ذئاب في غابة الأنام وحكايات تُروى: التحرش الجنسي والاغتصاب في مدينة الخليل .. وحش يقتل البراءة ويطارد النساء

ذئاب في غابة الأنام وحكايات تُروى: التحرش الجنسي والاغتصاب في مدينة الخليل .. وحش يقتل البراءة ويطارد النساء
الخليل - دنيا الوطن
ازدادت مدينة الخليل في الآونة الأخيرة أشكالا مختلفة للعنف الذي أصبح في شكل جرائم ترتكب ضد الأفراد,ومن بين أعنف تلك الجرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي , حيث لفتت جرائم الاغتصاب انتباه مؤسسات الدولة الحكومية والخاصة,والمؤسسات الاجتماعية والثقافية,فعدت ظاهرة اجتماعية مرضية تهدد استقرار المجتمع ,وباتت على رأس قائمة الجرائم الخفية في ثنايا أروقتنا وشوارعنا وبيوتنا لاعتبارات وقيم سائدة في المجتمع .
ولحساسية هذه الجريمة,قررنا الخوض والحديث عن هذه الظاهرة لمدى خطورتها فهي تترك أثار عميقة على المعتدى عليه وأحيانا المعتدي على المدى البعيد.

تعريف التحرش والاغتصاب
لا يوجد تعريف عالمي موحد لظاهرة التحرش الجنسي والاغتصاب ولكن يمكن القول بأن الاغتصاب هو ممارسة الجنس مع شخص دون رضاه بواسطة القيد أو الترهيب أو القوة والتهديد, وكذلك إذا كانت الضحية قاصرا تحت سن السادسة عشرة أو كانت معاقة عقليا أو حركيا .
أما التحرش الجنسي يندرج تحت عدة أنواع منها اللفظي سواء كانت تعليقات على المظهر أو دعابات ذو محتوى جنسي أو ملاطفة لفظية جنسية ,أما الغير لفظي كالتحديق أو التصفير ، وأخيرا الجسدي من اللمس غير المرغوب به إلى الاعتداء والاغتصاب.
هذه الظاهرة أصبحت كالفيروس الذي ينتقل عبر الأفراد لأسباب عدة منها غياب الوازع الديني ، الزواج المبكر , التنشئة غير السوية، وأصدقاء السوء ,وضعف القوانين الوضعية, وتفكك الأسرة ، عدم الرقابة من قبل الوالدين، والانفتاح الكبير في وسائل الإعلام خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي بحيث أشارت الدراسات أن إمكانية المضايقة الجسدية تصل إلى نسبة 2.7% ,وتتكرر حالات المضايقة الجنسية عبر الرسائل القصيرة بنسبة7.4%.

إحصائيات وأرقام
تشير بعض الإحصائيات العربية والعالمية بأن 82% من الاعتداءات الجنسية حصلت في أماكن يفترض أن تكون آمنة للطفل, و%77 من المعتدين أشخاص يفترض أن يكونوا في موضع ثقة الطفل.
وفيما يتعلق بحالات الاعتداءات الجنسية حسب السن فكانت كما يلي:
من 0 إلى 5 سنوات 10%
من 6 إلى 10 سنوات 22%
من 11 إلى 15 سنة 46%
من 16 إلى 18 سنة 12%
سن غير محددة 10% .
وقد أكدت مديرة مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي أمل الجعبة بأن هذه الإحصائيات تنطبق بشكل كبير على المجتمع الفلسطيني وفي سياق الحديث أوضحت أن نسبة الحالات التي يتم التبليغ عنها في محافظة الخليل لا تتعدى 10% ,والنسبة العظمى من المعتدين يكون الشخص المعتدى عليه يعرفهم ,ومن المحيط الذي يتحرك فيه سواء كان من داخل البيت أو الأشخاص الذين يدخلون البيت ,و المحيط الذي يتحرك فيه الشخص، فكانت تقريبا نسبة الفتيات المعتدى عليهم من داخل العائلة من الأب من% 3-4 ,ومن الأخ% 5-7 , وهذه النسب التي أظهرتهم الدراسة أي الأشخاص الذين كان عندهم جرأة بأن يقولوا أنهم تعرضوا في حياتهم لتجربة الاغتصاب سواء كان من أب أو من أخ ...

هتك أعراض
وصلت قضية التحرش الجنسي والاغتصاب إلى حد الظاهرة في محافظة الخليل وعملية الاغتصاب لا تكون للفتيات الإناث وإنما يكون أيضا للذكور وهي موجود في العالم والوطن العربي وفي فلسطين, ولكن الاغتصاب في فلسطين مرتبط بالفتيات, وللذكور يسمى" هتك عرض "، ولا يضعونه ضمن تصنيف الاغتصاب ولكن يأخذ مفهوم الاغتصاب, حيث وصلت نسبة الأطفال الذين يتعرضون لاعتداء جنسي تزيد عن 25% ,وهذا ما صُرح به فهناك أطفال قد تم الاعتداء عليهم ونتيجة لتهديد وقع عليهم رفضوا الإدلاء بذلك.
قالت أمل الجعبة" في الأيام القلية الماضية اشتكت أم إلى مديرة مدرسة ذكور _بحسب ما روى لها ابنها_ بأن الطلاب يعتدون على بعضهم البعض على طاولة الصف,في صفوف سادس وسابع ، لربما تكون كلعبة يلعبونها سويا,وليس المقصد منه الإيذاء ,فهم يمارسون الجنس مع بعضهم على طاولة الصف يعني أن هذه ظاهرة شائعة,وأنها أصبحت موجودة بين الأطفال وهذا يدق ناقوس الخطر ".


للبيوت أسرار
م.ع فتاة تبلغ من العمر 20 عاما, جمعتنا معها معرفة قديمة وسردت لنا قصة محاولة التعدي عليها من قبل أخيها الذي يبلغ من العمر 24 عاما.
قالت" عندما خرج أهلي من المنزل حاول أخي التحرش بي وتكررت المحاولة أكثر من مرة,في البداية كنت أتلاشى الجلوس والحديث مع أخي, ولكن عندما كرر محاولة التعدي علي قررت اللجوء إلى والدي لأخبرهم ما حدث, ولكن قابلوني بالصد والتكذيب وقالوا لا تفتري على أخيكِ كذبا ."
م.ن فتاة متزوجة تبلغ من العمر 30 عاما حاول الأخ الأصغر لزوجها التحرش بها وعندما سألتها ماذا فعلت قالت بأنها لم تخبر زوجها حتى لا تحدث مشاكل ولكنها أصبحت أكثر انعزالا خصوصا عندما تراه.
أ.ل فتاه تبلغ من العمر 21 عاما ، حاول أخيها التعدي عليها أكثر من مرة وخافت من إخبار أهلها ، وبعد فترة قصيرة جدا تزوجت خوفا من النتائج الوخيمة في المستقبل.
وروى النقيب عطا جوابرة إحدى القصص التي حدثت قبل ساعة من لقائنا به " فتاة تبلغ من العمر 11 عاما تم الاعتداء عليها وعلى أختها التي تبلغ السادسة من العمر ,وهذا الاعتداء مضى عليه أكثر من عشرة أيام,ولم يعلم الأهل بذلك إلا عندما توجهت الطفلة الصغيرة لإخبار أهلها نتيجة الاستغراب مما يحدث وليس نتيجة الوعي, ونتيجة ضعف الثقة الممنوحة من الوالدين للأبناء والعكس أيضا,و غياب الحوار والمساندة في إيجاد الحلول عزز قناعة لدى الطفلة بعدم البوح بذلك الأمر منذ البداية".

"من أمن العقاب ساء الأدب"
قد أوضح النقيب عطا جوابرة بأن القوانين موجودة ولكنها ليست رادعة,لأن المتعارف عليه هو قانون العقوبات الأردني من عام1960, و قديم جدا, ولم يكن هناك انتشار للظاهرة بهذا الشكل الذي يجعل هناك عقوبات رادعة بحق المعتدين للتخلص من هذه الظواهر.
فقد نص قانون العقوبات المطبق في أراضي السلطة الفلسطينية في المواد الواردة في الباب السابع من القانون المذكور "292,293" رقم 16 أنه من وقع بالإكراه أنثى غير زوجة لا تستطيع المقاومة بسبب عجز جنسي أو بسبب ما استعمل نحوها من أنواع الخداع يعاقب بالأشغال الشاقة 6 سنوات على الأقل ، وإذا كانت 15 سنة يجب أن لا تقل العقوبة عن 7 سنوات.
وإذا أكملت المجني عليها الثانية عشرة ولم تكمل الخامسة عشرة من عمرها فيكون الحد الأدنى للعقوبة خمس عشرة سنة.
وبين المحامي مالك جرادات :"أن القانون قانون وضعي لا بد أن يحمل نقص، و ثقافة النظرة للمرأة هي الخطأ كما أن هناك جهل كبير عند الناس في القانون فمنهم من يقدم قضية الاغتصاب على أنها قضية زنا مما يدفع ذلك إلى تبرئة المعتدي،ومثل هذه القضايا تحدثفي محاكم سرية, خصوصا تلك التي ينتج عنها الحمل لدى الفتاة،وفي قضايا التحرش اللفظي لا يدين القاضي المتهم إلا بذكر العبارات نفسها من قبل المدعي ومعظم الفتيات يمنعهن حيائهن من تكرار تلك الألفاظ مما يبرئ المتهم من القضية, فمن أمن العقاب ساء الأدب"

اختلاف الرأي لا يفسد للود قضيه
الشيخ عز الدين فراح بين أن التحرش الجنسي وارتكاب الاعتداءات محرمة في ديننا الإسلامي وهي منكر يعاقب فاعلها في الدنيا والآخرة,انطلاقا من قوله تعالى"): إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون").
وأوضح انه يحذر نشر مثل هذه القضاياوالبوح بها من باب السترة على الآخرين وعدم فضحهم.بحيث أن رسول الله)ص) قال:" من ستر على مسلم في الدنيا ستره الله في الآخرة "، ولكنهم يحاولون بشكل أو بأخر إرشاد الناس من خلال الخطب في المساجد يوم الجمعة,أو الدروس الملقاة في أيام أخرى في الحلقات الدينية والندوات،على النقيض من ذلك يرى النقيب عطا جوابرة بأن من الضروري نشر هذه القضايا ومناقشتها على المستوى المحلى والدولي من اجل توعية الناس لخطورة الأمر,بالإضافة إلى ترهيب المعتدين لارتكاب مثل هذه الاعتداءات من خلال فرض عقوبات رادعة بحقهم وحفظ حقوق المعتدى عليهم .

آلام مكبوتة
آلام مكبوتة وتأثيرات نفسية تولدها قضايا التحرش الجنسي والاغتصاب ، فالتأثيرات النفسية تصاحب المعتدي ولا تنطوي فقط على الضحية ، وهذا ما أكدت عليه الدكتورة النفسية خوله أبو دية وقالت " الشخص المعتدي قد يشعر بالظلم والذنب والعار وفقدان بالرغبة في الآكل والأرق المزمن كما أنه يشعر بالوحدة والضعف والوهن وقلة الحيلة وهذا الأمر ينطبق على الضحية كما تكون مشاهد الاغتصاب الأليمة حاضرة دائمة في الذاكرة، وتتواتر في شكل ومضات رجعية flashbacks بحيث تتقلص الرغبة في ممارسة الجنس، إلى درجة قد تصل إلى فقدان الشعور باللذة، خاصة في الفترة التي تعقب تجربة الاغتصاب وتكون الصدمة أعنف إذا كان الجاني من أقارب الضحية أب، أخ، خال، عم.... الخ، إذ من الصعب نسيان تلك الحادثة وبذلك تكون المخلفات النفسية شديدة الخطورة وقد تدفع الضحية لمحاولة الانتحار ".
وقالت أمل الجعبة" كثير من الحالات الموجودة في المستشفيات العقلية إذا لم تكن وراثية وتم البحث في خلفياتها سنجد أنها تعرضت للاغتصاب وأصبحت لديها مشكلة نفسية ونتيجة عدم معالجتها فقد تفاقمت الصدمة وأصبحت مرض عقلي.
وتأكيد على ذلك أدلى النقيب عطا جوابرة بأنهم قاموا بتحويل حالات إلى مستشفى الأمراض العقلية .

آراء من الشارع
سامح دحبور-صحفي- يبلغ من العمر 23 عاما قال: " أنا مع نشر مثل هذه قضايا لما لها من فوائد على المجتمع وحمايته من مخاطرها التي تعود عليه ,ولابد من كشفها والحذر ويجب تشكيل لجنة من وزارات الشؤون الاجتماعية والعدل والتربية من أجل خطة عمل مشتركة لتلافي مثل هذه الحوادث في المستقبل".
علي محمد البالغ من العمر 25 عاما قال:"أعتقد بأن الموضوع بحد ذاته حساس ولكن يجب التطرق إليه ووضع آليات لمحاربة الفساد وبالإضافة توعية هذا الجيل إعلاميا من خلال عمل محاضرات في المدارس وبرامج للتوعية".

آلاء موسى طالبة تبلغ من العمر 20 عاما قالت: "نعم يجب التحدث بهذه الظاهرة لأنها فعلا موجودة عندنا وقضية الاغتصاب من أهم الظواهر التي يمكن مناقشتها فعلا, لأن الفتيات يتعرضن للظلم والتحرش من قبل الشبان وبذلك تنتهك كرامة المرأة وحقوقها بشكل عام".


تعددت الآراء والأمنيات واحدة
تعددت الآراء حول سبب تفاقم هذه الظاهرة وانتشارها فمنهم من حمل الدولة السبب, وأخر من حمل المسؤولية للمجتمع ,وآخرين قالوا بأن الأسباب كثيرة ومترابطة.
برأينا لا يمكن تحميل طرف واحد ذنب تفشي ظاهرة التحرش الجنسي والاغتصاب لأن للأسرة دور بتنشئة الطفل تنشئة سليمة مبنية على أسس الإسلام والدين الحنيف،وللمدرسة دور في مناقشة وتنوير الطفل،كما أن المجتمع يجب أن يعطي لهذه القضايا أهمية لمعالجتها بعيدا عن ثقافة العيب،والدولة يجب أن تضع قوانين رادعة ، إذن كل الأسباب مترابطة ولا يمكن الفصل فيما بينها للوصول إلى أمنية واحدة وهي الحفاظ على المجتمع وعلى من فيه من أفراد.
قضايا وخفايا وأسرار تكمن في داخل هذا الموضوع،طرح المشكلة وإعطاء الحلول لا يكفي ، ينبغي على كل فرد أن يبدأ بإصلاح نفسه وأفراد أسرته من ثم النهوض بمجتمعه فكما قال رسولنا الكريم : " كلكم راع ولكلكم مسؤول عن رعيته" .

التعليقات