ليبيا وفلسطين .. وما بينهما

ليبيا وفلسطين .. وما بينهما
كتب غازي مرتجى
بعد الإفطار مباشرة , يرن جرس الهاتف , الرقم من الجماهيرية الليبية , اعتقدت أن أحدهم يريد انتقادنا ويلومنا عن "أبو قيلة" على الرغم من أننا ومنذ عام تقريباً لم ننشر أخباراً له .. 

اتصل هذا الليبي القومي المتفائل بالعرب طالباً عملاً في غزة , هو ممرّض ويريد "فيزا" للقدوم إلينا .. للغير مصدّقين (نعم .. غزة)  .. لم يطلب صديقنا الليبي التضامن مع غزة , أو تحية أهلها الصامدين الصابرين , بل يبحث عن "لقمة عيش" !!.

انتهت المكالمة فاستذكرت حديث أصدقاء والدي وأقرباؤه ممن عملوا في ليبيا , وكيف كان للفلسطيني ميزّات هناك , وعادت بي الذاكرة للقاء كنت أجريته مع سفيرنا المبجّل هناك وكيف كان لدى السلطة مخططات لجلب عمالة فلسطينية تصل إلى 200 ألف عامل وفنّي ومهندس إلى هناك في ظل وعودات الإعمار والتمكين .. وأسعفتني ذاكرتي الممتلئة بالأحداث على العودة إلى حديث مهندس التقيته في إحدى أماكن العمل وروى لي تجربته الخطيرة ومغامرته للذهاب إلى ليبيا مُهرّباً وكيف عمل هناك لـ 6 أشهر ولم يتقاضى دولاراً واحداً بل عاد بخيبة أمل إلى والديه ومغامرات كادت تودي بحياته وخسارة 5 آلاف دولار أيضاً ..

ولم أنسَ جنون القذافي واشتراكيته وكيف كان "الليبي" ينام ويأكل دون أن يعمل , وكيف كان يتحصّل على كل شيء فقط لأنه (ابن بلد) .. ولم يغب عن مخيلّتي كيف مات هذا "المجنون"!

يا صديق ..

في غزة .. الآن .. تجد آلاف العاطلين عن العمل .. تجد آلاف الخريجين ممن يتلذذون لدى سماعهم بفرصة للـ"التطوّع" .. تجد آلاف أخرى تنحني إجلالاً لشهرين بطالة! , تجد آلاف الأسر المنكوبة .. وليس بسر لو تحدّثنا عن حصار مفروض وشباب يائس بائس ..

يبدو لي أيضاً أنك لم تعلم  حتى الآن أن معبر رفح مُغلق ويدخل منه فقط من لديهم جوازات غير فلسطينية  .. يبدو أن ممرضنا الليبي لا يعلم أن غزة بلد الحروب والمآسي والحصار .. لا يعرف أن غزة تنتظر من المؤامرات أكثر ما تنتظر من البُشريات .. صديقنا أيضاً لا يعلم أين سيتم توظيفه .. فالحكومة في غزة توظّف عدد بسيطاً بشروط خاصة .. وحكومة رام الله منعت التوظيف لأهالي القطاع منذ ستة أعوام .. والمؤسسات الخاصة تجلب من المتطوعين ما يجعل التطوّع لديهم (غنيمة) , ولا يعلم أن مرضى القطاع يبحثون عن قبر لهم أو تحويلة في بلاد الماو ماو ..

على مر التاريخ المعاصر ومنذ نكباتنا الأولى التي كان العرب سبباً رئيسياً فيها في معظم الأحيان , كان للفلسطيني حضنٌ دافيء في كل بلد عربي ربما إحساساً منهم بظلمهم لنا , فوصل الفلسطيني بعلمه وجهده إلى الكويت والسعودية ـوانتقل الفلسطينيون إلى الإمارات العربية ولم تخل مصر منهم وكان القذافي يستقطبهم أيضاً واليمن كذلك، وتونس احتضنت الثورة وجزائر بومدّين نصرتها .. كانت هذه البلاد توفّر مأوى وملاذ آمن لنا .. كانت أيضاً نافذة اقتصادية لا غنى عنها .. لكن ...

في وقتنا هذا , أصبح الفلسطيني كائن منبوذ مغضوب عليه .. واعتمد الخليج على الهنود والشرق آسيويين .. وانشغلت تونس  باغتيالات سياسية .. واليمن تعمل على الحفاظ على وحدتها الجغرافية , وليبيا تعاني بذات الطريقة التي قًتل بها القذافي ولعناته ترتد عليهم بأصابعهم ذاتها ! .. أما الشقيقة مصر فأصبحت أُماً لكل الدنيا عدا الفلسطيني ..

أيها الليبي المتفائل .. لن أتهمك بجنون القذافي فلربما لا زلت تؤمن بأن في العرب خير ..لا تقربنا فلربما تكفر بما تبقّى لديك من أمل !

نهاية لكنها بداية :
الجيش المصري والأحزاب الإسلامية بمصر ستتصالح فيما بينها ولو بعد حين .. لنعُد قليلاً إلى الوراء ,ماذا فعل الإخوان لحماس في ظل حكم مبارك؟ .. وماذا قدّمت  المعارضة (الحاكمة الآن) لفتح  في ظل حكم مرسي .. يا سادة , اتركوهم بحالهم وانتبهوا لحالنا .. لا تُقزّموا قضيتنا أكثر.. ولا تجعلونا حطباً لنار تُوقد في الخفاء لكما معاً..لا تسمحوا للـ"سفلة" أن يُجهزوا على ما تبقى من المنكوبة فلسطين ..