قبل الكارثة .. "كلية وطفل" للبيع الفوري !

قبل الكارثة .. "كلية وطفل" للبيع الفوري !
كتب غازي مرتجى
تنويه : لا تستغرب من العنوان المُستفّز .. فقد كان مُتعمداً 
بين فترة وأخرى يخرُج علينا أحد الزملاء الصحفيين بتقرير"ناري" يعرض فيه بطل التقرير أو سمّه "الفيلم التمثيلي" بيع كليته .. أو بيع طفل من أطفاله .. وربما تصل في مراحل متقدمة لبيع أعز ما يملك !

أًقدّر عاطفة الزملاء فربما بحنكة "بطل الفيلم" أبكاهم وأقنعهم بحاجته الماسّة لذلك .. وربما بخبث عرض على بطل الفيلم "أحدهم" بأن يستدر عطف العالم بعرض ابنه او بنته للبيع .. أو عرض كليته للتُجار , وبالعادة يُصدّق الناس ذلك وتبدأ "حفلات البكاء"  تتبعها حالات التصدّق والتبرع .. طبعاً "لله تعالى" ..

أنا على يقين تماماً أن كل أصحاب "الأفلام التمثيلية" بحاجة ماسة للمال , أو كما نقول شعبياً "يحتاجوا الشيكل" .. لكن أن يتحصّلوا على "الشيكل" بعد "فيلم تمثيلي تراجيدي من الدرجة الأولى فهذا اعتراضي ..

تحدث إلي صباحاً شخص ما , طالباً عمل تقرير عنه بنيته "بيع كليته" وأعطاني مواصفات كليته .. صدقاً كان أحد الأصدقاء قد طلب مني نشر مناشدة لشقيقته لإيجاد متبرع بكلية لها لأنها تُصارع الموت , طرحت عليه "بالمناسبة لم أكن جاداً بالطرح" أن يزورني في المكتب لأتوجه معه للجهات الرسمية لفحص كليته وامكانية استخدامها للمريضة المذكورة وأنني قمت بإيجاد "مشتري" له .. هبّ الرجل بصوته الجهور ولم يترك كلمة إلا ولعنني بها .. وختم حديثه "انت صدقّت!" ..

أحد شخصيات الأفلام التمثيلية المنتشرة بكثافة "في الفترة الحالية" , شاب في أوائل الثلاثينات من عمره .. يستطيع العمل بأي شيء , بإمكانه استدانة "ألفي شيكل" ليبدأ بهم "بسطة بسيطة" تدر عليه يومياً مصروفاً لأطفاله .. وبحسب ما علمت فقد جاءه من "أهل الخير" الكثير .. وللأسف لا زال هذا الشاب يعرض أطفاله للبيع .. ويتردد ويتصل بصحفيين ومراسلي وكالات الانباء لبث الفيلم التراجيدي في قنواتهم او مواقعهم وصحفهم !

شخص ثالث , يُرسل المناشدات على دنيا الوطن ليل نهار , بالصدفة علمت إدارة دنيا الوطن أن أهل الخير تبرعوا له بما يُقدّر بألفي دولار بمناشدة واحدة , بعد شهر واحد يُرسل نفس الشخص بذات الديباجة الخاصة به مناشدة أخرى .. اعتاد على "البلاش" ووجدها الطريقة الأسهل .. رفضنا نشر مناشدته "فلكل صاحب مناشدة حق النشر مرة واحدة فقط" فثار ولم يهدأ , لم نستطع التخل من "زنّه" إلاّ بعدم الرد عليه على الهاتف !..

لست ضد التبرع لهم ولست ضد نشلهم من براثن الفقر , لكن أن تصبح تلك "الأفلام" هي الطريق الأسلم والأسهل والأفضل للوصول لـ"أهل الخير" فهنا تكمن المشكلة ..

في السابق , كنت أُناقش شاباً يملك مهارة أو كما نقول "صنعة" , لكنه دوماً نائم ويخرج فقط ليجلس على عتبة منزله في شارعه .. كنت أسأله عن سبب عدم عمله حتى لو عمل يومين بالشهر يستطيع من خلال ما يجنيه تأمين "ثمن سجائره" , أجابني بإجابة لم أتوقعها .. بأنه ينتظر "كوبون الوكالة" وينتظر "صدقات أهل الخير" .. اقنعني حيث لا يدري أن المرض انتشر وأن أهداف بعض "المؤسسات" تحقّقت .. حوّلوا الشعب الفلسطيني إلى "شعب الكوبون" ..

موضة "الأفلام التراجيدية" خطيرة للغاية .. فهي تكشف عن ثقافة خطيرة بدأت تستشري في عقول المجتمع , ولا زلت مقتنعاً بكلام "جدتي" أن العائلات المستورة تسترها "الحيطان" .. وصدق رب العزّة حيث قال "وتحسبهم أغنياء من التعفف" .

مراسل لدنيا الوطن بمدينة نابلس , تعرّف على حالة أكثر فقراً من الحالات السابقة .. لم يكتب "فيلماً تراجيدياً" عنهم بل استغلّ علاقته بمحافظ المدينة ليطلب منه التوه معه لحظة إعداده للتقرير وتقديم المساعدة "علناً" للعائلة المذكورة بدلاً من عرض المشكلة فقط .. بصراحة ورغم أن التقرير بالفكر "الصحفي" فقد أهدافه .. إلا ّ أني اعتبرته من أكثر التقارير مصداقية وحرفية .. علماً أن المراسل كان باستطاعته اخراج "فيلم تراجيدي هندي" من حلقات عن هذه العائلة المنكوبة ولم يكن بطل الفيلم "شاباً" بل كانت "سيدة عجوز" لا تقوى على السير على قدميها وكل أبنائها من ذوي الاحتياجات الخاصة .. 

 وجب على "أهل الخبر" و"أهل الدين" البحث عن هكذا حالات , وباعتقادي لو توجّه "الصحفي للجهات الرسمية والوقفية ومن يعرف من "أهل الخير" , سيتمكن من مساعدة العائلة دون "الأفلام التراجيدية" ... 

على الجهات المختصة أيضاً البحث عن تلك الحالات وطرق ما "وراء الجدران" لمنع من تجرّأ على عرض أبنائه للبيع أن يبيع "وطنه" مستقبلاً ..