادة الدكتوراة نفس البروفيسور المشرف على اطروحتي وهو المرحوم (ليف نيكولايفتش كاتلوف) وبعد تبادل عبارات المجاملة وبعض الذكريات الجميلة سألني ما بك؟ فأخبرته عن وضعي الصحي وعن رغبتي بالسفر العاجل إلى موسكو لتلقي العلاج ابتسم وهو يقول: لحسن الحظ انه من حقي كسفير اصدار ثلاثة أو اربعة تأشيرات سنوية لشخصيات مهمة وبشكل فوري وعاجل ، تأشيرتك ستكون جاهزة غداً صباحاً وما عليك إلا أن ترتب امورك للسفر ولكن قل لي ماذا ستشرب؟ قلت له: لقد شربت كوبا من الشاي وهذا يكفي فقال ومعي ايضا لابد ان تشرب وتأكل هذه وكما تعلم اصول الضيافة الروسية وبعد قليل كان امامنا طبقا من الحلويات والمعجنات وأكواب من النيسكافيه والعصير ، وبعد ان احتسيت كوباً من العصير وتناولت قطعة من الحلوى نظر نحوي وقال: اريد أن اتحدث معك في بعض الامور المتعلقة بالشأن السياسي فأرجو أن يكون لديك الوقت الكافي ، قلت له: حسناً سيكون لدي الوقت الكافي وبإعتبار ان اللقاء بك يعتبر من المفاجأت السارة والغير متوقعه ، ابتسم وبدأ يتحدث عن صعوبات وتعقيدات القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي بعد نجاح جورج بوش الابن في امريكا وارئيل شارون في إسرائيل وباعتبار أن الاثنين اعداء الداء للفلسطينيين والعرب ويضمران شراً كبيراً لشعوب المنطقة ويأملان معا بالخلاص من مشروع السلطة الوطنية الفلسطينية ومن الرئيس عرفات والقيادة الفلسطينية ونحن نحاول وبجهد كبير حماية المشروع الوطني والقيادة الفلسطينية والرئيس عرفات إلا أننا ومن خلال هذا الجهد نأمل في تعاون القيادة والرئيس عرفات معنا ، فقلت له بحسب علمي فإن الرئيس عرفات يثق بكم ويأمل بأن تستعيد روسيا الإتحادية عافيتها لإستعادة التوازن المفقود وإنهاء التفرد الإمريكي على الصعيدين الدولي والإقليمي وقد يكون في وصول الرئيس فلاديمير بوتين فاتحة خير على هذا الصعيد ، نظر نحوي وقال: هذا صحيح والرئيس بوتين سيعمل وبجد على عودة الدور الروسي الفاعل والقوي وفي كافة المجالات ولكن عليك أن تعلم بأنني عضو في اللجنة الرباعية الدولية المكلفة بصياغة خطة خارطة الطريق ونحن نواجه صعوبات في اقناع الرئيس عرفات في قبول هذه الخطة وهو يرى بأنه غير ملزم بتقديم تنازلات مجانية على الورق للطرف الإسرائيلي في مقابل مكتسبات وهمية وعلى الورق أيضا والرئيس عرفات على حق في مواقفه وشكوكه التي يبديها ولكننا نضمر شيئاً آخراً ونريد تحقيقه من خلال هذه الورقة ولا نستطيع مصارحة عرفات به لإعتبارات تتعلق بقيمته الكبيرة وكرامته ومكانته كزعيم كبير في الشرق الأوسط وقائد عظيم للشعب الفلسطيني ، ابتسمت وانا استمع لهذا الحديث الشيق ولهذه المواصفات التي يضفيها على الرئيس ابو عمار وقاطعته متسائلاً بالقول: يا رفيق بيسكوف هل لديك ضمانه بأن يتم تنفيذ بنود خطة خارطة الطريق وحتى ندفع وعلى بينه وباتجاه توقيعها من الرئيس عرفات؟ فأجابني بنوع من الاستهجان والغضب قائلاً: ما هذا السؤال الغبي والذي لا أتوقع أن اسمعه منك؟ قلت له وبإرتباك ولماذا؟ فقال نحن نعتبرك من العقول اللامعة وقد كنت مميزاً في رؤيتك الاستراتيجية والسياسية أثناء دراستك في المعهد ، هذه الخطة أي خطة خارطة الطريق بحاجة إلى موازين قوى جديدة وقادرة على فرضها وموازين القوى السائدة حالياً والتي تصب في مصلحة الطرف الأمريكي والإسرائيلي لن تسمح بتنفيذ أي بند من بنودها ، نحن فقط نعتبرها برمتها تمديد وتجديد لسقف الحماية الدولية للمشروع الوطني الفلسطيني وللرئيس عرفات والقيادة الفلسطينية ولعهدٍ من السنوات وبإنتظار موازين قوى اخرى تسمح بإنتزاع الحقوق الوطنية الفلسطينية وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي وهي إذن وكما أقول لك ليست أكثر من سقف دولي للحماية والحفاظ على الذات في هذه المرحلة الصعبة ، فقلت له: ولماذا لم تصارحوا الرئيس عرفات بهذه الحقيقة؟ فأجاب: بأنه من غير اللائق ابلاغ الرئيس عرفات بهذه الحقيقة وبهذا الشكل احتراماً منا وتقديراً منا لهيبته وزعامته التاريخية ولقد اخترت الحديث معك بهذه المسألة لإعتبارات تتعلق بقربك منه وثقته الكبيرة بك ، لقد جاء لقاءنا كله عن طريق المصادفة ورب صدفة خير من الف ميعاد كما يقال وأرجو ان يكون لك دور في هذا الموضوع ودعته وخرجت وفي طريق عودتي مررت على مكتب الأخ ابو طارق هاني الحسن وأبلغته بما سمعت من السفير الروسي فقال معلقاً على ذلك "كلام السفير صحيح ولولا ثقته بك لما تحدث معك بهذه الصراحة سأقوم بإبلاغ الأخ الرئيس أبو عمار بهذه الحقائق وعليك أن تكتب له أيضاً وبسرعة" وفيما بعد كانت المفاجأة فقد أعلن الأخ الرئيس أبو عمار قبوله بخطة خارطة الطريق ليخرج شارون بعدها بساعات ويتحدث عن أكثر من سبعة عشر اعتراض اسرائيلي على الخطة على الرغم من قبول اسرائيلي الشكلي بها.
وبعد يومين على هذه الأحداث وصلت إلى القاهرة وكالعادة كان لي لقاء مع الأخوة في مصر وقد نصحني اللواء مصطفى البحيري وهو أخ فاضل وعزيز ومحب كبير لفلسطين وللشعب الفلسطيني وصديق مقرب من الرئيس ابو عمار بالسفر للعلاج في موسكو وباعتبار ان لي العديد من الاصدقاء الذين سيهتمون بحالتي الصحية هناك ، وقد كان ذلك ، وفي اليوم الثاني لوصولي إلى موسكو حجزت مقعداً على الطائرة المتجهه إلى جمهورية ( تشوفاتشيا الإتحادية الروسية) وهي جمهورية ذات حكم ذاتي وعاصمتها (تشيبوكساريا) وقد سبق لي وأن زرتها في ضيافة الدكتور بسام بلعاوي وهو سكرتير لجنة مؤسسة الوفاق الدولية التي يرأسها الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل (سيرجيفتش جربتشوف) وقد تعرفت في حينها على رئيس الوزراء وعلى عدد من الوزراء وشخصيات اعتبارية في المدينة ومن بينهم القس ( فرنابه ) والذي كان فخوراً بلقائه الهام والتاريخي مع الرئيس عرفات ، وأذكر أنه حدثني بشوق عن زيارته للناصرة وبيت لحم وكنيسة المهد والقدس كما أبلغني أن للكنيسة الروسية أملاك واراضي وعقارات في القدس الغربية وأنهم ومهما طال الزمن او قصر سينتزعونها وبكافة الوسائل من انياب اليهود والطرف الاسرائيلي المستبد.
ومنذ وصولي إلى المدينة طلبت بأن تكون زيارتي خاليه من الاستقبالات والترحيبات التي لا تنتهي وبإعتبار حالتي الصحية المزعجة أما بعد العلاج فلكل حادث حديث ، وقد خُيرت بين الذهاب للمستشفى المركزي وبين مستشفى الإسعاف السريع إلا أنا احد العارفين نصحني بمستشفى الإسعاف السريع بالنظر لتمتعه بإمكانيات وخبرات متنوعة ، وفي المستشفى وبعد خمسة أيام متواصلة من الفحوصات الشاملة والدقيقة لم تظهر الاسباب الرئيسية للحالة فقط كان هناك مظاهر إلتهابات منتشره في معظم انحاء الجسم ولا يوجد أي دليل على وجود البكتيريا او الجراثيم المسببه لهذه الالتهابات ، وفي صبيحة اليوم السادس حضرت الدكتورة (زويا) وهي نائبة رئيس القسم وتتحدث ببعض الكلمات العربية لكونها خدمت في مستشفيات مدينة سوسه التونسية لبعض الوقت وقالت لي: قرر اجتماع مجلس الاطباء في القسم ان تذهب معي فقلت لها إلى أين؟ فقالت لا تقلق احمل معك المنشفه وهيا ، سرت معها لعدة دقائق داخل اقسام المستشفى وحتى وصلنا إلى قاعة كبيرة تحت المبنى الرئيسي مضاءة بشكل غير عادي وفي غاية الترتيب والنظافة وبها عدد كبير من الآسره المجهزه بكل المستلزمات الطبية الخاصة ، ترددت بالدخول وخاصةً بعد ان استنشقت رائحة تشبه رائحة الدماء نظرت نحوي وقالت لا تخف وهي تبتسم هذا قسم غسيل الدم فقلت لها ولماذا؟ فقالت سنجري لك عملية غسيل دموي مبدئيأ وبعدها سنقرر ماذا سنفعل ، وقد كان ذلك وبعد ان تم اجراء كافة الاستعدادات استلقيت على السرير وحضر البروفيسور ميخائيل ومعه أكياس بلاستيكية فارغة وقال هذه صناعة امريكية فاخرة فسوف ناخذ الدم بها للتكرير والفحص ، الأكياس المحلية ليست بهذه الجودة ، وقد تم سحب كيسين من الدم أي بمقدار لترين وعندما شعرت بدوخة وضعوا كمامات اكسجين على انفي كما وضعوا محلول عبر الوريد ، انتظرت على هذه الحالة مدة لا تقل عن خمسة واربعون دقيقة وبعدها حضر البروفيسور ميخائيل من الغرفة الصغيرة ذات الابواب الحديدية وقال: الوضع سيئ للغاية ، قلت له لماذا؟ فقال هناك تسمم دموي شديد ناتج عن مادة معينه وهي تعمل على انسداد الشرايين وكما يبدو فإنها وصلت إلى منطقة العنق في الخلف فضعفت كمية الدم التي تصل إلى الدماغ وهذا هو السبب الرئيسي لعدم النوم لو تأخرت مدة اسبوعين آخرين ولم يتم اكتشاف الأمر لكنت في عداد الموتى لا استطيع أن اقول لك الحمد لله على السلامة حالياً فأنت بحاجة إلى ثلاث جلسات لتكرير وغسيل الدم وبعدها سننتظر النتائج النهائية وأتمنى أن تكون على ما يرام ، لا تقلق ولا تخف فأنتَ في أيدي أمينه.
وبنفس الطريقة ويوم بعد يوم كان يتم سحب وغسيل لترين من الدم وفي غضون اسبوع بعد الجلسة الثالثة والأخيرة قال البروفيسور ميخائيل بأننا الآن وبالمجموع قمنا بغسيل وتكرار ستة لترات وهي الكمية الموجودة في جسم الإنسان واستطيع أن اقول لك الحمد لله على سلامتك وما عليك إلا ان تواصل استكمال برنامج العلاج مع الأطباء الآخرين في القسم ، وفي غضون الاربع والعشرين ساعة التي تلت ذلك وبالتنقيط من خلال الوريد تم غسل الكلى بلتر من المحلول الخاص كما تم غسل الكبد بانبوله لا تزيد عن ربع لتر وبالتنقيط ايضاً عن طريق الوريد وكان اللتر الآخير محلول يسمى (الاوزون) وهو اوكسجين نقي يتم تجميعه من طبقات الجو العليا بعد سقوط الامطار وهو يساعد على تنشيط خلايا الدماغ وبقية خلايا الجسم ومن ثم وقبل المغادرة تم إعطائي اربع حبات صغيرة صفراء لغسيل المعدة والأمعاء وعند وداعي للبروفيسور ميخائيل قال لي: هذا التقرير شرحنا فيه حالة التسمم الدموي التي تعرضت لها وطريقة العلاج المتبعه ولست مخولاً بالحديث عبر التقرير عن نوع المادة السمية وطريقة وصولها إلى جسمك فنحن أطباء ولا علاقة لنا بالسياسة والأمن والعداوات ومشاكل الصراع بين البشر ودعته شاكراً وخرجت من المستشفى إلا أنني وجدت نفسي اعود من شدة الإرتباك لكثرة السوائل التي خرجت من جسمي طوال الليل تجمع حولي الأطباء وبعد أن اطمأنوا على الضغط والحرارة ونبضات القلب قال أحدهم: بأن الحبات الأربعة التي أخذتها كان يجب ان تقوم بعملية تنظيف شاملة للمعدة والأمعاء وفي داخل الغرفة وقفت على الميزان فوجدت أن وزني قد هبط بحدود الاربعة كيلوات ، ودعتهم فرداً فرداً وحمدت الله الذي كتب لي الشفاء على ايديهم وخرجت إلى الشقه التي اسكن فيها ، وقد مكثت بعد ذلك عشرة أيام في المدينة مع الأصدقاء والمعارف وقبل مغادرتي بيومين كنت جالساً في الصباح مع الدكتور بسام بلعاوي وقد طلبه على الهاتف القسيس البيلاروسي وهو يؤكد على ضرورة حضورنا ظهراً للغذاء معه وفي الطريق عرفت من الدكتور بسام ان هذا القسيس يملك عدة مشاريع ضخمة في المدينة بالاضافة إلى عدد من التعاونيات الزراعية وهو يزور القدس واسرائيل سنوياً ، وصلنا لمكتبه واستقبلنا ببشاشه قائلا: لم أعزم احدا على هذه الوليمه المكونة من خروف صغير مشوي ومحشي سوى سكرتيرتي الخاصه وأثناء الغذاء نظر نحوي وقال: يا دكتور كامل لك عندي عرض هام وقد يكون فرصة العمر واريدك ان تعطيني اجابة علي دون انتظار او تردد قلت له وما هو؟ قال اريدك ان تشرف ادارياً على مشاريعي في المدينة ولك مني سيارة وسائق وسكرتيرة وشقه سكنية فاخرة وراتب شهري بحدود سبعة وعشرون الف دولار شهرياً فقلت له في مقابل ماذا؟ ولماذا كل هذا العرض السخي؟ فقال مقابل ان تترك السلطة وتعمل معنا هنا
فأبو عمار لن يدوم لك طوال العمر فهذه الوظيفة ستسفيد منها مدى الحياة ، شكرته بإستغراب وبأدب اعتذرت منه رافضاً هذا العرض واذا بالدكتور بسام وبصوت مرتفع وهو يضحك ويقول ولماذا لم توظفني انا وقد اقبل بثلاثة او خمسة آلاف دولار؟ فقال له القسيس لست أنت المطلوب وإنما هو وبعينه فقط الدكتور كامل ، لم تخونني وتأكيداً سرعة البديهه فتوقفت عند كلمة المطلوب هو الدكتور كامل ولم اعد بحاجة إلى اثبات أو دليل فالقس الذي امامي من رجالات اسرائيل المخضرمين على الصعيد الأمني والعرض لم يكن وبالتاكيد اكثر من مصيده ومحرقه مزينه بشرك المغريات.
وبعد يومين على هذه الحادثة وصلت إلى موسكو ومن محطة القطارات توجهت إلى مقر السفارة لتأكيد حجزي للسفر ليلاً إلى القاهرة وقد التقيت بالاخ السفير ( خيري العريدي – ابو ايمن ) وهو آخ فاضل ومناضل ويتقن العمل بصمت وبعيداً عن الاضواء سالني عن صحتي والعلاجات التي تلقيتها فأبلغته بكل ما جرى معي في المدينة والمستشفى وقال معلقاً بأن هذه العلاجات مكلفة فجلسة غسيل الدم الواحدة تكلف في اسرائيل بحدود العشرة آلآف دولار فإبتسمت وقلت له نحن في روسيا الإتحادية وفي روسيا بالإمكان تدبر الامور والتغلب على الصعاب والعقبات لقد قام الدكتور بسام بلعاوي مشكوراً بجهد عظيم في هذا الشأن وقد تمت عملية تغطية النفقات على حساب تأمين صحي لشاب لبناني من الحزب الإشتراكي أي من اتباع الشهيد كمال جنبلاط وهو يعمل مع الدكتور بسام في شركة خاصة هذا بالإضافة إلى انني دفعت لمجموع اطباء القسم مبلغ الفين دولار فقط لقاء كل هذه الخدمات الصحية ، وقد اقترحت عليه زيارة المدينة والتعرف على حكومتها وقد كان ذلك وحيث حظي بإستقبال رسمي وشعبي كبير كممثل وسفير لدولة فلسطين ، وعندما وصلت إلى القاهرة وفي صبيحة اليوم الثاني إلتقيت وفي لقاء مجاملة مع اللواء مصطفى البحيري والذي تفاجأ من التحسن الملحوظ في صحتي ومازحني قائلا: " رجعت شباب لعشرين سنة للخلف ، هما عملوا معاك ايه؟ ، في المرة القادمة نريد ان نسافر معك لنجدد شبابنا بهذه الطريقه" وقد ابلغته عن طريقة العلاج وحالة التسمم الدموي الشديد والقس البيلاروسي وعرضه السخي فابتسم وقال: خذ بالك من نفسك فنحن والرئيس ابو عمار بحاجة إليك ، ودعته وانطلقت عائدا عبر معبر رفح إلى قطاع غزة وفي المعبر وعلى غير العادة حضرت مجندة اسرائيلية واخذت جواز سفري وذهبت به إلى غرفة داخل المعبر وبعد عدة دقائق عادت وهي تبتسم وتقول بصوت مرتفع ( الحمد لله على سلامتك يا دكتور كامل أنت كنت مريض كثير كثير ولكنك تعالجت كويس كويس وبشكل جيد) اخذت الجواز من يدها وبدون تعليق في حين بدأ شريط الذكريات يحوم في رأسي عن القس البيلاروسي وعرضه السخي وقضية التسمم الشديد وموقف البروفيسور ميخائيل عند كتابته للتقرير وسرعة وصول المعلومات لجهاز الشاباك والذي طلب من المجنده إبلاغي بهذه العبارات ، وتيقنت أنهم مازالوا أساتذة كبار في لعبة العمل الأمني واننا بحاجة إلى جهد جهيد حتى نرتقي بأنفسنا وحتى نمتلك المقدرة على مقارعتهم والتفوق عليهم فالمسألة ليست مستحيلة ولكنها بحاجة لجهد مخلص ومؤسسة وطنية تعمل على تنمية المواهب والقدرات لخدمة مشروعنا الوطني المحاصر والذي يتعرض للطعن من الخصوم والأصدقاء أحياناً ومن كل الإتجاهات.
وبعد يومين على هذه الأحداث وصلت إلى القاهرة وكالعادة كان لي لقاء مع الأخوة في مصر وقد نصحني اللواء مصطفى البحيري وهو أخ فاضل وعزيز ومحب كبير لفلسطين وللشعب الفلسطيني وصديق مقرب من الرئيس ابو عمار بالسفر للعلاج في موسكو وباعتبار ان لي العديد من الاصدقاء الذين سيهتمون بحالتي الصحية هناك ، وقد كان ذلك ، وفي اليوم الثاني لوصولي إلى موسكو حجزت مقعداً على الطائرة المتجهه إلى جمهورية ( تشوفاتشيا الإتحادية الروسية) وهي جمهورية ذات حكم ذاتي وعاصمتها (تشيبوكساريا) وقد سبق لي وأن زرتها في ضيافة الدكتور بسام بلعاوي وهو سكرتير لجنة مؤسسة الوفاق الدولية التي يرأسها الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل (سيرجيفتش جربتشوف) وقد تعرفت في حينها على رئيس الوزراء وعلى عدد من الوزراء وشخصيات اعتبارية في المدينة ومن بينهم القس ( فرنابه ) والذي كان فخوراً بلقائه الهام والتاريخي مع الرئيس عرفات ، وأذكر أنه حدثني بشوق عن زيارته للناصرة وبيت لحم وكنيسة المهد والقدس كما أبلغني أن للكنيسة الروسية أملاك واراضي وعقارات في القدس الغربية وأنهم ومهما طال الزمن او قصر سينتزعونها وبكافة الوسائل من انياب اليهود والطرف الاسرائيلي المستبد.
ومنذ وصولي إلى المدينة طلبت بأن تكون زيارتي خاليه من الاستقبالات والترحيبات التي لا تنتهي وبإعتبار حالتي الصحية المزعجة أما بعد العلاج فلكل حادث حديث ، وقد خُيرت بين الذهاب للمستشفى المركزي وبين مستشفى الإسعاف السريع إلا أنا احد العارفين نصحني بمستشفى الإسعاف السريع بالنظر لتمتعه بإمكانيات وخبرات متنوعة ، وفي المستشفى وبعد خمسة أيام متواصلة من الفحوصات الشاملة والدقيقة لم تظهر الاسباب الرئيسية للحالة فقط كان هناك مظاهر إلتهابات منتشره في معظم انحاء الجسم ولا يوجد أي دليل على وجود البكتيريا او الجراثيم المسببه لهذه الالتهابات ، وفي صبيحة اليوم السادس حضرت الدكتورة (زويا) وهي نائبة رئيس القسم وتتحدث ببعض الكلمات العربية لكونها خدمت في مستشفيات مدينة سوسه التونسية لبعض الوقت وقالت لي: قرر اجتماع مجلس الاطباء في القسم ان تذهب معي فقلت لها إلى أين؟ فقالت لا تقلق احمل معك المنشفه وهيا ، سرت معها لعدة دقائق داخل اقسام المستشفى وحتى وصلنا إلى قاعة كبيرة تحت المبنى الرئيسي مضاءة بشكل غير عادي وفي غاية الترتيب والنظافة وبها عدد كبير من الآسره المجهزه بكل المستلزمات الطبية الخاصة ، ترددت بالدخول وخاصةً بعد ان استنشقت رائحة تشبه رائحة الدماء نظرت نحوي وقالت لا تخف وهي تبتسم هذا قسم غسيل الدم فقلت لها ولماذا؟ فقالت سنجري لك عملية غسيل دموي مبدئيأ وبعدها سنقرر ماذا سنفعل ، وقد كان ذلك وبعد ان تم اجراء كافة الاستعدادات استلقيت على السرير وحضر البروفيسور ميخائيل ومعه أكياس بلاستيكية فارغة وقال هذه صناعة امريكية فاخرة فسوف ناخذ الدم بها للتكرير والفحص ، الأكياس المحلية ليست بهذه الجودة ، وقد تم سحب كيسين من الدم أي بمقدار لترين وعندما شعرت بدوخة وضعوا كمامات اكسجين على انفي كما وضعوا محلول عبر الوريد ، انتظرت على هذه الحالة مدة لا تقل عن خمسة واربعون دقيقة وبعدها حضر البروفيسور ميخائيل من الغرفة الصغيرة ذات الابواب الحديدية وقال: الوضع سيئ للغاية ، قلت له لماذا؟ فقال هناك تسمم دموي شديد ناتج عن مادة معينه وهي تعمل على انسداد الشرايين وكما يبدو فإنها وصلت إلى منطقة العنق في الخلف فضعفت كمية الدم التي تصل إلى الدماغ وهذا هو السبب الرئيسي لعدم النوم لو تأخرت مدة اسبوعين آخرين ولم يتم اكتشاف الأمر لكنت في عداد الموتى لا استطيع أن اقول لك الحمد لله على السلامة حالياً فأنت بحاجة إلى ثلاث جلسات لتكرير وغسيل الدم وبعدها سننتظر النتائج النهائية وأتمنى أن تكون على ما يرام ، لا تقلق ولا تخف فأنتَ في أيدي أمينه.
وبنفس الطريقة ويوم بعد يوم كان يتم سحب وغسيل لترين من الدم وفي غضون اسبوع بعد الجلسة الثالثة والأخيرة قال البروفيسور ميخائيل بأننا الآن وبالمجموع قمنا بغسيل وتكرار ستة لترات وهي الكمية الموجودة في جسم الإنسان واستطيع أن اقول لك الحمد لله على سلامتك وما عليك إلا ان تواصل استكمال برنامج العلاج مع الأطباء الآخرين في القسم ، وفي غضون الاربع والعشرين ساعة التي تلت ذلك وبالتنقيط من خلال الوريد تم غسل الكلى بلتر من المحلول الخاص كما تم غسل الكبد بانبوله لا تزيد عن ربع لتر وبالتنقيط ايضاً عن طريق الوريد وكان اللتر الآخير محلول يسمى (الاوزون) وهو اوكسجين نقي يتم تجميعه من طبقات الجو العليا بعد سقوط الامطار وهو يساعد على تنشيط خلايا الدماغ وبقية خلايا الجسم ومن ثم وقبل المغادرة تم إعطائي اربع حبات صغيرة صفراء لغسيل المعدة والأمعاء وعند وداعي للبروفيسور ميخائيل قال لي: هذا التقرير شرحنا فيه حالة التسمم الدموي التي تعرضت لها وطريقة العلاج المتبعه ولست مخولاً بالحديث عبر التقرير عن نوع المادة السمية وطريقة وصولها إلى جسمك فنحن أطباء ولا علاقة لنا بالسياسة والأمن والعداوات ومشاكل الصراع بين البشر ودعته شاكراً وخرجت من المستشفى إلا أنني وجدت نفسي اعود من شدة الإرتباك لكثرة السوائل التي خرجت من جسمي طوال الليل تجمع حولي الأطباء وبعد أن اطمأنوا على الضغط والحرارة ونبضات القلب قال أحدهم: بأن الحبات الأربعة التي أخذتها كان يجب ان تقوم بعملية تنظيف شاملة للمعدة والأمعاء وفي داخل الغرفة وقفت على الميزان فوجدت أن وزني قد هبط بحدود الاربعة كيلوات ، ودعتهم فرداً فرداً وحمدت الله الذي كتب لي الشفاء على ايديهم وخرجت إلى الشقه التي اسكن فيها ، وقد مكثت بعد ذلك عشرة أيام في المدينة مع الأصدقاء والمعارف وقبل مغادرتي بيومين كنت جالساً في الصباح مع الدكتور بسام بلعاوي وقد طلبه على الهاتف القسيس البيلاروسي وهو يؤكد على ضرورة حضورنا ظهراً للغذاء معه وفي الطريق عرفت من الدكتور بسام ان هذا القسيس يملك عدة مشاريع ضخمة في المدينة بالاضافة إلى عدد من التعاونيات الزراعية وهو يزور القدس واسرائيل سنوياً ، وصلنا لمكتبه واستقبلنا ببشاشه قائلا: لم أعزم احدا على هذه الوليمه المكونة من خروف صغير مشوي ومحشي سوى سكرتيرتي الخاصه وأثناء الغذاء نظر نحوي وقال: يا دكتور كامل لك عندي عرض هام وقد يكون فرصة العمر واريدك ان تعطيني اجابة علي دون انتظار او تردد قلت له وما هو؟ قال اريدك ان تشرف ادارياً على مشاريعي في المدينة ولك مني سيارة وسائق وسكرتيرة وشقه سكنية فاخرة وراتب شهري بحدود سبعة وعشرون الف دولار شهرياً فقلت له في مقابل ماذا؟ ولماذا كل هذا العرض السخي؟ فقال مقابل ان تترك السلطة وتعمل معنا هنا
فأبو عمار لن يدوم لك طوال العمر فهذه الوظيفة ستسفيد منها مدى الحياة ، شكرته بإستغراب وبأدب اعتذرت منه رافضاً هذا العرض واذا بالدكتور بسام وبصوت مرتفع وهو يضحك ويقول ولماذا لم توظفني انا وقد اقبل بثلاثة او خمسة آلاف دولار؟ فقال له القسيس لست أنت المطلوب وإنما هو وبعينه فقط الدكتور كامل ، لم تخونني وتأكيداً سرعة البديهه فتوقفت عند كلمة المطلوب هو الدكتور كامل ولم اعد بحاجة إلى اثبات أو دليل فالقس الذي امامي من رجالات اسرائيل المخضرمين على الصعيد الأمني والعرض لم يكن وبالتاكيد اكثر من مصيده ومحرقه مزينه بشرك المغريات.
وبعد يومين على هذه الحادثة وصلت إلى موسكو ومن محطة القطارات توجهت إلى مقر السفارة لتأكيد حجزي للسفر ليلاً إلى القاهرة وقد التقيت بالاخ السفير ( خيري العريدي – ابو ايمن ) وهو آخ فاضل ومناضل ويتقن العمل بصمت وبعيداً عن الاضواء سالني عن صحتي والعلاجات التي تلقيتها فأبلغته بكل ما جرى معي في المدينة والمستشفى وقال معلقاً بأن هذه العلاجات مكلفة فجلسة غسيل الدم الواحدة تكلف في اسرائيل بحدود العشرة آلآف دولار فإبتسمت وقلت له نحن في روسيا الإتحادية وفي روسيا بالإمكان تدبر الامور والتغلب على الصعاب والعقبات لقد قام الدكتور بسام بلعاوي مشكوراً بجهد عظيم في هذا الشأن وقد تمت عملية تغطية النفقات على حساب تأمين صحي لشاب لبناني من الحزب الإشتراكي أي من اتباع الشهيد كمال جنبلاط وهو يعمل مع الدكتور بسام في شركة خاصة هذا بالإضافة إلى انني دفعت لمجموع اطباء القسم مبلغ الفين دولار فقط لقاء كل هذه الخدمات الصحية ، وقد اقترحت عليه زيارة المدينة والتعرف على حكومتها وقد كان ذلك وحيث حظي بإستقبال رسمي وشعبي كبير كممثل وسفير لدولة فلسطين ، وعندما وصلت إلى القاهرة وفي صبيحة اليوم الثاني إلتقيت وفي لقاء مجاملة مع اللواء مصطفى البحيري والذي تفاجأ من التحسن الملحوظ في صحتي ومازحني قائلا: " رجعت شباب لعشرين سنة للخلف ، هما عملوا معاك ايه؟ ، في المرة القادمة نريد ان نسافر معك لنجدد شبابنا بهذه الطريقه" وقد ابلغته عن طريقة العلاج وحالة التسمم الدموي الشديد والقس البيلاروسي وعرضه السخي فابتسم وقال: خذ بالك من نفسك فنحن والرئيس ابو عمار بحاجة إليك ، ودعته وانطلقت عائدا عبر معبر رفح إلى قطاع غزة وفي المعبر وعلى غير العادة حضرت مجندة اسرائيلية واخذت جواز سفري وذهبت به إلى غرفة داخل المعبر وبعد عدة دقائق عادت وهي تبتسم وتقول بصوت مرتفع ( الحمد لله على سلامتك يا دكتور كامل أنت كنت مريض كثير كثير ولكنك تعالجت كويس كويس وبشكل جيد) اخذت الجواز من يدها وبدون تعليق في حين بدأ شريط الذكريات يحوم في رأسي عن القس البيلاروسي وعرضه السخي وقضية التسمم الشديد وموقف البروفيسور ميخائيل عند كتابته للتقرير وسرعة وصول المعلومات لجهاز الشاباك والذي طلب من المجنده إبلاغي بهذه العبارات ، وتيقنت أنهم مازالوا أساتذة كبار في لعبة العمل الأمني واننا بحاجة إلى جهد جهيد حتى نرتقي بأنفسنا وحتى نمتلك المقدرة على مقارعتهم والتفوق عليهم فالمسألة ليست مستحيلة ولكنها بحاجة لجهد مخلص ومؤسسة وطنية تعمل على تنمية المواهب والقدرات لخدمة مشروعنا الوطني المحاصر والذي يتعرض للطعن من الخصوم والأصدقاء أحياناً ومن كل الإتجاهات.