الإقليم يتشكّل .. بقرارات فتح وحماس

الإقليم يتشكّل .. بقرارات فتح وحماس
كتب غازي مرتجى
الحديث عن المفاوضات لم يتوقف للحظة , لكن منحنى النجاح من عدمه لا يزال يتذبذب , فتارة تجده في أعلى مستوياته وفي اليوم التالي تجده قد انحدر إلى أدنى مستوياته .. هذه هي اللعبة الإسرائيلية المُوجّهة وللأسف نستقبلها نحن بكل ترحاب ونبدأ بالبناء عليها دونما الأخذ بما يُمكن أن تتسبب به تلك الدعايات الموجهة . 

لنبدأ بسرد الأوضاع الإقليمية والمحلية والعالمية التي تتأثّر بها القضية الفلسطينية وربما تؤثر قليلاً باتجاهها ..

روسيا تصعد , وتحالف إيراني روسي صيني يتشكّل في الأفق لكن الخوف دوماً من التاريخ الروسي المثير للخوف في التعامل مع الشركاء والحلفاء . 

إيران وتركيا تتقاربان بشكل كبير على الرغم من الخلاف حول الموضوع السوري -المنتهي للأبد- والصفقات التاريخية بين إيران وتركيا لن تستمر بالخفاء طويلاً وستظهر في القريب العاجل . 

قطر تحاول التقرّب من جديد لسوريا بعد أن دفعت مليارات لإسقاط نظامها , لم يكن هدف قطر من اسقاط نظام الاسد كما يدّعي الإعلام بدعم الحرية او الثورات الشبابية , - ربما تكون تلك المادة جيدة للسعودية للتحدث بها فالسعودية تدعم ثوار سوريا لأسباب شخصية وخلافات تاريخية بين النظامين السوري والسعودي- , أما قطر فقد حاولت القضاء على النظام السوري لتتمكن من السيطرة على ممرات الغاز القطري التي تمر عبر سوريا , والتقارب السوري القطري لن يكون بعيداً , فالسياسة لا تعرف المستحيل ولا "الثقة المتبادلة" مطلوبة .. البقاء للأقوى هو القانون العالمي .

في مصر , الفريق أول عبدالفتاح السيسي يحاول إنهاء كل شيء , هناك تظاهرات اخوانية يومية وهناك محاولات لإسقاط النظام المصري اقتصادياً وهي بالمناسبة اللعبة الأخطر , النظام المصري الجديد أيضاً يدافع عن هوية دولته ومصالح الجيش والمتنفذين , يحاول القضاء على كل خطر يهدده وفي النهاية سينجح , رغم أن طريق استقرار مصر طويلة إلا أنها في النهاية ستعود كما كانت , لكن بلا أي تأثير إقليمي , مصر مهما ابتعدت عن الملف الفلسطيني فهو بالنهاية السبب الوحيد لبقائها اقليمياً , ومسأله تصالحها مع "حماس" واعادة العلاقات "المقطوعة تماماً الآن" ليست بعيدة , فالنظام المصري يعلم جيداً أن الملف الأكثر خطورة بيدها ولن تُسلّم الدولة المصرية هذا الملف لأي دولة أخرى , فتسليم ملف القضية الفلسطينية لدولة أخرى غير مصر المدعومة سعودياً سيضرها بل سينهي دورها الإقليمي مرة وإلى الأيد . 

في الداخل الفلسطيني , الإنقسام يتجذّر ويتعمّق , وكل خيوط اللعبة بيد الرئيس أبو مازن , الأمور الساخنة في الداخل الفلسطيني تنتظر تغييرات اقليمية وكل ما يحصل الآن هو فترة انتقالية لما بعد .. إما اتفاق سلام نهائي .. واما القسمة على اثنين مرة أخرى . 

السعودية تبتعد ولو قليلا عن تحالفها مع الولايات المتحدة والمتتبع للتصريحات السعودية "وكتاب الرأي الكبار" يعلم أن الأمور تأخذ منحنى تصعيدي كبير , فالسعودية اعتبرت ان فشلها في إنهاء الوضع السوري الحالي ضربة أمريكية كبيرة لها فبدأت تتحسس عظامها واتجهت ولو قليلاً إلى المربع الروسي "الاسترزاقي" . 

الأردن لا يزال يحتفظ بكافة الأوراق , دهاء النظام الأردني يجعله "بيضة القبان" في أي اتفاق أو مخطط جديد قادم , وللتاريخ فالأردن يلعب "لعبة خطيرة للغاية" , لكنه في النهاية يُمسك بأوراق اللعبة كاملة وينتظر تشكّل الشرق الأوسط من جديد ليبدأ بعدها بالحصاد .. ويتمكّن من البقاء في مربعه الحالي وربما بشكل أقوى .. الأردن البلد الوحيد الذي حافظ على نفسه من "شرور" الربيع العربي وتمكّن من إنهاء ظواهر التمرّد عليه هناك .

لبنان , بدأت ارهاصات الحرب الأهلية بالعودة تدريجياً , وسيتم جر حزب الله لمربع الحرب الأهلية هناك , بعد الفشل في سوريا , ستتحول كل الأنظار إلى لبنان لتبدأ اللعبة الإقليمية بإنهاك حزب الله داخلياً  دون عناء خارجي أو اسرائيلي ! 

كل تلك المتغيرات , تؤثر بشكل مباشر في القضية الفلسطينية , الرئيس أبو مازن يحاول التوفيق بين كل تلك الجبهات , كيف يستطيع لا أحد يمكنه معرفة ذلك .. الأردن تقف خلف الرئيس أيضاً لأنها تعلم أن الضفة في خاصرة المملكة فلا تسمح لأي تحركات "خطيرة" هناك , أما تقارب الرئيس مع مصر والسعودية و قطر وتركيا وأمريكا وروسيا وإيران أيضاً .. فهذه المتغيرات تحكمها فقط أن الرئيس هو الممثل للقضية الفلسطينية والتي يتنافس عليها لاحتضانها والزواج منها كل من سبق ذكرهم من الدول والمتغيرات .

بحسب ما علمت ومنذ فترة طويلة , فالمفاوضات الحالية هي الأكثر جدّية منذ كامب ديفيد وربما كامب ديفيد لم تصل لحلول كما التي وصلتها المفاوضات الحالية  , واي توقيع على اي اتفاق نهائي فلسطيني اسرائيلي لن يكون فقط بخصوص الحواجز والمعابر والاراضي النهائية والقدس واللاجئين .. بل سيضم مخطط وشكل الشرق الأوسط كاملاً .. المفاوضات لن تنتهي بنهاية شهر مارس كما التشخيص الأمريكي "للحمل" بل ستمتد وربما تمتد إلى نهاية العام 2014 , وربما تنتهي قبل ذلك فيما لو تمكّن اللاعبون الرئيسيون من الإنتهاء من شكل الشرق الأوسط الجديد .. 

مخرجات أي مفاوضات حالية لن تكون أكثر من تلك التي طُرحت في كامب ديفيد لياسر عرفات , بل ستكون أقل بكثير منها , وكما يعتمد الإسرائيليين على المناورة في كل شيء , أتوقّع أن يناور المفاوض الفلسطيني حتى الرمق الأخير .. ربما نستيقظ يوماً ونجد كل المخططات المرسومة قد انهارت وعندها شروط التفاوض تتحسّن والمخرجات تصبح أكثر قبولاً من الآن .

ما يتم الحديث عنه عن إلغاء حق العودة ليس بالصورة المنشورة تماماً لكنه نوقش فعلاً , وتم التوافق على إجراء استفتاء لكل اللاجئين في العالم بقبولهم تعويض مادي أو برفضهم للتعويض واصرارهم على العودة للأراضي الفلسطينية , والتوقعات تشير إلى رفض أكثر من نصفهم ممن ارتبطوا بأعمال ومصالح بالخارج العودة  والبقية سترفض التعويض –لاجئو سوريا ولبنان والأردن بشكل خاص-  وسيتم تسكينهم في الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن خطة تنموية متكاملة . 

أما عن القدس فالحديث يدور عن الرقابة الدولية على المدينة , من يفاوض على القدس ليس السلطة وحسب بل تشاركها ايضا المملكة الاردنية الهاشمية بصفة الملك كخادم للمسجد الأقصى وهو المسؤول عن الأقصى ومرافقه دينياً , لذا الحلول المطروحة ستلقى قبولاً في الأردن والسلطة .. لكنها لا تدخل ضمن متغيرات من الأقوى ولا يوجد ضمانات لعدم استمرارا لحفريات الاسرائيلية ومحاولات نسف الاقصى عن بكرة أبيه . 

كل تلك الحلول مطروحة .. وأكثر منها أيضاً , لكن الجميع ينتظر "التشكّل الجديد" .. وأشهر الحمل التسعة لم تكن خاصة بالمفاوضات فقط , بل تخص الشرق الأوسط ككل .. وهو ما يعني أن القضية الفلسطينية وأي اتفاق سلام يعني الانتهاء من مشكلة الشرق الاوسط مرة وإلى الأبد لكنها بحسب المزاج الإسرائيلي . 

الجميع .. من يفاوض ويتقارب ويقاوم , لم يأخذ بعين الاعتبار أن إسرائيل "لا رباط لها" , فسرعان ما تنقلب على كل شيء لو سنحت لها الظروف ذلك .. فلا يمنعها اتفاق سلام ولا إمضاءات العالم كله .. ما يمنعها فقط هو "القوة المضادة" , كانت القوة سياسية أو عسكرية .. لأن اسرائيل لا تفهم سوى تلك اللغة !.

لا يعلم الجميع أيضاً , أنه وفي كل تلك الظروف كان من المفترض على حركتي فتح وحماس الاتفاق بينهما , فالاتفاق سيُجنب غزة ويلات يُخطط لها القريب قبل البعيد .. وانهاء الانقسام سيضمن للمفاوض مساحة أكبر وقوة أكثر تأثيراً من الحالية . 

بين يدي قادة الشعب الفلسطيني مفاتيح اللعبة كاملة , لكنهم وللأسف ارتضوا على أنفسهم ان يتبعوا أهواء إقليمية أهدافها امتطاء حصان طراودة -القضية الفلسطينية- واللعب به لصالح أهداف استعمارية ومصالح ذاتية لتلك الدول فقط .. وليس للصالح العام الفلسطيني . 

لو فكّر قادة الشعب الفلسطيني لمدة ساعتين فقط .. بامكانهم قلب الطاولة على الجميع وتغيير كافة تلك المخططات بكلمتين وزيارتين وتصريحين ! , لكن وللأسف يبدو أن سحراً أصاب الطرفين فلا يروا إلا أنفسهم دونما النظر إلى ما هو أهم منهما مجتمعين .. "القضية الفلسطينية"