تسهيلات أمريكية للأردن تشبه ما قبل حرب العراق : هوس بالعثور على "السطر المخفي" في الملف السوري وتفكيك لغز اليرموك ومعركة القصير

رام الله - دنيا الوطن
بسام البدارين للقدس العربي
بسام البدارين للقدس العربي
لفتت صحيفة الرأي الحكومية الأردنية الأنظار مبكرا للمطالبات المتعلقة بمنصات صواريخ باتريوت على الحدود مع سوريا عندما نشرت خبرا عن متقاعدين عسكريين طالبوا بالباتريوت على هامش جلسة حوارية جمعت بعضهم بالعاهل الملك عبدلله الثاني.
خبر من هذا النوع تحديدا لا ينشر في صحيفة مثل الرأي إلا لأغراض محددة فالدبلوماسية الأردنية تخطط لأفضل إستثمار ممكن للأزمة مع سوريا ليس فقط لحماية المصالح الحيوية والحدود الأردنية ولكن أيضا للبقاء في مربع التأثير في القضايا الإقليمية.خلال أيام قليلة تبين بأن الخبر المشار إليه له بالتأكيد أغراضه التكتيكية فقد صرح رئيس الوزراء عبدلله النسور لاحقا بان الهدف من محطلات باتريوت هو توفير (الحماية) للاجئين السوريين التي أقفلت مراكز جذبهم موقتا خلال تنظيم وإستضافة لقاء أصدقاء سوريا.
عمليا لا يمكن إعتماد رواية الحكومة لهذه المسألة لإن قصة حماية اللاجئين السوريين بالباتريوت تحديدا وضعيفة وفيها قدر من التذاكي السياسي على حد تعبير وزير سابق تحدث بالموضوع مع القدس العربي.
الأرجح أن مؤسسة صناعة القرار الأردنية لا زالت تبحث عن أفضل وسائل حماية ممكنة او محتملة لأي إنفلات متوقع في المشهد السوري ولو من باب الإحتياط لكل السيناريوهات.
هذا يعني بوضوح بأن الدولة الأردنية ورغم كل الضمانات التي تحاول تقديمها للنظام السوري لوجستيا ومهنيا وعسكريا وسياسيا على الحدود والأرض لا زالت (غير مطمئنة) لما يمكن حصوله لاحقا خصوصا وان المشهد السوري منفلت وتتسارع فيه المستجدات على مدار اللحظة.
عدم الإطمئنان ملحوظ تماما من الإعلان الأمريكي وليس الأردني عن وجود 200 جندي أمريكي يتمركزون على الحدود مع سوريا وهؤلاء كما قال للقدس العربي الرئيس النسور مباشرة لا زالوا موجودين في إطار إستراتيجية دفاعية تحتاط لوقوع صواريخ الكيماوي السوري في يد خصوم أو تيارات منفلتة .
لكن المخاوف الأردنية في الواقع تتعدى ذلك بدليل أن التركيز على نصب منصات باتريوت كما حصل في تركيا بات طلبا ملحا للدبلوماسية الأردنية يتفاعل معه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ولا تتحمس له وزارة الدفاع البنتاغون ولا حتى إسرائيل.
ثمة دليل آخر على عدم كفاية الضمانات وهو إقفال تكتيكي للحدود في وجه اللاجئين أثناء إنعقاد لقاء أصدقاء سوريا الأربعاء وتحضيرات القمة الإقتصادية العالمية الأحد في البحر الميت حيث يتطلب الحرص الأمني عدم المجازفة بدخول خلايا بشار الأسد كما توصف في عمان بين صفوف اللاجئين.
المسألة لا تقف في الواقع عند هذه الحدود فطبيعة الحراك السياسي والدبلوماسي الأردني يوحي ضمنيا بأن عمان حتى وهي تعلن عدم وجود رغبة لديها للتدخل في الأزمة السورية وتؤيد التسوية السياسية تتهيأ لأسوأ الإحتمالات.
بين أسوأ الإحتمالات عمل عسكري عدواني من الجانب السوري أو حتى قصف مدفعي أوصاروخي خصوصا بعد تحذيرات السفير السوري في عمان بهجت سليمان.
المراقبون يصرون على وجود (سطر مخفي) بين عمان وواشنطن وتل أبيب له علاقة بإحتمالات او سيناريوهات المشهد السوري فإخفاق {المواصفة الأمريكية} تحديدا في ترتيبات جنيف 2 ومؤتمر الحوار الدولي المرتب بخصوص سوريا يعني الإنتقال لمستويات مختلفة من (المواجهة).
هنا حصريا ستعلق إسرائيل في منتصف حالة إنتصار ميدانية وعسكرية للرئيس بشار الأسد ولاحقا إنتصار دولي ودبلوماسي بسبب الدعم الروسي مع بصمات مباشرة لنظام بشار على أي تسوية يمكن التوصل إليها.
لذلك نصح الوزير كيري في عمان الرئيس الأسد بعدم المبالغة في الشعور بالإنتصار ميدانيا.
في حسابات الدولة الأردنية العميقة ستدفع إسرائيل بالقناعة الأمريكية ثمن (تمكين) بشار الأسد من تحقيق ما يريد على عدة جبهات, الأمر الذي يعتقد أمريكيا وأردنيا بأنه سيؤذي إسرائيل ويخرج الأردن تماما من الحسابات ويعزز إيران وحزب إلله وعراق المالكي وبموضع روسيا على حساب محور نظام الإعتدال العربي.
وحسابات من هذا النوع تدفع للإعتقاد بأن الإحتفاظ بأوراق الخيارات هو الإستراتيجية الأكثر حكمة بما في ذلك خيار التصعيد عسكريا مجددا أو تحت أي عناوين في نظرية من المرجح أن عمان تلتقطها جيدا بما يبرر بقاء مخاوفها الحدودية والأمنية رغم أن الفرقاء جميعا يتجهون نحو جنيف
2.لذلك تقفز عمان بدعوتها للتحوط بمنصات باتريوت تزرع على الحدود مع سوريا.
ولذلك تشهد المنطقة الشمالية في محيط نهر اليرموك بين الأردن وسوريا بمحاذاة إسرائيل نشاطا مجنونا في البعد الإستراتيجي والأمني والعسكري ومن كل الأطراف حيث تعمل قوات الأسد حاليا على تنظيف هذه المنطقة من كل مراكز قوى المعارضة على حساب الإسترخاء قليلا في بقية جبهات القتال في درعا وحيث تتمركز قوة المراقبة الأمريكية.
الإحتياط السوري إستبق عمليا كل الإحتمالات بمعركة مدينة القصر ذات الأهمية الإستراتيجية الكبرى بسبب تنامي النشاط الإستخباري لعدة اطراف عربية وغربية في المكان.عمان طبعا تراقب المشهد بكل عيونها وبعض الإجتهادات ترجح بان واشنطن ترفع شعار السلام والحوار والتسوية السياسية في سوريا من جهة لكنها تحتفظ بخيارات (عسكرية) من جهة أخرى… هنا حصريا يجلس السطر الأردني المخفي حتى اللحظة والذي يدفع عمان لإعتماد تقنية (الدراجة الهوائية) في إدارة الموقف مع الملف السوري بالرغم من كلفة ذلك في بعض الأحيان.هذه التقنية تعني البقاء في حالة حركة وإظهار القدرة على الإتصال مع جميع الأطراف فالأردن لا زال البلد الذي يستطيع دبلوماسيا وسياسيا إسماع كل طرف ما يريد أن يسمعه وقد حصل ذلك مع موسكو وطهران وواشنطن والرياض وسيبقى يحصل لإنه الإستراتيجية اليتيمة المتاحة اليوم.بطبيعة الحال لا يقف الأمر عند هذا الحد فثمة قرائن إضافية على أن السطر المخفي قد يتعلق بسيناريو إنفلات وعودة للخيارات المغلقة في سوريا... أهم هذه القرائن ما نقل في إطار المجتمع السياسي الأردني على هامش وقفة العاهل الأردني الأخيرة في واشنطن حيث ترددت مجددا نغمة (المنطقة العازلة) على حدود أطول من المعتقد بين الأردن وسوريا .بالتوازي لا يمكن للسفارة الأمريكية في عمان ولبعض السفارات الأوروبية الخبيرة التقدم بعروض مغرية لبيع أسطولها من السيارات الحديثة بنصف السعر تقريبا لتجار محليين لإن ذلك يعني تلقائيا وبالضرورة التفكير لاحقا بتجديد هذه الأساطيل عبر إقتراحات بشراء سيارات عملاقة ذات دفع رباعي …حصل ذلك أيام الحرب على العراق وهو يحصل الأن لسبب غامض.
التعليقات