رعب التوجيهي .. وعائلتي

كتب غازي مرتجى
منذ يومين ولم تغمض عيناي , أفكّر , أدعو الله , أطمئن على والدي "أدامهما الله لي" ولم يبق إلّا أن أمسك بوردة وأقول "نجح" .. لا "رسب" .. هكذا هي معاناة موعد إعلان نتائج الثانوية العامة ..
أذكر قبل سنوات يوم أن نجحت في الثانوية العامة , كنت في "نفسية" لا تسمح لي بمخاطبة أحد .. حتى أن الضغط النفسي جعلني أفكّر فيما لو "رسبت" رغم أنّ أساتذتي الأفاضل كانوا يتوقعون أن يكون إسمي ضمن الأوائل .. لكن وبسبب الضغط النفسي العائلي والمجتمعي والإعلامي لنتيجة الثانوية العامة .. يُهيّء طالب الثانوية العامة نفسه لأن يكون ضمن "الراسبين"
الخميس .. يوم أُعلنت النتائج , كان والدّي في موقف لا أنساه طيلة حياتي , وكان شقيقي قد وصل لمرحلة لا يُحسد عليها .. حتى جاءت تسريبات النتائج "وليست النتائج الرسمية وللأسف" ليُسكب على قلوبنا ماء بارد .. لتبدأ بعدها حفلات الانتصار والاعتزاز بالنفس ويبدأ المُهنّئون من شتى أقطار الكرة الأرضية لتهنئة الناجح .. وكأنه أنهى المرحلة الأصعب في حياته !
نعم .. في ثقافتنا الحالية مرحلة الثانوية العامة لدى العامة هي مرحلة مفترق الطرق .. هي مرحلة إما أكون أو أتشرّد ! .. إما النجاح أو الفشل الدائم ! .. لعلّ جميعنا مررنا بهذه المرحلة الصعبة .. وجميعنا يقول .. متى الخلاص ؟
انتحر طالب .. وحاولت الانتحار طالبة .. وأكاد أجزم أن كل من "رسب" فكّر بهذا الطريق , بل وكل من لم يتحصّل على معدله المطلوب "اتهبل" !
أقرّ قبل عامين مجلس الوزراء الفلسطيني خطة جديدة ومنهجية رائعة لنظام الثانوية العامة الجديد .. استبشر الطلبة ولا أشك أن الأهالي كانوا الأكثر فرحاً أيضاً بهذه الخطة .. لكنها لم تخرج من "الدرج" لأسباب غير معلنة لكنها عُلّقت على شماعة الإنقسام .. ما علينا , على وزير التربية والتعليم الجديد وهو رجل أكاديمي رائع يعلم ما نتحدث به عليه أن يقوم باعتماد القانون الجديد .. لقد هرمنا لنشاهد هذه اللحظة معالي الوزير ..
بعد التوجيهي .. يفرح الطلبة ليومين .. تبدأ ضغوط الأهالي .. ويبدأ العنف الناعم الطبقي .. ويستمر أيضاً الإجبار اللامنطقي على الطالب .. يختار الأهالي تخصص ابنهم وكأنّهم سيدرسون وينجحون أو يفشلون بدلاً منه !؟
نصيحتي إلى طلبة الثانوية العامة .. فكّروا جيداً , اختاروا تخصصاً تستطيعوا الابداع به .. تستطيعوا التفوّق به .. لا تتطلعوا إلى "بهرجة" اللقب .. أو إلى "فشخرة" الأهل .. فهما بالعدد أسبوعين وسيذوب نجاحك ضمن مآسينا التي لا تُحصى ..
يُحدّثني صديق عزيز لي ويقول أن أحد أصدقائنا حصل في الثانوية العامة على معدل يزيد عن الـ 98 % , وتخصّص في الهندسة .. وتخرّج كمهندس بمعدل يزيد عن الـ 85 % , يعمل منذ عام ونصف براتب 400 شيكل من الساعة السادسة صباحاً وحتى الرابعة عصراً .. لا يتحمّل هو مسؤولية ذكائه ومثابرته ونجاحه .. بل يتحمّل إذلاله من قبلوا أن يدرس الهندسة أكثر من 700 طالب سنوياً بينما سوق العمل لا يحتاج إلى 70 في أوقات اللاحصار !
ملاحظة : فيسبوكي نشيط كتب ما يزيد عن عشرين "بوستاً" حنقاً وغضباً من أصوات الألعاب النارية وتفجيرات الفرحة في مدينته بنابلس .. تمّنى صديقي أن يقتحم الإحتلال مدينته ليتوقف إهدار المال بالشكل الذي أغاظ صديقي الفيسبوكي .. قدّر صديقي تكلفة ألعاب الصبية بأكثر من مليوني شيكل ..
تهنئة واجبة .. لوالدي الأقرب إلى قلبي .. لشخص متفائل دوماً يفوق مقدار حبه "الكلام" .. لشقيقي .. لعائلتي الصغيرة .. ألف مبروك .. لا أنسى , ألف مبروك لكل الناجحين , وتمنياتي لكم بالتوفيق ..والنجاح دوماً .