النشاط الإشعاعي للعنصر المُشع ينخفض إلى النصف خلال فترة زمنية.. حقائق حول "البولونيوم 210 "

النشاط الإشعاعي للعنصر المُشع ينخفض إلى النصف خلال فترة زمنية.. حقائق حول "البولونيوم 210 "
رام الله - خاص دنيا الوطن
لعبت مسألة الاضمحلال الإشعاعي على مر العقود الدور الأكبر في الالتباسات، أو حتى التناقضات، التي قد تنشأ عند القيام بعمليات القياس الدقيقة والمتنوعة الهادفة لكشف نسبة التلوث الإشعاعي في موقع معين أو أي جسم ما، وذلك نظراً لما تتسبب به هذه الظاهرة العلمية للعناصر المُشعة من تناقص تسلسلي دوري في النشاط الإشعاعي لها وفق ما يسمى "العمر النصفي" لكل عنصر من العناصر المُشعة، وهي الفترة الزمنية التي تلزم لاضمحلال النشاط الإشعاعي للعنصر المُشع لينخفض إلى النصف.

وعند التدقيق في مسألة قياس النشاط الإشعاعي ونسبة التلوث في مكان ما، بعد مرور فترة طويلة من الزمن تحديداً، تتحول عملية القياس تلك إلى أشبه ما يكون بعملية اقتفاء "آثار أقدام" تسير في طريق ما ويصغر حجمها تدريجياً بمقدار النصف في كل خطوة، وفق "متوالية هندسية تنازلية" محسوبة بدقة متناهية، وبالرغم من أننا قد نحصل بنهاية الطريق على أثر لقدم صغيرة جداً، قد لا نستطيع رؤيتها بالعين المجردة مثلاً، وفق هذا التشبيه، إلاّ أننا بناء على تعريف المتوالية الهندسية التصاعدية، وهي مقلوب التنازلية، نستطيع معرفة الحجم الابتدائي لأثر القدم عن طريق مضاعفة حجمها لكل خطوة للخلف حتى نصل لأول خطوة في السلسلة.

فالعنصر المُشع ذو النشاط الإشعاعي الابتدائي (س1) والعمر النصفي (ص) مثلاً سوف يتناقص نشاطه الإشعاعي تدريجياً بمقدار النصف وفق متوالية هندسية تنازلية أساسها (د) = 1/2 (نصف)، ويكون نشاطه الإشعاعي النهائي مساوياً لـ (س2) بعد مرور عدد (ن) من فترات العمر النصفي، (حيث (ن) = الزمن الكلي / فترة العمر النصفي)، وبالتالي يمكن حساب (س2) وفق المعادلة التالية:

س2 = س1 * (1/2) ^ ن

وبالعكس، إذا توصلنا لوجود بقايا تلوث إشعاعي نهائي مقداره (س2) في موقع ما بعد مرور عدد (ن) من فترات العمر النصفي لعنصر مُشع، فيكون بإمكاننا حساب قيمة (س1)، التي تعبر عن قيمة النشاط الإشعاعي الابتدائي، وفق معادلة المتوالية الهندسية التصاعدية، مقلوب المتوالية الهندسية التنازلية، والتي يكون فيها الحد الأول هو (س2) والأساس (د) = 2، ويصبح لدينا:

(س1) = (س2) * 2 ^ ن

من جهة أخرى، يتوجب أن يؤخذ بالحسبان ما إذا كان العنصر الذي يتم الكشف عنه يتوفر بشكل طبيعي اعتيادي بنسبة معينة في الموقع الذي يتم الكشف فيه، بحيث ينبغي طرح القيمة الاعتيادية لهذا التواجد من القيمة التي يتم الحصول عليها ومن ثم استخدام المتبقي في عملية الحساب المذكورة في المتوالية الهندسية التصاعدية، بمعنى أننا لو قمنا بالكشف ووجدنا بقايا آثار لعنصر مشع بقيمة (س) في مكان ما،

فإن هذه القيمة تساوي قيمة التلوث بالعنصر المشع (س2) مضافاً إليها قيمة التواجد الطبيعي للعنصر في هذا المكان،
، لذا فإنه يتوجب للحصول على قيمة التلوث الحقيقية (س2) أن نقوم بطرح قيمة التواجد الطبيعي لهذا العنصر في ذلك المكان من قيمة (س) التي حصلنا عليها.

وتبقى الحالة الأخيرة، والتي قد تُثير الحيرة أو التناقضات في النتائج عند الكشف عن العناصر المُشعة بعد مرور فترة طويلة من الزمن، وهي أن يتم الحصول على قيم للنشاط الإشعاعي أصغر مما نتوقع نتيجة تكرار الاضمحلال لعدد كبير من المرات بسبب طول الفترة الزمنية. الأمر الذي يؤدي للحصول على نتائج لا نستطيع تطبيق معادلات المتوالية الهندسية عليها، بحيث تعطي نتيجة صفرية، أو حتى خيالية، وذلك عندما يكون مقدار التلوث في نهاية الفترة الزمنية يساوي، أو أقل من، مقدار التواجد الطبيعي للعنصر في هذا الموقع، على الترتيب.

العنصر المُشع " البولونيوم 210 "

حقائق أساسية:

البولونيوم 210 ( Po-210 ) هو عنصر مشع يتكون بشكل طبيعي وموجود في البيئة بتركيزات منخفضة للغاية.

تم اكتشاف البولونيوم بواسطة ماري سكلودوسكا كوري وبيير كوري عام 1898 وقد سُمي نسبة لموطن ماري الأصلي ومكان مولدها "بولندا" (بولونيا باللاتينية)، وقد كان هذا العنصر هو العنصر الأول الذي اكتشفوه في مسيرتهم لدراسة النشاط الإشعاعي.

ويُعتبر البولونيوم عنصر متقلب إلى حد ما، وهو يتبخر بنسبة 50% في الهواء خلال 45 ساعة عند درجة حرارة 55 مئوية، وهو من المعادن الناعمة ذات لون رمادي فضي.

البولونيوم 210 لديه عمر نصفي 138 يوما، وهو الوقت الذي يستغرقه لانخفاض نشاطه الإشعاعي بمقدار النصف وفقاً لأسباب عملية الاضمحلال الإشعاعي، بحيث أنه يضمحل إلى أن يثبت على عنصر الرصاص 206، وأثناء هذه العملية تنبعث منه جسيمات ألفا، يرافقه انبعاث منخفض الكثافة من أشعة جاما.

غالبية الوقت يضمحل البولونيوم 210 عن طريق انبعاث جسيمات ألفا فقط، وليس عن طريق انبعاث جسيمات ألفا وأشعة جاما معاً. كما أنه يترتب على انبعاث أشعة جاما اضمحلالاً بنسبة حوالي واحد لكل مئة ألف، ويُعتبر مقياس ألفا الطيفي هو أفضل طريقة يمكن استخدامها لقياس هذا النظير من عنصر البولونيوم.

أصل العنصر :

يتم إنتاج البولونيوم 210 أثناء عملية الاضمحلال الطبيعية لعنصر اليورانيوم 238، والبولونيوم 210 موزع على نطاق واسع بكميات صغيرة في القشرة الأرضية، وعلى الرغم من أنه يمكن أن يتم إنتاجه من خلال المعالجة الكيميائية لخامات اليورانيوم أو المعادن، إلاّ أن خامات اليورانيوم تحتوي على أقل من 0.1 مليجرام في كل طن منها. ونظراً لإمكان إنتاج البولونيوم 210 من خلال اضمحلال عنصر غاز الرادون فإنه يمكن العثور عليه في الجو أيضاً من خلال ما يترسب على سطح الأرض. وعلى الرغم من أن عملية الامتصاص التي تقوم بها جذور أشجار الخضراوات تتم مباشرة وبمقادير صغيرة إلاّ أن عنصر البولونيوم 210 يمكن أن يترسب أيضاً على الأوراق العريضة لتلك الأشجار. كما أن عملية الترسيب من الجو على أوراق التبغ ينتج عنها ظهور البولونيوم 210 بتركيزات مرتفعة في دخان التبغ، ومن المعروف أن هناك كميات ضئيلة من البولونيوم 210 في أجسامنا.

ويمكن تصنيع البولونيوم 210 عن طريق تشعيع البزموت 209 المستقر بالنيوترونات الحرارية التي ينتج عنها تشكيل بي 210 المشع، الذي يضمحل بدوره ليُنتج بولونيوم 210 (العمر النصفي للبي 5 أيام). ويمكن الآن إنتاج البولونيوم بكميات من المليجرامات بهذه الطريقة التي تستخدم التدفقات العالية للنيوترون الموجودة في المفاعلات النووية، حيث يتم إنتاج ما مقداره حوالي 100 جرام سنوياً، مما يجعل البولونيوم عنصر نادر جداً.

استخداماته :

يستخدم البولونيوم 210 في مصادر إنتاج النيوترونات (حيث تكون مختلطة أو مخلوطة مع البريليوم). كما أنها تستخدم في الأجهزة التي تفصل الكهرباء الساكنة في الآلات التي تتسبب بها طريقة عملها الدورانية، مثل مصانع الورق والبلاستيك، وغزل الألياف الاصطناعية. كما يستخدم لإزالة الغبار المتراكم في الأفلام الفوتوغرافية وعدسات الكاميرات، وتحتوي تلك المزيلات الثابتة عادة من واحد إلى عشرة جيغا بكريل من النشاط الإشعاعي.

ينبعث من البولونيوم 210 الكثير من جسيمات ألفا كل ثانية، ومقدار الطاقة المنطلقة من غرام واحد هي 140 واط، والكبسولة التي تحتوي على حوالي نصف جرام سوف تصل تلقائيا لدرجة حرارة 500 درجة مئوية. ونتيجة لذلك تم استخدامه كمصدر خفيف الوزن للحرارة لتغذية خلايا الطاقة الحرارية في الأقمار الصناعية. وكذلك تم استخدامه لحفظ الحرارة الداخلية لرواد الفضاء على سطح القمر أثناء الليل. ومع ذلك، ونظراً لقصر العمر النصفي للبولونيوم 210، فإنه لا يمكن الاعتماد عليه لتوفير الطاقة الحرارية لبعثات الفضاء على المدى الطويل، وقد تم التخلص من استخدامه في هذا المجال.

السُميّة :
البولونيوم 210 عنصر مشع للغاية وسام كيميائياً، الضرر المباشر يحدث من امتصاص الطاقة داخل الأنسجة من خلال جسيمات ألفا. وباعتباره عنصر باعث لجسيمات ألفا، فهو يمثل خطر التعرض للإشعاع فقط إذا دخل في الجسم. ومن المهم أن نلاحظ أن جسيمات ألفا لا تنتقل لمسافات بعيدا جداً، فهي لا تنتقل أكثر من بضعة سنتيمترات في الهواء. فهي قد تتوقف لو صدمت قطعة من الورق أو من قبل الطبقة الميتة من الجلد الخارجي لأجسادنا. ولذلك، التعرض الخارجي لعنصر البولونيوم 210 لا يُشكل مصدر قلق وهو لا يمثل خطراً على صحة الإنسان طالما بقي خارج الجسم. ويمكن القضاء على معظم آثاره على الشخص من خلال غسل اليدين والاستحمام في حال التعرض له.

البولونيوم 210 يمكن أن يدخل الجسم عن طريق الأكل والشرب للأغذية الملوثة أو استنشاق الهواء الملوث بالفيروس أو من خلال الجروح. العمر النصفي البيولوجي (الوقت اللازم لانخفاض مستوى البولونيوم 210 في الجسم بمقدار النصف) يقدر بحوالي 50 يوماً، إذا ما تم أخذه في الجسم، ويتم إفراز معظمه من خلال البراز والبعض منه يتم إفرازه عن طريق البول والطرق الأخرى. والناس الذين على اتصال مع شخص مصاب بتلوث البولونيوم 210 لا يكونوا عرضة للخطر ما لم يبتلعوا أو يستنشقوا السوائل الجسمية من الشخص المصاب.

التعليقات