تفاصيل ومفاجآت..كيف نجا السفير الامريكي بتونس من القتل:أخرجوه بلباس عسكري تونسي

تفاصيل ومفاجآت..كيف نجا السفير الامريكي بتونس من القتل:أخرجوه بلباس عسكري تونسي
صورة للسفير الامريكي بليبيا بعد قتله
عبد الرزاق قيراط
بعد أن وعدتنا التلفزة الوطنيّة (و توعّدت الحكومةً) بتخصيص برنامج 'بكلّ حرّيّة' لمأساة المركب الذي اختفي في البحر المتوسّط قبل وصوله إلى إيطاليا مخلّفا عشرات الضحايا، غيّرت موضوع جلستها الحواريّة و قرّرت أن تواكب الأحداث الخطيرة التي وقعت في محيط السفارة الأمريكيّة بمنطقة البحيرة. و ليس في ذلك التغيير ما يزعج سفنها التي توجّهها بحسب شهوات رياحها ما دام الهدف في كلّ مرّة إحراج الحاضرين من الوزراء و محاكمتهم على أخطائهم بكلّ أنواع التقريع على الهواء مباشرة حتّى لا يرأف بهم مقصّ الرقيب في صورة تسجيل تلك البرامج و إعادة النظر في مضمونها قبل بثّها.

كان ذلك من الماضي و اللهَ ندعو أن لا تعود أيّامه الخوالي. فلا طاقة لنا بالحرمان من ملذّات حريّة التعبير التي تغري معارضا مشاكسا بمطالبة وزير الداخليّة بالاستقالة دون حرج أو خوف، و تسمح لمواطن بالتدخّل هاتفيّا ليقول لنفس الوزير بحدّة : 'اتّق الله في التونسيّين'، دون أن ينهره مقدّم البرنامج أو يقطع الخطّ قبل محاسبته لاحقا على ' وقاحته و جرأته ' كما يحصل في عرف الأنظمة الدكتاتوريّة. 
 
و إنصافا للجميع، يحقّ للحكومة التونسيّة أن تفخر بما يلحقها من 'الأذى' عبر إعلامنا الحرّ، و لو كان في ذلك شطط أو انحراف عن قواعد النزاهة في أحيان كثيرة. فذلك أفضل من شبهة التضييق على الإعلاميّين بما يمنع وصولهم إلى مصادر المعلومات أو يؤدّي إلى إكراههم للانخراط في حفلات المديح المجانيّ لكلّ ما يصدر عن أصحاب القرار. و لعلّنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إنّ الحكومة استفادت من ذلك الإعلام رغم كلّ ما يقال عنه و عنها، فاشتدّ عودها بفضل الضربات التي وُجّهت إليها، ما دام النقد الذي يلاحقها إلى اليوم لم يزعزع شرعيّتها التي تحاجج بها خصومها و تتسلّح بقوّتها في مواجهة خططهم الرامية إلى 'إسقاطها و تعطيل أعمالها'.

و لكنّ نجاة الحكومة من السقوط لا يدعو خصومها إلى القنوط من تكرار المحاولة. و ذلك ما نلحظه في كلّ أزمة طبيعيّة كانت أو مفتعلة، و آخرها الأحداث التي أفرزها الفيلم المسيء لنبيّ الإسلام عليه الصلاة و السلام. فبادر الطيب البكوش أحد قيادات 'نداء تونس' إلى اتهام الحكومة بالتواطؤ المشبوه مع التيار السلفيّ نظرا لتقصيرها في التصدّي لدعاة العنف الذين ساهموا بأعمالهم في تشويه صورة البلاد. و طالب الوزراء بتحمّل مسؤوليّاتهم أو الاستقالة إن كانوا عاجزين عن ذلك و إلاّ فالإقالة مصيرهم!
و في برنامج بكلّ حريّة، دُعي المفكّر يوسف الصدّيق لينقل نفس الرسالة التي بعث بها نداء تونس فخاصم وزير الداخليّة على العريّض و طالبه بالاستقالة نظرا لفشل خطّته الأمنيّة في منع المتظاهرين من الوصول إلى مقرّ السفارة الأمريكيّة البعيدة عن مساجد وسط العاصمة. و حين نطق بذلك الطلب، خيّم على الحاضرين جوّ من الخشوع و شعر المشاهدون دون شكّ بتشويق لا يتحمّل انتظار ردّ الوزير الذي جاء سريعا و رشيقا بقوله : 'لن أستقيل في مثل هذه الظروف الأمنيّة المتأزمة حتّى لا أفرّ من مسؤوليّاتي، و لكنّني سأفكّر في الأمر حين تستقرّ الأوضاع'. و ترجمة ذلك الردّ أنّ الرجل مكره لا بطل. و هي الحكمة التي تنطبق على كلّ أعضاء الحكومة بعد أن غُرّر بهم ليتسلّموا الحكم و يواجهوا امتحانا عسيرا يسعون فيه إلى البحث عن مخارج آمنة و حلول سريعة في فترة وجيزة لمصائب تراكمت على امتداد عشرات السنين.

غُرّر بالحكومة ربّما من أقرب الناس إليها و فشلت في التعامل مع المتظاهرين بسبب فصل جديد من ذلك التغرير إذا صحّت قراءتنا لما قاله وزير الصحّة عبد اللطيف المكّي في نفس البرنامج و هو يبرّر لسائليه مبدأ السماح للمتظاهرين بالتعبير عن غضبهم دون صدّهم و منعهم من الوصول إلى محيط السفارة درئا لكلّ انفلات و قطعا للطريق عن المندسّين من المجرمين الذين يستثمرون تلك المظاهرات لتخريب الممتلكات العامّة و الخاصّة. فقد قال الوزير إنّ ما كان منتظرا مسيرة سلميّة للتعبير، بأسلوب حضاريّ، عن الغضب من الإساءة لمقدّساتنا تعقُـبـها وقفة احتجاجيّة أمام السفارة لقراءة رسالة استنكار قبل أن تُـسلّم للسفير حتّى يرفعها لسلطات بلاده. فهذا الكلام يفترض أنّ منظّمين من تيّارات إسلاميّة (قد تكون النهضة ضمنها) اتّفقوا على تلك الخطّة، و لكنّ الفشل كان في الموعد بسبب خطأ في التقدير أدّى إلى انفلات خطير لا رادّ له إلاّ باستعمال الرصاص الحيّ ربّما لتجنّب سقوط دبلوماسيّ أمريكيّ آخر حسب ما جاء في قناة الميادين.

حفلة تنكّريّة في السفارة الأمريكيّة

كان مراسل فضائيّة الميادين دقيقا في وصف ما حدث بمحيط السفارة الأمريكيّة في جمعة الغضب التونسيّ على الفيلم المسيء للإسلام. و بدت على وجهه لهفة السعداء و هو يُلمح إلى المصادر الأمنيّة التي خصّته بتفاصيل مثيرة أسرّت له بأنّ السفير الأمريكيّ كان متواجدا في السفارة عندما طوّقـتها جموع الغاضبين قبل أن تنجح في التسلّل إليها رغم المقاومة الشديدة لرجال الأمن. و الأحداث برمّتها صدمت أفق انتظارنا، كما فاجأنا وجود السفير بمقرّ عمله في تناقض عجيب مع الإجراءات الوقائيّة التي يتّخذها الأمريكان عادة حين تكون حياتهم في خطر. و تفسير ذلك البقاء يحتمل كلّ التأويلات بما في ذلك مزاعم التواطؤ التي يسوّق لها حزب نداء تونس. فلعلّ السفير سقط في نفس الفخ الذي سقطت فيه السلطات التونسيّة و اتّفق أو'تواطأ' مع الذين غُرّر بهم ليتسلّم رسالة الاحتجاج التي ذكرها وزير الصحّة، أملاً في تقديم أسلوب حضاريّ للاحتجاج من مهد الربيع العربيّ يكون قدوة للمتظاهرين الغاضبين في العواصم الإسلاميّة. لكنّ الذي حدث هو اقتداء التونسيّين بجماعات العنف التي خرجت في أرجاء العالم لتعبّر عن غضبها بالحرق و النهب، فأساءت بدورها إلى الإسلام و ناقضت تعليماته التي تدعو إلى التسامح و كضم الغيظ و الإعراض عن الجاهلين و عدم الخوض مع الخائضين الذين يستهزئون بمقدّساتنا حتّى يخوضوا في حديث غيره. 

اهتمّ مراسل قناة الميادين بتلك الأحداث في تقريره، و كان متلهّفا للكشف عن تفاصيل مثيرة تضمن السبق لقناته فلم يحسن التعبير عنها و هو يوضّح الطريقة التي تمّ بها إخراج السفير المحاصر، فقال إنّهم 'أخرجوه بشكل متـلـبّس' ثمّ اهتدى إلى تعبير لا لُبس فيه فقال موضّحا لعبارة المتلبّس :' ألبسوه لباس القوّات الأمنيّة التونسيّة'، لنفهم أنّه خرج متنكّرا حسب رواية الميادين التي انفردت بها، بينما كانت القناة الوطنيّة تذكّرنا في نشرة أخبارها كلّ دقيقتين بأنّ قتيلين سقطا بالرصاص الحيّ، و ذلك من باب 'فذكّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين' بضرورة مواصلة العمل على إسقاط الحكومة...

و على العموم، يجوز لقناة الميادين إذا صحّت روايتها عن خطّة نجدة السفير أن تفخر بمراسلها، و يجوز لأوباما أن يفخر برسوله، و يجوز للحكومة التونسيّة أن تفخر برسالتها التي وجّهتها إلى الإدارة الأمريكيّة بنجاحها في إنقاذ حياة السفير من موت محقّق بفضل التلبّس و التلبيس، و في ذلك ما يكفي لدعم شرعيّتها دون أن تسلم من محاولات جديدة للتدنيس.

تلبيس قايد السبسي

جاءت المحاولة مرّة أخرى من حزب 'نداء تونس'، بتهمة خطيرة وُجّهت لأحد الوزراء تزعم أنّه يخطّط لاغتيال قايد السبسي حسب ما ورد في تصريحات لزهر العكرمي الذي استند في اتهامه لدولة أجنبيّة قال إنّها أعلمت حزبه بالخطّة و موعدها و اليد التي ستنفّذها و هي من التيّار السلفيّ.

الحكومة توعّدت باللجوء إلى القضاء و عبّرت عن استغرابها من ترويج تلك التهم الخطيرة. و وسائل الإعلام وجدت مادّة جديدة لتأثيث برامجها و جلساتها الحواريّة. و التونسيّون مخيّرون بين التصديق و التكذيب في انتظار موعد 'الجريمة' الذي سيحلّ في الثالث و العشرين من أكتوبر التاريخ الذي تراه المعارضة مؤذنا بنهاية الشرعيّة. و الأهمّ من كلّ ذلك أن تُـتّخذ جميع الاحتياطات لضبط المجرم متلبّسا قبل تنفيذ جريمته، أو تهريب قايد السبسي 'متلبّسا' كما حدث مع السفير الأمريكي حسب رواية الميادين.
أمّا العقلاء فلا شكّ أنّهم على وعي تامّ بما يحاك من ألعاب التلبيس و حفلات التنكّر من جميع الأطراف. فهل سيثوب القوم إلى رشدهم ليكفّوا عن كشف سوءاتهم. ويستتروا بما أنزله الله لهم من ريش 'ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلّهم يذّكرون'.

التعليقات