مباشر | تغطية صحفية | آخر التطورات

وجهــة نــظر في أحـداث مــصر

وجهــة نــظر في أحـداث مــصر
م. عمــاد عبـد الحمــيد الفالــــوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

سيكتب الكثيرين عن أحداث مصر الاخيرة وقرار المؤسسة العسكرية بتنحية الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي كأول رئيس مدني يأتي عبر صندوق الانتخابات وأول رئيس ينتمي لجماعة الاخوان المسلمين يصل الى سدة الحكم في أكبر دولة عربية ، ولم يمض على توليته الحكم سنة واحدة فقط ، وسيبقى السؤال الكبير الذي سيدفع الكتاب والمحللين عن سبب سرعة سقوط رئيس ينتمي لأقوى حركة إسلامية بالرغم التزامه بكل مقومات الديمقراطية ونظام الحكم المدني واحترامه لكل الاتفاقيات الدولية والتزامه بها واستجابته لكل ما هو مطلوب من أجل إنجاح تجربة حكمه ، ولكنه بالرغم من كل ذلك تم عزله بقرار عسكري بعد أن خرجت الملايين تطالب بخروجه ولم يمنع خروج مؤيديه بشكل كبير من انتصاره والحفاظ على موقعه .

في الحقيقة ما حدث في مصر كان متوقعا ولم يكن مفاجأة لكل مراقب للوضع الداخلي المصري على أكثر من صعيد سواء شكل التحالفات الحزبية الداخلية أو حجم المشاكل الاقتصادية ومعاناة المواطن المصري وكذلك حالة انعدام الثقة والقلق من حكم الإسلاميين على حياة المواطنين العامة .

على مستوى التحالفات الحزبية لم ينجح النظام الجديد من تشكيل تحالف واسع بين فئات المجتمع المصري وكعادة الإسلاميين وطبيعة ثقافتهم لم تتسع لمستوى التعايش مع الافكار الأخرى ولكن بدأت العلاقة من منطلق الفوقية وفرض شروط التحالفات واستغلال مصطلح الديمقراطية والفوز في الانتخابات وكأن الديمقراطية تعني أن من يفوز في الانتخابات يمكنه فرض شروطه على الآخرين والتعامل معهم باستعلاء ولكن في الحقيقة أن الفوز في الانتخابات خاصة في المنطقة العربية وبما تعانيه من إشكاليات كبيرة تعني توسيع الشراكة السياسية ومن يفوز يقود هذه الشراكة .

لقد أثبتت كل التجارب أنه لا يستطيع أي حزب أو جماعة مهما بلغ حجم انتصارها أو شعبيتها أن تنجح بالحكم منفردة ولا تستطيع أن تفرض شروط التحالف على من هو دونها ولكن الشراكة تبدأ عندما تتعزز ثقافة الحوار المسئول الذي يضم بين جوانحه وعلى قدم المساواة كل القوى التي تملك القدرة على العطاء وتحمل بعض الاعباء .

لم تنجح كل التجارب التي قدمت بعد ما يسمى بالربيع العربي من تقديم نموذج للحكم الديمقراطي المستقر ولكن كل قوة تحاول الاستفادة من الاحداث لتقوية ذاتها على حساب المصلحة الأكبر وهو الوطن والدولة وكل طرف يحاول فرض أجندته وأفكاره على من سواه حتى لو كان من نفس الفكر العام فلم ينجح الإسلاميون فى مصر من التحالف مع غيرهم من الإسلاميين بسبب النظرة الحزبية الضيقة والحكم على الآخرين بطريقة ماضوية ضيقة .

لقد كان الخطأ الأساس الذي ارتكبه الإخوان المسلمون أنهم لم يستمعوا الى نصائح كثيرة بأن المرحلة الحالية لا تستوعب أن يكون رئيس مصر من أي من التنظيمات الإسلامية بسبب تعقيدات المرحلة وحجم الإشكاليات التي سيتحملها وانعدام الثقة بين القوى والأحزاب وكان من المفترض الاتفاق على شخصية متوازنة وغير حزبية وقادرة على لملمة الوضع الداخلي وتحمل المسئوليات ولكن هناك من دفع بهؤلاء الإسلاميين وأغراهم للتقدم وتصوير الأمور بشكل خادع وتسهيل المهمة لهم مما أوقعهم بما هم فيه اليوم .

وكذلك حجم المشاكل التي تراكمت طوال العقود الماضية كلها ستلقى على عاتق الحاكم الجديد والشعب لن يمنحه الوقت الكافي كما يعتقد البعض لتحقيق الانجازات خاصة عندما يكون الحاكم منتميا لحزب بل إن الشعب سيطالبه بأن يرى ثمار برنامجه بسرعة وإلا سيكون حزبه متهما بالقصور خاصة وأنه لم تنضج لدينا ثقافة التعايش الحزبي بل يقف كل حزب ليظهر عورات الحزب الآخر ، ليس لدينا ثقافة تأييد كل نجاح لصالح الوطن حتى لو قام به الحزب المنافس ولكن كل حزب يتمنى الفشل للحزب الآخر ، وبالتالي من العبث كثرة تكرار انجازات الرئيس محمد مرسي خلال عام من حكمه .

ولعل المواطن العادي لا يهتم كثيرا للانجازات الكبرى فهو يهتم بكل ما يتعلق بحياته الشخصية وكل من زار مصر خلال العام الماضي لمس بشكل واضح تراجع الخدمات للمواطن ولم تكن الحياة أفضل مما كانت عليه خلال الحكم السابق ، وكان حديث العامة إذا كان نظام الرئيس مبارك فاسد ولصوص فالأصل عندما زال حكمهم ولم يعد هناك سرقات أن يلمس المواطن هذا الفرق وأن تزداد مدخولات الدولة ولكن العكس هو ما حصل زاد الفقر ونقصان المواد الأساسية . ومن العبث شرح أسباب ذلك بموضوعية للمواطن العادي .

في الحقيقة ليس السقوط قاصرا على سقوط حكم جماعة بعينها مثل الاخوان المسلمين ولكن السقوط لحالة عامة لم تنضج بعد ولن يكون البديل أفضل من سابقه إذا لم يدرس الجميع بكل موضوعية أسباب السقوط الحقيقية دون التعامل مع القضية بنظرة حزبية ضيقة ، ما حدث هو فشل لتجربة ويجب الاستفادة منها .

الأصل أن يستفيد أصحاب التجربة أكثر من غيرهم لم يسقط الإخوان المسلمون بل ستبقى الجماعة قوة لها حضورها وتأثيرها ولكن سقطت التجربة ويمكن للإخوان أن يكونوا أكثر المستفيدين لو درسوها وتلمسوا الاخطاء التي وقعوا بها وتحليلها وتجاوزها .

التعليقات