تفاصيل وأسرار .. عملية "الدبويا" بالخليل احدى اهم معارك وبطولات حركة فتح..صور

تفاصيل وأسرار .. عملية "الدبويا" بالخليل احدى اهم معارك وبطولات حركة فتح..صور
كتب هشام ساق الله  
 كنت قد بداية انشاء مدونتي مشاغبات سياسيه قد نقلت تقريرا كاملا عن عملية الدبويا الشهيره والبطوليه والتي ادت الى اصدار قرار صهيوني بابعاد ثلاثة من قادة الخليل الابطال رحم الله منهم الشهيد فهد القواسمي رئيس بلدية الخليل ومحمد ملحم رئيس بلدية حلحول والشيخ رجب بيضون التميمي حيث قامت طائره احتلاليه بانزالهم الى جنوب لبنان .

والجميل اليوم في ذكرالعمليه البطوليه اصدرت مفوضية الاعلام في مكتب التعبئه والتنظيم في الضفه الغربيه بيانا بهذه المناسبه مذكره ببطولة هؤلاء الابطال الرائعين الذين تم تحريرهم جميعا في صفقات الاسرى التي قامت فيها منظمة التحرير الفلسطينيه انذاك .

كل التحيه لهؤلاء العملاقه عمالقة الفتح الذين كانوا دائما يضعون صوب عيونهم تحرير فلسطين كل قلسيطن واضعين كل مايملكون لخدمة هذا الهدف الكبير غير منتظرين أي عائد او منصب او جاه من قيامهم بهذه البطوله تحيه الى كل من ساهم وكان احد عناصر بطولة هذه القصه الجريئه.

اود ان اذكركم باحدى العمليات البطوليه التي نفذتها احدى مجموعات حركة فتح في منطقة الدبويا بالخليل والتي ادت الى مقتل عدد كبير من المستوطنين بمنطقة بيت حجاي كما يسميها الاسرائيليين وانقل لكم جزء من التاريخ الناصع لحركة فتح علنا نعود ونفكر ونقف ونتامل ونعيد الاعتبار لهؤلاء الابطال ونترحم على الشهداء ونعود لكتابة التاريخ من جديد فهناك الكثير من الي بيرفع الراس .

نص الخبر الذي نشر في حينها

مقتل ثلاثة عشر صهيونيا بينهم القائد العسكري الصهيوني للخليل و إصابة العشرات و استشهاد ثلاثة مقاومين فلسطينيين نفذوا الهجوم

الخليل –خاص

في عملية ضربت كل الإجراءات الصهيونية قامت مجموعة من المجاهدين بضرب قطعان المستوطنين الصهاينة مما أدى الى مقتل ثلاثة عشر صهيونيا و إصابة ثلاثين آخرين بجراح إصابة العديد منهم بالغة .

وقعت العملية الاستشهادية مساء أمس في حارة جابر بالقرب من الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل و هي المنطقة بين الحرم الإبراهيمي الشريف و مستوطنة كريات أربع صاحبة السمعة السيئة بين جميع المستوطنات الصهيونية المقامة في الوطن المحتل .

و استطاع المجاهدون الفلسطينيون خلال العملية نصب كمين لقطيع من المستوطنين كانوا متوجهين من مستوطنة كريات أربع المقامة على الأراضي الفلسطينية شرق المدينة الى الحرم الإبراهيمي لتدنيسه و القيام بعد ذلك كعادتهم بالهجوم على المواطنين الفلسطينيين مما أدى الى وقوع عدد كبير جدا من القتلى و الجرحى بين المستوطنين الصهاينة مما اضطر جيش الاحتلال نقل العدد الكبير من الجرحى بالطائرات العمودية لعدم قدرة سيارات الإسعاف التابعة لدولة الكيان بنقل هذا العدد الكبير من الجرحى الصهاينة .

و فور وقوع العملية جاءت قوات كبيرة من جيش الاحتلال لتقضي على المقاومين الفلسطينيين فكان في انتظارهم اشتباك مسلح كبير أدى الى مقتل عدد من الجنود و الضباط العسكريين الصهاينة بينهم القائد العسكري للخليل ادرون فاندك و هو برتبة عميد و إصابة عدد آخر .

و في وقت لاحق حاصرت قوات الاحتلال الصهيونية منفذي الهجوم البطولي في أحد المنازل في حارة جابر و هدمته على المقاومين الفلسطينيين وهم من ابطال حركة فتح مما أدى الى استشهاد ثلاثة مقاومين فلسطينيين خلال عملية هدم المنزل العائد للمواطن حمد جابر الإجراءات الأمنية المعقدة التي يتخذها الصهاينة كانت وبالا عليهم في هذه العملية فمنع التجول الذي كانت تفرضه قوات الاحتلال الصهيوني على البلدة القديمة و بضمنها منطقة الحرم الإبراهيمي الشريف أطلق يد المقاومين الفلسطينيين في إطلاق النار باتجاه المستوطنين الصهاينة لعدم وجود غير المستوطنين و جنود الاحتلال في الشوارع و خلو الشوارع من المواطنين الفلسطينيين بسبب منع التجول .

تجمع المستوطنين في جماعات كبيرة و ارتباكهم و حملهم للأسلحة لم يفدهم لكن أدى الى سقوط عدد كبير منهم في العملية و ذلك بسبب تجمعهم حول بعضهم و إطلاق النار من أسلحتهم بشكل عشوائي .

و تعتبر مستوطنة كريات أربع أشهر المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية بسبب إقامة أكثر المستوطنين الصهاينة تطرفا في هذه المستوطنة منذ إقامتها عام 1982 .

و قد خرج من هذه المستوطنة الإرهابي باروخ غولدشتاين منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف التي راح ضحيتها عشرات الشهداء في عام 1994.

و قد استذكر المواطنون الفلسطينيون بعد وقوع العملية عملية الدبويا التي وقعت عام 1980 ضد المستوطنين الصهاينة الذين كانوا قادمين الى المدينة من أجل العربدة فيها تحت حماية جيش الاحتلال و سقط خلال هذه العملية العشرات من المستوطنين الصهاينة.

ويأتي وقوع هذه العملية في شهر رمضان في ذكرى عزيزة على المسلمين و هي ذكرى فتح مكة في العاشر من رمضان .

من ملفات القطاع الغربي
عن البطولة والإدعاء: أسرار عملية الدبويا من أفواه أبطالها

مسلسل عملية الدبويا قادها رجال القطاع الغربي ابطال الكفاح المسلح من العاصفة

كالملائكة برجالها الشرفاء .. تغوص في السياسة ولا تتلوث .. تخترق النار دون أن تحترق .. او تخترق يتحول رجالها إلى مشاعل دون أن يقهروا.. سائرون على طريق العزة والحرية والكرامة

شتات : أربعة شبان اجتمعوا في أحد أيام آذار الباردة عام 1980 في كهف في جبال الخليل تستره الأدغال المتشابكة ،عندما يسدل الليل ظلامه وصمته المخيف يشق السكون نعيق البوم وعواء الذئاب وفحيح الأفاعي .

في ذلك اليوم كان الأربعة مجهولين ربما كان أحدهم مطلوبا لسلطات الأمن الإسرائيلية لكن اسمه لم يكن في رأس قائمة المطلوبين

بعد أشهر نفذ الأربعة إحدى العمليات الفدائية الجريئة في المناطق المحتلة إن لم تكن أجرئها وهي الهجوم على المستوطنين اليهود في الخليل

أعضاء الخلية الأربعة من ابطال القطاع الغربي الذراع الضارب للعاصفة في الارض المحتلة مزقوا ستار التستر حولهم في ليلة وضحاها وقفزوا على رأس قائمة المطاردين من قبل سلطات الأمن الصهيونية وبعد أن القي القبض عليهم في ظروف دراماتيكية مثيرة على ضفاف نهر الأردن شدت محاكمتهم وسائل الإعلام ليس في الكيان الصهيوني والدول العربية بل في العالم أجمع.

عملية الدبويا البطولية كما يرويها لأول قائدها وأحد أبطالها الحقيقيين والذي خرج عن صمت طويل، والسبب إدعاء شخص وهو سفير فلسطين في السعودية جمال الشوبكي حالياً بأنه هو البطل والقائد والموجه، في كل مكان يفاخر، فما كان للقائد الحقيقي إلا أن يخرج عن صمته، ويخص وكالة شهاب للأنباء بسرد قصة عملية الدبويا البطولية بكل تفاصيلها الدقيقة، على شكل حلقات، وبنشر مجموعة من الصور الخاص تنشر لأول مره على وكالة شهاب..
قائد عملية الدبويا ياسر زيادات يكشف تفاصيل العملية البطولية في الخليل

مقــــدمة

ونحن نقف أمام عملية ( الدبويا ) البطولية ضد الجنود والمستوطنين الصهاينة ، التي نفذها وخطط لها أربعة من أعتى رجال المقاومة الفلسطينية يوم الجمعة الثاني من أيار ( مايو ) 1980م ، لا نملك إلا أن نحني هاماتنا أجلالا لأولئك النفر ، الذين ترجموا صدق إيمانهم بقضيتهم إلى عمل ، غير مبالين بالنتائج ، فالشهادة عندهم ، خطوة أولى على طريق الحياة .

لم يكن الأبطال الأربعة ، قتلة ، رؤية الدم تضفي عليهم إحساسا بالمتعة والرضا ، بل كانوا ذوي أحاسيس مرهفة ، تنكر الغلاة المحتلون الصهاينة لحقوق شعبهم الفلسطيني ، فلم يجدوا غير السلاح أسلوبا ، لاستردادها ، أليست هي اللغة الوحيدة التي أثار الصهاينة الغزاة ، أن يطرحوها في ميدان التفاهم ؟

لم تنفذ العملية ضد مواطنين يهود آمنين ، خرجوا لتوهم من الصلاة ، كما صورهم الرأي العام الإسرائيلي آنذاك ، بل ضد جنود مستوطنين ، هم الأكثر عنصرية والأشد بطشا ، أعمى الحقد قلوبهم ، فأوسعوا أهل البلاد تنكيلا ، بعد أن سلبوهم أرضهم ، فجاءت هذه العملية لتثبت لهم ، أن لهذه الأرض شعبا لن يستكين .

عملية الدبويا ، واحدة من العمليات التي اعترف العدو لأبطالها ، ليس بدقة التخطيط والتنفيذ فحسب ، بل بالخبرة والمهارة في تحضير القنابل التي استخدموها.

ويقف الأبطال الأربعة، في قفص الاتهام في المحكمة الإسرائيلية ، ينظرون إلى جلاديهم بازدراء ، فهم لا ينتظرون منهم رحمة ، يؤثرون الصمت الطويل ، ولما تكلموا ، اسمعوا العالم قضيتهم ، قضية شعبهم ، ليلقنوا القضاة والحضور ، والعالم أجمع درسا في السياسة ، دون أن يضعوا في حسابهم ، أي حكم يصدر ضدهم … فكان ” المؤبد “… لقد أثبت الأبطال الأربعة ، أنهم مخططون ومنفذون بارعون ، خبراء سلاح ،إلى جانب أنهم دهاقنة سياسة .

لقد كانت عملية ” الدبويا ” ضربة موجعة لحكام إسرائيل ، ترنحوا تحت تأثيرها ، لا يدرون ماذا يفعلون ، ولا كيف يتصرفون ، فراحوا يهمون البيوت ، ويقتلون ويعتقلون .

وكانت الذروة ، أن صبوا جام غضبهم ، على ثلاثة من زعماء منطقة الخليل ، فهد القواسمي رئيس بلدية الخليل ، محمد ملحم رئيس بلدية حلحول ، والشيخ رجب بيوض التميمي قاضي الخليل الشرعي ، فحملوهم على طائرة ، لينقلوهم بعيدا عن الأرض والوطن ، ظانين أن المسيرة ستتوقف … ولكن قد خاب ظنهم …

في الصفحات التالية يكشف القائد ياسر حسين زيادات تفاصيل العملية الجريئة ضد الجنود والمستوطنين الصهاينة والتي أثارت الرعب في الكيان الإسرائيلي .
عملية الدبويا

في ليلة الجمعة الثاني من أيار ( مايو ) 1980م قطع فجأة راديو وتلفزيون إسرائيل برامجهما ليعلنا بصورة دراماتيكية نبأ وقوع هجوم مسلح بالقنابل والأسلحة الرشاشة على المستوطنين اليهود في مدينة الخليل ووقوع الكثير من القتلى والجرحى .

في تلك الأثناء ، كانت قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي تتدفق إلى مدينة الخليل بكامل عدتها العسكرية .

قام قسم منها بتطويق المدينة وإغلاق مشارفها ، وقام قسم آخر بفرض منع التجول على المدينة والذي استمر ثلاثة أسابيع متتالية من البطش والتنكيل بالسكان الأمنين .

وانشغلت قوات أخرى بإسعاف الجرحى ومن ثم نقل الجرحى بالطائرات إلى المستشفيات الكبيرة في الكيان الإسرائيلي التي وضعت في حالة الطوارئ .

وهرع إلى المدينة قادة الجيش الإسرائيلي والقائد العسكري للضفة الغربية بنيامين بن اليعازر ووزير الدفاع الإسرائيلي عيزرا وايزمن للوقوف عن كثب على ما حصل واتخاذ ردود الفعل فكان أحمقها في تلك الليلة إبعاد السادة فهد القواسمة رئيس بلدية الخليل ومحمد ملحم رئيس بلدية حلحول والقاضي رجب بيوض التميمي قاضي مدينة الخليل الشرعي و طردهم من البلاد إلى ما وراء الحدود بتهمة التحريض .

وبدت مدينة الخليل طوال الليل كخلية نحل عاملة في النهار .

وبين ضجيج الطائرات وأزير الرصاص وولولة صفارات الإنذار وبينما كان رئيسا البلديتين والقاضي الشرعي على متن طائرة هيلوكبتر صهيونية في طريقهم إلى المجهول لإبعادهم عن وطنهم كانت مجموعة من الفدائيين العرب منسحبة في طريقها إلى معقلها في جبال الخليل بعد أن نفذت حسب وصف الدوائر العسكرية الإسرائيلية أكبر وأخطر وأدق عملية عسكرية في الضفة الغربية والتي عرفت فيما بعد بعملية الدبويا ( بيت هداسا ) .

الدبويا ـــ بيت هداسا

( كريات أربع ) مستوطنة يهودية تعداد سكانها أربعة آلاف نسمة أقيمت في أوائل السبعينيات من القرن الماضي على أراض عربية إلى جانب مدينة الخليل العربية التي يقطنها أكثر من خمسين ألف عربي . ترابط حولها قوات الجيش الإسرائيلي وتحرس مداخلها .

ومن المعروف أن قسما من سكان المستوطنة وهم الفئة المسيطرة هناك من غلاة العنصريين المتعصبين قوميا ودينيا أعضاء حركة ( غوش أمونيم ــ عصبة المبايعين ) ومن على شاكلتهم تنصب عليهم أموال طائلة لأغراض الاستيطان الكولونيالية . يعتبرون أنفسهم طلائع جيش الاستيطان لفرض السيادة اليهودية على الأراضي العربية ، أقاموا لهم جيشا خاصا بهم ولهم امتيازات دفاع كاملة وبدون مراقبة . هم فوق القانون وينفذون قانونهم بأيديهم على المواطنين العرب ، يتجولون في أسواق الخليل بغطرسة الأسياد مدججين بالسلاح يقومون بأعمال العنف ضد العرب وممتلكاتهم ويطلقون النار عليهم متى شاءوا فهم متعصبون عنصريون يقومون بإرهاب يهودي ضد العرب تحت حماية الحكومة الإسرائيلية .

ألا أن جشع الاستيطان وغطرسة العنصريين في تحدي مشاعر العرب وحقوقهم دفعهم للاستيطان حتى في قلب مدينة الخليل . ففي إحدى ليالي صيف عام 1977م قام عنصريون من مستوطني ( كريات أربع ) باحتلال بناية عرفت باسم ( الدبويا ) في قلب مدينة الخليل ونقلوا إليها مجموعة من نسائهم وأطفالهم حيث تمركزوا بصورة غير شرعية تحت سمع وبصر سلطات الاحتلال الصهيوني التي لم تعمل على إخلائهم بل وفرت لهم الحراسة والأمن .

وكانت المؤسسة العسكرية في إسرائيل قد ابتكرت أسلوبا لتجنيد الشباب اليهودي المتدين المتعصب حيث يستمر الجندي بعد تدريبه العسكري في ممارسة الدراسات الدينية ضمن خلوات دينية أثناء خدمته العسكرية ، خلوة كهذه أسست في مستوطنة ( كريات أربع ) أعضاؤها أفراد في الجيش النظامي كامل العدة والعتاد وهم يكونون جزءا من إطار الدفاع عن المنطقة وعند وقوع حدث ما ينتظمون في المواقع القتالية للجيش الإسرائيلي في المنطقة .

وقد اعتاد هؤلاء مساء كل يوم جمعة على الخروج مدججين بالسلاح في مسيرة أناشيد وأهازيج من مستوطنة ( كريات أربع ) مارين بالحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل إلى بناية الدبويا لمؤازرة النساء المستوطنات هناك في قلب الخليل إلى أن هاجمتهم في طريقهم مجموعة من الفدائيين العرب في العملية العسكرية التي عرفت فيما بعد بعملية الدبويا

نكمل في الأجزاء الباقية أسماء منفذي العملية وعمل كل شخص فيهم وطريقة العملية والتسلل .
الجزء الأول

في معاقل جبال الخليل

أربعة شبان أبطال ، اجتمعوا في أحد أيام اذار ” مارس ” الباردة عام 1980م في كهف في جبال الخليل تستره الأدغال المتشابكة . عندما يسدل عليه الليل ظلامه وصمته المخيف يشق السكون نعيق البوم وعواء الذئاب وفحيح الأفاعي .

في ذلك اليوم كان الأربعة مجهولين ، ربما كان أحدهم مطلوبا لسلطات الأمن الإسرائيلية لكن اسمه لم يكن في رأس قائمة المطلوبين ، بعد أشهر معدودة نفذ الأربعة إحدى العمليات الفدائية الجريئة في الأراضي المحتلة إن لم تكن أجرأها وهي الهجوم على المستوطنين اليهود في الخليل . أعضاء الخلية الأربعة مزقوا ستار التستر حولهم وفي ليلة وضحاها قفزوا على رأس قائمة المطاردين من قبل سلطات الأمن الإسرائيلية وبعد أن ألقي القبض عليهم في ظروف دراماتيكية مثيرة على ضفاف نهر الأردن شهدت محاكمتهم وسائل الإعلام ليس في إسرائيل والدول العربية فقط بل والعالم أجمع .

من هم أفراد تلك المجموعة ( مجموعة الدبويا ) ؟؟ كيف اجتمعوا سوية في الكهف في جبل الخليل ؟ كيف نفذوا تلك العملية التي أذهلت إسرائيل وتركت أثرا لمدى بعيد في الضفة الغربية ؟.

عدنان جابر محمود جابر

( الاسم الحركي ” عدنان ” )

كأن عدنان ولد مع القدر ، قدر شعبه الفلسطيني ، لم يواكب أحداثه فقط بل عاشها : تاريخان كان لهما عميق الأثر في حياة عدنان وعلى التاريخ الفلسطيني المعاصر . عام 1948م عام النكبة الأولى للفلسطينيين حيث ولد عدنان في قرية تياسير قضاء جنين بين جموع المشردين من وطنهم ، وعام 1967م عندما احتلت إسرائيل البقية الباقية من فلسطين واقتلع عدنان من قريته ونزح إلى مدينة الزرقاء في الأردن غدا وكأنه يأبى عار الاحتلال وذله .

ومرت السنون وتدفقت مياه كثيرة في نهر الأردن قبل أن يلقى على ضفافه القبض على عدنان ولولا سوء الحظ والقدر لكان لعدنان مستقبل زاهر ومرموق كما تنبأ له الكثيرون من زملائه في حركة التحرير الوطني الفلسطيني ” فتح “التي انضم إلى صفوفها . ففي عام 1969م عندما كان عدنان يجلس في زاوية هادئة في مقهى صغير في الزرقاء حيث وقعت عينا رجل فتح راسم داود حمدان المتفرسة على وجه عدنان وقرأت في عينيه كل ما كان يدور في خاطره ولم تخب فراسته .

أمضى ( عدنان ) السنة الأولى في دورات للإرشاد السياسي والمشاركة في الاجتماعات واللقاءات السياسية لحركة فتح ، ولم ينخرط في الأعمال العسكرية إلا بعد أحداث ( أيلول ) في الأردن عام 1970م ،وكان على عدنان أن يختار أما الانتقال إلى جبال جرش شمال الأردن أو إلى سوريا فاختار الأخيرة .

في سوريا التحق ( عدنان ) بوحدة قطعة الجولان ، في معسكر تل الأشهب بالقرب من درعا وهنا بدأ تدريبه العسكري الشامل والمنتظم ، وهناك حمل هو وزملاؤه البندقية الروسية المتطورة التي تمثل ( الحل العسكري ) للثورة الفلسطينية ــ الكلاشنكوف .

بعد التدريب في معسكر ( تل الأشهب ) صار ( عدنان ) ورفاقه جنوداً محترفين في صفوف القطاع الغربي لفتح ــ انتقل بعدها إلى معسكر بالقرب من السويداء عاصمة جبل الدروز وعاد بعض رفاقه إلى الأردن .

ثم نقل ( عدنان ) إلى لبنان وهناك التحمت حياته مرة أخرى مع تاريخ شعبه الحزين ، ففي عام 1976م حلت نكبة جديدة بالشعب الفلسطيني حيث دارت معارك دامية مع الجيش السوري ووقعت مذبحة تل الزعتر ــ مخيم اللاجئين الكبير ــ الذي أقيم لسوء الحظ بالقرب من القطاع الشرقي لبيروت معقل الكتائب .

يقول ( عدنان ) :

في عام 1975م عملت في قوات للحماية وفي نهاية هذا العام انتقلنا إلى منطقة عاليه لصد القوات اللبنانية عن احتلال المنطقة . في عاليه دارت معارك طاحنة ودامية بين قوات منظمة التحرير والقوات السورية واللبنانية وشاركت في هذه الحرب حتى نهاية عام 1978م وبعد خمود المعارك عدت إلى صفوف قوات الحماية .

إلا أن تواجد عدنان في لبنان لم يكن متواصلا خلال خدمته العسكرية في بلاد الأرز وقع حدثان متشابكان كان لهما بعيد الأثر في تقدمه في مراتب القيادة العسكرية للثورة الفلسطينية ومن ثم انتدابه في آذار ” مارس ” 1980م لتنفيذ عملية الدبويا . القائد الرمز خليل الوزير( أبو جهاد ) قائد القوات العسكرية في منظمة التحرير الفلسطينية وقائد القطاع الغربي بحركة فتح العاصفة أبدى إعجابه بالمقاتل الفلسطيني المخلص ، وفي عام 1974م أرسل ( عدنان ) لإكمال تدريبه العسكري في الإتحاد السوفيتي وكان من بين القلائل من أعضاء فتح الذين حظوا بتقدير عال كهذا للتدريب في الدولة السوفيتية .

يقول عدنان :

بتاريخ 14 / 3 / 1974م اعتليت مع عشرين رفيقاً متن طائرة روسية من مطار دمشق أقلعت بنا إلى موسكو بعد توقف قصير في قبرص وصرفت وقت الرحلة الجوية في التعارف على رفاقي في الطائرة وهم ينتمون إلى قطاعات مختلفة من قوات المقاومة الفلسطينية . وبعد ساعات حطت بنا الطائرة في مطار موسكو ،نقلنا على الفور إلى معسكر ( سحودينا ) بعد سفر نصف ساعة بالسيارة بين غابات شاهقة وثلوج لا نهائية .

وعند وصولنا كان في استقبالنا قائد المعسكر ( انطولي فاسلوفتش ) الذي عرفنا على مدربينا فهم ايفان مرشد للعمليات التكتيكية ، الكسندر للرياضة والاتصال ، أناتولي للسياسة والتحريض على العصيان والتمرد ، ومرشد آخر للطبوغرافيا . اناتولي والكسندر كانا مترجمين للغة العربية لأن التدريبات كانت باللغة الروسية . واستمرت الدورة ستة أشهر من التدريب في ظروف في حياة اسبارطية .

في معسكر التدريب بالقرب من موسكو أكمل ( عدنان ) ما فاته من معسكر تدريب منظمة التحرير في ( تل الأشهب ) وخاصة تحضير العبوات الناسفة .

الخبرة العسكرية التي اكتسبها من الإتحاد السوفيتي كان لها دور فعال وهام في أوج خدماته في منظمة التحرير الفلسطينية ــ أي عملية الدبويا في مايو ــ ايار 1980م.

بعد الإجازة السوفيتية عاد ( عدنان ) إلى لبنان ضابطاً في صفوف مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية .

وبناء على توجيه مباشر من قائد الجناح العسكري للعاصفة والقطاع الغربي ( أبو جهاد ) نفسه نقل (عدنان) إلى معسكر للتدريب في الدامور لتدريب وإرشاد مقاتلين ومتطوعين جدد في صفوف منظمة التحرير .

وبعد تخريج فصائل كثيرة من المقاتلين أعدوا لمهامهم على يد الضابط ( عدنان ) أوكلت له في عام 1978م مهمة جديدة كانت بمثابة ترقية أخرى في حياته العسكرية ، حيث عين عضواً في ( لجنة التنظيم ) في بيروت وهناك في مكاتب لجنة التنظيم بدأ التخطيط للدخول إلى الضفة الغربية وهناك أيضاً التقى وتعرف على رفيقه ياسر زيادات الذي كان من المقرر أن يعبر معه نهر الأردن في طريقهما إلى ( عملية الدبويا ) .

ياسر حسين محمد زيادات( الاسم الحركي ” عزيز ” )

” عدنان وعزيز ” اللذان جمعهما القدر في مكتب ( لجنة التنظيم بالقطاع الغربي ) في بيروت كانا يختلفان الواحد منهما عن الآخر في شخصيتهما وتطورهما في العاصفة عدنان كان لاجئا لم يقتلع من بلدته تياسير في الضفة الغربية فقط بل أنه رضع شعور التشرد ومأساته مع حليب أمه لأنه شرد مع عائلته من مسقط راسه عام 1948م ، عدنان صعد وارتقى مع الزمن إلى مناصب في منظمة التحرير الفلسطينية خارج حدود فلسطين وواكبت حياته في حركة ” فتح ” نكبات الفلسطينيين .

ياسر زيادات ( عزيز ) رفيقه والأصغر منه سناً كان كالشجرة المغروسة لا هو ولا عائلته تأرجحوا من العواصف التي حلت بالشعب الفلسطيني وكأنها تخطت بلدته بني نعيم في جبل الخليل ، وبما أنه لم يواكب تشريد الفلسطينيين ولم تعان منها عائلته فإن دافع انضمامه لحركة فتح كانت قومية دينية فكان مقربا فكريا إلى ( الإخوان المسلمين ) وعندما كان يطلب منه في عملياته العسكرية اختيار كلمات السر اعتاد أن يختارها من آيات القرآن أو الشعارات الدينية .

انخرط ( عزيز ) في صفوف الثورة الفلسطينية وهو حدث .

في المراحل الأولى اقتصر نشاطه على تقديم خدمات للفدائيين المطاردين العاملين في المنطقة ، فزودهم بالمؤن وأطلعهم على ما يدور في المنطقة ، وحذرهم من سلطات الأمن وأبلغهم عن تحركات الدوريات العسكرية ويحكي أنه عندما كان يقع عمل فدائي في المنطقة كان يقف على ناصية الشارع ويشير لسلطات الأمن إلى الاتجاه المعاكس لانسحاب الفدائيين . في عام 1973م داهمت قوات الأمن الصهيونية بيت والده واعتقلت ياسر للتحقيق الذي لم يعد منه إلى بيته حيث اعترف وأدين في المحكمة العسكرية بتقديم خدمات لمنظمة غير مشروعة فحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة ستة أشهر ، فكان له السجن بمثابة مدرسة ممتازة .

ومن المعروف أن مقاتلي الثورة الفلسطينية منظمون في السجن بتنظيم داخلي حسب منظماتهم ورتبهم ونشاطاتهم لهم قادة خاصون بهم وأوامر داخلية وحتى محاكم داخلية .

وبين جدران السجون المختلفة توجد دورات عسكرية ــ وإن كانت نظرية ــ محاضرات في مبادئ الثورة وتاريخ القضية الفلسطينية ومستقبلها .

وخرج ياسر من السجن كغيره مزودا بطاقة تثقيفية للمستقبل ، خرج أكثر إيمانا بمبادئه وإصرارا وعنادا لعمله وأقسم أن يضحي بحياته من أجل القضية الفلسطينية .

بعد خروجه من السجن ( استراح ) مدة قصيرة لإبعاد الشبهات عن نفسه قضاها في حلم عن الثورة الفلسطينية أمله ومناه يريد تحقيقها بكل جوانحه ، وبعد أشهر مثل في مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت ووضع نفسه في خدمة رفاقه المقاتلين من حركة فتح ثم نقل إلى معسكر تدريب وكان رفاقه ينظرون إلى ياسر الشاب من جبل الخليل وهو يتدرب بجد واجتهاد في معسكر التدريب والجميع يتنبأ به بمستقبل عظيم.

ثم عاد إلى الضفة الغربية وبدأ بتجنيد خلية مسلحة لتنفيذ المهام التي كلف بها .

وفي إحدى الليالي داهمت قوات الأمن الإسرائيلية بيت والده إلا أن ياسر لم يكن في البيت ولم يعد إليه بعدها ، لقد اختفى عن مطارديه ودخل اسمه لأول مرة قائمة المطاردين .

ياسر الشاب الثائر بنار إيمانه انضم إلى خلية عاملة في المنطقة بقي يعمل معها عامين كاملين في جبال الخليل .

( عزيز ) المطارد تأقلم بسرعة وبسهولة مع ظروف حياة حرب العصابات السرية ولم ينجح فقط هو ورفاقه المطاردون بالتستر والتخفي دون أن ينكشف بل أنه أقام علاقات مع مطاردين آخرين وقدم المساعدات لخلايا أخرى من حركة فتح كانت تعمل في جبل الخليل .

كان ( عزيز ) يحصل على المؤن من شباب جندهم في المنطقة ولما اعتقلوا جند آخرين واعتاد أن يخرج من المغارة التي عاش فيها ويزور رفاقه للضيافة في بيوتهم .

وفي أواخر عام 1975م نجحت خلية من حركة فتح بعبور البحر الميت قادمة من لبنان عن طريق الأردن .

يقول عزيز : ” كانوا خمسة شبان اتصلوا بنا لتنفيذ عمليات عسكرية وجاءوا مدججين بالسلاح مع كل منهم كلاشنكوف وأربعة صواريخ كاتيوشا وثمانية صواريخ ناسفة .

كمية كبيرة من الديناميت والقنابل والصواعق وذخيرة كافية لبنادق الكلاشنكوف ، بعدها خرجت مع رفيقين ومعنا صاروخان صوبناهما في اتجاه مستوطنة كريات أربع وعينا موعد الانفجار للساعة الرابعة صباحا وانسحبنا في اتجاه حلحول بعدها سمعنا أن صاروخا منهما قد أصاب مستوطنة كريات أربع وأخر وقع في يد سلطات الجيش الإسرائيلي لأنه لم ينفجر “.

كانت هذه المهمة التي أوكلت لـ ( عزيز ) أما أفراد الخلية التي عبرت الحدود من البحر الميت فقد عملت الكثير أطلقت الصواريخ على القدس وعلى مستوطنات في غوش عتصيون قرب الخليل وأطلق النار على سيارات عسكرية وعلى باص لنقل الركاب . هذه العمليات أثارت غيرة ياسر الذي سئم الحياة في المغارة فرافق أفراد الخلية التي عبرت نهر الأردن عائدة إلى عمان ومن عمان سافر إلى بيروت إلى مكتب إبراهيم عبد العزيز بريغيث (أبو صفوت ) من بيت أمر المسؤول عن لجنة الخليل وجبالها في حركة فتح القطاع الغربي والذي أغتيل من قبل الموساد الإسرائيلي في 15/12 /1979م في نيقوسيا بقبرص .

يقول ياسر:

” تحدثا عن حركة فتح وعن عمليات الواجب تنفيذها ، ولأني جندي في هذه الحركة ومقاتل في صفوف الثورة الفلسطينية ، مكثت هناك حوالي ستة أشهر تدربت أثناءها مع أفراد الخلية التي كانت معي في الضفة الغربية تدريبات قاسية وشاملة على مختلف الأسلحة والمواد المتفجرة ، بعدها التحقت بمعسكر ( فرقة الجرمق ) لإكمال التدريب على مختلف الأسلحة وتحضير العبوات الناسفة في ظروف حرب العصابات وتركيب أجهزة توقيت لها “.

امتاز ياسر في التدريب ونال إعجاب قادته فعين مدربا في معسكر الدامور وهناك التقى وتعرف على مدرب آخر ، عدنان جابر قائده الذي قاد الخلية التي نفذت عملية الدبويا .

تيسير محمود طه أبو سنينه

( الاسم الحركي “ماهر ” )

لتجنيد ( ماهر ) كانت أهمية خاصة ــ فهو الذي اختار بناية الدبويا ، للهجوم عليها . الأمر الصادر من بيروت بضرب المستوطنين ، كان عاما .

شاب من الخليل فقط كان بإمكانه أن يحدد بدقة هذه العملية ويختار الوقت المناسب والأكثر ملائمة للهجوم و( ماهر ) كان الشاب الخليلي .

( ماهر ) مسلم متعصب وكان عضوا في حركة ( الأخوان المسلمين ) عندما عرضوا عليه التجنيد لحركة فتح تردد .

يقول ماهر :

( في بداية شهر رمضان عام 1978م سافرت إلى سوريا لتسجيل أخي يسري في جامعة دمشق وهناك توجه إلي طالب يدعى ( عمر ) عضو ( لجنة الطلاب الفلسطينيين ) ولما سمع أنني من الخليل عرض علي التجنيد لحركة فتح لكني تجادلت معه ، حول موقف المنظمة من الإسلام لأن فهمي للإسلام يختلف عن فهم حركة فتح ) .

ورغم هذا اقتنع ( ماهر ) أخيرا بالتجنيد وفي مكتب فتح أوكلوا إليه المهمة الأولى يقول ( ماهر ) :

( طلبوا منا العودة إلى الضفة الغربية وهناك في مفترق طريق الخليل ومستوطنة كريات أربع أجد مخبأ سلاح انقل قطعا منه إلى مخبأ بالقرب من مدرسة الحسين في الخليل واحتفظ بالقسم الآخر إلى حين تلقي أوامر جديدة ) .

مهمته الثانية ، وكانت الهامة في نشاطه في حركة فتح ــ إيجاد مخبأ لخلية الدبويا .

يحكي ( ماهر ) : ( في شهر رمضان 1979م قابلت ( قاسم ) في مكتب المنظمة فأمرني بأن أجد مغارة مستورة وملائمة لمقاتلون سيقيمون اتصالا معي ).

قام ( ماهر ) بالمهمة فوجد مغارة ملائمة وجهزها كما يجب .

ولما تم الاتصال بينه وبين ( جميل ) صاحب ( عدنان ) و ( ياسر ) إلى المغارة التي جهزها وسلمهما 500 دينار التي أودعها ( قاسم ) في يديه في عمان .

الآن بعد أن تم ضم ( ماهر ) إلى الخلية بقي التفتيش عن الأخير في قائمة الخلية : محمد عبد الرحمن صالح الشوبكي ( مجاهد ) رجل أذنا .

( ماهر ) هو الذي أقام الاتصال مع آخر أفراد ( خلية الدبويا ) .

يقول ( ماهر ) : ( أمرني ( قاسم ) أن أقيم الاتصال مع شخص ملقب ” حمدان ” بالقرب من محطة الباصات في الخليل ، وبالقرب من مكتب المعارف . ولتشخيصه كان يحمل مصحفا ، وعندما اقترب منه خاطبه بكلمة السر . كان هذا في شهر شباط ” فبراير “1980م . وفعلا التقيت معه وطلبت منه أن يوصلني مع ” مجاهد ” واتفقنا على اللقاء بعد أسبوع حيث جاء هو و ” مجاهد ” فاصطحبت ” مجاهد ” إلى المغارة للقاء عدنان وياسر ) .

محمد عبد الرحمن صالح الشوبكي( الاسم الحركي ” مجاهد ” )

حينما كان ( جميل ) و ( ماهر ) مجندين حديثين في حركة فتح كان ( مجاهد ) قد أذعر وأرعب الجمهور في إسرائيل في عملياته العسكرية . مقتل الزوجين الشابين الإسرائيليين “براق ” اللذين خرجا لتجول في غابات بيت جبرين بالقرب من الخليل كانت من فعل ( مجاهد ) .

يقول ( مجاهد ) :

( كان بحوزتي في البيت بندقية صيد بدون ترخيص ملك ، والتي اعتدت أن أخرج بها للصيد في غابات بيت جبرين ، وفي أحد أيام شباط ” فبراير ” الباردة عام 1979م بينما كنت جالسا تحت شجرة خروب في الغابة شاهدت سيارة خاصة صغيرة تقف عند سفح الجبل على طريق ترابية ومن داخلها نزل رجل وامرأة ، كان الرجل ذا ذقن طويلة ولما رأيتهما يعتريان سفح الجبل تواريت عنهما كي لا يبصراني وبحوزتي سلاح ، وتجولت في الطرف الآخر للغابة وفجأة رأيتهما واقفين أمامي للصيد ، فأطلقت رصاصة على كل منهما ، الأولى على الرجل ، والثانية على المرأة ولما سقطا على الأرض أخذت أمتعتهما وهربت ) .

سهولة الضغط على الزناد ، تعلمها محمد الشوبكي في بيت والده .

أما غابات بيت جبرين ، التي قتل فيها الزوجين الإسرائيليين “براق ” فكانت مسرح عمليات الأب عبد الرحمن الشوبكي الذي طرد هو وعائلته من قريته بيت جبرين و ( مجاهد ) طفل صغير ، ففي أيام ما بعد حرب 1948م ، كان الشوبكي الأب ــ يتفاخر أمام ابنه الصغير بعملياته ضد اليهود في منطقة بيت جبرين .

وفي عام 1956م قتل الشوبكي الأب جنديا إسرائيليا وغنم سلاحه ، ثم نصب كمينا ، وقع فيه إسرائيليان فقتلهما و في نفس العام أطلق النار على جندي إسرائيلي فقتله وغنم سيارة الجيب التي كانت يركبها وقادها إلى الأردن .

وصار بيت الشوبكي مستودعا للسلاح الذي غنمه في عملياته الفردية الخاصة وبعد احتلال الضفة الغربية عام 1967م ، داهمت سلطات الأمن الإسرائيلية بيت عائلة الشوبكي في قرية أذنا لجباية الحساب ، وكانت القائمة طويلة إلى أنها فشلت في الاستيلاء على مجموعة الأسلحة التي كانت مدفونة عميقا في قلب الأرضي كما ( فشلت ) أيضا في زج الشوبكي الأب في غياهب السجون مدى حياته لأنه كان مشلولا وبعد التحقيق أطلق سراحه .

الشوبكي الأب ترك عميق الأثر في نفس ولده محمد .

وفي عام 1968م ولم تمضي سنة على احتلال إسرائيل للضفة الغربية ، تجند محمد الشوبكي لحركة فتح .

ولم تخب فراسة مجندية في حركة فتح ، فأطلقوا عليه الاسم الحركي ( وحش ) .

حتى عام 1979م سجل ( وحش ) لصالحه عمليات كثيرة أثناء خدمته في حركة فتح ، وكمثل والده تجمع بحوزته مجموعة كبيرة من السلاح يتباهى بها .

يقول محمد الشوبكي :

( كان بحوزتنا في البيت بندقيتان ورشاش ( بورت سعيد ) وبندقية صيد ذات بوصيتين ) .

وزادت حركة فتح على مجموعة السلاح الموجودة فسلحت محمد الشوبكي الذي غير كنيته في هذه الأثناء من ( وحش ) إلى ( مجاهد ) فزودته ببندقيتين إضافيتين ، قنابل يدوية ، مدفع رشاش ( برن ) ورشاش ( سميونوف ) ومسدس طويل البوصة . ببندقية الصيد قتل ( مجاهد ) الزوجين ” براق ” أما البندقيتان والمدفع والرشاش والقنابل اليدوية ورشاش (سميونوف) فقد وضعها بين يدي الخلية لتنفيذ عملية الدبويا .

الخروج من العرين:

بعد الانتهاء من العملية عاش عدنان وياسر في المغارة حوالي الشهر والنصف،بعدها تم نقلهما إلى مغارة قريبة من قرية “بني نعيم”. عاش عدنان وياسر في فراغ لم يتعودا عليه، فصار الفراغ ملل وقاتل بالنسبة لهما فقررا أن يعودا إلى الأردن ، وفي ذات مرة جاء(جميل وماهر) لزيارة (عدنان وياسر) فطلبا من جميل أن يعمل الترتيبات الخاصة لنقلهما فقال لهما أن الخروج صعب هذه الأيام، ولضمان أمنهما عادا إلى مغارة ماهر وبقيا فيها ثلاثة أسابيع .

سافر أبو فيصل بناء على طلب جميل إلى عمان إلى مكتب حركة فتح ليبلغهم بان العملية تمت بسلام وأنجزت بالكامل وان (عدنان وياسر) يريدان العودة إلى عمان، فابلغه مسؤول المكتب “أبو حسن” أن يبقوا في موقعهما إلى أن يتم الإعداد لذلك .عند عودة أبو فيصل إلى الضفة ثانية ابلغ جميل الرد من مكتب فتح فاخذ جميل الامر على عاتقه وقال بأنه سيعمل مايراه مناسبا .

بدأ جميل العمل على تنفيذ خطة لإخراج (عدنان وياسر) من عرينهما إلي عمان عن طريق نهر الأردن، ذهب إلى لؤي في دكانه في نابلس واخبره وذهب إلى ماهر في الخليل واخبره أيضا، تم نقل (عدنان وياسر) من مغارتهما في جبال الخليل إلى قرية تياسير، بعد ذلك ذهب ماهر إلى جميل في مكتبه في الخليل وابلغه أن يقابل (عدنان وياسر) في المغارة في تياسير ويبلغهما بان يستعدا ويجهزا نفسيهما، وابلغه بموعد اللقاء في مقبرة الخليل استعدادا للخروج إلى الضفة الشرقية، ترك عدنان وياسر اسلاحتهما والمواد المتفجرة في المغارة لتبقى لرفاقهما مقاتلي الثورة لاستعمالها في العمليات الفدائية فيما بعد وأخذا معهما قنبلتين للاحتياط .

وصل جميل إلى المقبرة بسيارته في الموعد حيث كان يتواجد(عدنان وياسر) ومعهما ماهر دخلا السيارة وسارا باتجاه قرية تياسير قضاء جنين ولم تعترضهم أي مشكله في الطريق، وصلوا مشارف تياسير بسلام نزلوا من سيارة جميل، كان لؤي في انتظارهما اتجهوا إلى المغارة التي يقيم فيها جميل،مكثوا فيها إلى أن يجري جميل اتصالاته مع أبا فيصل لترتيب نقلهما إلى ضفة نهر الأردن . حددوا يوم الجمعة 12/9/1980م الساعة الثانية بعد الظهر موعدا للخروج، ومن قرية تياسير إلى مفترق طوباس هناك تعانق جميل مع(عدنان وياسر) ثم عاد إلى منزلة، وصلوا بيت أبا فيصل حيث انتظروا فيه حتى الساعة السادسة والنصف مساء وبعد أن تناولوا وجبة العشاء ودعهما أبو فيصل ثم خرجا، ساروا في اتجاه ضفة النهر، سار(عدنان وياسر) في طريقهما نحو النهر للعبور نحو الضفة الشرقية ،هذه الطريق المحفوفة بالمخاطر. بعد أن وصل (عدنان وياسر )ضفاف النهر بدأوا بالبحث عن مكان يقطعان من خلاله النهر يكون أمنا ، منسوب مياه النهر كان في ذلك الوقت في ادني مستوياته إلا أنهما بقيا فترة وهما يتجولان على ضفاف النهر ما أتاح للصهاينة اكتشاف أثارهما وتتبعهما .

الشرك

ضابط العمليات المناوب في القاعدة العسكرية في غور الأردن جلس في مكتبه سابحا في تأملاته في عيد راس السنة العبرية، أرخى الليل سدوله وأضفى الهدوء سكينة على نفسه ،فهام ببصرة بين النجوم باحثا عن طالعة في العام المقبل الجديد ، وسبح في تأملاتة وتخذرت حواسه بنشوة امالة واحلامة ،وإذا بصرخة على جهاز اللاسلكي تشق السكون الحاصل وتهز “الميجر” هزة جذبت حواسة السابحة في عالم الخيال وأعادتها إلى مواقع اليقظة والحذر.

الساعة السابعة مساء وصل من غرفة العمليات إشارة باللاسلكي من الدورية المنتشرة في المنطقة مفادها انه تم العثور على آثار أقدام لشخصين بالقرب من مستوطنة” ارغمان” تسير هذه الأقدام نحو الشرق وان الدورية التي كانت متواجدة فتحت النيران في الاتجاه ذاته.

خرج الميجر في دورية إلي المكان وهناك وجد آثار أقدام تسير باتجاه النهر ، فتحت الدورية النار في الاتجاه حسب سير اثر الأقدام ، ترافق ذلك مع التقدم نحو النهر ، ولما وصلت الدورية إلى ارض ممشطة قريبة لحافة النهر ،رأى أفراد الدورية اثر الأقدام اتجهت يسارا ثم يمينا حيث كان الأبطال يحاولون البحث عن ممر امن ونقطة سهلة لعبور النهر ، ولكن على ما يبدو أن قدر الأخوة الأبطال لم يسعفهم في قطع مياه النهر . تابع قصاصي الأثر سيرهما باتجاه الأثر، وقام “الميجر” بإطلاق قنبلة إنارة كشف نورها المنطقة فإذا به يكشف الإخوة الأبطال وهما يستتران في فجوة أرضية مجوفة ، صوب الميجر الصهيوني النار باتجاههم ، ثم تقدم مع أفراد دوريته باتجاههم وألقى القبض عليهما ،وقام بإجراء تفتيش دقيق لهما في محاولة للبحث عن سلاح بحوزتهما، سال الميجر الأبطال إن كان لديهما أي مستندات أو أي محتويات أخرى فأجابا أنهم لا يحملان . تم تقيد الأبطال ومن ثم اقتيادهما إلى المعتقل . بعد إلقاء القبض على(عدنان وياسر) كان معظم أفراد الخلية رهن التحقيق قابعين في دهاليز المخابرات الصهيونية.

المحاكمة

في الطرف الشرقي من مدينة نابلس يوجد بناية من مخلفات الجيش البريطاني استعملت منذ الاحتلال عام 1967م مقرا للمحاكمات. خصصت إحدى قاعاتها للمحاكمة العسكرية ، داخل قاعة المحكمة إجراءات امن مشددة وخارجها ، جلس أقرباء منفذوا العملية وأحبائهم، وفي القسم الأخر من القاعة جلس أهالي القتلى الصهاينة في العملية وأصدقائهم. عشرات مصوري الصحافة والتلفزيون منهمكون في التقاط الصور. فجأة دخل الأبطال الأربعة إلي قاعة المحكمة محاطين من كل جانب بضباط الشرطة وحرس الحدود، عدنان جابر أولا يرفع شارة النصر، وبعدة ياسر زيادات ،ثم محمد الشوبكي،ثم تيسير أبو سنينة، جميعهم رفعوا أيديهم تحية بإشارة النصر . قررت المحكمة تأجيل الجلسة ليوم 7/7/1981م.عقدت ثمانية جلسات محاكمة للفدائيين الأبطال كان آخرها الجلسة الثامنة التي تم النطق بالحكم فيها بتاريخ 17/11/1980م .

قدمت ضد المناضلين الأبطال الأربعة ( عدنان، ياسر،محمد الشوبكي، تيسير أبو سنينة)لائحة اتهام نصت على أنهم قاموا بقتل ستة صهاينة وجرح ستة عشر آخرين،و إطلاق صواريخ على مستوطنة كريات أربع،وزرع الغام،التخطيط لاغتيال بعض المتعاونين، وتهم اخرى . هيئة المحكمة تعتلى المنصة، صمت يخيم على قاعة المحكمة ،بدأ رئيس المحكمة في الضفة الغربية بتلاوة قرار العقوبة بصوته المنخفض . ولعدم اكتمال النصاب القانوني لفرض عقوبة الإعدام فان المحكمة قررت الحكم على الأبطال بالسجن المؤبد .

من مقولات ابطال القطاع الغربي

- ياسر زيادات : سيهزم الجمع ويولون الدبر-صدق الله العظيم.

- محمد الشوبكي : نحن فدائيو فتح نحن جنود فتح ،نموت منتصبين ولن نركع والله معنا.

- تيسير أبو سنينة: اعلموا وليعلم العالم اجمع إننا شعب فلسطين لا نخشى العقوبات مهما كانت قسوتها.

ها هم رجال القطاع الغربي كالملائكة برجالها الشرفاء .. تغوص في السياسة ولا تتلوث .. تخترق النار دون أن تحترق .. او تخترق يتحول رجالها إلى مشاعل دون أن يقهروا.. سائرون على طريق العزة والحرية والكرامة .

بقلم الكاتب /عبد المنعم ابراهيم





التعليقات