اللواء مازن عز الدين يكتب عن بطولة الكتيبة الثالثة

اللواء مازن عز الدين يكتب عن بطولة الكتيبة الثالثة
بطولة الكتيبة الثالثة ( الجزء الثاني - الأخير )


الإصلاح و رفض الخلل : -

                            جميع من تسابقوا في البدايات و شاركوا في انطلاقة الثورة و من التحقوا بها متفاعلين مع عملياتها ضد الاحتلال أو معاركها للدفاع عن ديمومتها كانوا مندفعين بقوة المبادئ و صدق النوايا بهم كم هائل من النرجسية و الشفافية و النقاء لا حدود له , لهذا كانوا يتأثرون من أي خطأ يحدث داخل الصفوف , يتصدون له بلا تردد و قد حدث هذا في الكتيبة الثالثة المتمركزة في الخط الأمامي للجبهة السورية على خط العرض الممتد من ( عرنة غربا ) على السفوح الشرقية من جبل الشيخ حتى حدود ( مخيم خان الشيح ) احتجاجاً كبيراً على تصرف قائد الكتيبة و تصاعد الاحتجاج بين مؤيد و معارض له و تم ابعاد قائد الكتيبة لفترة وجيزة منعاً للاحتكاك الذي قد يصبح مسلحاً حيث أن الجميع كانوا في دائرة الاخلاص و حسن النوايا و يرفضون الممارسات الخاطئة و قاد الاحتجاج الأخ اللواء / سميح نصر و معه اللواء / جمعة حسن حيث كانت رتبتهما في حينها ( ملازم أول و ملازم ) على الترتيب , كان الاستنفار على أشده و الخلاف حاد , البعض مسلح و البعض الآخر منع من حمل السلاح و أصبح الوضع شبه تمرد لا تقبل به القيادة العامة لقوات العاصفة و غير مسموح أن تعلم به القيادة السورية , لأنه يشكل وضعاً خطيراً على الجبهة الأمامية القابلة للاشتعال في أي لحظة أمام أي خطأ .

و جاء الأخ / أبو ماهر غنيم ( عضو القيادة العامة لقوات العاصفة في حينه ) من دمشق الى قيادة كتيبة الصاعقة الثالثة في مدينة ( قطنة ) و التي تمثل المدينة الأمامية في خط القتال ... و تم احتواء الموقف فوراً

الخطأ و المجزرة : -

                     طلب الأخ أبو ماهر غنيم نقل الحوار مع الضباط المحتجين الى قيادة قوات اليرموك في ( حمورية ) و التي أصبحت مقراً للقوة التي أطلق عليها اسم ( الخدمة الخاصة ) و التي يقودها الشهيد اللواء / سفيان ( مجيد ) الأغا في ذلك التاريخ , و قد فهم البعض منهم أن ذلك ليس حواراً بل هو مسائلة غير محقة أو سجن او انهم موقوفين , و البعض التزم و تواجد و البعض الآخر طلب مني إقناعهم بالحضور و كان الأخ أبو ماهر غنيم يعمل على تهدئتهم لإنهاء التوتر  , و تم اقناعهم أخيرا و بالفعل تحركنا من الجبهة جميعاً , اللواء / سميح نصر و اللواء / جمعة حسن و عدد آخر من الاخوة , و عند وصولنا للمدخل الجنوبي لمدينة دمشق نزل الأخ / جمعة حسن من السيارة التي تقلنا و رفض الاستمرار معنا في التوجه الى ( الغوطة ) حيث تتواجد القيادة هناك , حاولنا اقناعه و لكن ذلك لن يجدي نفعاً و قد استغرق ذلك وقتاً هاماً للغاية و لكن .... لماذا ؟

كان في المعسكر دورة تدريبية لمجموعة من المقاتلين وضعها المدرب في دائرة تضم واحد و عشرين من الأفراد و هو في وسطهم و كانت دورة للتدريب على الألغام و رغم أن المدرب مهندس متخصص قادم من الجيش العربي الأردني فبل أحداث أيلول و لديه خبرة عالية إلا أنه وقع في غلطة الشاطر و هي غلطة دفعنا فيها ثمناً غالياً , و هو يقوم بتحذير المتدربين من عدم نسيان وضع الصاعق المتفجر في المكان المحدد له في اللغم , حيث قال لهم هكذا يوضع و قام بحركة خاطئة فإذا باللغم ينفجر و تتناثر أشلاء مقاتلي الدورة الى مسافات بعيدة و يسقط في هذه المجزرة أربع عشر شهيداً و نجي منها ما يقارب السبعة أفراد و وجد رأس المدرب ( أبو العز ) على بعد خمسين متراً من الانفجار , و نحن في طريقنا شاهدنا سيارات الاسعاف تتسابق الى المكان , و عندما وصلنا ذهلنا من حجم الفاجعة و حمدنا الله على أن اللواء / جمعة حسن جعلنا نستغرق الكثير من الوقت في اقناعه و الذي حال بيننا و بين الانفجار و نجونا مع من نجو من الانفجار و منهم التوأم ( محمد حسن و شقيقه ) الذي فقد كف يده و عينه و الأخ أبو راشد و آخر من أشقائنا السوريين من ( حمص ) , و الأخ / زهدي مصطفى عاصي الذي فقد ذراعه و تعلم مهنة التصوير لاحقاً و أصبح من المقربين للأخ المرحوم الشهيد / فتحي عرفات الذي تبنى علاجه و تطويره و هذا جعله مصوراً ناجحاً في الهلال الأحمر الفلسطيني فيما بعد .

و من هنا استذكر المثل الشعبي القائل (كل تأخيره فيها خيرة ) .

التموضع الرابع : -

كتيبة الصاعقة الثالثة في مربع ( الفاكهاني )

كانت منطقة ( الفاكهاني ) تعرف ( بجمهورية الفاكهاني ) و هي مربع صغير من بيروت يضم مخيم ( صبرا و شاتيلا ) و هو يعج ببيوت من الصفيح متناثرة على أطرافه , ارتأت القيادة العليا أن تتواجد الكتيبة الثالثة في منطقة ( بئر حسن ) و فعلاً وصلت و تمركزت بنجاح لمدة طويلة الى أن بدأت الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط بالضغط للتدخل الفلسطيني في الحرب الأهلية التي اشتدت و تصاعدت و بدأت تأثيراتها تفقد الجانب الفلسطيني حياده الخجول بعد أن قامت القوات الانعزالية بالمساس المباشر بالمخيمات في المنطقة الشرقية و هي ( ضبي و جسر الباشا و تل الزعتر ) .

الكتيبة تخوض أول معاركها : -

                                بعد أحداث ( عين الرمانة ) التي ارتكبت فيها قوات حزب الكتائب اللبنانية المجزرة المعروفة , أصبح الوضع صعباً و فتحت جبهة اسمها جبهة ( الشياح – عين الرمانة ) و كان الجيش اللبناني منحازاً بشكل كبير و واضح للجبهة الانعزالية و نحن لم نشارك في حينها إلا بجزء من قوات الميليشيا في ( الشياح ) و التي كان قائدها في حينها الشهيد / جواد أبو شعر .

أبو عمار يوجه رسالة استجابة لجنبلاط : -

                                             أمر الرئيس القائد العام / أبو عمار الكتيبة الثالثة بتوجيه ضربة للقوات الانعزالية و للجيش اللبناني بكامل جسم الكتيبة و قال لي قل لحسن ( قائد الكتيبة في حينه ) اريدها لسعة دبور للرئيس اللبناني ... و فعلاً بدأت الكتيبة استطلاعاتها و حددت أهدافها التي ستهاجمها و هي تمتد على مساحة كبيرة من ( الحازمية حتى الشياح عين الرمانة ) و تحركت الكتيبة بروح معنوية عالية و كان على رأس كل مجموعة ضابط و منهم الملازم أول / عبد المنعم العموري الذي أصبح قائداً للكتيبة لاحقاً حيث قام باقتحام أحد المواقع و هو موقع ( الداتسون ) بين ( عين الرمانة و الشياح ) على طريق ( بيروت – دمشق ) الدولي و على امتداد انتشار الجيش اللبناني في تلك المنطقة نجحت الكتيبة في هجومها و حصلت على أسلحة و معدات و آليات ثقيلة ( ملالات ) و عادت الكتيبة الى مواقعها و جاء الأخ / أبو عمار و أبو جهاد و أبو الهول و أبو الزعيم لزيارة قيادتها في ( بئر حسن ) مهنئين قائدها و ضباطها و ضباط الصف و الجنود على نجاحهم و طلب مني الأخ أبو عمار كتابة مقال عن المعركة على أن أعرضه عليه قبل نشره و فعلاً ذهبت إليه في مقره ( الفاكهاني ) و أضاف ( قامت الكتيبة الثالثة و قوات الميليشيا في الشياح بالمعركة ) حيث أبرز حينها دور قوات الميليشيا و نشرت في فلسطين الثورة .

و استمرت الكتيبة الثالثة في مشاركتها في القتال في الحرب الأهلية اللبنانية الى نهايتها .

التموضع الخامس : -

                   تموضعت الكتيبة الثالثة في الخط الأمامي في مواجهة دويلة ( سعد حداد ) في القطاعين شرق ( الليطاني ) و منطقة ( بلاط ) و ( مرج عيون و إليا و سحمر و يحمر ) و خاضت معارك أساسية في منطقة ( العيشية و المحمودية ) و خاضت معارك مزدوجة ضد اسرائيل و دويلة ( سعد حداد ) و سقط فيها العديد من الشهداء و الجرحى و كانت بحق كتيبة مميزة تستحق كل التقدير و الاحترام و العرفان لكل من كان في مرتباتها .

التموضع الأخير : -

                  لقد حدث الانشقاق في جسم قوات اليرموك و بدأ في الكتيبة الأولى التي كان قائدها الأول / سعيد موسى ( أبو موسى ) قائد الانشقاق و كان قائدها اللواء / يونس العاص الذي تصدى للعقيد / أبو موسى و للانشقاق و لكن الكتيبة الأولى كان جسمها منظماً لصالح الانشقاق و الكتيبة الثانية من قوات اليرموك كان قائدها / محمود عيسى مع الانشقاق و لم يتبقى من قوات اليرموك إلا الكتيبة الثالثة التي كان على رأسها قائد شجاع كغيره من القادة الذين سبقوه في قيادتها و هم على حسب التسلسل ( موسى العملة – فترة العمليات ضد اسرائيل في الجولان قبل انشقاقه ) , ( حسن أبو شنار – فترة أحداث نيسان و تشرين في لبنان و كذلك حرب أكتوبر حتى نهاية الحرب الأهلية اللبنانية قبل انشقاقه ) , ( عبد المنعم العموري – ما بعد الحرب الأهلية ) , ( يوسف عبيد – أبو الوليد – فترة البقاع و العيشية و بلاط قبل انشقاقه ) , ملاحظة : و هؤلاء ممن انشقوا من القادة للكتيبة انشقوا و هم خارج جسم الكتيبة , و أخيراً ( راجح أبو لحية ) و قد تميزت الكتيبة الثالثة لقوات اليرموك عن غيرها من القوات بالانتماء اللا حدود له لحركتنا العملاقة  حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فـــتــــــــح ) و للثورة الفلسطينية و الرئيس الشهيد الخالد / يــــاســـــر عرفــــــــات ( أبو عمار ) و لم ينشق مها أحد , و كتبت على سياراتها المسلحة ( الانتحار مع عرفات و لا الانتصار مع المنشقين ) .

أول المعارك ضد الانشقاق معركة مجدل عنجر ( شرقي لبنان ) : -

                                                                 لقد تم التحضير من قبل قيادة السوريين و المنشقون , و القيادة العامة ( أحمد جبريل ) , و الليبيون في البقاع للانقضاض على مواقع الكتيبة الثالثة , و قتل أكبر عدد ممكن منهم لغرس الرعب في صفوف القوات المنتمية للشرعية , و حتى تؤدي الى ابراز رأي يؤكد أن الانشقاق يملك القوة الاكبر من جسم حركة ( فتح ) و أية مواجهة قادمة محكوم عليها بالفشل . وفتحت النار و بدأت المدافع و الدبابات لا تترك موقعاً إلا و تسدد له قذائفها .. لكن الكتيبة الثالثة بقيت صامدة و نجحت في صد كافة الهجمات الليلية , و لكن قذائفنا و رصاصنا بدأ يقل تدريجياً , و طلب الذخائر يتم بالأجهزة التي ما زالت فيها الشبكة المتداخلة , فنحن نسمعهم و هم يستمعون لما نقول .

و تحركت أنا / مازن عز الدين ( المفوض السياسي لقوات اليرموك في حينه ) و الأخ / جمعة غالي من ( ركن عمليات قوات اليرموك )  الى قيادة الكتيبة و من شدة النيران و غزارتها لم نتمكن من الوصول الى قيادة الكتيبة لفترة كبيرة و صعبة جداً , ثم تمكنا بعدها من التحرك بسرعة و التجول وسط الأماكن التي تتواجد فيها الاسلحة الرئيسية للكتيبة من أجل تحقيق هدف مركزي و هو إشعار الجميع بأن وضع المقاتلين جيد و قابلنا قائد الكتيبة الأخ الشجاع الشهيد الرائد / راجح أبو لحية و تحدثنا الى عدد من المقاتلين و قلنا لهم شكراً على صمودكم .... و قد نجح الأخ المقدم في حينه / نصر يوسف قائد قوات اليرموك في إرسال كمية من الذخائر بالتنسيق مع الأخ الدكتور / رضوان الأخرس , و بعض الأصدقاء و بالطرق الخاصة , و قام بإيصالها الأخ الشجاع النقيب في حينه / سليمان سعيد العيسوي ( أبو عرب ) من الهلال الأحمر الفلسطيني , و لكن و في حدود الساعة العاشرة صباحاً نجحوا في تحقيق اختراق لدفاعات الكتيبة و احتلوا قيادتها التي لم يجدوا فيها أحداً , و جرح في هذه المعركة العديد من المقاتلين , و سقط فيها ( الشهيد البطل النقيب / فهيم أبو الرب ( أبو مأمون ) و الشهيد البطل /  جمال صبح ) و تم التراجع الى موقع الروضة و دير زنون و كانت معركة ( مجدل عنجر ) رسالة للقيادة السياسية للحركة و القيادة العامة لقوات العاصفة بأن وجودكم في دمشق لم يعد مرغوباً فيه . و هو أول مساس رسمي عربي مؤكد ضد ( م . ت . ف ) لإضعاف دورها السياسي في لبنان . ووجدنا أنفسنا أمام مرحلة جديدة من المواجهات بدأت بهذه المعركة التي لا توصف من شدة النيران التي انصبت على مواقعنا من تحالف قوى الشر و  العدوان . و شارك فيها الى جانب الكتيبة الثالثة سرية من قوات الـ 17 , و فصيل من سرية القيادة التابعة لقوات اليرموك .

( تحية الى أبطال الكتيبة الثالثة , تحية الى قوات اليرموك , تحية الى قوات العاصفة , تحية الى أرواح الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن شعبهم و ثورتهم و استقلالقية قرارهم الوطني و على رأسهم الشهيد القائد الخالد / يــــاســـــر عـــرفــــات – أبو عمار )

                                                       

 اللواء م / مازن عز الدين

 عضو المجلس الوطني الفلسطيني

عضو المجلس الاستشاري