سمكاتي العبيطات .. والانتحار الجماعي

سمكاتي العبيطات .. والانتحار الجماعي
كتب غازي مرتجى

فاجأت أطفالي  بحوض من سمك الزينة , كان الهدف من شرائي لحوض السمك تعليمي للأطفال وليشاهدوا شيئاً جديداً .. وبالفعل نام الأولاد بجوار السمكات ليلة كاملة وقاموا بمناكفة السمكات العبيطات ووضعوا لهم الأكل وشاهدوا حياة ما تحت الماء ..

منذ الصباح استيقظ الأطفال ليشاهدوا كيف أصبح حال السمكات , وهل ناموا أم لا ؟ وكانوا أكثر إحساساً بالسمكات من أنفسهم فطلبوا وضع الأكل لهم وشاهدوا ساعة جديدة من حياة عالم ما تحت البحار ..

فوجئت مساءً بأن أعداد السمكات تناقص فبدلاً من 12 سمكة ملونّة وجميلة أصبحوا 8 سمكات , وفي الحوض لا يوجد آثار ضرب أو شجار أو بيت عزاء لهم ! .. المفاجأة كانت بعد أن وجدت الأربع سمكات انتحروا جماعياً بهروبهم من خارج الحوض وتسلقوا جدران الحوض الزجاجي ليذهبوا إلى نهايتهم المأساوية ..

هنا ..  أصبحت تصرفات السمكات درساً لي شخصياً .. فتلكم السمكات المنتحرات إما أنهن  أردن اكتشاف شيء جديد أومللن حياتهن بين الأربع ألواح الزجاجية ..

في الحالة الأولى تكون تلك السمكات ذكية وعبقرية , فأردن اكتشاف عالم الأرض , وربما أعجبوا بأصوات أطفالي فأرادوا اللحاق بهم ليزيدوهم انبساطاً .. هذه السمكات العبيطات العجيبات خرجن إلى عالم جديد هرباً من سجنهم فلم تسعفهم قلة الماء والأوكسجين من أن يلقوا حتفهم .. تماماً كما لو خرج أحدنا إلى عالم آخر عجيب غريب هرباً من سجنه الكبير فيلقى حتفه لاكتشافه عكس ما تمنّى وتوقّع ..

في الحالة الثانية تكون تلك السمكات العبيطات نيتهّن المبيتة هي الانتحار إما بسبب مشاكل شخصية مع زملائهم وزميلاتهم من السمكات في الحوض العجيب , وهم بالفعل يعلمون أن خروجهم يعني موتهم .. وبهذا تثبت تلك السمكات نظرة العبط والغباء , وهذا ما ينعكس تماماً على حالات الانتحار وقتل النفس التي انتشرت منذ فترة في عالمنا الأرضي .. لكن برأيكم هل أفتى لتلك السمكات المنتحرات سمكتهم الكبيرة أنّ انتحارهم سيفجر ثورة شعبية سمكية وأنهم سيكونوا شهداء معركة الهروب الكبير !؟

لقد أثبتت لي حالة الانتحار أو البحث عن الأفضل لسمكاتي العجيبات أنّ تفكيرنا دائماً ينقسم إلى قسمين , رأي أبيض وآخر أسود .. وفي حالنا الفلسطيني هناك انقسام بين الأبيض والأسود .. فيما لو وهبني الله معجزة التحدث إلى السمكات العبيطات لأقنعتهم أن حياتهم متحدّين في حوضهم يجلب لهم السعادة والرضا , وأن انسلاخهم عن واقعهم وتمردهم على ظروفهم المعيشية لن يجلب لهم إلا الموت لتعيش بعدها السمكات اللاتي حافظن على حياتهنّ عيشة هنيئة وينعمن بأكل الفقيدات أيضاً ! .. بل وربما يقوم الباقون بالركوب على ظهر ثورة السمكات العبيطات ويقوموا بتوقيع اتفاق شرف على أن لا يخرج أحدهم للموت مرة أخرى سواء للاكتشاف أو للانتحار !.

لقد أهدر الانقسام الفلسطيني من الدماء الكثير .. وأهان كرامة العديد .. وتضرّر منه القريب قبل البعيد .. فلنعتبر أنفسنا في حوض سمك كبير .. ولنقنع الجميع أننا لا نريد العيش ضمن كوكبة الأوهام والأحلام التي يسوقها علينا من أسموا أنفسهم بقيادات الشعب الفلسطيني .. بل نريد العيش في حوضنا باستقرار وهدوء ومحبة وبميثاق شرف يمنع اكتشاف ما وراء النفوس او انتحار ينهي على ما في العقول ..

انتحار السمكات الجماعي ينطبق تماماً على ما يقوم به الفنان الفلسطيني الغزّي محمد عساف , فبعد أن وقفت غزة بكل حواريها وشوارعها ومدنها ومخيماتها لتصوّت لمن اعتبروه فارسهم وحصانهم الأسود , طلّ عساف ليوم ونصف على أهل غزة لم يره فيها إلا موظفي أكبر فندق بغزة وعاد أدراجه إلى دبي ثم إلى الضفة التي مكث بها حتى الآن ثلاثة اسابيع ونقل مكان سكناه وعائلته الى هناك .. ما يقوم به عساف هو عملية انتحار وفقدان لحب واحترام الناس له ولنضاله ويؤكّد المقولة الكاذبة أن غزّة عار وأن لا مكان لشخص أن يعيش في غزة ! , أدعوا محمد عسّاف لأن يعود ويلبس عباءته الأصلية وليخلع بلا رجعة عباءات الساسة ورجال الاقتصاد الذين ما إن يأخذوا منك أعز ما تملك رموك بعيداً ولن يسألوا بك مرّة أخرى .. 

سمكاتي العجيبات .. انقشعنّ !