كل مفاوض مكروه

بقلم : عبدالله عيسى
منذ نكبة عام 1948 توالت الهزائم العسكرية على الدول العربية في مواجهة اسرائيل حتى ترسخ في وجدان الانسان الفلسطيني والعربي ان الكرامة اهدرت والجيوش عاجزة امام اسرائيل فتعطشت الارض العربية لانتصار عسكري يرد الكرامة اولا قبل الارض .
في حرب 1973 كان الانتصار العسكري العربي الاول بعد معركة الكرامة في اغوار الاردن عام 1968 وعاش العرب من المحيط الى الخليج نشوة نصر لم يروه من قبل لأسابيع وما ان وضعت الحرب اوزارها بقرار من السادات حتى بدأت شعبية السادات تقل ولم يتفهم المواطن العربي قرار وقف الحرب ولكن زخم المعركة كان كبيرا وبقي المواطن المصري والعربي يعيشون امجاد تلك المعركة حتى بدأت مفاوضات الكيلو متر 101 للفصل بين الجيوش المصرية والاسرائيلية .. الجيش الثاني والثالث وثغرة الدفرسوار .
ورغم الانتصار وتغني العرب بالانتصار تلاشى كل شيء تقريبا عندما قرر السادات ان يفاوض الاسرائيليين بزيارته للقدس فانتهى السادات كقائد شعبي واصبح يشتم في كل مكان .. عاد السادات من زيارته للقدس بمفاوضات كامب ديفيد التي ادت الى انسحاب اسرائيلي من سيناء كاملة باستثناء طابا الا ان الشعب المصري لم يفرح ابدا باستعادة سيناء كاملة بدون قتال أي عبر المفاوضات بينما رقص سنوات فرحا لتحرير قناة السويس و 20كيلومترا من سيناء فقط .
واكمل حسني مبارك مفاوضات اخرى لاستعادة طابا حتى تم ذلك ولم يفرح الشعب المصري بتحرير طابا والسبب كما ذكرت لايعود لان سيناء عادت منزوعة السلاح وانما لأنها عادت بدون قتال .
الشعب المصري يذكر حتى الان اسماء جنود وقادة استبسلوا في حرب اكتوبر ولا اظن مصريا واحدا من عامة الشعب يذكر اسم مفاوض واحد في الكيلومتر 101 او كامب ديفيد .. لان الشعب العربي اصبح يعيش على هاجس القائد العسكري الذي تطرز صدره النياشين ان استطاع ان يوجع اسرائيل عسكريا اما المفاوض فهو مكروه مهما فعل ولا يوجد اكثر من تحرير سيناء كاملة بالمفاوضات ومع هذا كل من فاوض كان مكروها ونسيا منسيا .
في حرب الخليج الثانية اطلق صدام 39 صاروخا على اسرائيل لم تلحق أي اضرار تذكر فنسي الشعب العربي احتلال الكويت وغفروا ذنبه واصبح البطل القومي الوحيد الذي تزين صوره جدران المنازل الفلسطينية والعربية بعد جمال عبدالناصر ..
كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات لم يأت عابرا مثل مفاوضي كامب ديفيد من رجالات الدولة المصرية فانخرط بين ابناء شعبه ولم يكن غريبا عنهم وعمل كل مستطاع لرفع المعاناة عنهم ولم تسجل عليه شبهة فساد واحدة لدرجة انه رفض تعيين نجله في السلطة حتى لايتهم باستغلال النفوذ وكل هذا لم يغفر له " جريمته" من وجهة نظر البعض انه مفاوض .
للأسف بدأت نغمة جديدة تطال هذا الرجل واصبح البعض يحمله مسؤولية كل ممارسات الاحتلال وكانه شريك بها وفي الوقت نفسه لم تعد نسمع ادانة لممارسات الاحتلال بينما كل الشتائم اصبحت توجه ضد عريقات من البعض وليس من كل الناس . وهذا البعض ليس متجانسا منهم من يهاجم عريقات لأمر في نفسه ومنهم من يفعل ذلك جهلا بحقيقة دور كبير المفاوضين وقسم اخر ممن يبحثون عن نصر عسكري ضد اسرائيل ولا يجدوه عند عريقات .
ذات مرة كتبت عن عريقات قبل سنوات ووصفته ب" صائب 242 ". وذلك لأنه كان يردد في تصريحاته قرارات الامم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية . والحقيقة ان الرجل موسوعة تفاوضية لإلمامه الدقيق بكل اطراف المعادلة وقرارات الامم المتحدة ودهاليز المفاوضات مع الاسرائيليين.
نبض الشارع ليس على خطأ دائما فإسرائيل عودت الفلسطينيين والعرب انها لا تقدم تنازلا ايمانا بحقوق الاخرين وانما تحت ضغط عسكري او سياسي شديد .
في حكومة نتنياهو الاولى وقعت احدث النفق عام 1996 وسقط خلالها 74 شهيدا خلال 48 ساعة وعندها كان هنالك تدخل عربي قوي ومصري وامريكي ومورست ضغوط شديدة على نتنياهو وبدأت بعد معركة النفق مفاوضات الخليل وتابعها الرئيس المصري حسني مبارك في حينه لدرجة ان كان يحفظ اسماء كل شوارع الخليل حتى انتهت المفاوضات بانسحاب اسرائيلي من الخليل .
وعندما ارتدى عريقات الكوفية الفلسطينية في مؤتمر مدريد للسلام كان بوش الاب قد مارس ضغطا شديدا على حكومة شامير للمشاركة في مؤتمر مدريد للسلام ورفض منح اسرائيل ضمانات قروض بعشرة مليات دولار الا اذا شاركت اسرائيل بالمؤتمر فرضخت وشاركت .
وفي عهد الرئيس كلنتون وصلت العلاقات الفلسطينية الامريكية اوجها لدرجة ان اسرائيل ولأول مرة في تاريخها تتهم الادارة الامريكية بالانحياز لصالح الفلسطينيين .
وفي السنوات الماضية اعطى بوش الابن وعدا للرئيس ابو مازن بان لاتنتهي ولاية بوش قبل ان تعلن الدولة الفلسطينية .. كان وعدا محيرا وهذا الوعد اوقع الرئيس ابو مازن في حيرة فالضغوط من حوله واقصد الفصائل تقول لانصدق وعود بوش حتى خرج ابو مازن ذات مرة علنا وقال:" الرجل وعدني بالدولة الفلسطينية هل اقول له انت كاذب والبديل ما هو في هذه الحالة .. ننتظر تنفيذ وعده فان لم يف بها لدينا خياراتنا السياسية ايضا ".
لم يف بوش بوعده او مورست عليه ضغوط اسرائيلية كما حصل مع كلنتون وجاء اوباما الذي اعطى الاولوية للربيع العربي ووضع الملف الفلسطيني على الرف مؤقتا .
الوضع السياسي والتفاوضي الفلسطيني في ازمة حقيقية والسبب ليس ابو مازن ولا عريقات هنالك موازين قوى كلها اختلت واصبحت لصالح اسرائيل .. فمصر مبارك انتهت والنظام الحالي لا يوجد بينه وبين اسرائيل اتصالات تجعله قادر على التأثير على اسرائيل او على الادارة الامريكية والدول الاخرى تهاوت ودول في وضع حرج والاولوية لديها الافلات من طوفان الربيع العربي .
التعليقات