فاروق القدومي يروي أسرار وذكريات

رام الله -خاص دنيا الوطن من عارف طوقان
تخرج من المدرسة العامرية بمدينة يافا وخرج إلى الضفة الغربية وغادرها إلى المنافي بعد زمن قليل.
قضى حياته مناضلا متنقلا بين اروقة السياسة والمطابخ السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية برفقة القادة الذين اسسوا وخاضوا نضالا طويلا من اجل معركة التحرير - تحرير فلسطين وعاصمتها القدس الشريف .
ترأس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية ووزير خارجية فلسطين الذي مثلها الى جانب الرئيس الراحل ياسر عرفات في كل المحافل الدولية والاجتماعات الدولية والاقليمية .
يتمتع بشخصية كاريزميا لها دور مميز في مراحل النضال الفلسطيني خصوصا مع الدول العربية وبعض دول العالم .
ييحمل من الاسرار ما لا يتحمله الجبال مسيرة شعب ونضال امة وحركات تحرر عالمية استمدت نضالها من نضال الشعب الفلسطيني ..دنيا الوطن حاورت عضو اللجنة التنفيذية ورئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحري الفلسطينية ووزير خاجية فلسطين المناضل فاروق القدومي.
أطرق قليلاً وغاص في الماضي القريب وقال: قال ابواللطف وهو اسمه الحركي: قضيت سنوات طويلة من عمري وأنا أسهم في ترميم العلاقات التي تحطمت إثر حرب المخيمات والانقسامات الفلسطينية المؤسفة، .
التسوية السياسية
واضاف: جاءت التسوية السياسية في التسعينات بعد حرب الخليج مباشرة، وأبواب دول عربية موصدة أمام قيادة المنظمة، فكانت الفرصة سانحة لنطرق هذه الأبواب المغلقة نحمل في قلوبنا المحبة وفي عقولنا الثقة والمصداقية، والتأم الشمل العربي في دائرة التنسيق والتشاور بعد حرب الخليج التي مزقت النسيج العربي وزرعت الحقد والضغينة في أحشاء هذه الأمة.
وتابع: وكان القدر لنا بالمرصاد لنقوم برئاسة مجلس الجامعة العربي في أول يوم يجتاح فيه الجيش العراقي دولة الكويت الشقيقة في الثاني من شهر أغسطس من عام 1990.
واستطرد: بذل الوفد الفلسطيني جهوداً مضنية في مجلس الوزراء العرب وفي القمة العربية بعد ذلك بأسبوع كي يمتنع العرب عن اتخاذ قرارات تُحدث الفرقة والانشقاق وتعرض مستقبل الأمة العربية إلى الانقسام والمحورة لاعتماد الحل العربي وليس الحل الدولي، ولكننا فشلنا في ذلك فكانت حرب الخليج الثانية بكل ما أحدثته من ويلات وتداعيات شملت العراق وليبيا والأردن والسودان واليمن ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعانت دول الخليج العربي الابتزاز السياسي والمالي.
واوضح ابو اللطف قئلا: "صحيح أننا تلقينا في حياتنا النضالية الكثير من اللطمات التي وجهها الأهل والأقرباء ونحن ندافع عن قضية مقدسة في البداية والنهاية، لكن اللطمات والطعنات مهما بلغت من الشدة لم ثتننا عن متابعة مسيرتنا الوطنية، مضيفا: "حين اختلفنا مع رفاق لنا عندما انفردوا كاجتهاد منهم بالمسار الفلسطيني بعيداً عن التنسيق العربي، لإدراكنا أنهم في نهاية المطاف سيصطدمون بصخرة العناد الإسرائيلي وفقدان المصداقية، سيعودون إلى حظيرة التنسيق العربي بعد أن يدركوا حاجتهم إلى حزام الأمن العربي كي يحتموا به.
العودة الى الوطن
وبين عدم العودة الى الوطن وقال : كان عدم دخولنا إلى الوطن المحتل مع الرفاق الآخرين مجرد قناعة منا حتى نحافظ على منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في الإطار الذي يضمّ كل فصائل المقاومة والتي تعبر عن الهوية الوطنية التي اعترف بها أكثر من ثلثي دول العالم، وأضاف: قد تمكنا من استمرار التواصل مع فصائل المقاومة وتنامي إحساس الجميع بضرورة الحفاظ على هذا الإطار الوطني، وسعينا جادين إلى تعزيز الحوار الوطني على أسس الثوابت السياسية التي أقرها المجلس الوطني، وتابع: أعلنا للرأي العام أننا نعارض تعديل الميثاق الوطني ولا ولن نرضى بانفراد المسار الفلسطيني عن بقية المسارات، منوها الى ان كل ذلك فعلناه برفقة أخوة مخلصين وبأسلوب بنّاء خالٍ من التحريض والتشفي.
وحول ما اشيع عن بقائهم في تونس قال "ابو اللطف" لن يعيبنا إن بقينا في مكتب متواضع في تونس الشقيقة مع نفر قليل من الكوادر الواعية وبإمكانات بسيطة، واكد ان موفقنا السياسي الثابت بعد التجربة أقنع الدول الشقيقة والصديقة بصحة موقفنا بعدما شاهدوا الممارسات الإسرائيلية والمماطلة والتعنت، أما شعبنا في الداخل فقد فقدَ الثقة بالمسيرة السلمية بعد هذه السنوات الطويلة من المفاوضات العابثة وعدم تنفيذ ما يتمّ الاتفاق عليه لأن العدو الإسرائيلي لا ينظر إلينا كندٍ مساوٍ له في المفاوضات السياسية، وقد قدمنا الكثير من أوراقنا دون مقابل.
اتهامات
ودافع ابو اللطف عن الاتهامات التي وجهت لاعضاء المنظمة بزياراتهم المتكررة الى الدول العربية وقال: تخطيء عندما تدعي أن زياراتنا للعواصم العربية مجرد زيارة مجاملة، إن هذا القول فيه ظلم فاحش فالوقت لا يسمح باللهو والسياحة، مضيفا: صحيح أن اهتمام الدول العربية بالمسار الفلسطيني قد تضاءل بعد حرب الخليج وبسبب اتفاقات أوسلو وانفراد المسار الفلسطيني، وبين انهم عادوا يهتمون بقضيتنا ويزداد شعورهم بضرورة التضامن العربي والاهتمام بالقضية الفلسطينية، واضاف: لكن مع الأسف فإن معسكر التسوية في الدول الغربية المتنفذة وعلى رأسها الولايات المتحدة يدفع الدول العربية في اتجاه المسيرة السلمية بقوة وإصرار مع ان هذه الدول تتوانى عن إلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وبالمبادئ التي قام عليها مؤتمر مدريد للسلام.
وتابع: إن زياراتنا للدول الشقيقة والصديقة لشرح هذا الموقف ولتعزيز المكانة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولنعيد استقطاب ما فقدناه من الأشقاء والأصدقاء، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وما تلاه من تداعيات مكنت الدول الغربية من الهيمنة على الأمم المتحدة ومقدرات شعوب العالم الثالث.
واشار الى إن السلطة الفلسطينية لحسن الحظ لم توقع حتى الآن على معاهدة سلام، كما فعلت مصر والأردن، بل وقعت اتفاقات انتقالية تخضع للتبديل والتغيير عندما تحين مرحلة مفاوضات الحل الدائم. مرجعية الشعب المنظمة
واكد ان الكل يعلم أن منظمة التحرير الفلسطينية هي المرجعية السياسية والتشريعية للسلطة الفلسطينية الناشئة طبقاً لقرار صدر من المجلس المركزي، وقد اعترفت الأمم المتحدة بالمنظمة كمراقب دائم باسم "فلسطين"، واضاف: تسألون ما تبقى من منظمة التحرير، نعم بقيت عشرات السفارات والمفوضيات والبعثات الدبلوماسية التي تمثل دولة فلسطين والتي اعترف بها أغلب دول العالم، وبقيت أيضاً فصائل المقاومة بكوادرها المنتشرة والمنظمات والاتحادات النقابية والرموز الوطنية المستقلة المنضوية في إطار المنظمة بصفتها جبهة وطنية عريضة، ونوه: الى أنه بالرغم من الضعف الذي أصاب المنظمة خلال مسيرة التسوية فإنها بقيت تعمل وتتحرك وها هي تزداد قوة وانتشاراً من جديد.
اختبارات سياسية
ولفت الى إن ما يجري على الأرض الفلسطينية المحتلة هو اختبارات سياسية مؤقتة، لا يمكن أن تترسخ كظواهر دائمة من خلال الأساليب القسرية والممارسات التعسفية،واضاف: بينما يقوم الشعب الفلسطيني ببناء مجتمعه في ظل أقسى الظروف الضاغطة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، وأكد على انه بالرغم من كل المظاهر القاسية الأخرى التي تصدر عن السلطة يبقى الإنسان المواطن هو مصدر القوة والسيادة على الأرض، وتابع: ليست الدبابة والعمارة والمستعمرة هي التي تمتلك الأرض بل إنه الإنسان الذي يتمكن أن يعيش في أقسى الظروف ليبقى ويحافظ على حقوقه الوطنية.
المسؤولية
واكد ابو اللطف على انه لا يمكن لنا أن نتهرب من المسؤولية أو نستقيل لأن هذه المسؤولية ملتصقة بنا، وهي قدرنا فكنا من القادة الأوائل الذين أطلقوا الرصاصة الأولى وحملنا أنفسنا وزر الاستمرار بالثورة حتى النصر أو تسليم الراية للجيل القادم ليواصل المسيرة المظفرة.
واستطرد: قال صن يات قائد الصين الحديثة يخاطب جنده بعد أن هزم جيشه ثلاث عشرة مرة: "أيها الجنود البواسل، نعم أخفقنا في تحقيق النصر للمرة الثالثة عشرة"، لم يقل هزمنا أو انهزمنا، بل قال أخفقنا في تحقيق النصر، وفي المرة الرابعة عشر حقق النصر.
واوضح ان الثورة في البداية تقيم مؤسسات محدودة وتخلق أطراً تنظيمية في المرحلة الانتقالية، وكثيراً ما تتحطم هذه المؤسسات أو يستشهد القائمون عليها، وتبرز فيها الاجتهادات المتنوعة، فإن اشتدت الاختلافات الفكرية والتنظيمية فيما بينها تنشق أجحنة منها أو تتنحى عن طريق الثورة أو تمر في تجربة مختلفة، وقد مرت معظم الفصائل في مثل هذه التجارب.
واختتم في هذه الفقرة مع كل ذلك يجب أن لا تقود الخلافات الفكرية إلى التناقض العدائي أو النزاع المسلح في مرحلة التحرر الوطني ولا بأس من أن تبرز داخل الحركة الوطنية منابر سياسية متنوعة، تصب كلها في إطار الجبهة الوطنية التي لا بدّ لها من عمود فقري.
فساد في السلطة
اشار ابو اللطف الى ان الفساد آفة السلطة حيثما كانت وهي تشبه السوس ينخر في الخشب فيتآكل ولا يدري أحد متى تنهار السلطة على نفسها، مشيرا الى إن الشعب بحسه الصادق يميز بين الطيب والخبيث، وهذا ما يزيد من ثقتنا بحكمه على قائد او مسؤول أو سياسة ما او عمل معين. وقال: يبقى التزامنا بالميثاق قائماً حتى تقوم الدولة الفلسطينية ذات السيادة ويصبح لها دستورها المقر من المجلس الوطني الفلسطيني.
الداخل والاحتلال
وجه ابو اللطف رسالته الى الشعب الفلسطيني في الداخل وقال : شعبنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة فما زالت كل مظاهر حياته تخضع لحكم الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس القمع والإرهاب والحصار، مشيرا الى انه أحيانا يرافق هذه المظاهر تصرفات خاطئة من السلطة الفلسطينية التي تقع هي أيضاً تحت ضغوط سياسية وابتزازية، مضيفا: لكن يبقى الأمر الملح لنا هو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لأنه أصل الداء والبلاء، وقال: لا بأس أن نوجه النقد البناء مهما كان قاسياً إلى كل خطأ يقترفه أفراد السلطة الفلسطينية.
سلاح المخيمات
اكد ابو اللطف إن السلاح في المخيمات هو سلاح فردي قليل العدد والعدة ولا يستحق الدعاية والطنطنة التي نسمعها كل يوم. واشار الى إن سلاح المقاومة شرعته اتفاقية القاهرة في البداية، ونوه الى إنه سلاح تَبَقّى في المخيمات بعد أن قمنا بتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في بداية التسعينات إلى الجيش اللبناني الشقيق، ومشيرا الى ان الدعاية الأجنبية المسمومة تحاول أن تصور المخيمات وكأنها جزر أمنية لا تخضع للسيادة اللبنانية وتثير بعض الأوساط من آن لآخر قضية التوطين الفلسطيني بهدف العكننة، وهم يعرفون أننا نصرّ على العودة مهما طال الزمن.
وقال : إن لبنان الشقيق يعيش مرحلة المقاومة المسلحة والعدو الإسرائيلي يمارس العدوان على الشعب اللبناني كل يوم، فمن الطبيعي أن تبقى البندقية شعار المرحلة في لبنان المقاوم، واضاف ان مخيمات الجنوب الفلسطينية تعيش هذه المرحلة بكل تفاصيلها، مشيرا الى أننا دوماً نكرر أننا ضيوف في لبنان ولسنا مواطنين، وتساءل : إذا حلّ السلام سيصبح السلاح الفلسطيني كله بيد الجيش اللبناني الشقيق.
ومتابعة لقضية سلاح المخيمات قال ابو اللطف : مع كل ذلك لا أتصور أن حلاً تسووياً قادم إلينا بالسرعة التي يتصورها البعض، ولذلك ستبقى البندقية مشرعة في الجنوب اللبناني حتى يعمّ السلام، وتنسحب القوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني ومن الجولان السوري ومن الضفة والقطاع.
المفاوضات
وتطرق ابو اللطف الى المفاوضات وقال: إذا افترضنا ان مرحلة المفاوضات السياسية هي بمثابة فترة زمنية لإحلال السلام الشامل فإن فشلت فهي عبارة عن استراحة المحارب كما قال الفيتناميون: "بعد كل نضال شاق أعيدوا الجماهير إلى حياتها الطبيعية"، وقد حرروا بلدهم على مرحلتين هزموا فيها الفرنسيين ثم الأمريكيين بعد فترة من الزمن امتدت سنوات.
طرد الفلسطينين
اشار ابو اللطف الى ان حرب الخليج الثانية طردت مئات الآلاف من العرب والفلسطينيين وقطعت أرزاقهم وجلبت الحقد والضغينة والانقسام، وقال سبق أن عشنا حروباً عربية- إسرائيلية خمسة، وحرباً أخرى لمدة ثماني سنوات، وتابع :أضف إلى ذلك عدداً من الحروب الأهلية والإقليمية الأخرى التي وقعت في المنطقة العربية بعد أن انهار الاتحاد السوفيتي صديق العالم الثالث، وموضحا: لا يخفى على أحد أهداف الغرب ومطامعه في منطقة البترول العربية، واشار الى انه لا بدّ أن نحذر من تحجيم قضيتنا في حدود قطر عربي او في مشكلة وجود عشرات البنادق في مخيمات الصمود، أو في توطين مائة ألف فلسطيني هنا أو هناك.
واختتم ابو اللطف : إن الفلسطيني بحكم معاناته وتشرده أصبح شعلة الثورة ووقودها، وما دخل أرضاً إلا اشتعلت بنار الانتفاضة ... ذاكرتنا ما زالت تتسع للكثير من الأحداث والوقائع، ولكن .. "ما كل ما يُعلم يُقال".









التعليقات