اطلاق "الإعلام" لسلسلة "أصوات من طوباس": رجال ونساء يرسمون صورة لمدينتهم قبل خمسة عقود

طوباس - دنيا الوطن
أعاد رجال ونساء عقارب الزمن إلى الوراء، نحو 50 سنة، ورسموا صورة لمدينتهم وأحوالها ومهنها ومدارسها وسهولها ولحظات احتلالها.  وسردوا في أول حلقات  سلسلة "أصوات من طوباس" لوزارة الإعلام حكايات عتيقة، ألهبت حنينهم إلى مدينة بعاداتها وتقاليدها التي غابت، ومدرستها الوحيدة، وما افتقدته من أراضٍ شاسعة صادرها الاحتلال، وخيول كان فرسانها يتسابقون لإظهار مهاراتهم في ركوبها، خلال
حفلات الزفاف.

وقصّ رافع فهد الخضيري( المولود عام 1933): كنا نحرث الأرض على عَمّال من البقر( رأسين يجران محراثَا خشبيًا)، ولم
نكن نرى مستوطنات ومعسكرات، وكانت أراضينا شاسعة( تمتد على ثلاث خرب: يرزة وابزيق وجباريس وفيها 50 بيت شعر)، ونزرعها صيفاء وشتاء، وعند تصليب الصليب في 27 أيلول،
كنا نزرع القمح والشعير، ونسميه بـ"العفير" وكان المطر أغزر، والخير أحسن، وكانت قلوب الناس على بعض أكثر من هذه الأيام.

احتلال ودواوين

يقول: في معاهدة رودس بعد نكبة عام 1948، خسرنا الكثير من الأراضي، تقدر مساحتها بثلاثين ألف دونم، وكان عدد
سكان طوباس  حوالي خمسة آلاف نسمة، وأول غرفة بُنيت بالباطون على يد والدي، وساعدته أمي في صب سقفها، وحملت الباطون على رأسها.

ووفق الراوي، فقد كانت تنتشر في طوباس دواوين العائلات، وفيها يتسامر الرجال ويتباحثون همومهم، ويتشاركون في الأفراح والأتراح. وكانت مساحتها صغيرة، وبعضهم سماها(الزاوية).

أما المدرسة فكانت وحيدة وفيها بضعة صفوف، ولم يتجاوز عدد طلاب صفه  الثمانية، غير أنه لم يكمل تعليمه، بعد وفاة والده في سن مبكر، وتحمله مسؤولية العائلة وتربية أخوته الستة.
يضيف: كل شيء تغير، وأكثر ما نتحسر عليه(النخوة) وحرص الناس على تقاليدهم، وتمسكهم بها. حتى العطر هذه الأيام
تغير، ولم يعد هناك طعم للخضار والفواكه. فيما كان الحلاق يعمل( مباصرة)، وفيها يحلق الرأس طوال السنة، ويحصل في الموسم على 3 صاعات قمح( 18 كيلو غرام)، ويذهب إليه أينما وجد في أرضه.

مواسم

فيما يقول يوسف محمد أبو الزعيم( 88 عاما): كانت طوباس أجمل من اليوم، والناس قلوبها على بعض أكثر، والكبار يحلون ويربطون ويمونون على البلد كلها، ولم يكن العريس يشاهد خطيبته إلا في يوم الزفاف، وكانت أجسام الناس أقوى، ويعملون كل شيء بيدهم، فنحصد ونزرع وندرس على ألواح الخشب المربوطة بالخيل والدواب، ونغني على البيادر: "يا حمرة لوحين
ولوح".

يتابع: ورثت بيتنا القديم من 300 سنة، فكان لجد أبي حسن الأعرج، ثم ليونس الحسن، وبعده محمد اليونس، وأنا. ولم أذهب للمدرسة، وأول  باص يدخل طوباس كان على يد روحي الزعبي، الذي أحضر( االبوسطة) بعد أن شق الإنجليز طريق البلد لنابلس، وكنا نذهب كل يوم إليها ، ونبيع الجبن والحليب والغلال(المحصول).

تروي زوجته سلّطية محمد يونس( 80 سنة): كانت كل البلد 7-8 عقود، وكلها أراضي بقلب البلد، وكان مهري 50 جنيه؛ لأنني مع ابن عمي، أما التي تتزوج غريباً، فكان مهرها (350) جنيه. ويعُلل الناس 3 أيام بلياليها، وكان الشبان يطاردون بخيلهم في السهول في الأفراح، وكان كيلو اللحم بقرشين.
مما يستعصي على الرحيل من ذاكرة الحاجة سلطية، أغاني الأفراح التي كانت ترددها الصبايا للعروس: جبناها وأجت
يا روحي، ترك الفضة يا نوحي..... رفضت الحاجة الرحيل خلال النكسة، وأصرت على البقاء فوق أرضها، وتتحسر على عدم إكمالها للتعليم، وذهاب هيبة الجيل الأول، وقلة الاحترام بين الناس، وعدم تقدير الصغار للكبار.

عادات غائبة

ويقول الحاج ملفي  فضيل صوافطة (المولود عام 1935): كانت البلد صغيرة، ومبنية من الطين والحجر، والعقود،
وكان الأهالي يتساعدون في البناء وزراعة الأرض، وأكثر شيء اختفى في أيامنا احترام الناس للكبار، وكنا نخاف أن نرى المعلم في الشارع، وكان الناس في الأعراس يفرحون ويعللون ست ليالٍ، ثم نزف العريس على الفرس.

كان صوافطة خيالاً، وحرص في كل عرس أن يركب فرسه، ويذهب ورفاقه إلى سهول المدينة، في عرض أمام العريس
والمحتفلين به، الذين يجلسون في ظل شجرة زيتون، وأحياناً كان البعض يطلق النار في الهواء، أما مهر العروس فكان 60 جنيها، وأحياناً يصل إلى 200 لمن يكون من خارج عائلة العروس. وكان صندوقها الخشبي بـ15 جنيهاً، وفيه ملابسها وأدواتها الخاصة، بينما تشتري ذهبا بـ 35 جنيهاً.

يتابع: كان أقدم حلاّق في البلد فياض الشيخ حسن وأخوه بهجت، أما النجار الوحيد فجميل من قرية مسلية، وكان النّوَر في أطراف طوباس يعملون في جلخ السكاكين (لتصبح حادة)، ويحسمون سكة المحراث( يجعلونها أكثر حدة)، ويقومون بكل أعمال الحداد بالنار. وكان يوسف العودة والحج محمد أبو الحسن من أقدم التجار.

حكايات مدرسية

وبحسب الراوي، فقد كان في طوباس مدرسة وحيدة، بها سبعة صفوف، وفي كل واحد منها 8-10 تلاميذ فقط، ولم تكن
تتعلم البنات، ومن المعلمين: الشيخ عبد الفتاح أبو محسن، ومحمد عبد الله المساعيد، من بلدنا، وحسين شاهين، وسعدي شاهين، ولبيب الداري، والشيخ أحمد، من نابلس، ومحمد
الجوهري من طمون.

ومما يحفظه من قصائد عن ظهر قلب، تعلمها في الصف الأول من أشعار عنترة: "أنا في الحربِ العوان،غيرُ مجهول المكان، أينما نادَى المنادي،  في دُجى النَّقْع يرَاني، وحسامي مع
قناتي، لفعالي شاهدان، أنني أطعنُ خصمي، وَهْو يَقْظانُ الجَنانِ، أسقِهِ كاسَ المنايا، وقِراها منهُ دَاني، أشعلُ النَّار ببأسي،  وأطأها
بجناني،.......أطيبُ الأصواتِ عندي، حُسْنُ صوْت الهنْدواني، وصريرُ الرُّمحِ جهراً، في الوغى يومَ الطَّعان، وصِياحُ القوْمِ فيه،   وهْو للأَبْطال داني.

ومما يختزنه محمد يوسف
موسى، الذي أبصر النور في طوباس عام 1933، حكايات المدرسة، فقد تعلم حتى الصف السابع، وكان الأول على صفه وعلّقت إدارة المدرة أسمه على لائحة الشرف، وأعدت
عائلة العدة للاحتفال به، لكن نكبة عام 1948 حالت دون ذلك. يقول: كانوا يجهزون زفة للخريج من الصف السابع، ويطوفون به البلد، ويعزمون الناس، ويغنون ويطبخون الطعام.

يستذكر: كنا ندرس اللغة العربية، والحساب، والجغرافيا، والتاريخ، واللغة الإنجليزية، وأحفظ حتى اليوم أشعاراً منها. وحصلت على منحة لإكمال تعليمي، والحصول على (مترك لندن)، إلا أن عائلتي خافت عليّ، ولم نتابع.

يقول: كنت أخرج أنا وثلاثة من الأصدقاء إلى البرّية، ونصطاد العصافير ونلعب، ونأخذ الكتب معنا، فيقرأ أحدنا الدرس، ثم نردده قليلاً إلى أن نحفظه غياباً، وفي الليل كنا نتابع على ضوء السراج والقنديل.

وكان الشيخ واثق من سبسطية مدير المدرسة. يتابع: كانت شوارع طوباس إما ترابية، أو مرصوفة بالحجارة (فعل ذلك الاحتلال البريطاني)، وجرى تعبيد أول الشوارع داخل البلد عام 1960. وأكثر ما نفتقده اليوم الاحترام للكبار، وهيبة
المعلم، والعادات والتقاليد الجميلة في الزواج والخطوبة، والعونة بين الناس.

ماضٍ وحاضر

بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف: إن "أصوات من طوباس" ستكون مساحة شهرية،  توفر فرصة لنقل قصص وحكايات عتيقة، وهموم وأحلام راهنة،
وتاريخ  شفوي، وفن وإبداع ، وذكريات تسكن في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، ولا تحظى بفرصة للظهور في وسائل الإعلام.

وأضاف: سنوثق الكثير من العادات والأنشطة والمهن، ونتحدث عن المبدعين المنحدرين من المدينة، وسنجمع حكايات قديمة وجديدة تتناول شؤون محافظة طوباس وشجونها، وتقارن المدينة ومحيطها بين الماضي والحاضر، وترصد ما تعانيه أو تتميز به، وتنقله لوسائل الإعلام.

التعليقات