مراسلة الجزيرة في غزة تروي لدنيا الوطن قصتها مع التهديدات والمخاطر..علاقتها بعائلتها..وحكايتها مع ارتداء الحجاب..صور

مراسلة الجزيرة في غزة تروي لدنيا الوطن قصتها مع التهديدات والمخاطر..علاقتها بعائلتها..وحكايتها مع ارتداء الحجاب..صور
غزة - دنيا الوطن-إسراء عبيد
هبة عكيلة..مذيعة الأخبار و مقدمة البرامج في تلفزيون فلسطين سابقا..ومراسلة قناة الجزيرة حاليا..واحدة من رائدات العمل الصحفي الفلسطيني اللواتي سيذكرهن التاريخ..وبعد عدة سنوات ستدرس تجاربهن الإعلامية للأجيال القادمة وستذكر في كل الدراسات الأكاديمية.

لهبه عكيلة حضور خاص في ذاكرة الفلسطينيين فهي من الاوائل الذين نقلوا البهجة إلى نفوسهم عندما أصبح لهم للمرة الاولى شاشة تنقل أخبارهم و همومهم وتطلعاتهم وتربطهم بالعالم ..
وهي من الأوائل الذين نقلوا معاناة الفلسطينيين للعالم بالصوت والصورة تحت الرصاص وأصوات القذائف ومن امام المدافع الرشاشة،وخلدوا صور شهدائهم وأنين جرحاهم في ذاكرة العالم.

هبة الأم والزوجة والابنة والصحفية ومراسلة الحرب ..كيف بدأت عملها الصحفي وكيف تحملت السير في طريق تحفه المخاطر..بل وكان دائما مزروعا بالألغام..هبه تحدثت لـ دنيا الوطن في مكتبها في غزة و روت ذكرياتها وحكت عن تجربتها الغنية بالحكايات والمواقف..

كيف  بدأت العمل في مجال الصحافة والإعلام؟

تقول هبه:"لم يكن عملي حلم  لان فترة ما قبل السلطة لم أجرؤ على الحلم ولم يكن احدا يجرؤ على الحلم أو أن يكون لنا تلفزيون وإذاعة خاصة بفلسطين داخل الوطن فأنا من سكان ومواليد قطاع غزة لذا كانت أحلامي تتمحور في المكان الذي أعيش فيه ولم أفكر يوما أن أكون صحافية ميدانية".

بدأت هبه رحلة عملها حين بدأ مشروع الدولة الفلسطينية وعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة وأريحا وبداية ظهور صوت فلسطين وتلفزيون فلسطين ، تقول هبه : " حين بدأ وظهر تلفزيون فلسطين كان بالنسبة لي ولغيري حلم في العمل به وتوجهت إليه بتشجيع من أساتذة الجامعة، وتدربت لفترة معينة وأعجبوا بصوتي فعملت كمذيعة أخبار ومقدمة برامج".

عملت عكيلة في صوت فلسطين ثم بعد شهرين انتقلت للعمل في  تلفزيون فلسطين وهي في العام الثالث من دراستها في الجامعة  تقول: " لم أكن مقررة نهائيا الخوض في مجال الصحافة فأنا أحب اللغات وكنت اطمح أن أتخصص في لغات مختلفة بعد تخرجي من الجامعة".

تضيف: " عملت كمذيعة أخبار ثم تقديم البرامج المتنوعة وكانت شخصيتي انسب للبرامج الحوارية الجادة والبرامج السياسية وكما قيل لي أنني أبدعت في البرامج السياسية فبدأت تشدني السياسة وتشدني الأحداث و تشدني تحليلات الأمور التي تجري في بلدنا لكن كان توجهي بعد ذك للعمل في المجال الميداني كمراسلة لقناة الجزيرة" .

لم تكن مهنة الصحافة بالشيء البسيط في ظل ظروف سياسية وأمنية صعبة في قطاع غزة وفي ظل مجتمع لا يتقبل عمل الفتاة في مجال الصحافة ، لكن كان هناك من يشجع هبة ويقف بجانبها وحول سؤالنا لها عن الأشخاص الذين دعموها تحدثت هبة: كان الدافع الأول والمشجع الاول ومن دفعني في هذا الاتجاه والدي ووالدتي رحمهما الله، كانا يريان في شخصيتي ما يتناسب مع الصحافة وان موهبتي وقدراتي ممكن أن تدعمني في هذا المجال ولولا وقوفهما الى جانبي في ذلك الوقت لم أكن استطع أن اكمل".

تضيف: كان التلفزيون عمل جديد في قطاع غزة بالنسبة للمجتمع وتجربة جديدة لديهم وكان أيضا شيء جديد أن تخرج فتاة من بيتها وترجع الساعة الواحدة من العمل للبيت فلم يكن ذلك مقبولا.

كيف واجهت انتقادات المجتمع؟

تقول هبه:"كان الدعم من والدي ووالدتي غير محدود وفي حين توجيه انتقاد لي من قبل احد الأقارب أو المعارف كانا هما المدافع الأول دون أن احتاج لأقنعهما لأنهما مقتنعين بعملي فهو لم يكن مجرد عمل بل كنت أؤدي رسالة وهذا ما زاد ثقتي بنفسهم وبعملي وما أقوم به وأعطاني دفعة كبيرة إلى الأمام.

وبعد أهلي كان زوجي يدعمني فهو يعمل في مجال التلفزيون ومتفهم جدا لعملي وضرورة التضحية والتنازل عن بعض مسؤولياتي في المنزل في سبيل العمل وإيصال الرسالة بنوع من التوازن بين حياتي العملية كصحافية وحياتي كوني زوجة وأم ".

كيف وفقت بين العمل الصحفي ومسؤوليات الزوجة والأم؟

تقول هبه:" حاولت قدر الإمكان ..لا اعرف إذا نجحت تماما أم لا ولكن حتى المرحلة التي وصلت لها الآن  اشعر بأني أعطيت كل ما استطيع لعملي وكذلك لزوجي وبيتي وأولادي ". 

تضيف:" أنا حاولت بالدرجة الأولى أن أكون أم و أعطيت بقدر ما استطيع أن أكون أم لان الأمومة من أسمى الرسائل التي من الممكن  ان يحملها الإنسان  وربنا حبانا بهذه الرسالة العظيمة لأنه يعرف ان المرأة قادرة أن تقوم بما عليها تجاه تلك الرسالة فهي أمانة بعنق كل سيدة وأنا حاولت بمساعدة من حولي؟

تضحيات وتنازلات...

توضح هبة بان من الصعوبة أن تقوم بعملها كاملا كصحافية وان تقوم بعملها كاملا كأم وزوجة :" في بعض الأحيان كان من اللازم أن أضحي وأتنازل بعض الشيء بحق منزلي وأولادي ولكن من الصعب التضحية في مجال العمل لان الأهل والزوج يقدرون الظروف أما العمل فيجب أن أقدم بكل ما استطيع وبكل إتقان" .

وتشير هبة التي تمتل من الابناء ثلاثة ، أكبرهم مهند (15سنة) ، ومؤيد(12 سنة) وأصغرهم مجد(7 سنوات) الى كل محاولاتها  بعدم الغياب عن المنزل أكثر من 7 ساعات إلا أن ظروف الاجتياحات وظروف قطاع غزة الأمنية كانت تجبرها للعمل أوقاتا طويلة تتغيب فيها عن منزلها وسط تقدير من زوجها وأولادها للرسالة التي تحملها في إيصال المعاناة والحقيقة.

تقول هبة: "أحيانا اعمل 24  ساعة متواصلة و هذا كان عبئا نفسيا بان اترك أولادي لفترة طويلة  لكن تفهم ومساعدة من حولي في احتضان أولادي جعلني أتغلب على الذنب تجاههم" .

وحول ميول أبنائها إلى مهنة الصحافة تقول هبه:"أرى أنهم يحبون مهنة الصحافة ويتطلعون لها بتقدير كبير خصوصا عندما أقوم بعمل تقارير إنسانية وتمسهم كمواطنين وأطفال فلسطينيين ولكن لا اعرف هل تفاعلهم لحبهم لهذه المهنة يدفعهم  بان يمتهنوها أم فقط تقدير منهم لما يرونني افعله".

تضيف:" بكل الأحوال فأنا سأكون داعمة لهم باختياراتهم وميولهم واتجاهاتهم إذا كانت قدراتهم تؤهلهم لما يرغبون وسأكون بجانبهم دوما كمان كان والدي ووالدتي بجانبي".

مهنة المصاعب..

تتحدث هبه عن المصاعب التي واجهتها في عملها ، وتقول:"مهنتنا تسمى مهنة المصاعب والمخاطر لا تنتهي سواء للصحفي أو الصحافية ،وعلى صعيدي الشخصي واجهتني مصاعب في بداية عملي خصوصا أنني فتاة مازلت أتعلم بالجامعة والمجتمع لا يتقبل فكرة الصحافية و لم يكن متقبلا لطبيعة عمل المذيعة وتقديم البرامج ومقابلة الناس والخروج في مواعيد غير مستقرة ليس لدوامها موعد كما أي وظيفة أخرى".

وتضيف :"أهلي قالوا لي إذا  أنتي وثقتي في نفسك و أوصلتي هذه الثقة لمن حولك أكيد الناس سوف تثق بك و بشخصيتك وأخلاقك  وان لا تتعدي أي حدود من العادات والأعراف وان تحافظي على دينك وقتها ممكن المجتمع يتقبلك" .. وأنا فعلا اثبت ذلك باني جديرة مثلي مثل أي زميل لي في العمل بمجال الصحافة طالما امتلك الموهبة والإمكانيات وعندي ما يؤهلني للعمل بجدارة" .

حكاية الحجاب..

الكثيرون يتساءلون عن حكاية ارتداء هبه عكيلة للحكاب ، تروي هبه"من زمان مقتنعة بالحجاب لكن الدنيا أخذتنا خصوصا أنني متعودة على طريقة معينة في ارتداء الملابس وكان والدي دائما يشجعني لان أنفذ قناعتي وأتحجب والدنيا تأخذني في كل مرة أقرر فيها الحجاب..

لكن وفاة والدي كانت صدمة لي أخذت على اثرها قرارا بأن أنفذ قناعة لدي كان والدي يشجعني عليها فكان دافعا لي بأن أتحجب والحجاب أولا وأخيرا لله سبحانه وتعالى.

أفضل وأسوأ المواقف في حياة هبه المهنية..

تقول هبه:"بالنسبة لأفضل المواقف كانت نجاحي في العمل، حين أبدع في تقديم برنامج أو أبدع في إيصال معلومة للمشاهد كان ذلك من أفضل المواقف.

وحين أحقق سبقا صحفيا أو اصنع تقريرا يؤثر بالناس ويعطي ردودا ايجابية كان ذلك من أفضل المواقف خصوصا أن قطاع غزة يحتاج أن يسمع العالم لصوته وصوت معاناته .

اعتبر كل ما أقدمه وأنا راضية عنه وله صدى بين المشاهدين كان ذلك نجاحا والنجاح هو أفضل ما يحدث".

أما عن أسوأ المواقف كانت بالنسبة لهبة عكيلة هي مواقف الخطر الدائم الذي كان يحوم حولها وحول كل زملائها الصحفيين وكانت الصعوبة الحقيقية التي واجهتها عندما بدأ بالعمل الميداني مع قناة الجزيرة تقول هبة: " كان عملي ميداني و بأوقات صعبة جدا،  بدأت عملي عام 2003 مع الجزيرة و كانت فترة اجتياحات متكررة وفترة اغتيالات وفترة قصف دائم وكان لابد من التواجد في مكان الحدث لنكون على قدر المسؤولية تجاه قناة الجزيرة المتخصصة والتي أثبتت جدارتها فكان من الصعب التقاعس في العمل".

وتضيف: في كل مرة نتواجد في أماكن الأحداث نكون على موعد مع الخطر فتعرضنا بصورة مباشرة للقصف وإطلاق النار وكنا أحيانا هدفا للجيش الإسرائيلي وتعرضنا لإطلاق النار بصورة عشوائية.

من أصعب وأسوأ المواقف التي مرت بها هبة عكيلة خلال رحلة عملها كانت فترة الانقسام الفلسطيني والقتال الدائر في الشوارع والمعارك السياسية  والفلتان الأمني ..وتذكر هبة التهديدات التي تعرضت لها في تلك الفترة "تعرضت لتهديدات عديدة على الجوال و الايميل وفي بيانات وكانت في تلك الفترة كل من خطر بباله شي ممكن أن ينفذه في حالة الفوضى العارمة".

كيف استقبلت تلك التهديدات؟

تقول هبه:"أنا بالأول وبالآخر إنسانة وكنت أخاف  في داخلي لكن شعوري كصحافية تحمل رسالة كان أقوى من هذه التهديدات لان إذا كل واحد سمع للتهديدات وخاف وقعد في منزله هذا يعني أن لا احد سيستمر في مسيرته ومشواره ".

تضيف: "كنت واثقة أنني اعمل الصواب لكني كنت حذرة في تلك الفترة وطالما أنني مقتنعة بعدم ارتكابي لأخطاء فان التهديد لم يوقفني عن عمل ما أريده".

ما هي نصيحتك لطلاب الصحافة والإعلام؟ 

كنت افتخر كثيرا عندما تتم دعوتي لندوات أو إلقاء محاضرات لطلاب الإعلام وأحب أن التقي بهم سواء الخريجين الجدد أو الذين مازالوا يدرسون الصحافة.

أقدم نصيحتي دائما وأبدؤها بأن مهنة الصحافة تحتاج لثقة بالنفس وان يكون الشخص على قدر عال من المسؤولية ولديه المواهب والقدرات الكافية للعمل الصحفي.

وتقول هبة أن المواهب لا تكفي  فقط فيجب أن يتمتع الصحافي بثقافة عالية وان يطلع على العالم والمجتمعات وذلك لاستخدام قدرات الصحافي في المكان المناسب ،أحيانا يواجه الطالب إحباط نابع من داخله وأحيانا من المجتمع واعتقد أن التحدي الأول لدى الصحافي هو أن يجد وظيفة ومكان مناسب يعمل به .

وأكثر ما أراه من الصحافيين الخريجين هو التسرع في كونهم يريدون أن يطلعوا إلى القمة مرة واحدة دون تدرج " لا يسأل الطالب كيف أبدا طريقي إنما كيف أصل لمرحلة متقدمة".

وتعتقد هبة أن الإنسان المثابر والجدير والذي يتحدى كل الإحباط سيصل إلى ما يطمح له خطوة خطوة.

والتحدي الثاني تذكر هبة انه ينبع من الطالب حين يفشل في أول تقرير له أو في أول عمل صحفي له لذا يجب أن يكون له نفس طويل وصبور وان يسمع النصيحة ولا يتعالى  بهذا قد يواجه التحدي بالتجربة .

وتوجه هبة رسالتها للطلاب: " يجب أن يستخدم الطالب نجاحاته بأن يتطلع إلى من هم أكثر نجاحا منه و يثابر ليصل لمستواهم وان يكون لديه تطلع دوما للأفضل بصورة تدريجية مستخدما خبرته بالطريقة الصحيحة لا بالغرور الذي يوصل الإنسان لمرحلة ويقف عندها".

أمنيات هبة عكيلة

 قبل  أن أكون صحفية أنا إنسانة وأم فلسطينية أتمنى أن يعم في بلدنا فلسطين السلام وان نعيش في راحة بال في بلدنا وان نعيش كما كان يدعوا أجدادنا براحة البال .

وأتمنى أن يعيش أولادي في أمان وان يكون مستقبلهم طبيعي كما أطفال العالم دون تخوف من تقلبات في مستقبلهم وفي حياتهم .

أما عن أمنيتها الشخصية" أمنيتي الشخصية في عملي تكمن في كيفية عمل شيء جديد موضوع جديد يسلط ضوء على قضية جديدة وأن يحل ولو مشكلة بسيطة لأي إنسان يعاني من مشكلة ".




التعليقات