اللواء الدكتور كامل ابو عيسى يتذكر مع دنيا الوطن ... ابو عمار واللواء فهد نجم الدين والسيبه والحقيبة

لم اكن اتصور بان التقرير الذي كتبته وبعنوان ( نحو صياغة جديدة للمشروع الامني الفلسطيني قراءة في اسباب الفشل ) ، سيكون له كل هذا التأثير الهام في الوضع الفلسطيني وفي عموم المنطقة ، وكالعادة إن مثل هذه التقارير النقدية وذات الطابع والبعد الاستراتيجي وتحاشياً للحساسيات التي لا نهاية لها كنت اسلمها باليد للأخ الرئيس ابو عمار ، وبعد مرور اربع وعشرين ساعة على استلامه للتقرير اهتزت السلطة واهتز معها العديد من الاركان المتنفذه كما اهتزت الارض من تحت اقدامي وكان زلزالاً قويا يهز المكان خاصة بعد ان دخل على مكتبي احد الاخوة وبيده صحيفة تتحدث في منشيتها العريض عن مسئول امني كبير يكشف فساد اجهزة السلطة واختراق اسرائيل لها ، تركت مكتبي على الفور وتوجهت لمكتب الأخ ابو عمار وبيدي الصحيفة وسألته باستغراب عن كيفية تسريب التقرير للصحف ! ابتسم وقال: يبدو أنك غاضب ومرتبك قلت له نعم وهذا ما دفعني للمجيء إليكم فقال: انا من قمت بذلك ، قلت له ولماذا؟ أشعر بأنني قد اصبحت في دائرة النار والاستهداف الاسرائيلي المباشر ، فالجميع يعرف ان مثل هذه التقارير يعدها الدكتور كامل ، فقال لي لا تخف ولا ترتبك قمت فقط بهز الشجرة للضغط على الاوراق الصفراء وبعض الثمار الفاسدة المختبئة بين الاغصان ولكوني لا استطيع أن أفعل اكثر من ذلك بحسب التعهدات المبرمة والمؤقتة في هذا الوقت وبانتظار الوقت المناسب.
خرجت من مكتب الاخ ابو عمار وذهبت للتشاور مع احد الاخوة الاصدقاء في بيته ، وهو صديق مقرب جدا من الاخ الرئيس استقبلني بابتسامة وهو يقول: أنت قمت بالواجب المطلوب منك والبقية علينا وعلى الاخ ابو عمار لقد كنت معه في اخر الليل وابلغني انه ومن شدة اعجابه بالتقرير قرأه اكثر من سبع مرات وعندما سألته وماذا بعد وماذا ستفعل ؟ اجابني بالقول: ( بان كل كلمة في هذا التقرير تحتاج إلى ارض فلسطينية وسماء فلسطينية كي تحميها ونحن لا نملك هذا ولا ذاك حتى هذه اللحظة ) ، تقريرك أيها ( الغضيب ) أحدث زلزالا على صعيد العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية وكما يبدو فإن ارتداداته اهتزت لها القاهرة وعمان ودمشق وأطراف عربية وأجنبية كثيرة ، قلت له وبماذا تنصحني ابتسم وقال: بالمغادرة ولمدة شهر على الأقل حتى تهدأ الامور والنفوس ، وعلى الفور وفي المساء استأذنت الاخ الرئيس بالسفر إلى مصر وتونس وبحجة العلاج وقد كان ذلك وحيث مكثت في القاهرة اربعة أيام فوجدتها وهي الحاضنة للمشروع الوطني الفلسطيني تغلي على وقع نيران التقرير وانها لن تقبل ولن تسمح باختلال التوازن المتفق عليه وانها ستفعل كل شي لكي يستعيد المشروع الوطني الفلسطيني توازنه بعيدا عن ضغوطات واختراقات الطرف الاسرائيلي ، وعلى ضوء استشعاري بالخطر بسبب التفاقم الغير منتظر للأمور قررت البقاء في تونس وقد مكثت مدة ثلاثة اسابيع حيث جاء الرئيس ابو عمار في زيارة إلى هناك وطلب وبإصرار عودتي إلى غزة وبحجة إنه لا يستطيع الاستغناء عني ، وبعدها بيومين غادرت تونس حيث كانت المفاجأة الجميلة فالأخ المرحوم ابو علي شاهين ينتظرني في المطار عانقني بحرارة وقال بتحبب ايها المشاغب اللعين غذاءك عندي اليوم في البيت وستأكل ورق العنب والمحشي معي من ايد اختك ام علي ، قلت له لكن قل لي كيف عرفت بموعد وصولي إلى القاهرة؟ فقال: عيب يا دكتور العصفورة أبلغتني فقلت له ألم تشتاق لرؤية غزة وأهلها ؟ فقال: اشتاق ولكن لم يحن الوقت بعد فربما يكون ذلك في القريب العاجل ، وصلنا البيت ومنذ وصولي وحتى لحظة وداعي له وخروجي من المنزل كانت الاتصالات الهاتفية المتتابعة تتوالى عليه وبدون انقطاع ، كان على تواصل بالجميع ومع اصحاب القرار في مصر المتعلق بالشأن الفلسطيني ، فقلت له اترك الهاتف قليلاً حتى نتحدث فقال: (وهل تركت لنا بعد تقريرك أي مجال للحديث لقد قلت كل ما كنا نريد قوله ، علينا انتشالهم من المستنقع الذي غطسوا فيه وكما علمت بحسب الاتصالات المتتابعة فإن مصر ستتخذ قراراً ولأول مرة بإرسال موفدين امنيين كبار إلى مناطق السلطة الفلسطينية في غضون الساعات القادمة وربما بعد ساعة او ساعتين من الآن).
عدت إلى غزة وبعد عودتي بأسبوعين على وجه التقريب تم الإعلان عن وصول الوفد المصري برئاسة اللواءين فهد نجم الدين مدير عام مباحث أمن الدولة ومحسن فتحي ممثلاُ عن المخابرات العامة المصرية ، وبقدر ما اثار الحضور الأمني المصري الهام الطمأنينه في نفوس الرأي العام الفلسطيني والغبطه والفرح لدى الرئيس أبو عمار أبدت اسرائيل نوعا من الإنزعاج والغضب المبطن وباعتبار انهما سيعملان على اغلاق العديد من نوافذ الاختراق الاسرائيلي المهدد للكيانية الفلسطينية الطامحة للحرية والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ويتعاملان مع مشروع الحكم الذاتي المؤقت باعتباره المدخل المتفق عليه نحو الاعلان الاكيد لقيام الدولة الفلسطينية ، وفي لقاء خاص جمعني مع الاخ ابو عمار قال لي: ( خذ بالك كويس ياخويا من فهد ومحسن دول مش ضيوف عندنا دول من عظام الرقبة وسيساعدون كثيراً على صعيد ترتيب وتنظيف البيت الداخلي وسيكونوا سنداً لنا في التصدي للدسائس الاسرائيلية المتواصلة).
استأذنت من الاخ ابو عمار بالخروج وأثناء سيري باتجاه مكتب الاخ امين الهندي التقيت مع الاخ توفيق جبر فقال لي هامساً هناك شي هام اريد الحديث معك فيه بعد ان نشرب القهوة مع الاخ امين ، فقلت له ولماذا لا تقوله لي الآن فقال لا استطيع وبعد أن خرجنا معا نزل من السيارة وقال دعنا نتمشى هنا قليلا وأثناء سيرنا ابلغني انه سيذهب هذه الليلة مع وفد من قيادة الجهاز للقاء مع الجانب الاسرائيلي في إيرز ، قلت له اذهب ولكن لا تشاركهم كثيرا في الحديث ، استمع قدر المستطاع لما سيقال وحتى نبلغ الاخ ابو عمار بالجديد والهام عن هذا اللقاء ، وقبل منتصف الليل بقليل حضر الاخ توفيق جبر عليه رحمة الله يبتسم تارة ويعربد تارة اخرى فقلت له اهدأ ماذا بك؟ فقال (يا معلمي هذه المرة يبدو أن الموضوع جد (دير بالك على نفسك) لقد حضر وفد اسرائيلي مكون من حوالي سبعة عشر شخصية وبينهم عدد كبير من الضباط من ذوي الرتب العالية وعلى طاولة كبيرة وطويلة جلسنا وكأننا في مؤتمر وكان اول قضية طلبوا مناقشتها منا هي وضع حد للبروفسور ابو عيسى يعني الدكتور كامل حضرتك) ، فرد عليهم الأخ امين بأنه لم يفعل شيئاً مسياً للعلاقة معكم فتحدثوا عن التقرير وأشياء اخرى كثيرة فرد عليهم الاخ امين قائلا: بأن مرجعيته ومرجعيتنا في الجهاز واحدة عند الاخ الرئيس ابو عمار وارجوا ألا يكون كلامكم طلباً او تعليمات ، وبيني وبينك طز في هيك دولة يمثلها وفد على هذا المستوى ويكون على رأس جدول اعماله الاحتجاج على نشاط وعمل الدكتور كامل ، فقلت له: اذهب وبلغ الاخ الرئيس ابو عمار بكل ما جرى في الاجتماع وسيكون لك بالتاكيد جائزة مهمة عنده يعني كل طلباتك راح تمشي ، لكن اياك ان يعرف احداُ بهذا الكلام.
وبعد ايام التقيت بالاخ الرئيس فقال لي: (متخافش اللي بيوقع من السما بتتلقاه الارض مهو احنا ياخويا مشاريع شهادة وعمرنا اللي بنعيشوا زيادة اذهب الى القاهرة وانا واخوانك المصريين حنحميك ودير بالك على اخوك امين ).
لم امكث طويلا في مصر وبعد ايام عدت عبر المعبر إلى قطاع غزة وفي المعبر كانت المفاجأة حضر احد الضباط الاسرائيليين وطلب مني التوجه إلى مكتب المخابرات معه قلت له ولماذا؟ قال لا ادري ، توجهت معه وكنت احاول السيطرة على حالة الارتباك التي اصابتني وحتى لا ابدو ضعيفاً او مهزوزا امامهم وعند وصولنا الى المكتب نهض العقيد نيسم يعرف على نفسه وصافحني وقال: تفضل واجلس وبعد جلوسي بنصف دقيقة حضر مسرعاً وعلامات الغضب والحيرة والارتباك على وجهه الأخ سعد اسعيفان مدير المخابرات الفلسطينية في المعبر ، وإذا بالعقيد نيسم يبتسم ويقول له ( متخافش على معلمك اطمئن لا داعي للقلق الدكتور كامل في ضيافتي وسيشرب معي كأس من العصير او فنجان قهوة وسأتحدث معه في الامور السياسية فهو صاحب رأي مهم ونريد ان نسمع منه ونستمع إليه فقط) ، خرج سعد وهو يبتسم في حين بادرني العقيد نيسم بالسؤال: اريد ان استمع الى رأيك في مشروع السلام الذي يجري تطبيقه بيننا فقلت له بصراحة انا لست متفائل فقال ولماذا؟ قلت له لدي احساس بأن هناك عقبات كثيرة تمنعكم من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه معنا وعلى راس هذه العقبات وضعكم الداخلي في اسرائيل فقوى اليمين تزداد قوة وشراسه وأنتم في حزب العمل منقسمين بين مؤيد ومعارض للاتفاق مع الجانب الفلسطيني ويبدو ان الصادق الوحيد بينكم فقط هو رئيس الوزراء الجنرال اسحاق رابين ، قال وهو يبتسم وشمعون بيرس ايضا يريد السلام فقلت له بصراحة ان لا اثق في شمعون بيرس فهو ثعلب متلون يجيد التلاعب بالكلمات ويعتمد في ذلك على ثقافته الواسعة وهو مهندس سياسة الفساد الرسمية الاسرائيلية التي يجري تعميمها على صعيد الادارات الفلسطينية وفي الواقع الفلسطيني بشكل عام ، ولا استبعد وإذا استمرت اوضاعكم الداخلية على هذا النحو أن يقوم أحد المهاويس من اليمين الاسرائيلي باغتيال الجنرال اسحاق رابين ، فقال لا يا دكتور نحن دولة ديمقراطية نحتكم إلى الصناديق ولا نقتل بعضنا بعضاً ابتسمت وقلت له امريكا حليفتكم دولة ديمقراطية وقد تم اغتيال جون كينيدي وهو في سدة الحكم ، وشخصية اسحاق رابين القوية على الصعيد الجماهيري ولكونه ابن للمؤسسة العسكرية الاسرائيلية لا يمكن لليمين ان يفوز عليها عبر صناديق الاقتراع ولهذا لا استبعد ان يتدبروا امره عبر عملية اغتيال لوقف مشروع السلام مع الجانب الفلسطيني فقال وهو يبتسم بارتباك اتمنى ألا يحدث ذلك وأتمنى عليك ان تكون اكثر ايجابية في مواقفك السياسية وباعتبار انك تحظى بثقة ومحبة الرئيس عرفات ، ودعته وخرجت من المكتب والعيون تراقبني من كل الاتجاهات بعضها باستغراب وبعضها بتعجب وبعضها يهنئني بالسلامة.
وبعد مضي عدة ايام على هذه الحادثة اتصل بي الاخ توفيق جبر ليقول لي: بأن امين واللواء فهد ومحسن فتحي اتفقوا على زيارتك في البيت مساء اليوم قلت له اهلا وسهلا وسأكون في انتظارك معهم وقبل وصولهم بدقائق نزلت لاستقبالهم ، نزل فهد من السيارة وبابتسامته العريضة المعهودة قال: (يا ابن الإيه بتقرير واحد منك خلعتني من جذوري وأخرجتني من مملكتي في مباحث امن الدولة وجئت بي إلى فلسطين والى قطاع غزة والتقرير الثاني اذا غضبت مني ومن امين فين حتودينا اياك يا امين تزعل مع الدكتور كامل) ، ابتسم امين وقال: ومين اللي بقدر على زعل الدكتور كامل وبعد ان جلسنا في الصالون نظر نحوي وقال الحقيبة اللي جايبها امين معاه دي حقيبة المعلومات او حقيبة الفلوس ؟! ومن ثم واصل حديثه اذا كانت بتاعت المعلومات مش عايزينها احنا عايزين حقيبة الفلوس.
وكان بذلك يذكرني بموقفي بعد اغتيال الشهيد عاطف بسيسو وعندما طلبوا مني ان اقوم بمهام الشهيد عاطف قلت لهم لا هناك من هو افضل مني للقيام بهذه المهمه فأنا لا احب حمل هاتين الحقيبتين فقالوا من؟ فقلت لهم الأخ امين ، قالوا: ولكن علاقتنا معه مقطوعة منذ حرب الخليج الاولى وبسبب وجود السلاح في بيته في القاهرة وانت تعرف بقية التهم والمشكلة التي لحقت به ، على العموم دعنا نفكر في الامر وفي اليوم التالي تم اتخاذ القرار بمصالحة الاخ امين واستقباله ضيفا مكرما وعزيزا في القاهرة من قبل ضباط مباحث امن الدولة ولقد كنت معهم في استقباله في مطار القاهرة وقد رافقناه حتى وصل إلى بيته وتم الاتفاق على جدول اعمال الغد مع اللواء فهد ومسئولين اخرين عن الملف الفلسطيني.
نظر نحوي مجددا فهد وقال: ابلغني (تيفا اللعين) وكان يقصد الاخ توفيق جبر بأنك اشتريت اليوم ما لدى الصيادين من السيمان ويقصد ( الفر ) بعد خروجه من البحر ولم يتبقى له ولجماعته شيئا ليشتروه وإذا كان الامر كذلك احنا عاوزين نتعشى.
وقد كان ذلك بالفعل وحيث تناولوا العشاء عندي وظل فهد يردد السيمان ده المطبوخ بدهنه فقط مع مقلاية البصل والبندوره والفلفل الحار عند الدكتور كامل بالنسبة لي من اكلات العمر التي يصعب نسيانها.
وفجأة ونحن نتسامر ونتجاذب أطراف الحديث ، رن هاتف الاخ امين المحمول وإذا به الاخ الرئيس ابو عمار وسمعناه وهو يجيب انا موجود مع اللواء فهد ومحسن عند الدكتور كامل ومن ثم اغلق الهاتف وقال: ابو عمار كان عاوزني في شغل ولما عرف اني مع فهد ومحسن عند حبيبه الدكتور كامل اطمئن وقال بتمر علي اخر الليل ، ضحك محسن فتحي وقال: طب ليه مقالش تعالالي بكره الصبح ليه النهارده وآخر الليل؟! يعني هوا ابو عمار ميعرفش ينام اذا غابت عنه حاجة لازم يعرف كل حاجة قبل ما ينام الله يعطيه الصحة والله يا جماعة الراجل ده عنده قدرة على الصبر والتحمل والجلد تفوق اضعاف ما لدى الاخرين.
نظر نحوي فهد وقال: اسمع يا دكتور تذكر دائما بأن الاخ امين يمثل المعادلة الوطنية المتفق عليها مع الجانب الامريكي والاسرائيلي في حين انك تعمل في نطاق المصالح الوطنية التي تحققت او تلك التي يجب تحقيقها ولهذا تشعر بأنك حر وطليق ولا قيود عليك وعلى عملك ويجب ألا يفسد الخلاف والتعارض بينكما حول بعض المسائل للود قضية فالأخ امين وكان الله في عونه على هذا الحمل وبحكم موقعه يستمع الى شكاوى الطرف الاسرائيلي المثاره ضد عمل ونشاط الدكتور كامل وهو يدرك تماماً ويعلم ان مثل هذا العمل والنشاط ضروري ولازم ويجب ان يستمر ، ثم ابتسم وقال: يعني ميقدرش يقول للعقيد نيسم بأن احد المهاويس اليهود التابعين لليمين سيقوم باغتيال الجنرال اسحاق رابين كما قلت انت لأنهم في حينها سيطالبوه بالدليل والإثبات على هذا الكلام ، اما انت فالقيت بالقنبلة وخرجت وباعتبارها وجهة نظر ليس إلا ، اللواء مصطفى البحيري يقول بأنك صاحب رؤية استراتيجية صادقة وأنا اقول بأنها وجهة نظر استراتيجية دقيقة بينما يعتبرها الاخ ابو عمار بالفطنه الربانية ويرى فيها موهبه من الله غير عادية وقد قال لي ذات مرة بان الدكتور كامل قريب بالفطره من الله ولهذا ولذلك انا اثق به ثقة تامة وأحبه من كل قلبي.
استأذن فهد وأمين للمغادرة ونهض محسن وتوفيق معهم وخرجت في وداعهم على امل اللقاء بهم في مناسبة اخرى.
مرت الايام والأسابيع بسرعة وكانت عادتي قبل الذهاب للمكتب المرور اولا على بيت او مكتب اللواء نصر يوسف صباحاً او في المساء في السرايا كانت تربطني به علاقة طيبة وقوية وكان يعجبني فيه تواضعه واحترامه للآخرين وكانت علاقته مع الاخ الرئيس ابو عمار على ما يرام بالرغم من بعض المنغصات التي كانت تتوالى في تراكماتها وتضفي نوعا من التوتير سرعان ما يتم تطويقه واحتوائه وكانت الامور تسير بشكل جيد على صعيد السلطة وفجأةً يأتي الخبر العاجل والمدوي من بين عشرات الألوف المحتشدين في ساحة الملوك في تل ابيب من انصار حزب العمل وأنصار السلام مع الجانب الفلسطيني وبتاريخ الرابع من نوفمبر لعام 1995م. يخرج أحد أفراد الحماية الامنية وهو شاب يدعى ( ايغال عمير ) ويعمل في جهاز الشاباك ويطلق النار على الجنرال اسحاق رابين ويصيبه بعدة رصاصات قاتلة ، تلاحقت الاخبار والاجتهادات عن الاسباب والنتائج عن هذا الحدث الكبير والهام وقد كان لي رأي ربما يختزل المعادلة في عدة كلمات ، "اسرائيل تطلق النار على اتفاق اوسلو وتغتال مشروع قيام الدولة الفلسطينية" وفعلة ( ايغال عمير ) الإجرامية ليست اجتهاداً انفرادياً لشاب متهور وإنما هي فعلة تم طبخها وتحضيرها من قبل عتاة الصهاينة وقادة اليمين الاسرائيلي المتشدد وهي فعلة ستقضي على مستقبل حزب العمل من جهة وتضع السلطة الوطنية الفلسطينية على كف عفريت او في مهب الريح على اقل تقدير من جهة اخرى وبالتالي فإنه يجب ومنذ هذه اللحظة من الان الشروع في ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وعلى قاعدة من الاصلاحات الضرورية لحماية الذات والكينونة الفلسطينية من العبث والضياع في متاهات ودهاليز السياسات الاسرائيلية والصراع الداخلي الاسرائيلي ، وللأمانة فقد كان اللواء ابو يوسف مع هاد الرأي فقد نظر نحوي وهوا يقرا في بريد الاخ الرئيس ابو عمار قائلا: يا ( لعين ) قبل ان تتحدث لي بهذه الافكار ارسلتها في تقرير للأخ الرئيس ليلا وبعد ساعات على عملية الاغتيال وها هو الرئيس يرسل بنسخة منه وقد كتب عليها كلمة هام جداً ، فسرحت بي الذاكرة قليلا نحو الخلف القريب وتذكرت تقريري الغاضب للأخ ابو عمار والذي اتهمت فيه اليمين الاسرائيلي بتوسيع دائرة العنف والإرهاب في اسرائيل وحتى ينفض الجمهور الاسرائيلي المؤيد لسياسات حزب العمل واسحاق رابين عن دعم مسيرة التسوية السلمية مع الجانب الفلسطيني ، وكيف وقف الاخ ابو عمار في اجتماع ضمه مع الريس كلينتون وحسني مبارك والملك حسين واسحاق رابين يتحدث بذلك وعن ذلك فغضب اسحاق رابين وتدخل الملك حسين لترتيب الاجواء وبإقتراح ان يتعاون الجميع على كشف الحقيقة وبعد اسبوعين من تاريخ هذا الاجتماع خرج اسحاق رابين يتحدث بصراحة عن ارهاب يهودي في الداخل الاسرائيلي ، ولم يمهلوه طويلاً بعد ذلك وقبل ان يتحول ( إلى ديغول اسرائيل ويأمر بجلاء المستوطنين عن الاراضي الفلسطينية ويعلن تسليمه بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وتأييده لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كما فعل ديغول الفرنسي مع المستوطنين الفرنسيين في الجزائر قاموا بقتله ولم تشفع له سياسات كسر العظام وكسر ايدي وأرجل اطفال الانتفاضة الفلسطينية عند اليمين اليهودي والاسرائيلي المتطرف طالما انه اتجه نحو السلام والتسوية مع الجانب الفلسطيني وصافح عدوه اللدود ياسر عرفات زعيم الشعب والثورة الفلسطينية.
وللأسف فإن الكثير من المتنفذين في الساحة الفلسطينية واصلوا رهانهم على شمعون بيرس معتبرين انه سيتخذ خطوات اكثر جرأة من اسحاق رابين وان المسيرة السلمية لن تتعثر في حين كنت أرى فيه أي في شمعون بيرس الرجل الضعيف والمهزوز والذي تعود ان يحكم من خلال الاخرين وانه سيكون محطة انتقالية على طريق وصول اليمين للسلطة وعليه فإنه لن يأخذ أي قرارات حاسمة لإنجاح مسيرة التسوية السلمية متذرعاً بالأوضاع المعقده في الداخل الاسرائيلي.
وفي ظهيرة أحد الأيام ابلغني اللواء ابو يوسف بأنه سيذهب بعد يومين لحضور مؤتمر في تل ابيب وسيتسلم فيه جائزة اسحاق رابين للسلام فاقترحت عليه ان تكون الكلمة مختصره وقصيرة ومعبرة وتستند إلى فكرة اساسية واحدة وهي اننا نثمن عاليا تضحية اسحاق رابين من اجل السلام مع الجانب الفلسطيني ونعيد الجائزة بعد قبولها إلى أرملته السيدة ( ليئا رابين ) استهوت الفكرة ابو يوسف وتم صياغة الكلمة وفي المساء وبعد ان اطلع الاخ ابو عمار على الامر وفكرة ارجاع الجائزة لأرملة رابين اثنى الاخ ابو عمار على الفكرة وابتسم عندما عرف بأنها فكرة الدكتور كامل ، وفي اليوم التالي طلب مني اللواء ابو يوسف تحضير نفسي للسفر معه فقلت له كيف؟ فأنا ممنوع أمني فقال ما عليك سيسمح بدخولك بتصريح مكتوب عليه ممنوع امني ويسمح له فقط بالدخول الى اسرائيل ولمدة ثمانية ساعات وهذا يكفي.
وعصر ذلك اليوم الماطر ركبت في السيارة في المقعد الامامي بينما توسط الأخ ابو يوسف في المقعد الخلفي الاخويين فريح ابو مدين وعماد الفالوجي وفي الطريق مررنا على بيت الشيخ نمر درويش وأكلنا معه وفي ضيافته القطايف بالقشطة وكان ودودا ولطيفاً إلى ابعد الحدود ومن ثم توجهنا إلى تل ابيب وفي حدود السابعة كنا قد وصلنا إلى القاعة الممتلئة بكوادر وقيادات حزب العمل وبعض الشخصيات الحكومية بالإضافة إلى رجال الاعمال والمصورين.
رحبوا به مع ضيوفه بحرارة وأجلسوهم في الصف الامامي في حين كنت اشعر بالارتباك فلم اسلم على أحد واكتفيت بالجلوس على مقعد بالسطر الخلفي الفارغ تماما وفي زاوية بعيدة عن الحضور وبدأ الحفل والى ان نهض اللواء ابو يوسف واعتلى المنصه والقى كلمته وحتى اعلن عن قبوله باستلام الجائزة ومن ثم تقديمها لأرملة فقيد السلام السيدة ( ليئا رابين ) واذا بالجميع يجهشون بالبكاء وبصوت مرتفع ولمدة تزيد عن مدة دقيقة او دقيقتين.
انتهى الحفل وبعد وداع ابو يوسف للجانب الاسرائيلي اتجهنا مسرعين إلى السيارة التي انطلقت بنا عائدة إلى غزة وقد وصلت إلى البيت في حدود الساعة الثانية والنصف ليلاً وقبل أن اخلع ملابسي لاستريح من عناة السفر رن الهاتف فأمسكت بالسماعة وإذا به اللواء فهد نجم الدين وعلى طريقته المازحة والخاصة يقول لي: الحمد لله على سلامتك يا كذا ...
ضحكت وقلت له ما الامر فقال: لو لم اكن هذه الليلة في ضيافة ابو عمار وقد سهرت معه حتى الساعة الثانية ليلاً لكنت انت في السجن والحجز هذه الليلة ، فسألته مستغرباً ولماذا؟ فقال: كنت مع الاخ ابو عمار نتابع وقائع الحفل في النشرة الإخبارية للقناة العاشرة الاسرائيلية وإذا بهم يسلطوا الكاميرا عليك حتى ملأت الشاشة صورتك على التلفزيون ولمدة دقيقة او اكثر فانتفض ابو عمار منزعجاُ وهو يصيح ( ركبوا الواد على السيبه ، سرقوا الواد مني ، مين اللي امره بالذهاب والمشاركه وليه بيعملوا معاه كده ، يعني رتبوه ، وركب على السيبه ، انا حسجنه الليلة ) فقلت له: اهدأ يا اخ ابو عمار ولا تنسى انك انت القائل لنا بان الدكتور كامل مادة بيولوجية عجيبة غير قابلة للتطويع والتطبيع وإذا كان الاتحاد السوفيتي بعظمته مقدرش يحتويه فيكيف بالله عليك يمكن لإسرائيل المشبع بالعداء والكراهية لها ان تحتويه او تشتريه ، انتظر لحين ما يرجع وحنعرف منه كل حاجة.
فقلت له حسب علمي بأنني سافرت بموافقته وقد تشاور مع الاخ ابو يوسف في الامر فقال: لا يا عبيط ابو عمار وافق على الفكرة بتاعتك فقط وابو يوسف بناء على هذه الموافقة اصطحبك معاه ، على العموم ما علينا القصة انتهت بسلام واليهود كانوا عاوزين يحرقوك في عملة التلفزيون يعني بدهم يزرعوا عوامل الشك بينك وبين ابو عمار ، اذهب في الصباح وابلغه بكل ما جرى.
وقد تم ذلك بالفعل وفي اللقاء مع الاخ الرئيس ابو عمار بدأ وكأنه غير متأثر بشئ وقال لي: (ياخويا كانوا عاوزين يحرقوك في لعبتهم التلفزيونية وحتى يبعدوك عني .......... الله يسامحك كان لازم تشاورني).
اعتذرت منه على هذه الغلطة وابتسمت وقلت له ولكني ابكيتهم فقال وهو يبتسم هما يا دكتور كامل لسه شافوا منا حاجة دول بيبكوا من غير ضرب ( احنا وإياهم والزمن طويل).
خرجت من مكتب الاخ ابو عمار وذهبت للتشاور مع احد الاخوة الاصدقاء في بيته ، وهو صديق مقرب جدا من الاخ الرئيس استقبلني بابتسامة وهو يقول: أنت قمت بالواجب المطلوب منك والبقية علينا وعلى الاخ ابو عمار لقد كنت معه في اخر الليل وابلغني انه ومن شدة اعجابه بالتقرير قرأه اكثر من سبع مرات وعندما سألته وماذا بعد وماذا ستفعل ؟ اجابني بالقول: ( بان كل كلمة في هذا التقرير تحتاج إلى ارض فلسطينية وسماء فلسطينية كي تحميها ونحن لا نملك هذا ولا ذاك حتى هذه اللحظة ) ، تقريرك أيها ( الغضيب ) أحدث زلزالا على صعيد العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية وكما يبدو فإن ارتداداته اهتزت لها القاهرة وعمان ودمشق وأطراف عربية وأجنبية كثيرة ، قلت له وبماذا تنصحني ابتسم وقال: بالمغادرة ولمدة شهر على الأقل حتى تهدأ الامور والنفوس ، وعلى الفور وفي المساء استأذنت الاخ الرئيس بالسفر إلى مصر وتونس وبحجة العلاج وقد كان ذلك وحيث مكثت في القاهرة اربعة أيام فوجدتها وهي الحاضنة للمشروع الوطني الفلسطيني تغلي على وقع نيران التقرير وانها لن تقبل ولن تسمح باختلال التوازن المتفق عليه وانها ستفعل كل شي لكي يستعيد المشروع الوطني الفلسطيني توازنه بعيدا عن ضغوطات واختراقات الطرف الاسرائيلي ، وعلى ضوء استشعاري بالخطر بسبب التفاقم الغير منتظر للأمور قررت البقاء في تونس وقد مكثت مدة ثلاثة اسابيع حيث جاء الرئيس ابو عمار في زيارة إلى هناك وطلب وبإصرار عودتي إلى غزة وبحجة إنه لا يستطيع الاستغناء عني ، وبعدها بيومين غادرت تونس حيث كانت المفاجأة الجميلة فالأخ المرحوم ابو علي شاهين ينتظرني في المطار عانقني بحرارة وقال بتحبب ايها المشاغب اللعين غذاءك عندي اليوم في البيت وستأكل ورق العنب والمحشي معي من ايد اختك ام علي ، قلت له لكن قل لي كيف عرفت بموعد وصولي إلى القاهرة؟ فقال: عيب يا دكتور العصفورة أبلغتني فقلت له ألم تشتاق لرؤية غزة وأهلها ؟ فقال: اشتاق ولكن لم يحن الوقت بعد فربما يكون ذلك في القريب العاجل ، وصلنا البيت ومنذ وصولي وحتى لحظة وداعي له وخروجي من المنزل كانت الاتصالات الهاتفية المتتابعة تتوالى عليه وبدون انقطاع ، كان على تواصل بالجميع ومع اصحاب القرار في مصر المتعلق بالشأن الفلسطيني ، فقلت له اترك الهاتف قليلاً حتى نتحدث فقال: (وهل تركت لنا بعد تقريرك أي مجال للحديث لقد قلت كل ما كنا نريد قوله ، علينا انتشالهم من المستنقع الذي غطسوا فيه وكما علمت بحسب الاتصالات المتتابعة فإن مصر ستتخذ قراراً ولأول مرة بإرسال موفدين امنيين كبار إلى مناطق السلطة الفلسطينية في غضون الساعات القادمة وربما بعد ساعة او ساعتين من الآن).
عدت إلى غزة وبعد عودتي بأسبوعين على وجه التقريب تم الإعلان عن وصول الوفد المصري برئاسة اللواءين فهد نجم الدين مدير عام مباحث أمن الدولة ومحسن فتحي ممثلاُ عن المخابرات العامة المصرية ، وبقدر ما اثار الحضور الأمني المصري الهام الطمأنينه في نفوس الرأي العام الفلسطيني والغبطه والفرح لدى الرئيس أبو عمار أبدت اسرائيل نوعا من الإنزعاج والغضب المبطن وباعتبار انهما سيعملان على اغلاق العديد من نوافذ الاختراق الاسرائيلي المهدد للكيانية الفلسطينية الطامحة للحرية والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ويتعاملان مع مشروع الحكم الذاتي المؤقت باعتباره المدخل المتفق عليه نحو الاعلان الاكيد لقيام الدولة الفلسطينية ، وفي لقاء خاص جمعني مع الاخ ابو عمار قال لي: ( خذ بالك كويس ياخويا من فهد ومحسن دول مش ضيوف عندنا دول من عظام الرقبة وسيساعدون كثيراً على صعيد ترتيب وتنظيف البيت الداخلي وسيكونوا سنداً لنا في التصدي للدسائس الاسرائيلية المتواصلة).
استأذنت من الاخ ابو عمار بالخروج وأثناء سيري باتجاه مكتب الاخ امين الهندي التقيت مع الاخ توفيق جبر فقال لي هامساً هناك شي هام اريد الحديث معك فيه بعد ان نشرب القهوة مع الاخ امين ، فقلت له ولماذا لا تقوله لي الآن فقال لا استطيع وبعد أن خرجنا معا نزل من السيارة وقال دعنا نتمشى هنا قليلا وأثناء سيرنا ابلغني انه سيذهب هذه الليلة مع وفد من قيادة الجهاز للقاء مع الجانب الاسرائيلي في إيرز ، قلت له اذهب ولكن لا تشاركهم كثيرا في الحديث ، استمع قدر المستطاع لما سيقال وحتى نبلغ الاخ ابو عمار بالجديد والهام عن هذا اللقاء ، وقبل منتصف الليل بقليل حضر الاخ توفيق جبر عليه رحمة الله يبتسم تارة ويعربد تارة اخرى فقلت له اهدأ ماذا بك؟ فقال (يا معلمي هذه المرة يبدو أن الموضوع جد (دير بالك على نفسك) لقد حضر وفد اسرائيلي مكون من حوالي سبعة عشر شخصية وبينهم عدد كبير من الضباط من ذوي الرتب العالية وعلى طاولة كبيرة وطويلة جلسنا وكأننا في مؤتمر وكان اول قضية طلبوا مناقشتها منا هي وضع حد للبروفسور ابو عيسى يعني الدكتور كامل حضرتك) ، فرد عليهم الأخ امين بأنه لم يفعل شيئاً مسياً للعلاقة معكم فتحدثوا عن التقرير وأشياء اخرى كثيرة فرد عليهم الاخ امين قائلا: بأن مرجعيته ومرجعيتنا في الجهاز واحدة عند الاخ الرئيس ابو عمار وارجوا ألا يكون كلامكم طلباً او تعليمات ، وبيني وبينك طز في هيك دولة يمثلها وفد على هذا المستوى ويكون على رأس جدول اعماله الاحتجاج على نشاط وعمل الدكتور كامل ، فقلت له: اذهب وبلغ الاخ الرئيس ابو عمار بكل ما جرى في الاجتماع وسيكون لك بالتاكيد جائزة مهمة عنده يعني كل طلباتك راح تمشي ، لكن اياك ان يعرف احداُ بهذا الكلام.
وبعد ايام التقيت بالاخ الرئيس فقال لي: (متخافش اللي بيوقع من السما بتتلقاه الارض مهو احنا ياخويا مشاريع شهادة وعمرنا اللي بنعيشوا زيادة اذهب الى القاهرة وانا واخوانك المصريين حنحميك ودير بالك على اخوك امين ).
لم امكث طويلا في مصر وبعد ايام عدت عبر المعبر إلى قطاع غزة وفي المعبر كانت المفاجأة حضر احد الضباط الاسرائيليين وطلب مني التوجه إلى مكتب المخابرات معه قلت له ولماذا؟ قال لا ادري ، توجهت معه وكنت احاول السيطرة على حالة الارتباك التي اصابتني وحتى لا ابدو ضعيفاً او مهزوزا امامهم وعند وصولنا الى المكتب نهض العقيد نيسم يعرف على نفسه وصافحني وقال: تفضل واجلس وبعد جلوسي بنصف دقيقة حضر مسرعاً وعلامات الغضب والحيرة والارتباك على وجهه الأخ سعد اسعيفان مدير المخابرات الفلسطينية في المعبر ، وإذا بالعقيد نيسم يبتسم ويقول له ( متخافش على معلمك اطمئن لا داعي للقلق الدكتور كامل في ضيافتي وسيشرب معي كأس من العصير او فنجان قهوة وسأتحدث معه في الامور السياسية فهو صاحب رأي مهم ونريد ان نسمع منه ونستمع إليه فقط) ، خرج سعد وهو يبتسم في حين بادرني العقيد نيسم بالسؤال: اريد ان استمع الى رأيك في مشروع السلام الذي يجري تطبيقه بيننا فقلت له بصراحة انا لست متفائل فقال ولماذا؟ قلت له لدي احساس بأن هناك عقبات كثيرة تمنعكم من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه معنا وعلى راس هذه العقبات وضعكم الداخلي في اسرائيل فقوى اليمين تزداد قوة وشراسه وأنتم في حزب العمل منقسمين بين مؤيد ومعارض للاتفاق مع الجانب الفلسطيني ويبدو ان الصادق الوحيد بينكم فقط هو رئيس الوزراء الجنرال اسحاق رابين ، قال وهو يبتسم وشمعون بيرس ايضا يريد السلام فقلت له بصراحة ان لا اثق في شمعون بيرس فهو ثعلب متلون يجيد التلاعب بالكلمات ويعتمد في ذلك على ثقافته الواسعة وهو مهندس سياسة الفساد الرسمية الاسرائيلية التي يجري تعميمها على صعيد الادارات الفلسطينية وفي الواقع الفلسطيني بشكل عام ، ولا استبعد وإذا استمرت اوضاعكم الداخلية على هذا النحو أن يقوم أحد المهاويس من اليمين الاسرائيلي باغتيال الجنرال اسحاق رابين ، فقال لا يا دكتور نحن دولة ديمقراطية نحتكم إلى الصناديق ولا نقتل بعضنا بعضاً ابتسمت وقلت له امريكا حليفتكم دولة ديمقراطية وقد تم اغتيال جون كينيدي وهو في سدة الحكم ، وشخصية اسحاق رابين القوية على الصعيد الجماهيري ولكونه ابن للمؤسسة العسكرية الاسرائيلية لا يمكن لليمين ان يفوز عليها عبر صناديق الاقتراع ولهذا لا استبعد ان يتدبروا امره عبر عملية اغتيال لوقف مشروع السلام مع الجانب الفلسطيني فقال وهو يبتسم بارتباك اتمنى ألا يحدث ذلك وأتمنى عليك ان تكون اكثر ايجابية في مواقفك السياسية وباعتبار انك تحظى بثقة ومحبة الرئيس عرفات ، ودعته وخرجت من المكتب والعيون تراقبني من كل الاتجاهات بعضها باستغراب وبعضها بتعجب وبعضها يهنئني بالسلامة.
وبعد مضي عدة ايام على هذه الحادثة اتصل بي الاخ توفيق جبر ليقول لي: بأن امين واللواء فهد ومحسن فتحي اتفقوا على زيارتك في البيت مساء اليوم قلت له اهلا وسهلا وسأكون في انتظارك معهم وقبل وصولهم بدقائق نزلت لاستقبالهم ، نزل فهد من السيارة وبابتسامته العريضة المعهودة قال: (يا ابن الإيه بتقرير واحد منك خلعتني من جذوري وأخرجتني من مملكتي في مباحث امن الدولة وجئت بي إلى فلسطين والى قطاع غزة والتقرير الثاني اذا غضبت مني ومن امين فين حتودينا اياك يا امين تزعل مع الدكتور كامل) ، ابتسم امين وقال: ومين اللي بقدر على زعل الدكتور كامل وبعد ان جلسنا في الصالون نظر نحوي وقال الحقيبة اللي جايبها امين معاه دي حقيبة المعلومات او حقيبة الفلوس ؟! ومن ثم واصل حديثه اذا كانت بتاعت المعلومات مش عايزينها احنا عايزين حقيبة الفلوس.
وكان بذلك يذكرني بموقفي بعد اغتيال الشهيد عاطف بسيسو وعندما طلبوا مني ان اقوم بمهام الشهيد عاطف قلت لهم لا هناك من هو افضل مني للقيام بهذه المهمه فأنا لا احب حمل هاتين الحقيبتين فقالوا من؟ فقلت لهم الأخ امين ، قالوا: ولكن علاقتنا معه مقطوعة منذ حرب الخليج الاولى وبسبب وجود السلاح في بيته في القاهرة وانت تعرف بقية التهم والمشكلة التي لحقت به ، على العموم دعنا نفكر في الامر وفي اليوم التالي تم اتخاذ القرار بمصالحة الاخ امين واستقباله ضيفا مكرما وعزيزا في القاهرة من قبل ضباط مباحث امن الدولة ولقد كنت معهم في استقباله في مطار القاهرة وقد رافقناه حتى وصل إلى بيته وتم الاتفاق على جدول اعمال الغد مع اللواء فهد ومسئولين اخرين عن الملف الفلسطيني.
نظر نحوي مجددا فهد وقال: ابلغني (تيفا اللعين) وكان يقصد الاخ توفيق جبر بأنك اشتريت اليوم ما لدى الصيادين من السيمان ويقصد ( الفر ) بعد خروجه من البحر ولم يتبقى له ولجماعته شيئا ليشتروه وإذا كان الامر كذلك احنا عاوزين نتعشى.
وقد كان ذلك بالفعل وحيث تناولوا العشاء عندي وظل فهد يردد السيمان ده المطبوخ بدهنه فقط مع مقلاية البصل والبندوره والفلفل الحار عند الدكتور كامل بالنسبة لي من اكلات العمر التي يصعب نسيانها.
وفجأة ونحن نتسامر ونتجاذب أطراف الحديث ، رن هاتف الاخ امين المحمول وإذا به الاخ الرئيس ابو عمار وسمعناه وهو يجيب انا موجود مع اللواء فهد ومحسن عند الدكتور كامل ومن ثم اغلق الهاتف وقال: ابو عمار كان عاوزني في شغل ولما عرف اني مع فهد ومحسن عند حبيبه الدكتور كامل اطمئن وقال بتمر علي اخر الليل ، ضحك محسن فتحي وقال: طب ليه مقالش تعالالي بكره الصبح ليه النهارده وآخر الليل؟! يعني هوا ابو عمار ميعرفش ينام اذا غابت عنه حاجة لازم يعرف كل حاجة قبل ما ينام الله يعطيه الصحة والله يا جماعة الراجل ده عنده قدرة على الصبر والتحمل والجلد تفوق اضعاف ما لدى الاخرين.
نظر نحوي فهد وقال: اسمع يا دكتور تذكر دائما بأن الاخ امين يمثل المعادلة الوطنية المتفق عليها مع الجانب الامريكي والاسرائيلي في حين انك تعمل في نطاق المصالح الوطنية التي تحققت او تلك التي يجب تحقيقها ولهذا تشعر بأنك حر وطليق ولا قيود عليك وعلى عملك ويجب ألا يفسد الخلاف والتعارض بينكما حول بعض المسائل للود قضية فالأخ امين وكان الله في عونه على هذا الحمل وبحكم موقعه يستمع الى شكاوى الطرف الاسرائيلي المثاره ضد عمل ونشاط الدكتور كامل وهو يدرك تماماً ويعلم ان مثل هذا العمل والنشاط ضروري ولازم ويجب ان يستمر ، ثم ابتسم وقال: يعني ميقدرش يقول للعقيد نيسم بأن احد المهاويس اليهود التابعين لليمين سيقوم باغتيال الجنرال اسحاق رابين كما قلت انت لأنهم في حينها سيطالبوه بالدليل والإثبات على هذا الكلام ، اما انت فالقيت بالقنبلة وخرجت وباعتبارها وجهة نظر ليس إلا ، اللواء مصطفى البحيري يقول بأنك صاحب رؤية استراتيجية صادقة وأنا اقول بأنها وجهة نظر استراتيجية دقيقة بينما يعتبرها الاخ ابو عمار بالفطنه الربانية ويرى فيها موهبه من الله غير عادية وقد قال لي ذات مرة بان الدكتور كامل قريب بالفطره من الله ولهذا ولذلك انا اثق به ثقة تامة وأحبه من كل قلبي.
استأذن فهد وأمين للمغادرة ونهض محسن وتوفيق معهم وخرجت في وداعهم على امل اللقاء بهم في مناسبة اخرى.
مرت الايام والأسابيع بسرعة وكانت عادتي قبل الذهاب للمكتب المرور اولا على بيت او مكتب اللواء نصر يوسف صباحاً او في المساء في السرايا كانت تربطني به علاقة طيبة وقوية وكان يعجبني فيه تواضعه واحترامه للآخرين وكانت علاقته مع الاخ الرئيس ابو عمار على ما يرام بالرغم من بعض المنغصات التي كانت تتوالى في تراكماتها وتضفي نوعا من التوتير سرعان ما يتم تطويقه واحتوائه وكانت الامور تسير بشكل جيد على صعيد السلطة وفجأةً يأتي الخبر العاجل والمدوي من بين عشرات الألوف المحتشدين في ساحة الملوك في تل ابيب من انصار حزب العمل وأنصار السلام مع الجانب الفلسطيني وبتاريخ الرابع من نوفمبر لعام 1995م. يخرج أحد أفراد الحماية الامنية وهو شاب يدعى ( ايغال عمير ) ويعمل في جهاز الشاباك ويطلق النار على الجنرال اسحاق رابين ويصيبه بعدة رصاصات قاتلة ، تلاحقت الاخبار والاجتهادات عن الاسباب والنتائج عن هذا الحدث الكبير والهام وقد كان لي رأي ربما يختزل المعادلة في عدة كلمات ، "اسرائيل تطلق النار على اتفاق اوسلو وتغتال مشروع قيام الدولة الفلسطينية" وفعلة ( ايغال عمير ) الإجرامية ليست اجتهاداً انفرادياً لشاب متهور وإنما هي فعلة تم طبخها وتحضيرها من قبل عتاة الصهاينة وقادة اليمين الاسرائيلي المتشدد وهي فعلة ستقضي على مستقبل حزب العمل من جهة وتضع السلطة الوطنية الفلسطينية على كف عفريت او في مهب الريح على اقل تقدير من جهة اخرى وبالتالي فإنه يجب ومنذ هذه اللحظة من الان الشروع في ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وعلى قاعدة من الاصلاحات الضرورية لحماية الذات والكينونة الفلسطينية من العبث والضياع في متاهات ودهاليز السياسات الاسرائيلية والصراع الداخلي الاسرائيلي ، وللأمانة فقد كان اللواء ابو يوسف مع هاد الرأي فقد نظر نحوي وهوا يقرا في بريد الاخ الرئيس ابو عمار قائلا: يا ( لعين ) قبل ان تتحدث لي بهذه الافكار ارسلتها في تقرير للأخ الرئيس ليلا وبعد ساعات على عملية الاغتيال وها هو الرئيس يرسل بنسخة منه وقد كتب عليها كلمة هام جداً ، فسرحت بي الذاكرة قليلا نحو الخلف القريب وتذكرت تقريري الغاضب للأخ ابو عمار والذي اتهمت فيه اليمين الاسرائيلي بتوسيع دائرة العنف والإرهاب في اسرائيل وحتى ينفض الجمهور الاسرائيلي المؤيد لسياسات حزب العمل واسحاق رابين عن دعم مسيرة التسوية السلمية مع الجانب الفلسطيني ، وكيف وقف الاخ ابو عمار في اجتماع ضمه مع الريس كلينتون وحسني مبارك والملك حسين واسحاق رابين يتحدث بذلك وعن ذلك فغضب اسحاق رابين وتدخل الملك حسين لترتيب الاجواء وبإقتراح ان يتعاون الجميع على كشف الحقيقة وبعد اسبوعين من تاريخ هذا الاجتماع خرج اسحاق رابين يتحدث بصراحة عن ارهاب يهودي في الداخل الاسرائيلي ، ولم يمهلوه طويلاً بعد ذلك وقبل ان يتحول ( إلى ديغول اسرائيل ويأمر بجلاء المستوطنين عن الاراضي الفلسطينية ويعلن تسليمه بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وتأييده لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كما فعل ديغول الفرنسي مع المستوطنين الفرنسيين في الجزائر قاموا بقتله ولم تشفع له سياسات كسر العظام وكسر ايدي وأرجل اطفال الانتفاضة الفلسطينية عند اليمين اليهودي والاسرائيلي المتطرف طالما انه اتجه نحو السلام والتسوية مع الجانب الفلسطيني وصافح عدوه اللدود ياسر عرفات زعيم الشعب والثورة الفلسطينية.
وللأسف فإن الكثير من المتنفذين في الساحة الفلسطينية واصلوا رهانهم على شمعون بيرس معتبرين انه سيتخذ خطوات اكثر جرأة من اسحاق رابين وان المسيرة السلمية لن تتعثر في حين كنت أرى فيه أي في شمعون بيرس الرجل الضعيف والمهزوز والذي تعود ان يحكم من خلال الاخرين وانه سيكون محطة انتقالية على طريق وصول اليمين للسلطة وعليه فإنه لن يأخذ أي قرارات حاسمة لإنجاح مسيرة التسوية السلمية متذرعاً بالأوضاع المعقده في الداخل الاسرائيلي.
وفي ظهيرة أحد الأيام ابلغني اللواء ابو يوسف بأنه سيذهب بعد يومين لحضور مؤتمر في تل ابيب وسيتسلم فيه جائزة اسحاق رابين للسلام فاقترحت عليه ان تكون الكلمة مختصره وقصيرة ومعبرة وتستند إلى فكرة اساسية واحدة وهي اننا نثمن عاليا تضحية اسحاق رابين من اجل السلام مع الجانب الفلسطيني ونعيد الجائزة بعد قبولها إلى أرملته السيدة ( ليئا رابين ) استهوت الفكرة ابو يوسف وتم صياغة الكلمة وفي المساء وبعد ان اطلع الاخ ابو عمار على الامر وفكرة ارجاع الجائزة لأرملة رابين اثنى الاخ ابو عمار على الفكرة وابتسم عندما عرف بأنها فكرة الدكتور كامل ، وفي اليوم التالي طلب مني اللواء ابو يوسف تحضير نفسي للسفر معه فقلت له كيف؟ فأنا ممنوع أمني فقال ما عليك سيسمح بدخولك بتصريح مكتوب عليه ممنوع امني ويسمح له فقط بالدخول الى اسرائيل ولمدة ثمانية ساعات وهذا يكفي.
وعصر ذلك اليوم الماطر ركبت في السيارة في المقعد الامامي بينما توسط الأخ ابو يوسف في المقعد الخلفي الاخويين فريح ابو مدين وعماد الفالوجي وفي الطريق مررنا على بيت الشيخ نمر درويش وأكلنا معه وفي ضيافته القطايف بالقشطة وكان ودودا ولطيفاً إلى ابعد الحدود ومن ثم توجهنا إلى تل ابيب وفي حدود السابعة كنا قد وصلنا إلى القاعة الممتلئة بكوادر وقيادات حزب العمل وبعض الشخصيات الحكومية بالإضافة إلى رجال الاعمال والمصورين.
رحبوا به مع ضيوفه بحرارة وأجلسوهم في الصف الامامي في حين كنت اشعر بالارتباك فلم اسلم على أحد واكتفيت بالجلوس على مقعد بالسطر الخلفي الفارغ تماما وفي زاوية بعيدة عن الحضور وبدأ الحفل والى ان نهض اللواء ابو يوسف واعتلى المنصه والقى كلمته وحتى اعلن عن قبوله باستلام الجائزة ومن ثم تقديمها لأرملة فقيد السلام السيدة ( ليئا رابين ) واذا بالجميع يجهشون بالبكاء وبصوت مرتفع ولمدة تزيد عن مدة دقيقة او دقيقتين.
انتهى الحفل وبعد وداع ابو يوسف للجانب الاسرائيلي اتجهنا مسرعين إلى السيارة التي انطلقت بنا عائدة إلى غزة وقد وصلت إلى البيت في حدود الساعة الثانية والنصف ليلاً وقبل أن اخلع ملابسي لاستريح من عناة السفر رن الهاتف فأمسكت بالسماعة وإذا به اللواء فهد نجم الدين وعلى طريقته المازحة والخاصة يقول لي: الحمد لله على سلامتك يا كذا ...
ضحكت وقلت له ما الامر فقال: لو لم اكن هذه الليلة في ضيافة ابو عمار وقد سهرت معه حتى الساعة الثانية ليلاً لكنت انت في السجن والحجز هذه الليلة ، فسألته مستغرباً ولماذا؟ فقال: كنت مع الاخ ابو عمار نتابع وقائع الحفل في النشرة الإخبارية للقناة العاشرة الاسرائيلية وإذا بهم يسلطوا الكاميرا عليك حتى ملأت الشاشة صورتك على التلفزيون ولمدة دقيقة او اكثر فانتفض ابو عمار منزعجاُ وهو يصيح ( ركبوا الواد على السيبه ، سرقوا الواد مني ، مين اللي امره بالذهاب والمشاركه وليه بيعملوا معاه كده ، يعني رتبوه ، وركب على السيبه ، انا حسجنه الليلة ) فقلت له: اهدأ يا اخ ابو عمار ولا تنسى انك انت القائل لنا بان الدكتور كامل مادة بيولوجية عجيبة غير قابلة للتطويع والتطبيع وإذا كان الاتحاد السوفيتي بعظمته مقدرش يحتويه فيكيف بالله عليك يمكن لإسرائيل المشبع بالعداء والكراهية لها ان تحتويه او تشتريه ، انتظر لحين ما يرجع وحنعرف منه كل حاجة.
فقلت له حسب علمي بأنني سافرت بموافقته وقد تشاور مع الاخ ابو يوسف في الامر فقال: لا يا عبيط ابو عمار وافق على الفكرة بتاعتك فقط وابو يوسف بناء على هذه الموافقة اصطحبك معاه ، على العموم ما علينا القصة انتهت بسلام واليهود كانوا عاوزين يحرقوك في عملة التلفزيون يعني بدهم يزرعوا عوامل الشك بينك وبين ابو عمار ، اذهب في الصباح وابلغه بكل ما جرى.
وقد تم ذلك بالفعل وفي اللقاء مع الاخ الرئيس ابو عمار بدأ وكأنه غير متأثر بشئ وقال لي: (ياخويا كانوا عاوزين يحرقوك في لعبتهم التلفزيونية وحتى يبعدوك عني .......... الله يسامحك كان لازم تشاورني).
اعتذرت منه على هذه الغلطة وابتسمت وقلت له ولكني ابكيتهم فقال وهو يبتسم هما يا دكتور كامل لسه شافوا منا حاجة دول بيبكوا من غير ضرب ( احنا وإياهم والزمن طويل).