الاسد يشكر الجيش الحر على اسقاط طائرة الميج

الاسد يشكر الجيش الحر على اسقاط طائرة الميج
بقلم: عبدالله عيسى

بداية لابد من التوضيح ان هذا المقال اردت منه تناول الازمة السورية بحيادية بعيدا عن العواطف بناء على معطيات على الارض عسكرية بالدرجة الاولى حتى لا يساء الفهم من أي طرف في المعادلة السورية والغرض توضيح معطيات للقارئ بسبب غموض الازمة السورية وتضارب المعلومات .

نلاحظ في الفترة الاخيرة تضارب كبير في الاخبار والمعلومات التي تتدفق عبر وسائل الاعلام حول الازمة الداخلية السورية وهذا التضارب جاء بسبب حيرة حقيقية وعجز دولي عن التدخل في الازمة السورية بشكل حاسم كما حصل في ليبيا .. وهذا العجز جعل الاطراف الدولية للازمة السورية يقبلون بعضهم على بعض يتلاومون سرا ورشحت معلومات كثيرة في هذا الاطار وسمعنا عن تسريبات اعلامية لحلول يائسة هدفها اسقاط نظام بشار الاسد .. فتركيا اندفعت في البداية لإقامة منطقة عازلة على الحدود السورية ثم تراجعت فعرضت الاطراف الدولية على الاردن اقامة منطقة عازلة ورات ان الاردن الحلقة الاضعف اقتصاديا وتحت وطأة الظروف الاقتصادية الاردنية جرى ابتزاز الاردن كي يقيم المنطقة العازلة مقابل تلبية طلبات اردنية من المساعدات .. أي مساعدات مقابل ادخال الاردن في حرب طاحنة مع سوريا لم تجرؤ على احتمال نتائجها امريكا واوروبا وتركيا واسرائيل أي اعتراف ضمني ان الاردن دولة عظمى تفوق امكانتها كل دول الحلف !!

وحسب التسريبات الصحفية المنشورة وضع الاردن شروطا مالية وعسكرية فتراجع القوم واعتبروا ان الاردن تبالغ في شروطها عندما طلب 20 مليار دولار وشروط عسكرية اخرى .

دخلت الازمة السورية في المفارقات المضحكة المبكية فعندما تباحث اللواء عبدالفتاح يونس مع احد قادة حلف الناتو قبل سقوط طرابلس قال قائد الناتو للواء عبدالفتاح:" لقد كلفتنا الحملة العسكرية على ليبيا حتى الان 100 مليار دولار.

وهذا يعني ان ليبيا بعد سقوط القذافي ستدفع هذه التكاليف فرد عبدالفتاح :" وهل ان طائرات الناتو تسقط على ليبيا صواريخ من ذهب.. من اين جئتم بهذه التكاليف !!.

الجيش الحر حتى الان كان الاقل تكلفة في معارك الربيع العربي وبعيدا عن الارقام المهولة التي يتداولها الاعلام فان الجيش الحر يصرخ ليل نهار على شاشات الفضائيات مطالبا بدعم مالي وعسكري حقيقي دون جدوى وكل ما انفق على الجيش الحر والازمة السورية لا يتجاوز بضعة عشرات من ملايين الدولارات .. أي المنطق نفسه مع الاردن والجيش الحر ويبدو ان تركيا واجهت نفس المعضلة تكاليف باهظة لحرب اسقاط نظام بشار ولا يوجد من لديه استعداد لتمويل حقيقي وجدي وكل ما يتحدثون عنه من دعم هو دعم اعلامي وسياسي ومناكفات ودعم مالي وعسكري ضئيل .

والسؤال الكبير: لماذا تلح امريكا ولا تنام الليل لا سقاط نظام بشار وفي الوقت نفسه تترك الجيش الحر يواجه مصيره لوحده بدعم لا يذكر وترفض تمويل حملة عسكرية قادرة على خوض معركة ضد نظام بشار ؟ السؤال محير والاجابة عنه تحتاج الى اجتهاد .

بعكس الازمة الليبية فان الازمة السورية متشابكة جدا محليا واقليميا ودوليا واعتقد يوجد عدة اسباب للموقف الامريكي المتردد عمليا في اتخاذ خطوات قد تسقط نظام بشار فالموقف الروسي والصيني كانا بالمرصاد على الساحة الدولية ولم يكن موقفهما اعلامي ولفظي وسياسي فقط بل تعدى ذلك الى تزويد نظام بشار بالأسلحة التي يحتاجها وفي وضح النهار وعلى عينك يا تاجر فالسفن الحربية تجوب المنطقة تفرغ حمولتها في ميناء طرطوس وتعود بعد "المهمة التدريبية" ولا نعرف حتى الان ان مهمات تدريبية لسفن حربية عملاقة ليوم واحد تأتي من اعالي المحيطات قاصدة طرطوس وتعود ادراجها بعد التزود بالوقود والمواد الغذائية .. تأتي من اخر الدنيا كي تتزود بالوقود في طرطوس وتعود ..المسالة واضحة وروسيا لم تخفي مسالة تسليح النظام السوري .

العامل الثاني ان امريكا ما زالت تفاوض نظام بشار تحت الطاولة ولم تفقد الامل في التوصل لاتفاق يلبي المطالب الامريكية والتي لا يوجد بينها أي مطلب يتعلق بالديموقراطية في سوريا وانما مطالبها تتعلق بحزب الله وايران واسرائيل فقط .

العامل الثالث هو الجيش السوري الذي يقف اكبر حجر عثرة امام التدخل الخارجي .. فالإعلام يلهث خلف مسؤول سوري انشق هنا وهناك ومجموعة جنود وضباط هربوا الى الاردن او الى تركيا وطائرة ميج يتيمة اسقطها الجيش الحر واعتقد ان بشار عندما بلغه خبر سقوط طائرة الميج لم يغضب ولم ياسف على الطائرة لأنها حسب موازيين المعركة الحالية هي خردة لا يريدها في الجيش السوري بعد الان ولن يعتمد عليها ان وقعت الواقعة ولسان حاله كانه يريد توجيه رسالة شكر للجيش السوري الحر على اسقاطها.

الاسد يعرف تماما جيشه واماكن القوة والضعف فهو لا يعول ابدا على ان تحسم طائرات الميج القديمة في سلاح الجو السورية معركته القادمة مع الناتو ولا يهتم لمن ينشق من جنوده وضباطه في هذه المرحلة لان الاسد حسم خياراته السياسية والعسكرية وحددها بالسكين . وحتى سلاح المدرعات والدبابات لا يعول عليها ونلاحظ ان نوعية الدبابات التي يدفعها للمدن هي من نوع قديم جدا تي 62 والتي دخلت الخدمة عام 1961 واستعمل مؤخرا بعض دبابات تي 72 المتطورة والتي لا يستطيع الار بي جي التعامل معها .

وحديث الادارة الامريكية عن الفرقة الرابعة وانها من تبقي النظام واقفا على قدميه هي اكذوبة اعلامية ..فالفرقة الرابعة بقيادة ماهر الاسد تواجه الجيش الحر في المدن والارياف ولكن الفرقة الرابعة لاتحمي النظام من بطش الناتو وانما الدفاعات الجوية وسلاح الصواريخ . فالفرقة الرابعة والدفاع الجوي والصواريخ هي الحلقة المغلقة في جيش بشار حتى الان . الفرقة الرابعة في التعامل مع الجيش الحر بينما الدفاع الجوي والصواريخ هي من تجعل امريكا تتردد في الدخول بمواجهة عسكرية بقرار من مجلس الامن او بقرار امريكي خارج اطار مجلس الامن .

اما العنصر الاخير في الجيش السوري فهو السلاح الكيماوي وعندما قام الاسد بتحريك مواقع تخزين السلاح الكيماوي كانت رسالة واضحة لأمريكا واسرائيل.

روسيا قدمت ضمانات لأمريكا ان السلاح الكيماوي السوري تحت اشرف خبراء روس ولن تسمح باستعماله مقابل عدم تدخل عسكري خارجي بسوريا.

العامل الرابع حلفاء بشار عسكريا وهم حزب الله وايران وهذه الحلقة مهمة جدا في الحسابات الامريكية ففي حال تطور الوضع الى تدخل عسكري خارجي من غير المتوقع ان تشارك ايران عسكريا وبشكل مباشر الا في حال اتساع الدائرة وقصف ايران اذا ارادت اسرائيل انتهاز الفرصة لانها تريد بالتأكيد كل يوم تجعل الشعب الاسرائيلي ينام في الملاجئ .

وسواء تدخلت ايران ام لم تتدخل بشكل مباشر فان حزب الله وبشكل قاطع سيتدخل وفورا بدون سابق انذار والعملية لن تقتصر على حرب الصواريخ بل ستمتد المعركة الى خارج حدود دائرة الصراع الاقليمية الى ضرب مصالح امريكية في الخليج وعلى امتداد العالم .. فسوريا لا يوجد لديها الامكانيات ولم تعد نفسها لمعركة ضرب المصالح الامريكية في العالم ولكن ايران وحزب الله لديهما اليد الطولى وقادران بلا مبالغة على اشعال جحيم في العالم ضد المصالح الامريكية في معظم دول العالم .

المعركة القادمة التي تتحدث عنها اسرائيل هي معركة وجود فيما يخص السلاح النووي الايراني والمعركة ايضا بالنسبة للحلفاء الثلاثة سوريا وايران وحزب الله معركة وجود ايضا اما ان تكون ايران وسوريا على الخارطة السياسية اقليميا ودوليا واما نهاية يصعب الوقوف بعدها .

الحرب قادمة لامحالة ولكن شرارتها غير معروفة من اين ستبدأ هل من دمشق ام من طهران .. امريكا تراهن على انقلاب عسكري في سوريا ولكن الانقلاب لن يؤدي الى اسقاط نظام بشار وسيفجر حربا اهلية طاحنة وان لم يحصل الانقلاب ولا بوادر جدية لذلك ستدخل الخيارات الاخرى واسرائيل استطاعت ابتزاز اوباما الان عشية الانتخابات الامريكية بالضغط عليه للموافقة على ضرب ايران وامام اوباما خيارين اما ان يوافق لإسرائيل على ضرب ايران حتى بعد الانتخابات الامريكية او سقوطه في الانتخابات القادمة بفعل اللوبي اليهودي في امريكا والبديل جاهز ومتطوع وبدأ حملته الانتخابية من اسرائيل .

تشابك معقد بين الملف السوري والايراني والاسد يتريث في قرارات عسكرية حاسمة الى ما بعد الانتخابات الامريكية فاذا سقط اوباما قد يعيد النظر الرئيس الجديد في مسالة دعم وتبني الربيع العربي وتنتهي الثورات العربية بانقلابات عسكرية على الاخوان المسلمين وتعود المنطقة العربية الى حالة مشابهة لمرحلة الخمسينات والستينات عندما كنا نصبح ونمسي كل يوم على انقلاب في دولة عربية .. وبالمناسبة فان اسرائيل كانت وما زالت رافضة للدعم الامريكي للثورات العربية وترى ان امريكا حركت مياه راكدة وان سيطرة الاسلاميين ستكتوي بنارها في نهاية المطاف اسرائيل وليس امريكا وهذا الموضوع لا يحتمل بالنسبة لإسرائيل التجربة .

ولا نبالغ اذا قلنا ان مصير المنطقة العربية يتوقف على نظام بشار فان صمد وبقي بشار وخرج من ازمته سليما كنظام تهاوت الثورات العربية واندحرت وستحصل ردة ما بعدها ردة على الربيع العربي وتتراجع امريكا عن دعم الثورات العربية وان سقط نظام بشار ستفتح شهية امريكا لإسقاط او زعزعة انظمة عربية ترى نفسها الان في منأى عن الخطر مؤقتا وتشعر في داخلها بالخطر القادم في حال سقوط نظام بشار .

نهاية الازمة السورية غير واضحة حتى الان ولا يستطيع احد الجزم بالصورة النهائية هل يصمد بشار ام ينهار في حال تطور الاحداث لتدخل عسكري دولي وكل ما نسمعه من تصريحات امريكية ان نهاية الاسد وشيكة هي تصريحات غير دقيقة ولا تعبر عن الواقع في سوريا .

الوضع السوري الداخلي مهلهل جدا وقد تكون الحرب فرصة للأسد كي يجهز على الجيش الحر بعيدا عن وسائل الاعلام التي ستلاحق سقوط الصواريخ على اسرائيل ولن تلفت كثيرا لأي مجازر قد ترتكب في سوريا .

والتدخل العسكري الخارجي يعني تدخل حزب الله فورا وحتى التهديدات الاخيرة التي اطلقتها اسرائيل ضد حزب الله وسوريا لن تغير أي عنصر في المعادلة فضرب المنشآت الحيوية ومحطات الكهرباء لن تؤثر على حزب الله اما سوريا فهي تخوض معركة وجود للنظام ولن يكترث لأي دمار في بلد يشهد دمارا اصلا قبل اندلاع الحرب وكما يقال ضربوا الاعمى على عينه قال خسرانه خسرانه .

لكن قواعد اللعبة تغيرت الان في حرب لبنان وسوريا لان هدف طائرات اسرائيل والناتو سيكون ملاحقة السيد حسن نصرالله وبشار الاسد شخصيا لاغتيالهما . ففي كل الحروب السابقة كان يخشى من تعمد اغتيال رئيس عربي في حالة الحرب تجنبا لردات الفعل اما الان فالهدف الرئيس من الحرب ان وقعت هو اغتيال بشار وحسن نصرا لله .

مشكلة امريكا الكبرى ان بيد الاسد اوراق كثيرة لم يستخدمها بعد وجاهزة للاستخدام بعكس القذافي الذي لم يكن له لاحول ولا قوة كما هو حال صدام فأمريكا لاتقدم ابدا على ضرب دولة قادرة على المواجهة وعندما تتأكد ان تلك الدولة عاجزة عن المواجهة لا تتردد في الضرب بقرار من مجلس الامن او بدون ذلك .. فالقذافي كان عمليا بلا جيش حقيقي وكل صواريخ سكاد لديه كان عددها خمسة ومداها قصير جدا وكل ما كان يملكه القذافي جعجعة اعلامية كما كان صدام واما سوريا فالوضع مختلف جدا .

التعليقات