اللواء كامل ابو عيسى يتذكر مع دنيا الوطن ... ليلة القبض على شمعون بيرس في مكتب الرئيس ابو عمار

اللواء كامل ابو عيسى يتذكر مع دنيا الوطن ...  ليلة القبض على شمعون بيرس في مكتب الرئيس ابو عمار
رام الله - دنيا الوطن

قال اللواء كامل ابو عيسى لدنيا الوطن :تولى ثعلب اسرائيل الحكيم شمعون بيرس مقاليد الحكم والسلطة واصبح رئيساً للوزراء خلفاً للفقيد المغدور الجنرال اسحاق رابين ولمدة قصيرة بدأت في نوفمبر عام 1995م. وإنتهت بفاجعة مريرة مع نهاية شهر مايو عام 1996م. وأقول بانها انتهت بفاجعة لأنه وطوال السبعة شهور التي حكم فيها كان بأمكانه استغلال الصدمة التي احدثتها عملية اغتيال اسحاق رابين بالتوجه السريع والعميق نحو التنفيذ الدقيق والامين لمبادئ اتفاق ( اوسلو ) وخلق الوقائع الراسخة لميلاد وقيام الدولة الفلسطينية إلا أنه لم يفعل ذلك بل وعمل بعكس ذلك بل وبعكس قناعاته التي كان يتغنى بها وهو في موقع الرجل الثاني وأصبح كل همه وطوال هذه الفترة العمل على إرضاء قوى اليمين وقطعان المستوطنين وتعطيل المتفق عليه من تفاهمات مع الجانب الفلسطيني وحتى اصبحت ذريعة الاوضاع الداخلية الصعبة في اسرائيل الشماعة التي يعلق عليها تخاذله المرتبك ، وللأسف فإن الأطراف المهتمه بالتسوية السلمية في الجانبين العربي والفلسطيني كانت تبرر له هذا النكوص وبإعتباره رئيساً انتقالياً وبإنتظار أن يفوز فوزاً كاسحاً في الإنتخابات الإسرائيلية وحتى يقوم بالخطوات الإستراتيجية الكبيرة لترسيخ عملية السلام والوصول بها إلى بر الأمان.
وبإعتبار أنني كنت احاول رؤية الوجه الآخر من الحقيقة وهو الوجه المخفي عن عيون الآخرين وأجد نفسي أسبح ضد االتيار في حالات كثيرة فقد وصلت بي القناعات إلى أن هذا الثعلب الحكيم أي شمعون بيرس تعود على مهنة بيع الأوهام وبجدارة للآخرين وهو في موقع الرجل الثاني أما الآن فقد أصبح كالبطة العرجاء عندما وجد نفسه فجأةً وبدون مقدمات في موقع الرجل الأول ، فالرجل الذي يقوم بصيانة عجلات الطائرة وتعود على هذا العمل وبالرغم من أهمية عمله لن يستطيع القيام بدور الطيار وشمعون بيرس يجيد دوره كمستشار وناصح ورجل ثاني ولا يستيطع أن يكون الرجل الأول ولا يتحمل وزر اتخاذ القرارات التاريخية الكبيرة.
وعشية الدخول في معمعان الحملة الإنتخابية وكغيره من اللاعبين الإسرائيليين عندما يكونوا في سدة الحكم أراد أن يجذب أنظار الجمهور الإسرائيلي إليه بشن هجومه الواسع على جنوب لبنان والذي انتهى بمأساة ومجزرة عشرات الأطفال اللبنانين في مدرسة قانا ، ولهذا ولذلك كان لدي إصرار بأن الأمور تتجه نحو فوز كبير لليمين الصهيوني على حساب شمعون بيرس وحزب العمل ولفيف المعارضات الصغيرة المتحالفة معه.
وفي ليلة الإنتخابات وقد كنت صباحاً ارسلت بتقرير واضح للأخ الرئيس أبو عمار يتحدث عن انقلاب سياسي في اسرائيل لمصلحة اليمين ومرشحه لرئاسة مجلس الوزراء السيد بنيامين نتنياهو وكما يبدو فإن التقرير كان مزعجاً وغير مفهوماً لبعض العاملين في مكتبه وقد ظهر ذلك عندما حضرت ليلاً مع الأخ المرحوم توفيق جبر إلى المقر ، وكالعادة كان مكتب الرئيس ابو عمار كخلية النحل وجاء الأخ عبدالمنعم ابو سردانه يهمس في اذني قائلا: "لا تكترث بهم فهم منزعجون من التقرير ويعتقدون بأن صاحبهم شمعون بيرس سيفوز" وفي حدود الساعة الواحدة والربع ليلاً وبينما كنت جالساً مع لفيف من الإخوة حضر الأخ
" مجدي روما " وهو يحمل طبقاً كبيراً من الحلوى ويعزم بفرح وزهو على الآخرين طالباً منهم بأن يتحلو بمناسبة فوز شمعون بيرس وحيث يقول بأن النتائج الأولية أظهرت تقدمه بحوالي مئة ألف صوت ونظر نحوي بشماته وقال: تفضل يا دكتور كامل فقلت له بمناسبة ماذا؟! تقوم بتوزيع هذه الحلوى قال: بمناسبة فوز شمعون بيرس ، فاعتذرت منه ورفضت أن أتناول قطعة الحلوى فقال: هذا طبق الرئيس فكيف ترفض أن تتحلى بهذه المناسبة ، فقلت له: أنا لا أرفض حلوى الرئيس ولا طبقه ولكني متأكد من فوز اليمين وبنيامين نتنياهو ، فإغتاظ وادار بظهره ومضى وبعد عدة دقائق حضر أحد الاخوة يبلغني بأن الرئيس أبو عمار يطلبني فدخلت عليه في المكتب وبعد التحية قال لي: لماذا رفضت أن تتناول قطعة الحلوى من طبق مجدي؟ فقلت له: بأن شمعون بيرس سيخسر المعركة وبعد ساعات سيتم فرز أصوات الجيش وقوى الأمن وبعض القطاعات الآخرى وستكون النتيجة بعكس ذلك على العموم لقد أرسلت لسيادتكم بالتقرير عن توقع نتائج الإنتخابات صباحاً فقال: لقد قرأته ولكن إخوتك لديهم تقدير موقف مغاير فقلت له: هذا من حقهم ولكنني ومن واجبي إبلاغكم بالحقيقة كما هي وبدون عواطف خاصة أو شخصية ولا مصلحة لي بالإنيحاز لأحد ، ابتسم وقال: معك حق فلننتظر حتى تظهر النتائج النهائية.
وفي تمام الساعة العاشرة والنصف صباحاً اتصل بي عبدالمنعم أبو سردانه من مكتب الرئيس يقول لي: الأخ ابو عمار وبعد ظهور النتائج قال وهو يبتسم وينظر في وجوه البعض ، كالعادة طلعتم كذا ...... والوحيد اللي بيفهم عندي بس هوة الدكتور كامل على العموم أنا كمان متحليتش من الطبق اللي توزع.