اسرار حصار طرابلس:عندما تخلى الرئيس عرفات عن بزته العسكرية ومسدسه والحطة الفلسطينية..قصة أشبه بالأفلام البوليسية

اسرار حصار طرابلس:عندما تخلى الرئيس عرفات عن بزته العسكرية ومسدسه والحطة الفلسطينية..قصة أشبه بالأفلام البوليسية
غزة - دنيا الوطن
نشرت صفحة محبين زهوة عرفات على الفيسبوك اسرار قالت انها تنشر لاول مرة عن حصار طرابلس وكيف وصل الشهيد ابو عمار الى طرابلس رغم الاعاقات والاغلاقات .
ننشر التقرير كاملا كما نشرته الصفحة 

” وصول الرئيس الى مخيم البداوي عام 1983 ” ..

كان واضحا أن الرئيس ياسر عرفات يريد أن يقول للسلطات السورية أن لا أحد يستطيع الهيمنة على القرار الفلسطيني ، وأن من أنشق وانحاز لهم لا يمثل حركة فتح أو منظمة التحرير الفلسطينية ، وأنه مستعد للاستشهاد دفاعا عن استقلالية القرار الفلسطيني ,,

لكن كيف سيصل الى طرابلس – سورية مغلقة – لبنان مغلق – البحر مغلق فالشاطئ اللبناني يعج بالزوارق الحربية الاسرائيلية .
لكنه وصل الى طرابلس .. كيف وصل ؟؟؟

قصة وصول الرئيس الى طرابلس قصة تشبه الأفلام البوليسية ، وقد لا يتخيل انسان أن الرئيس اتخذ قرارا بمجازفة كان من السهل أن يكون ضحيتها ، لكنه اتخذ القرار وجازف ووصل ..

هذه احدى ميزات شخصية أبوعمار ، فهو لا يأبه للمخاطر عندما يريد الوصول الى هدفه ، لكنه يعمل كل ما يمكن عمله لتخفيف تلك المخاطر قدر الامكان ، ويحسب حساب كل صغيرة وكبيرة ويضع أمامه كل العوامل المتغيرة التي يحتمل أن تفاجئه ، وبعدها يشرع في العمل …

ورتبت رحلة الرئيس الى طرابلس الشمال في بداية الأمر دون استخدام الهاتف او الفاكس أو البريد الالكتروني ، عبر لقاءات مباشرة بين منظمي الرحلة والأشخاص المعنيين ، وذلك تحاشيا لأي خطأ أو خرق أمني ، واختيرت مجموعة من الشباب من الذين رافقوا الرئيس على مدى سنوات ، والجميع يطمئن لوفائهم وولائهم وحرصهم على الرئيس ..

سفير فلسطين لدى طرابلس فؤاد البيطار ، لعب دورا محوريا في ترتيب تلك الرحلة “
كانت المرة الأولى التي يتخلى فيها الرئيس عن بزته العسكرية ومسدسه والحطة الفلسطينية ..

صباح يوم السادس عشر أيلول سبتمبر 1983 ” قبل يومين من عيد الأضحى ” اتصل مكتب الرئيس في تونس بالسفير فؤاد البيطار سفير فلسطين لدى قبرص هاتفيا ، أبلغه احد مساعدي الرئيس أن مجموعة من أصدقاء الرئيس ستصل الى لارنكا ، وأن الرئيس يطلب منه الاهتمام بهم لأنهم عزيزون عليه ، ولم يتطرق الى التفاصيل ..

وأجرى مكتب الرئيس اتصالا هاتفيا آخر مع السفير فؤاد البيطار بعد ثلاث ساعات من الاتصال الأول ، وكرر أحد مساعدي عرفات توصية الرئيس بالاهتمام بالمتوجهين الى لارنكا ، لكن هذا الاتصال تطرق الى مواضيع جديدة ، فقد أعلم فؤاد البيطار أن المجموعة ستصل لارنكا وأن عليه تأمينهم في الفندق ، وترتيب وصولهم الى طرابلس لرؤية الأخ أبوجهاد الذي كان موجودا في طرابلس على رأس القوات الفلسطينية …

أدرك السفير أن الأمر ليس توصية عادية بل ان مهمة هؤلاء الأصدقاء مهمة خاصة ، وازدادت الحيرة ..
اذ لم يبلغوا فؤاد البيطار عن رقم الرحلة ، أو موعدها أو موعد السفر ، وعندما استفسر هو لم يتلق أي جواب ..

وفي اليوم التالي اتصل الرئيس ياسر عرفات بنفسه بفؤاد البيطار وقال له ” يافؤاد .. انهم أصدقاء مهمون ، وهم يحملون رسالة لأخيك أبوجهاد ، وأريد منك أن تهتم أنت شخصيا بهم ” ، وازدادت حيرة السفير ..

وعندما خطر له أن المجموعة القادمة قد تكون الرئيس ومن معه ، طرد الفكرة مباشرة ، اذ لو كان هو الذي سيصل الى لارنكا ، لما تحدث معه هاتفيا ..

بعد منتصف الليل ، تلقى فؤاد اتصالا هاتفيا آخر من مكتب الرئيس للاستفسار عما اذا أجرى الترتيبات اللازمة لركاب الطائرة الخاصة طائرة رجال الأعمال التي ستصله صباحا ..
وبعد ساعة من ذلك الحديث تلقى فؤاد اتصالا آخر ، وكان هذه المرة المتحدث هو الرئيس نفسه ..
أكد على فؤاد اهتمامه الشخصي بالأخوة المتوجهين الى لارنكا ، وأنه يعتمد عليه لأنه سيتوجه الى الجزائر ثم اليمن لقضاء العيد مع القوات الفلسطينية المتمركزة في هذين البلدين الشقيقين ، وأنه لن يتمكن من الاتصال به قبل ساعات ..

فوعد فؤاد الرئيس خيرا ، وطلب منه أن يطمئن من كل النواحي ..
قام فؤاد بالترتيبات اللازمة واستأجر زورقا سريعا قادرا على قطع المسافة بين لارنكا وطرابلس خلال ثلاث ساعات ، وفي الصباح التالي أبلغ فؤاد بأن الطائرة الخاصة تقترب من مطار لارنكا ، فتوجه فورا لقاعة التشريفات بالمطار ، عند الساعة التاسعة صباحا حطت الطائرة واقتربت ، كما هي العادة من الباحة الخارجية لقاعة التشريفات ، وما أن هدأت محركاتها ، واقترب فؤاد منها – وعندما فتح الباب وأنزل سلمها الصغير ، صعد فؤاد الى الطائرة ليحيي المجموعة وليتعرف عليها ..

ويقول فؤاد البيطار أنه كان في تلك اللحظات على يقين وهو يصعد سلم الطائرة أن الرئيس ياسر عرفات لايمكن أن يكون ضمن المجموعة ..
ولهذا كان ذهوله كبيرا عندما رأى الرئيس يجلس على مقعد من مقاعد الطائرة ، كان الرئيس حليق الذقن ، الا من شارب كثيف ويلبس ثيابا مدنية ..

لم يعتد أحد رؤية الرئيس عرفات بهذا الشكل ، لكن هاهو في طائرة خاصة وينوي التوجه الى طرابلس ..
أسقط بيد فؤاد البيطار الذي قال ” لا أستطيع تحمل هذه المسؤولية سيدي الرئيس ؟؟ “
فأجاب الرئيس فورا ” هذا أمر عسكري ، لنتحرك بسرعة ولا تضيع الوقت ” ..
أمام هذا الأمر هبط الجميع من الطائرة ، وتوجهوا الى قاعة التشريفات التي كانت تبعد أمتارا عن الطائرة ، ولم ينتبه أحد لهوية المجموعة ، وجلس الجميع في القاعة والذهول مازال يسيطر على فؤاد البيطار الذي شعر بجسامة المسؤولية التي يتحملها في تلك اللحظة ..

لكن سرعان ما تحرك فؤاد فقال للرئيس ” من الأفضل أن نتحرك فورا لمنزلي ، حتى لاينكشف سرنا ، فقد يدخل القاعة في أي لحظة ضيوف التشريفات ، وتحرك الجميع فورا الى منزل السفير ، وترك الرئيس لأخذ قسط من الراحة ..

كان كل شيء جاهزا ، لكن في اللحظة الأخيرة حصل ما لم يكن متوقعا ، فقد اعتذر صاحب الزورق السريع وأبلغ ملاذ ” نائب السفير ” بأنه لن يتمكن من القيام بتلك الرحلة لأسباب طارئة ..
أجرى فؤاد اتصلات سريعة لتأمين زورق آخر ، وتم ذلك ولكن الزورق هذه المرة بطيئا وستستغرق الرحلة تسع ساعات مما يعرضه للمخاطر أكثر بكثير من المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الزورق السريع ، فالساعات التسع ستضع الزورق تحت رحمة أية دورية خفر سواحل أو زوارق حربية اسرائيلية ، لكن قرار الرئيس كان قاطعا ” على بركة الله لنتوجه فورا ” ..
وتحرك الجميع مرة أخرى الى لارنكا ..

أستدلت الستائر على نوافذ السيارة وجلس الرئيس في المقعد الخلفي وطلب منه عدم لمس الستائر وألا يلتفت لأحد عند الوصول ..
قرب الميناء أوقفت السيارة وهبط فؤاد ليكمل الاتفاق مع صاحب الزورق ، وأعطي الرئيس صحيفة يونانية ، وطلب منه تصفحها تمويها ..
خلال دقائق تم كل شيء ، وكانت الساعة تشير للحادية عشر والنصف صباحا عندما صعد الرئيس ومرافقوه للزورق ..

مجموعة من خيرة الشباب الشجعان رافقت الرئيس ” جهاد الغول ، أبوسليم ، كاسترو ، وأبوعلي حسن ” ..
لم يصعد فؤاد للزورق لتوديع الرئيس خشية أن يلفت الانتباه ، ودعه دامعا ، وتم الاتفاق أن يتصلوا بفؤاد فور الوصول لطمأنته وطمأنة الاخوان ..

أبحرت الباخرة الصغيرة نحو شواطيء لبنان ، وعاد فؤاد للسفارة واستدعى كل من ساهم في الترتيبات وطلب منهم الجلوس في مكتبه ، وأبلغهم أنه سيغلق عليهم الباب ، وسيقطع خطوط الهاتف عنه الى أن يصل الرئيس ، وبعدها سيكونون أحرارا ، وقبل خروجه من المكتب نظر اليهم قائلا ” هذا الاجراء حماية لكم في حال حدوث أي خطأ ” ..
زاد بطء العقارب رتابة فيما كانت تنشد قلوب وأعصاب المجموعة نحو الوصول للشاطيء بأسرع وقت ممكن ..

وبعد مضي عدة ساعات أراد الرئيس أن يصعد الى سطح المركب ليرى شواطيء لبنان وفلسطين ..
حاول المرافقون ثنيه عن ذلك لكنه أصر ، لاحظ القبطان أن شيئا غريبا يكتنف هذه المجموعة ، كان القبطان سوري الأصل من أرواد ..
وعندما صعد الرئيس لسطح الزورق تحيط به المجموعة ، دقق النظر في وجهه وعرفه ، عرف أنه يحمل في زورقه الرئيس ياسر عرفات ..
هجم القبطان معانقا الرئيس قائلا ” يارئيس أنت قائدنا ورمزنا ، أنت أمانة في عنقي ” ،

فشعر الرئيس أن بامكانه التمتع بمنظر الشاطئ ، شاطيء فلسطين ولبنان ، وعند الوصول للمياه الاقليمية اللبنانية أبلغ الرئيس أن قاربه ” الباخرة الصغيرة ” تحتاج لمياه عميقة للرسو ، وأن الشاطئ القريب من نهر البارد ليس عميقا ..

اعطى قبطان الباخرة اشارات لقوارب الصيد المنتشرة في تلك المياه فاقترب واحد منها ، فاوضه القبطان واتفق على نقل المجموعة للشاطئ مقابل أجر كبير ..
واضطر قارب الصيد أن يتوقف على بعد أمتار عديدة من الرمال لأنه لايستطيع التقدم أكثر ..
فقام أحد المرافقين بحمل الرئيس على كتفه وعبر به بضعة الأمتار المعدودة من البحر ، كانت المياه تصل الى وسطه ، فتقدم حتى وصل الشاطئ وأنزل الرئيس من على كتفه ، ولحق الآخرون بهما ..
أسرعوا نحو الشارع العام وأوقف أحد الاخوة سيارة أجرة ، وطلب من السائق أن يقلهم لمدخل المخيم ، انتبه السائق فراح ينظر عبر مرآة السيارة للراكب الذي جلس في الخلف يحيط به الشباب ، ثم راح يصرخ فجأة ” أبوعمار قائدنا ، كلنا فداك ” ..
أراد السائق أن يوقف السيارة ليعانق الرئيس ، لكن الرئيس طلب منه أن يتابع سيره بسرعة ..

فتابع سيره نحو مدخل المخيم ، أوقف السائق سيارته عند مدخل المخيم وهرع نحو الباب الخلفي ليفتحه ، فهبط الرئيس من السيارة وعانقه السائق بقوة وودعه داعيا له بالنصر ، وتقدم الجميع نحو المخيم ..
كانت الراحة تبدو على وجه الرئيس ، وأعصابه مرتاحة فسار يحث الخطى نحو مقر القيادة وهناك كان أبوجهاد بانتظاره ..

وهكذا انتهت الرحلة الخطرة لتبدأ المعركة الأخطر

التعليقات