غزّة .. بين الوجع والانتصار

كتب غازي مرتجى
(1)
منذ يومين أجريت لقاءً موسعاً مع عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عبّاس زكي , وسألته عن سبب عدم زيارته لغزة على الرغم من أنه من أكثر الشخصيات قبولاً لدى حماس , وأطراف فتح أيضاً .
بصراحة لم يكن هذا السؤال ضمن الأسئلة التي جهّزتها لعضو اللجنة المركزية , لكن خلال اللقاء توارد إلى ذهني هذا السؤال من باب إضافة شيء جديد للمقابلة , ولعلّي أتمكن من الحصول منه على سبق صحفي أو خيط جديد ..
لكن "عباس زكي" صدمني بإجابته التي لم تكن ضمن توقعاتي , استرخيت وانتظرت إجابة من اثنتين , إما أن يقول لي سأزورها قريباً فأبدأ بمحاولة الحصول على تفاصيل إضافية , أو أن يبدأ إجابته بـ"كلام إنشاء" فأستمّر باسترخائي إلى أن ينتهي فـ"الإنشا" ستكون محفوظة بديباجتها لي ! .
بدأ عضو اللجنة المركزية حديثه بتمجيد غزة هاشم , فبدأت الإسترخاء وقلت هي الإنشاء إذا ً .. بعد انتهائه من حديثه الذي خرج من قلبه , فاجأني بتبرير عدم زيارته لغزة فقطع استرخائي وشدّني إليه لأُناقشه ..
اختصر عبّاس زكي وضع قيادة فتح بقطاع غزة بكلامه .. يقول لي :"لو أيقنت أني لن أستطيع حل أي مشكلة من مشاكل القطاع فلن أزور غزّة .. فحقوق أهل القطاع ليست للمتاجرة أو المزايدة". بصراحة لم أتمكّن من سؤاله عن سبب عدم تدويل مشاكل قطاع غزة في اجتماعات القيادة الفلسطينية , سواء في اجتماعات اللجنة المركزية أو اللجنة التنفيذية أو اجتماعاته مع الرئيس .. الخ !
سابقا ً , قام بزيارة قطاع غزة أكثر من وفد فتحاوي , وكتبت في ذات مرّة عن "أكلات السمك" والمبيت بـ"أفخم الفنادق" فشنّ من كتبت عنهم هجوماً حاداً علي واتهموني بأني من دعاة العنصرية وأن أكلة السمك حلال زلال لهم .. يبدو أنهم فهموا حديثي خطأ ً , فهم "الغلابة" لا يعلمون أنّي من "النباتيين" ولا آكل سمكاً ولا لحماً ! , ثم ألم يكن الأولى منهم أن يعملوا بما أكلوا ؟ فكما يقول المصريون عن مصر "مشربتش من نيلها؟" ! نقول في غزة "مأكلتش من سمكها؟" .. فيا خسارة السمكات !.
بصراحة لم يكن هذا السؤال ضمن الأسئلة التي جهّزتها لعضو اللجنة المركزية , لكن خلال اللقاء توارد إلى ذهني هذا السؤال من باب إضافة شيء جديد للمقابلة , ولعلّي أتمكن من الحصول منه على سبق صحفي أو خيط جديد ..
لكن "عباس زكي" صدمني بإجابته التي لم تكن ضمن توقعاتي , استرخيت وانتظرت إجابة من اثنتين , إما أن يقول لي سأزورها قريباً فأبدأ بمحاولة الحصول على تفاصيل إضافية , أو أن يبدأ إجابته بـ"كلام إنشاء" فأستمّر باسترخائي إلى أن ينتهي فـ"الإنشا" ستكون محفوظة بديباجتها لي ! .
بدأ عضو اللجنة المركزية حديثه بتمجيد غزة هاشم , فبدأت الإسترخاء وقلت هي الإنشاء إذا ً .. بعد انتهائه من حديثه الذي خرج من قلبه , فاجأني بتبرير عدم زيارته لغزة فقطع استرخائي وشدّني إليه لأُناقشه ..
اختصر عبّاس زكي وضع قيادة فتح بقطاع غزة بكلامه .. يقول لي :"لو أيقنت أني لن أستطيع حل أي مشكلة من مشاكل القطاع فلن أزور غزّة .. فحقوق أهل القطاع ليست للمتاجرة أو المزايدة". بصراحة لم أتمكّن من سؤاله عن سبب عدم تدويل مشاكل قطاع غزة في اجتماعات القيادة الفلسطينية , سواء في اجتماعات اللجنة المركزية أو اللجنة التنفيذية أو اجتماعاته مع الرئيس .. الخ !
سابقا ً , قام بزيارة قطاع غزة أكثر من وفد فتحاوي , وكتبت في ذات مرّة عن "أكلات السمك" والمبيت بـ"أفخم الفنادق" فشنّ من كتبت عنهم هجوماً حاداً علي واتهموني بأني من دعاة العنصرية وأن أكلة السمك حلال زلال لهم .. يبدو أنهم فهموا حديثي خطأ ً , فهم "الغلابة" لا يعلمون أنّي من "النباتيين" ولا آكل سمكاً ولا لحماً ! , ثم ألم يكن الأولى منهم أن يعملوا بما أكلوا ؟ فكما يقول المصريون عن مصر "مشربتش من نيلها؟" ! نقول في غزة "مأكلتش من سمكها؟" .. فيا خسارة السمكات !.
فهل تمكّنوا بلا استثناء من حل مشاكل قطاع غزة ؟ وبالأصل هل تحدثوا بتلك المشاكل مع أنفسهم بعد عودتهم عبر إيرز ؟
أما قيادة فتح في قطاع غزة المغلوب على أمرها .. فقد اعتادت على الفشل وكما يقول المثل الشعبي :"تمسح جلدهم" , فلا احتجاجات تقلقهم ولا مطالبات تقض مضاجعهم .. ربما هم معذورون , فـ"عبّاس زكي" يلمّح بأنه لا يوجد قرار حتى اللحظة بالعمل على حصر مشاكل غزة وحلها .. فهل سيتمكّن من في غزة من الضغط لحل مشاكلهم ؟ "ملاحظة : هناك بعض قيادات فتحاوية في غزة تمكنّوا من حل مشكلاتهم الشخصية ومشكلات أقاربهم .. فقط , لذا لا تطلبوا منهم المزيد".
يومياً , يرن الهاتف .. موظفون مغلوبون على أمرهم , يحاولون بشتى الطرق إعادة أنفسهم إلى الحياة مُجدداً .. فإضراب عن الطعام وإغلاق لمكاتب قيادات فتحاوية .. إلى التهديد بالانتحار .. الخ
مشاكل قطاع غزة متعددة ..تفريغات 2005 , اسر شهداء الحربين , موظفو وزارة المالية , موظفو وزارة الخارجية , موظفو شركة البحر .. الخ
الأخ عباس زكي كان صريحاً وأنا أحترم صراحته المطلقة .. لماذا لا تكون قيادة فتح في غزة صريحة مع نفسها ومع جماهيرها ؟؟
أما قيادة فتح في قطاع غزة المغلوب على أمرها .. فقد اعتادت على الفشل وكما يقول المثل الشعبي :"تمسح جلدهم" , فلا احتجاجات تقلقهم ولا مطالبات تقض مضاجعهم .. ربما هم معذورون , فـ"عبّاس زكي" يلمّح بأنه لا يوجد قرار حتى اللحظة بالعمل على حصر مشاكل غزة وحلها .. فهل سيتمكّن من في غزة من الضغط لحل مشاكلهم ؟ "ملاحظة : هناك بعض قيادات فتحاوية في غزة تمكنّوا من حل مشكلاتهم الشخصية ومشكلات أقاربهم .. فقط , لذا لا تطلبوا منهم المزيد".
يومياً , يرن الهاتف .. موظفون مغلوبون على أمرهم , يحاولون بشتى الطرق إعادة أنفسهم إلى الحياة مُجدداً .. فإضراب عن الطعام وإغلاق لمكاتب قيادات فتحاوية .. إلى التهديد بالانتحار .. الخ
مشاكل قطاع غزة متعددة ..تفريغات 2005 , اسر شهداء الحربين , موظفو وزارة المالية , موظفو وزارة الخارجية , موظفو شركة البحر .. الخ
الأخ عباس زكي كان صريحاً وأنا أحترم صراحته المطلقة .. لماذا لا تكون قيادة فتح في غزة صريحة مع نفسها ومع جماهيرها ؟؟
(2)
لا زلت أذكر لحظات "حرب الأيام الثمانية" جيداً .. ربما لم أنم في تلك الأيام إلاّ سويعات كانت فقط لتساعدني على الاستمرار بالمتابعة .. كانت أياماً عصيبة , اختلط بها الحزن بالفرح بالفخر بالامتعاض , مشاعر مختلطة لا يجرؤ أي طبيب نفسي على تحليلها فسيكتشف ما لم يدرسه في جامعته ولن يقابله في عمله سوى إن كان في غزة .
وانتصرت غزة ..
أذكر تلك اللحظة التي بدأت بها الحرب واغتيال الشهيد الجعبري , وكيف تطورّت الأحداث يومها , فما أن انهارت المقاومة للحظات عادت ونهضت بشكل فاجأ الجميع ..
في خضم ذلك ،حاولنا في دنيا الوطن تغطية الأحداث لحظة بلحظة .. لم نترك شاردة أو واردة إلا وتحدثنا بها .. لكن ما اختلفنا به عن الجميع هو انفراداتنا الخاصة ..
يوم أن تمكّنت المقاومة الفلسطينية من إطلاق صواريخها تجاه تل أبيب , تحوّلت الحرب إلى "عرس وطني" , فشاهدنا ولمسنا ردود الأفعال .. وتابعنا تخبّط الإعلام الإسرائيلي وكيف انتقلت المعركة "عسكريا واعلاميا" إلى إسرائيل !
بالطبع كانت التوقعات سواء من قبل المحللين أو من قبل المواطنين أن إسرائيل لن تسكت على اختراق "الخطوط الحمراء".
في اليوم الرابع من الحرب أجريت اتصالاً خاصاً للبحث عن تطوّر الأحداث , فوجئت بأن الحديث يدور عن تهدئة متبادلة قريبة .. بصراحة لو لم يكن المتحدث "ذو ثقة" لم أكن لأتحدث في الأمر بيني وبين نفسي .. وللتأكد اتصلت بشخصية أخرى فأكدّت لي أن الحديث يدور بالفعل عن تهدئة متبادلة . "الكلام المجنون" جاء في ظل حالة من التصعيد الشديد , ونشره يعني وكأنك تقول : " احنا مجانين" .
قرار تحرير الخبر ونشره كان الأصعب ربما , فنشر الخبر يعني أنك تسلّط الأضواء نحو مكان غير "تل أبيب" في كلا الاتجاهين - المقاومة والاحتلال- , نشر الخبر يعني كشف ما يدور في القاهرة ومعناه أنّك ستُهاجم من قبل بعض الجهات ذات الصلة , نشر الخبر يعني أن تفتح عليك "نار جهنم" بتصريحات مُضادة وسيصبح الامر وكأنه "استهبال دنيا الوطن" ! .
بعد مناقشات , تفكير , توقعات ردود الافعال .. قرّرنا النشر ! , ربما كان قرار النشر كقرار "ضرب تل أبيب" ..
نشرنا الخبر .. بدأت جبهات الرفض والتنديد والاستنكار والنفي تعمل .. بعد تلك الحملات وردود الصحف الإسرائيلية على ما نشرنا عبر "هآرتس ويديعوت وديبكا" أصبحت في حيرة شديدة من أمري .. اتصلت مرّة أخرى بالمصدر فأكّد لي ما قمنا بنشره وأسرّ لي بمعلومات وتفاصيل جديدة .
كان بإمكاننا الاعتماد على نشر خبر واحد وكفى الله المؤمنين شر القتال .. لكن بعد التأكيد الشديد والاتصالات العديدة , أيقنا أن في الأمر "تهدئة بالفعل" ..
في اليوم الخامس انهارت جهود الوساطة باستهداف اسرائيل لعائلة على ما أذكر وضرب المقاومة للعمق الاسرائيلي مرّة أخرى , وفي اليوم السادس كذلك .. وعلى الرغم من ذلك كنا نغرّد :"تهدئة قريبة" .. " مباحثات التهدئة مستمرة والساعات القادمة ستشهد انفراجة " كنا تماماً كمن ينفخ في الهواء .. في اليوم السابع بدأت الصحف المحلية والاسرائيلية كذلك بترديد تفاصيل ما نشرنا .. نقلوا ما تحدثنا به بعد ما كانوا قد نفوه سابقاً .. تنفست الصعداء حينها , وأيقنت أننا انتصرنا ..
بسبب الصورة المرسومة في عقل العرب عن إسرائيل "وجميعنا كان جزء من هذا التفكير" , فقد استبعد الجميع رضوخ إسرائيل للمقاومة وإعلان التهدئة .. كانت -وبعيداً عن تفاصيل اتفاق التهدئة "أياً كان" - هزيمة مدويّة للجيش الإسرائيلي ودرساً في فن المقاومة والمفاوضات معاً.
بحسب ما نُقل لي يومها من شهادات وتفاصيل حول المفاوضات فقد أدار المفاوض الفلسطيني الملف بحرفية عالية ربما فاقت العقلية الإسرائيلية "مع اختلاف أن المفاوض الفلسطيني على حق" .
أًعلنت التهدئة .. وأعلنت أنا الانتصار .. بصراحة اختلطت مشاعري بين تحقيق "السبق" و "ضرب تل ابيب" .. كان شعوراً مميزاً ورائعاً .. وهو ما دعاني لصياغة بيان الانتصار :"وانتصرت غزة" .
أيام ثمانية لو أراد كل مواطن في غزة كتابة شهادته ستحتاج لمجلدات كاملة لتُلخّص حكاية صمود شعب لم تمنعه الجراح من الخروج ليلتها لإعلان انتصاره .. لإعلان أن غزّة دخلت موسوعة من ضرب تل أبيب !