مذكراته تكشف: نابليون صور نفسه كمهد منتظر.. ولم يعط اليهود فلسطين

مذكراته تكشف: نابليون صور نفسه كمهد منتظر.. ولم يعط اليهود فلسطين
غزة - دنيا الوطن
تحل اليوم 15 أغسطس ، ذكرى ميلاد القائد العسكري والإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت، وبالتحديد عام1769. كان بونابرت هو قائد الحملة الفرنسية على مصر، وقد عُرف عنه ولعه بالإسلام حتى أنه تردد أن نابليون قال أنه على وشك إعلان إسلامه هو وجيشه، لكن الحقيقة يكشفها كتاب  "بونابرت والإسلام: بونابرت والدولة اليهودية" تأليف هنري لورنس، والصادر عن دار مصر العربية للنشر والتوزيع، بترجمة بشير السباعي.

الكتاب كما يقول مترجمه يضم دراستين للمؤرخ هنري لورنس، يتناول المواقف السياسية لشخصية نابليون تجاه الإسلام وموقفه من اليهودية كذلك.

بونابرت والإسلام

يقول المترجم زار المؤرخ الفرنسي المعروف هنري لورانس القاهرة خلال الفترة من 3 إلى 9 مايو 1997. ومساء الأربعاء 7 مايو ألقى بالمركز الثقافي الفرنسي بالمنيرة محاضرة تحت عنوان "بونابرت والإسلام"، واستناداً إلى الوثائق التاريخية يتتبع لورنس مواقف بونابرت من الإسلام وتصوره له، مبرزاً خاصية مهمة من خصائص البونابرتية هي المناورة بين مختلف الأديان والأيديولوجيات، وذلك بقدر إلحاح الحاجة إلى مثل هذه المناورة
 

يقول المؤرخ أن شخصية بونابرت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالشرق، إلا أنه شأنه شأن جميع معاصريه كانت لدى بونابرت رؤية متناقضة عن الشرق، فهو من جهة يجد مجتمعاً متأخراً، متعثراً على طريق التقدم ضحية للاستبداد وهو من جهة أخرى يشعر أن الشرق هو الساحة الحقيقية التي يمكن فيها للرجل العظيم، أن يحقق مآثر عظيمة.

وفي عام 1789 في الحادية والعشرين من عمره يكتب بونابرت حكاية شرقية قصيرة تحمل عنوان "قناع النبي" وهي حكاية تمرد ضد واحد من أوائل الخلفاء العباسيين قاده نبي كاذب اسمه ابن حكيم يقول: "إن ابن حكيم الطويل القامة، والذي كان بليغاً بلاغة جازمة ونزقة، كان يزعم أنه رسول الله، وقد دعا إلى أخلاق طاهرة عزيزة على أفئدة الجماهير، فقد كانت المساواة في المكانات وفي الثروات هي الشعار الأساسي لخطبه، وقد انتظم الشعب تحت بيارقه، وكان لابن حكيم جيش". ويروي بونابرت كيف خسر جيش ابن حكيم الذي انتحر بعد ذلك، ويكتب نابليون في النهاية: "هذا المثال غريب لا يكاد يصدق، فإلى أي حد يمكن لجنون الشهرة أن يمضي؟".

يقول المؤرخ صاحب الدراسة أن نابليون كان يستخدم لغة الإسلام في الحديث عن المساواة لكسب الجماهير فقط لا غير، بالحديث عن المساواة بين البشر وما شابه، وبذلك يدفع الجماهير بعيدا عن فكرة الثورة عليه .

في مذكراته يتعجب نابليون من قدرة المسلمين على فتح العالم في ثلاث عشرة سنة فقط، ويقارن بينه وبين النبي محمد صل الله عليه وسلم ويقول سوف أكون إسكندر أكبر على المستوى العسكري، ومحمداً جديداً على المستوى السياسي. وقال لمدام دو ريموزا في عهد القنصلية: "في مصر وجدت نفسي متحرراً من كوابح حضارة مزعجة، لقد كان بوسعي أن أحلم بكل شئ وأن أرى وسائل تحقيق كل ما حلمت به. فسوف أؤسس ديانة، وسأجد نفسي على طريق آسيا راكباً فيلاً، وعلى رأسي عمامة. وسوف أجمع في مشاريعي بين تجارب وخبرات العالمين، مهاجماً الجبروت الإنجليزي في الهند ومستعيداً بهذا الفتح ببطء صلاتي مع أوروبا العجوز. لقد كان ذلك الوقت الذي قضيته في مصر أجمل أوقات عمري، لأنه كان الوقت الأكثر مثالية".

 خطاباته إلى المصريين

يعرج لورنس على خطابات نابليون إلى المصريين مؤكداً أن بونابرت كان يمزج بين خطابه الثوري والرطانة السياسية الإسلامية في بياناته الموجهة إلى المصريين. فهو يمحور دعايته على واقع أن الفرنسيين هم أعداء الكاثوليك وبابا روما وعلى واقع أن الفرنسيين قد طردوا هذا الأخير من عاصمته وقضوا على أخوية فرسان مالطة أعداء المسلمين.

 والحال أن المسلمين المصريين الذين أربكتهم سرعة الفتح، قد صدقوا بالفعل أن الفرنسيين قد تصرفوا بتفويض من الباب العالي. وكان برنامج القضاء على مظالم المماليك واحداً من أكثر البرامج شعبية. أما ربط العلماء بالسلطة فقد كان يتماشى مع التعزيز السياسي لهذا الفريق الذي كان واحداً من محركي التجديد الإسلامي المعاصر، ولم يتردد الجنرال الفرنسي في إعلان تفوق الشريعة الإسلامية قائلاً: "أرجو ألا تتأخر اللحظة التي يتسنى لي فيها جمع كل الرجال الحكماء والمثقفين في البلاد، وإقامة نظام متسق قائم على مبادئ القرآن وهي المبادئ الصحيحة الوحيدة، والقادرة وحدها على تحقيق سعادة البشر".

ولكن وفق تحليل المؤرخ لورنس فإن هذا الموقف لا يدوم طويلاً فالسكان يفيقون بسرعة من صدمة الفتح، والجيش الفرنسي يعوزه المال، الأمر الذي يجبره على مضاعفة تدابير فرض الضرائب، بما يجعل كل محاولة للقضاء على المظالم محاولة وهمية، والباب العالي يضطلع بحرب دعائية مثيرة تفضح، في الحملة على مصر خطة للقضاء على الإسلام وإبادة المسلمين، ويجري النظر إلى الفرنسيين كبرابرة لا يحترمون قواعد الحضارة الإسلامية، ولا يترددون في انتهاك خصوصية العائلات لأجل أسباب واعتبارات أمنية "نزع أبواب الأحياء والشوارع" ولأجل اعتبارات ضريبية "إحصاء الممتلكات" ولأجل اعتبارات مكافحة الطاعون "تفتيش البيوت بشكل خاص" والحال أن ثورة القاهرة الأولى في أواخر أكتوبر 1798 إنما ترمز إلى الطلاق بين الفاتحين والمفتوحين.

"الفرنسة" مشروع بونابرت

في رسالته إلى كليبر بتاريخ 22 أغسطس 1799 عند نقل قيادة جيش الحملة إلى الأخير، يبدي بونابرت عزمه على "فرنسة" مصر، حيث يكتب إلى كليبر ويقول: حاول أن تجمع خمسمائة أو ستمائة مملوك تتولى عند وصل السفن الفرنسية احتجازهم يوماً ما من القاهرة أو من أقاليم أخرى وترحيلهم إلى فرنسا. وإذا لم تجد مماليك فخذ رهائن من العرب أو من مشايخ البلد، الذين تحت دعوى أو أخرى سوف يجدون أنفسهم محتجزين وهؤلاء الأفراد عند وصولهم إلى فرنسا سوف يجري إبقاؤهم فيها سنة أو سنتين، وسوف يرون عظمة الأمة، ويتبنون عاداتنا ولغتنا، ولدى عودتهم إلى مصر سوف يساعدون على تكوين عدد كبير من الأنصار لنا".

 ويقول أيضاً: "لقد طلبت بالفعل عدة مرات فرقة ممثلين، وسوف أحرص بشكل خاص على إرسال فرقة إليك. فهذا الموضوع جد مهم بالنسبة للجيش وبالنسبة للبدء في تغيير عادات البلد".

التلاعب بالدين
 
كان نابليون يصور نفسه كمهدٍ منتظر حقيقي للمسلمين حتى أنه أعلن بنفسه أمام سكان القاهرة: "اعلموا أن الله قدر في الأزل أن أجئ من المغرب إلى أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها، وأجرأ الأمر الذي أمرت به ولا يشك العاقل أن هذا كله بتقدير الله وإرادته وقضائه".

وعن ذلك يقول في مذكراته: انه فكر في اعتناق الإسلام هو وجيشه ويقول إن تغيير الدين الذي لا يمكن اغتفاره من زواية الاعتبارات الشخصية قد يجوز تفهمه من زاوية ضخامة آثاره السياسية. ويؤكد في مذكراته أن بياناته إلى المسلمين لم تكن غير احتيال، حيث انتقل إلى الحديث عن بيانات مصر وتهكم كثيراً على البيان الذي قدم نفسه فيه في صورة ملهم ورسول من الله يتلقى الوحي عنه، وقال إن هذا كان احتيالاً لكنه احتيال من أعلى طراز.

تعدد الزوجات

 شغلت نابليون فكرة تعدد الزوجات في الإسلام، وقال أنها ضرورة لتعدد ألوان الشرقيين، لكن الغربيين لونهم واحد، وقال : الإنجليز والفرنسيين والإيطاليين لا يؤلفون غير عائلة واحدة هي عائلة الغربيين فهم لهم قوانين واحدة وأعراف واحدة، وهم يختلفون تماماً عن الشرقيين، خاصة في علاقتيهما الرئيستين بنسائهم وخدمهم، فالشرقيون لهم عبيد، وخدمنا أحرار، والشرقيون يحدون من حرية حركة النساء، في حين أن نساءنا يشاطرننا جميع حقوقنا، وغيرها من التباينات الأخرى التي قال أنها تصل إلى ثمانين تبياناً.

 كان نابليون يؤمن كذلك بحرية العقيدة والفكر، وأن يكون كل الناس متساويين بحيث لا يمكن للدين أن يكون له دور في توزيع وظائف الحكومة، وألا يكون الدين مصدر إيذاء لمن يعتنقونه أو بسببه يحصلوا على مكرمة.

 بونابرت والدولة اليهودية

يؤكد لورنس أن مشروع الدولة اليهودية في فلسطين المنسوب إلى بونابرت، غير حقيقي وخاطئ، ومجرد زعم من اليهود، فمنذ بداية الصهيونية نجد الفكرة التي تزعم أن بونابرت قد اقترح إنشاء دولة يهودية خلال الحملة الفرنسية على مصر والشام استخدمت كمرجع تاريخي، وقد استخدم هرتزل هذه الفكرة خلال المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بال عام 1897، وخلال الحرب العالمية الأولى استخدمت الدعاية الصهيونية هذا الزعم على نطاق واسع.

عام 1919 يقدم السياسي والمؤرخ الصهيوني ناحوم سوكلوف في كتابه "تاريخ الصهيونية" الملف الكامل حول هذا المشروع المنسوب إلى نابليون الذي يقال أنه كان ينوي إنشاء دولة يهودية في فلسطين ويعتمد الكتاب فيما قاله على بيان بونابرت عام 1799 الذي يدعو فيه جميع يهود آسيا إفريقيا إلى الانضواء تحت رايته من أجل إحياء أورشليم القديمة، قد قام بالفعل بتسليح عدد كبير منهم.

ودراسة هنري لورانس حول مشرع الدولة اليهودية المنسوب إلى بونابرت تؤكد أن البيان المنسوب إلى بنابرت الموجه إلى اليهود هو بيان مزور، ويدين المترجم بشير السباعي ما نسبه محمد حسنين هيكل في كتابه "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل" في الجزء الأول منه الصادر عام 1996 إعادة نشر البيان حتى أن البعض اعتقد أن هيكل هو الذي كشف عنه لأول مرة رغم أن البيان معروفاً للقارئ العربي منذ عام 1985.


مؤكداً أن الحديث عن "اكتشاف" أحمد حسين الصاوي لوثائق الحملة هو مجرد كلام فارغ فأغلب هذه الوثائق معروف ومنشور قبل بحثه عنها!.

 




التعليقات