عاجل

  • 5 شهداء في قصف إسرائيلي على مواطنين في مدينة الزهراء وسط قطاع غزة

بذكراه الثلاثين : سعد صايل جنرال الحرب والسياسة منذ ميلاده الى استشهاده

بذكراه الثلاثين : سعد صايل جنرال الحرب والسياسة منذ ميلاده الى استشهاده
غزة - دنيا الوطن-مفوضية فتح

ولد سعد صايل بتاريخ 27/9/1932م في قرية كفر قليل/محافظة نابلس.

ومن تلك البيئة وذاك التاريخ والإرث بدأ سعد صايل مشواره بالتحاقه بمدرسة بلاطة الابتدائية ثم بمدرسة عورتا الابتدائية وتتلمذ على يد الشيخ احمد رحمه الله .

وبعد ان انهى دراسته الابتدائية التحق بمدرسة الصلاحية في نابلس ليواصل تحصيله العلمي وانهى دراسته الثانوية عام 1950م ومن خلال دراسته الثانوية كان يواكب تطورات الاحداث وأكبرها نكبة العام 1948م , وحين أقيم مخيم بلاطة, وكان موقعه في المنطقة التي تفصل القرية عن المدينة وهو الطريق الذي اعتاد سعد صايل المرور منه ذهابا وايابا من والى مدرسته , وهذه الرؤية للمأساة والمعاناة الصعبة لشعبنا زادته إصرارا على المقاومة والنضال سبيلاً لاسترجاع الحقوق , وحينما انهى دراسته الثانوية التحق بالجيش الاردني , وكان ذلك عام 1951م , حيث درس بالكلية العسكرية وتخصص في الهندسة العسكرية .

وتاهل ايضا للكثير من الدورات العسكرية المتخصصة في العلوم العسكرية ومنها بعد تخرجه من كلية سانت هيرتز للعلوم العسكرية :

-                        1954م بريطانيا اختصاص هندسة عسكرية .

-                        1956م مصر اختصاص دفاع جوي .

-                        1958م العراق اختصاص تصميم الجسور وتصنيفها .

-                        1959م بريطانيا ثانية اختصاص هندسة عسكرية متطورة .

-                        1960م الولايات المتحدة الامريكية هندسة متقدمة ( ويست بوينت )

-                        1966م الولايات المتحدة الامريكية كلية الاركان ( ويست بوينت )

ان هذه الفترة والتي امتدت مابين عام 1951 ومنذ التحاقه بالكلية العسكرية الاردنية وحتى العام 1966 كانت بالنسبة للشهيد فترة التحصيل العلمي والتاهيل والتدريب واكتساب العلوم والمهارات العسكرية من اعرق واهم منابعها في فكره ومبدائه من اهم الفترات التي صقلت شخصيته باتجاه معاناة شعبه واهله .

وهكذا تدرج ذاك الضابط الشاب في المناصب العسكرية , فاصبح أمرًا لمدرسة الهندسة العسكرية الاردنية , ثم اسندت له قيادة لواء الحسين بن علي وهو برتبة عقيد ركن

 

في 27/9/1982م قامت ايادي الغدر والخيانة باغتيال القائد سعد صايل "ابو الوليد". وباستشهاده فقدت الحركة الوطنية الفلسطينية احد رموزها وصناع تاريخها المشرف وهي في امس الحاجة اليه ولامثاله. وفي الذكرى الثلاثين  لرحيله عن هذه الدنيا الزائلة"، كما كان يقول،نقر انه "رجل" لم يلوث الزمن مبادئه الاصيلة. عاش 50 عاما من اجل فلسطين، واستشهد دفاعا عن حقوق اهلها واستقلالية قرارهم. 

شاءت الاقدار ان يعيش "سعد" ابن السادسة عشر ابن قرية "كفر قليل" نكبة شعبه عام 1948، ليرى بعينية اذلال وتشريد اهلنا. وقرر الشروع في العمل من اجل تحرير ما اغتصب من فلسطين. التحق مطلع الخمسينات بالجيش الاردني لمقاومة مطامع الصهيونية واعادة من شرد من اهله الى اراضيهم وديارهم. جد في العمل، واجتهد في تحصيل علم الهندسة العسكرية في كلية" سانت هيرتز" للعلوم العسكرية في بريطانيا، ودرس علوم الاركان الحربية في أمريكا. وخاض العديد من الدورات المتخصصة بالدفاع الجوي والجسور وتصنيفها في الباكستان والعراق ومصر, ولتميزه صعد سلم المناصب والرتب العسكرية في الجيش الاردني بكفائة، وصمد على راس وحدته العسكرية في كل المواجهات القتالية التي فرضت عليها.

وبعد انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 وجد روحه فيها، ونسج علاقة مبكرة مع روادها. وبعد هزيمة حزيران 1967 لم يجد الفتحاويين الاوائل صعوبة في ضمه لصفوفهم وأصبح ابوالوليد ابن قرية "كفر قليل" احد ابنائها، وبالتنسيق مع مجموعات الفدائيين خاض معركة الكرامة , وقبل احداث ايلول 1970في الاردن كان ضباط وجنود "لواء الحسين بن علي/ مشاة " المتمركز في كفرنجة والاغوار محط اهتمام قيادة حركة فتح والقيادة الفلسطينية، فقائده سعد صايل جعل من اللواء بكامل افراده ومعداته الحربية قوة مساندة للثورة في عملياتها ضد الاحتلال وفي مواجهة كل سوء يمكن ان تتعرض له. 

ورغم ملاحظاته الكثيرة حول المواقف السياسية المتطرفة والمسلكيات الخاطئة لبعض قيادات وكوادر الفصائل الا ان ابوالوليد ميز الاخطاء التكتيكية الضارة عن الاخطاء الاستراتيجية المدمرة. وعندما حانت لحظة الحقيقه في ايلول 1970 لم يتردد لحظة في اعلان انحيازه للثورة الفلسطينية في مواجهة مخطط تصفية وجودها. والتحق هو ومعظم ضباط وافراد لوائه بقوات الثورة الفلسطينية بكامل اسلحتهم وعتادهم. ومنذ انخراطه في الثورة  ميز ابو الوليد، بحنكته القيادية، بين ابنائها وفصائلها، وكان الوفاء لفلسطين والعمل من اجلها مقياسه الوحيد. امتاز بمواقفه الوطنية الوحدوية الصلبة، وكره تنميق الكلام و التعصب الحزبي والفصائلي. وميز الوفاء لفلسطين عن الوفاء لحزب او تنظيم او زعيم. وبين المقاومة القائمة على العلم والاخلاص عن تلك التي يقودها الجهل والنفاق والارتزاق. 

بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية من الاردن عام 1970-1971 شرع "ابوالوليد" في اعادة تنظيم وتشكيل مجموعات جنود وضباط الجيش الاردني الذين التحقوا بقوات الثورة الفلسطينية، وشكل منهم قوة عسكرية مقاتلة تحت اسم "لواء اليرموك" حيث لعبت هذه القوة دورا مميزا في تثبيت وجود الثورة في لبنان وفي الدفاع عن المخيمات في وجه الاعتداءات التي كانت تتعرض  لها في ذلك الوقت . وبعد استقرار اوضاع الثورة في لبنان عام 1973 لعب ابو الوليد دورا حاسما في اعادة تنظيم وتاهيل قوات الثورة وبخاصة قوات فتح، وادخل عليها التشكيلات والرتب النظامية

 وانتخب عام 1980عضوا للجنة المركزية لفتح حيث تولى قيادة غرفة العمليات المركزية وكان قائدا للقوات المشتركة الفلسطينية مع الحركة الوطنية اللبنانية، جمع بمقدرة عالية بين دور القائد العسكري والقائد السياسي.

 وامتاز بميدانيته وكان ممن  لا يصدق الا ما يشاهده بعينية ويلمسه بيده. ولايتعامل مع الشعارات الرنانة بل كان يجري الدراسات ويعرف موازين القوى ويعتمد على دوائر المعلومات الموثوقة و كان يحترم التعددية ويصغي لكل الاراء في اتخاذ اي موقف. وكان يمقت التزلف والتعدي على حقوق الآخرين. وبهذا حظي باحترام القوى الوطنية الفلسطينية واللبنانية الواقعية منها والمتطرفة ومتن الجبهة العربية المشاركة في الثورة. وخلال ترؤسه غرفة العمليات المركزية نمت قوى الثورة وتطورت قدراتها العسكرية، ورد الاخ ابو الوليد، على غارات طيران الجيش الاسرائيلي على المخيمات ومواقع القوات الفلسطينية. في تموز1981و ادار مع رفاق دربه معركة المدفعية الشهيرة، وظهرت خبرات كوادرها القتالية والفنية العسكرية المتطورة. وقصفت نهاريا وعدد من المدن الاسرائيلية لاول مرة.

ومع بداية عام 1982 أدرك ابو الوليد ان المواجهة الشاملة مع الجيش الاسرائيلي قادمة لا محالة. وبادر الى جمع آراء و تصورات الجميع لطبيعة المعركة القادمة ، وصاغها في خطة دفاعية واحدة، وتابع ميدانيا تطبيقها على الارض بعد مصادقة  القائد العام الاخ ابوعمار عليها. لقد سجل التاريخ في ملفاته بطولات المقاومة الفلسطينية- اللبنانية لغزو اسرائيل للبنان عام 1982 فابو الوليد احد صنّاعها الرئيسين. واذا كان الخبراء والمحللين العسكريين اعتبروا صمود بيروت ثلاثة أشهر كاملة في وجه الحصار، حدثا تاريخيا كان ابو الوليد مهندسه بامتياز.

ومن المواقف الشهيرة والموثقة للشهيد والتي رواها الاخ بسام ابوالشريف  واثناء اجتماع كان يضم القائد العام الاخ ابو عمارومجموعة من القيادة الفلسطينية لوضعهم في تقدير الموقف تخلله شرح عن الامكانيات والاستعدادات التي جرت على الارض لصد العدوان الاسرائيلي . 



 وردت إشارة تفيد أن الجنرال كالاهان قائد قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان يطلب لقاء عاجلا مع الجنرال سعد صايل وأنه سيحضر إلي بيروت علي متن طائرة هليوكوبتر في أي ساعة يحددها الجنرال أبو الوليد.

وقف اللواء سعد صايل وقفة استعداد انتظارا لتعليمات القائد. 

سأل ابو عمار: اين ستلتقون؟

تم تداول  الآراء ورأى الرئيس أن اللقاء يجب أن يتم في ال(17) غرفة قيادته المعروفة بالرغم من كل الدمار. وطلب من اللواء سعد صايل تحديد موعد للجنرال كالاهان في السادسة والنصف مساء حتي يتسني للشباب تهيئة المكان. وأصدر تعليماته أن يذهب اللواء سعد صايل بصحبة الأخ هاني الحسن وبسام ابو الشريف , أصدر اللواء أبو الوليد رحمه الله تعليماته الفورية وكان قليل الكلام وكانت كلماته كطلقات مسدس لا يخطيء:

أريد منكم أنجاز التالي قبل الخامسة والنصف:

تنظيف المكان بشكل تام وإعادة تركيب الزجاج وتركيب كل الأشرطة الكهربائية وأجهزة التبريد يجب أن تعمل. والمقر من الداخل لازم يلمع لمع، أريد أن أدخل المقر فأجده نظيفا ومبردا. لا تنسوا الجنرال كالاهان يحب الليمونادة الطازجة والشاي فحضروا كل شيء.

توجهنا خارج عمليات 5 وفي الخامسة اتصل اللواء سعد صايل ليطمئن علي سير الأمور، فأعلم أن كافة الأوامر قد نفذت علي أكمل وجه، فعلق بنصف ابتسامة (فقد كانت ابتسامته نادرة تماما ).

نظر إلى الأخ هاني الحسن والي وقال كل شيء جاهز؟

توجهنا للمكان وكان الأمر فعلا مثيرا للإعجاب، فخلال ساعتين من الزمن أتم الشباب تنظيف المدخل من الركام، وأعادوا كافة أمور مقر الرئيس أبو عمار الي طبيعتها، وكان المقر باردا في ظل حرارة بيروت ورطوبة صيفها.

وفي السادسة والنصف مساء وصل الجنرال كالاهان يرافقه اثنان من ضباط الأمم المتحدة، صافحناهم وتوجهنا نحو طاولة الاجتماع، اتخذنا مواقعنا في جانب من جوانب الطاولة: اللواء سعد صايل وهاني الحسن وأنا بقينا واقفين. وعلي الجانب المقابل الجنرال كالاهان وضابطاه بقوا واقفين. أدي الجنرال كالاهان التحية العسكرية للأخ أبو الوليد، فبادله التحية العسكرية، لكنه لم يأذن له بالجلوس بعد، وحسب الأعراف لا يمكن له أن يجلس قبل أن يدعوه اللواء سعد صايل الي ذلك.كنت أنا وهاني كمن يفسر أحجية. فاللواء سعد صايل هو من العسكريين البارزين الذين تخرجوا من أهم كلية عسكرية في العالم وست بوينت الامريكية والجنرال كالاهان يعلم ذلك. وراحت طلقات مسدس أبو الوليد التي لا تخطيء تتكلم. بالإنكليزية بوضوح. بهدوء ولكن الهدوء القاسي الرزين:

جنرال كالاهان لقد خنت شرفك العسكري فلقد سمحت للقوات الإسرائيلية أن تمر عبر مواقعك دون مقاومة.

أطلق ابو الوليد.

أجاب الجنرال كالاهان وهو يقف وقفة استعداد.

سيدي الجنرال أنت تعلم الوضع علي الأرض أكثر مني إن حجم الاندفاع كان كبيرا إلي الحد الذي لا يمكن لي ولضباطي معه  

التصدي له.

وأطلق سعد صايل:

جنرال إن شرفك العسكري كان يقتضي منك أن تطلق حتي لو رصاصة واحدة من مسدسك. هكذا تعلمنا الأخلاق العسكرية أليس كذلك؟.

وطأطأ كالاهان رأسه فدعاه عندها أبو الوليد للجلوس. شرح كالاهان حجم الهجوم ولم يكن يتوقع وصولهم بيروت. 

وكالاهان مندهش.

قال له ابو الوليد:

أنا أعلم أن الوقت ضيق وعلي أن أعود لغرفة العمليات لكن أريد أن أقول لك إنني بدأت بتحصين بيروت.

فرد كالاهان علي الفور:

ولكن يا جنرال بيروت لا يمكن تحصينها.

فابتسم ابو الوليد قائلا:

دعهم يظنون هذا

وقوفا.

تحية عسكرية. حرس الشرف يأخذ الاستعداد وفجأة يصل الرئيس ياسر عرفات.

جنرال كيف حالك بادره أبو عمار بالتحية.

أدي الجنرال كالاهان التحية للرئيس الذي كان يحمل عصا قصيرة وأجابه الوضع صعب سيدي الرئيس.

فأجابه أبو عمار بسرعة:

سيكون صعبا عليهم لن أؤخرك لدي جولة في كافة المواقع.

وغادر أبو عمار 

وغادر الجنرال.

 

وبعد ذلك الصمود الاسطوري الذي تحقق في ظل الصمت العربي والدولي المشهود لهما, وفي اوائل آب ادركت قيادة" م ت ف" ان رحيلها عن بيروت بات امرا لا مفر منه. وسعى ابو الوليد الى تجيير صمود القيادة والمقاتلين لصالح تحسين شروط الخروج وتوفير حماية مضمونة للمخيمات وتحقيق مكاسب سياسية للقضية الفلسطينية. وبعد مفاوضات غير مباشرة شارك فيها ابو الوليد مع المبعوث الامريكي "فليب حبيب"، تم التوصل يوم 13 آب 1982الى اتفاق لوقف اطلاق النار والفصل بين المتحاربين، نال موافقة جميع اعضاء القيادة الفلسطينية. وضمن الاتفاق انسحابا مشرفا للقيادة ومقاتليها تحت اشراف قوات متعددة الجنسيات امريكية، فرنسية ،وايطالية، وكذلك المحافظة على أمن وسلامة ابناء المخيمات بعد خروج المقاتلين. وقبل مغادر اول قافلة من المقاتلين ناقشت القيادة الفلسطينية مسألة خروجها من بيروت، ودعا بعض اعضائها الى وضع ترتيبات سرية لخروج ابوعمار واعضاء القيادة خشية الاغتيال. خاصة وان دخول الميناء وركوب البواخر يتم على مرآى من القوات الاسرائيلية والانعزالية. لكن ابوالوليد رفض الفكرة من اساسها وقال "الحماية تتم بتنظيم مراسم رسمية لخروجها" 

في حينه شكلت القيادة الفلسطينية لجنة بقيادة ابو الوليد اشرفت على تنظيم عملية الرحيل. وقررت اللجنة بتوجيه من قائدها السماح للمقاتل الخروج بتجهيزاته الشخصية وعتاده وسلاحه، واعدت القوائم لكل باخرة وحددت الملعب البلدي مكانا لتجمع المقاتلين. وصباح كل يوم من ايام الرحيل كان ابو الوليد يصر على النزول الى ارض الملعب لتفقد الراحلين. وخلال لحظات الوداع الصعبة،استمع ابو الوليد بألم مصحوب بدموع القلق لصيحات مؤلمة وجارحة من النسوة الفلسطينيات واللبنانيات المودعات للقيادة والمقاتلين الراحلين تقول "لا ترحلوا..ارفضوا الخضوع للمؤامرة العربية الدولية حتى لو دمرت بيروت وكل العواصم العربية. وان رحلتم خذونا معكم ولا تتركونا تحت رحمة حزب الكتائب والجيش اللبناني والاسرائيليين". وكانت تلك الصيحات الحارة الصادقة تعكس حقيقة مشاعر كل الفلسطينيين في لبنان وعلى كل المستويات. الا ان مشيئة الاقدار لم ترحم أطفال ونساء وشيوخ وشباب فلسطين في لبنان رغم صمودهم الجبار فترة ثلاثة أشهر.

بعد رحيل الغالبية الساحقة من القوات الفلسطينية من بيروت الى البلدان العربية المتفق عليها، ورحيل ابوعمار وأركانه باتجاه الاراضي اليونانية، سيطرت قوات الجيش اللبناني "والقوات الانعزالية" على معظم مناطق واحياء بيروت الغربية الخاضعة للسيطرة الفلسطينية والوطنية اللبنانية. وصار الخروج الفلسطيني المدني والعسكري من صبرا وشاتيلا والاحياء اللبنانية "  فيه مخاطر كبيرة. وبات وصول المستشفيات لإخراج الجرحى ونقلهم الى بواخر الترحيل الراسية في ميناء بيروت مغامرة كبيرة. وبالرغم عن ذلك كله أصر "أبوالوليد" يوم ا/9/1982 على أن يودع هو ومن تبقى من أعضاء المجلس العسكري الفلسطيني الاعلى مدينة بيروت باداء زيارة رسمية لمقبرة الشهداء الواقعة في حي "قصقص". ونزولا عند رغبته سار الجميع مشيا على الاقدام وهم يحملون ما أمكن ترتيبه من الزهور. وفي الطريق الى مقبرة الشهداء حيث يرقد الحاج أمين الحسيني وآخرون من شهداء حرب 1948 وشهداء الثورة، تمنى الجميع لو كان بالامكان ترحيل كل سكان المخيمات الفلسطينية من لبنان بعد ان تحملوا من العذاب ما لم يتحمله بشر، واصبح بقائهم في خطر. وبعد تلاوة الفاتحة على ارواح الشهداء تمم ابوالوليد قائلا "يجب ان لا ننسى ان الزعماء العرب اهانوا الحاج امين الحسيني مفتي فلسطين. وانه لم يجد مكانا يقيم فيه، وعاش في العراق وطرد منها كما طرد من مصر وسوريا". وفي طريق العودة تسائل أبوالوليد بحزن شديد وبصوت خافت: "هل ستطئ اقدام اولادنا ارض فلسطين ؟ وهل سنستطيع يوما ما تنفيذ وصية الشهداء بنقلهم الى أرض الآباء والاجداد ؟ أم أن ممارسات بعضنا وانحطاط الوضع العربي وهزيمتنا في بيروت ستقود الاخرين لنبش قبورهم ورمي عظامهم في المزابل؟ وهل سنجد لنا في هذا الوطن العربي الكبير مكانا ندفن فيه، بعد ان نقضي ما تبقى لنا من عمر في هذه الدنيا الزائلة ؟ وهل سنجد نحن الأحياء من يدفنا بإحترام كما دفنا من سبقونا من الشهداء ؟ وماذا سيقول التاريخ عنا..؟" طرح هذه الأسئلة من "أبوالوليد" كان له في حينه ما يبرره، فعلاقة الثورة الفلسطينية بمعظم الدول العربية لم تكن على ما يرام، وكان خروج اكبر مظاهرة في شوارع تل ابيب، وليس في عاصمة عربية، استنكارا للهجوم الاسرائيلي ومجازر صبرا وشاتيلا شاهدا صادقا على مدى انحطاط الوضع العربي.

وعلى ظهر الباخرة اليونانية، التي ركبها آخر دفعة من القيادة والكوادر والمقاتلين باتجاه ميناء طرطوس السوري، كان ابو الوليد قليل الكلام كعادته. وقبل النزول عن ظهرها بادر ورتب موعدا للقاء المتواجدين من المجلس العسكري في البقاع اللبناني وقال "الوقت ثمين وعلينا ان نلتقي خلال 72 ساعة كحد اقصى، وقدرنا اكمال المشوار والوفاء بالعهد الذي قطعناه على انفسنا. امامنا مهام كبيرة كثيرة اولها اعادة تنظيم وتشكيل قواتنا المتواجدة في البقاع والشمال اللبنانيين، وادامة المعركة مع العدو، ومساعدة الحركة الوطنية اللبنانية في استنزافه في منطقتي الجبل والساحل. امكاناتنا البشرية والتسليحية ليست قليلة، ويجب توظيفها في اثبات فشل الهدف الاستراتيجي للهجوم الاسرائيلي. لا خوف على بقاء م ت ف كجسم سياسي، ستبقى حية طالما هناك شعب اسمه الشعب الفلسطيني، والمهم تأكيد بقاء جسمها العسكري حيا فاعلا" خاليا من كل مقصر ومنهزم. وبعد اقل من 72 ساعة عاد ابو الوليد الى لبنان وشرع في ترجمة افكاره. وكان همه استخلاص الدروس المستفادة من تجربة الثورة في لبنان ومن الهجوم الاسرائيلي، ووضعها موضع التطبيق على الارض وفي العلاقة اليومية مع الجماهير اللبنانية وقواها الوطنية، وايضا في العمل اليومي الدؤوب ضد الاحتلال. وخلال جولاته على قواعد المقاتلين شدد ابو الوليد على اهمية ابراز دور المقاومة الوطنية اللبنانية في مقاومة الاحتلال وكان يقول "وجود مقاومة لبنانية فعالة ومقاومة فلسطينية مستمرة يخلق مناخ لانبعاث مقاومة عربية شاملة. في السابق كنا نقطع مسافات طويلة ونجتاز موانع وعقبات كثيرة حتى نخلق التماس ونشتبك مع قوات الاحتلال، أما الآن فالقوات الاسرائيلية باتت في متناول اليد. انتشارها واسع وخطوط امدادها طويلة وبالامكان ارهاقها واستنزافها ، في السابق قاتلت الحركة الوطنية اللبنانية تحت رايات الثورة الفلسطينية، ومستجدات الصراع تفرض علينا القتال تحت رايات الوطنيين اللبنانيين. ليس مهما الاعلان عن اعمالنا، اسرائيل ستقوم بهذه المهمة، والعمل الناجح يلعن عن نفسه". 

وعندما التقى الملوك والرؤساء العرب يوم 6/9/1982 في قمتهم الثانية عشرة في فاس قال ابو الوليد "فاس الاولى كانت فأسا على رؤسنا. علينا منع الزعماء العرب في قمتهم الجديدة من تجاوز منظمة التحرير وسلبها تمثيل شعبها. جمود عملنا العسكري يضعف موقفنا ويسهل عليهم تجريدنا من السلاح والسير في جنازة تشيعنا ونحن احياء. المهم رفع اليقظة من عملاؤهم المتواجدين في صفوفنا". ولاحقا رفض كل العروض والاغراءات العربية وبخاصة التي قدمت له لقيادة "حركة تصحيحية داخل منظمة التحرير"، وخلق "م ت ف ثورية بديلة". وقال "المؤامرة بدأت، والحياة وقفة عز، وهناك من العرب من يحاول تدمير الحركة الوطنية الفلسطينية كما دمروها عام 1936، وبعد هزيمة 1948". وقرر مقاومة المؤامرة والتصدي بحزم لادواتها الفلسطينيين المأجورين مهما كان الثمن حتى لو كلفه حياته. 

وفور سماعه نبأ اغتيال بشير الجميل قائد القوات اللبنانية يوم 14 ايلول 1982دعا ابوالوليد المتواجدين من المجلس العسكري الفلسطيني الى لقاء عاجل لتدارس الموقف وفي الاجتماع قال " كلكم تعرفون ان بشير وصل رئاسة الجمهورية اللبنانية على ظهر دبابة اسرائيلية. وبصرف النظر عن منفذ عملية القتل، فالعملية كبيرة واكبر من طاقات القوى الوطنية اللبنانية، والمهم ان لا ندفع نحن الفلسطينيون ثمن اغتياله كما دفعنا ثمن طموحاته الرعناء". وبعد سماعه نبأ المجزرة التي ارتكبتها القوات اللبنانية يوم 17 ايلول بقيادة ايلي حبيقة في صبرا وشاتيلا . قال "عار علينا الصمت امام استباحة دم اطفالنا ونسائنا وشيوخنا العزل من السلاح. ويجب ان لا ننسى فالذاكرة الحية تصون الحقوق". وراح يواصل العمل ليل نهار لحماية الوجود المدني الفلسطيني، وحماية استقلالية القرار الفلسطيني وحينها قال وردد دائما المقولة الشهيرة له ( نموت ليعيش شعبنا وتحيا فلسطين) وقد تجسدت مقولته بالعمل والقول . . الا ان يد الحقد والغدر والخيانة العربية الفلسطينية الاسرائيلية اغتالته يوم 27 ايلول اول ايام عيد الاضحى المبارك حيث تعرض موكبه لكمين على الخط الرابط مابين منطقتي الرياق وبعلبك اثناء زيارته التفقدية لقوات الثورة في تلك المنطقة قبل ان يحقق اهدافه وقبل ان تجف دماء شهداء صبرا وشاتيلا. 

 واخيرا اجزم ان هذه الكلمات لا توفي الشهيد الاب, الصديق والاخ والقائد ابو الوليد حقه، وأتمنى ان يقوم طرف فلسطيني  الى تخليد ذكراه وجمع وتوثيق تاريخه المجيد، وتاريخ كل رموز الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. فسيرة اعلامها هي سيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة ، وهي اختصار لمسيرة الأمل والألم الفلسطيني في النصف الثاني من القرن العشرين. ففي المنافي والشتات كنا نسمع ان البعض سيقوم بتدوين  يوما ما تاريخ الثورة بصدق، وانهم سينقلون رفات الشهداء من أراضي الدول العربية الى ارض فلسطين الطاهرة. وفي لحظة ما اعتقدنا بان الوصول الى أرض الوطن سيمكن من الشروع بهذه المهمة، لكن وقائع الحياة أكدت ان لكل مرحلة همومها وشجونها. الى ذلك تبقى مهمة تعريف الاجيال بحلاوة تاريخهم ومره قائمة وامانة تستحق من الجميع، اليوم قبل الغد، جهدا مضاعفا، فالتأخر في توثيق التاريخ يعرض بعضه للتبديد، ويحوله الى ذكريات تاريخية شخصية تتبخر دروسها وعبرها المفيدة مع تآكل ذاكرة حامليها.

وفقدان تراث ابو الوليد الغني وخبراته القيمة خسارة للشعب الفلسطيني يصعب تعويضها. كيف لا وهو الذي جسد قولا وعملا باستشهاده ولسان حاله يقول :

                              ( نموت ليعيش شعبنا وتحيا فلسطين ) ......




لقد كان ابو الوليد ركنا شامخا من اركان بناءنا الوطني، كان عسكريا مثاليا، مخلصا في اداء مهامه، كفؤا في ادارة شئون قواتنا المنتشرة على مساحة الوطن العربي كله، وكان رحمه الله نموذجا في الراي والمثابرة والعطاء...ياسر عرفات

 

الملك حسين مخاطبا الرئيس عرفات في قمة فاس اما الملوك والرؤساء العرب..

ان صمودكم ، واداءكم الرائع في بيروت / ارتبط بجنرال يفخر الجيش الاردني انه كان من بين قادته، انه الجنرال الكفئ سعد صايل..

الملك حسين بن طلال رحمه الله




بعض الكلمات نظمت ترثي الشهيد سعد صايل

في يوم عيد الله ويل وجوههم

ابتاه ماذا قد يقول لساني

عقد الذهول فصاحتي وبياني

ابتاه قد هز المصاب بلاغتي

وتهدمت من هوله اركاني

غالبت دمعي واتقاد جوارحي

لكن ابى دمعي سوى التهتان

انا مابكيت من قضاء نازل

فالموت حق شرعة الديان

لكن بكيت الغدر كيف تطاولت

نحو البطولة قبضة الخوان

ما في الدموع ولا الدماء نواهل

تكفي لتطفئ جمرة الاحزان

الثأر يغلي جامحا في اضلعي

متفجرا متسعرالنيران

الثأر ثأري ماحييت

وثأر شعب دائم الثوران

ابتاه قد صاولت جيشا باغيا

وجها لوجه وقفة الفرسان

ماهنت يوما او جزعت لضربة

بل كنت دوما سيد الميدان

عجز البغاة عن الصيال جهارة

فتامروا غدرا بامر جبان

في يوم عيد الله ويل وجوههم

صرعوا بمصرعه ذرى البنيان

لكن خسئتم يابغاة جميعكم

ان مات سعد قام سعد ثان

كل الشباب ابا الوليد تعاهدوا

ان الشهادة عزة الانسان

فارقد هنيئا بالشهادة انها

تاج من الانوار والايمان

وعليك من ربي سلام دائم

ياقدوة الثوار والشجعان

اخوكم محمد سعد صايل

مفوضية الاعلام - حركة فتح

















التعليقات