تفاصيل معارك " العاشر من رمضان"

تفاصيل معارك " العاشر من رمضان"
غزة - دنيا الوطن
حققنا القرار بقبول التحدى، والقرار هنا مرادف دقيق لمعنى الإرادة .. كانت حالة اللاسلم واللاحرب قد طالت بأكثر مما هو لازم لأى شعب يريد أن يحتفظ بحيويته النضالية ولكن القرار لم يكن سهلا خصوصا وأن الملابسات المحيطة بالعمل الوطنى فى مصر وربما فى غيرها من بلاد العالم النامى كله تضع مسئولية القرار على كتفى رجل واحد أى أنه بالنسبة لأنور السادات فإن القرار كان مصيريا وفى الوقت نفسه فقد كان عليه أن يتخذه وحده .. وربما كان من حقه وواجبه أن يسمع وأن يناقش لكنه كان مطالبا بأن يكون وحده عقلا وقلبا وضميرا ثم يصل إلى القرار ويتحمل تاريخيا مسئوليته .. بهذا الكلمات علق الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل على قرار العبور الذى اتخذه السادات فى مثل هذا اليوم العاشر من رمضان من عام 1393 الموافق 6 أكتوبر 1973 .. تصوير: محمد لطفى

ويزخر شهر رمضان بالكثير من المعارك الفاصلة فى التاريخ العربى والإسلامى ففى هذا الشهر الكريم وقعت غزوة بدر في السابع عشر من رمضان سنة اثنتين للهجرة وتم فيه فتح مكة فى السنة الثامنة من الهجرة وفتح فيه المسلمون عمورية عام 223 من الهجرة وقاد فيه سيف الدين قطز جيش المسلمين ضد التتار فى معركة عين جالوت عام 658 هجرية وفى هذا الشهر أيضا فتح المسلمون أنطاكية عام 666 هجرية ..
ثم جاءت معركة العاشر من رمضان لتضيف نصرا جديدا للعرب والمسلمين فى هذا الشهر الكريم ..  
ولم تكن تتصور إسرائيل أن يتخذ الرئيس الراحل أنور السادات قرار العبور فى شهر رمضان الكريم كانت تستبعد تماما أن يتحرك جنودنا وهم صائمون فى هذه المعركة ولكن النصر كان حليف المؤمنين وكانت خسائر إسرائيل مفزعة كان هناك نحو 2828 قتيلا و2800 جريح وتم تدمير 840 دبابة و400 عربة مدرعة وسفينة حربية وأكثر من مائة مروحية وطائرة من طائرات القتال . أما خسائر الجيش المصرى فكانت هزيلة للغاية بحجم خطورة المعركة فقد واصلت القوات المصرية اقتحام خط بارليف وعبور القناة وإقامة رؤوس جسور لها فى الضفة الشرقية من القناة واستغرقت عملية العبور 6 ساعات فقط وكانت الخسائر بسيطة كان هناك نحو 64 شهيدا فقط وحوالى 500 جريح وتم تدمير 17 دبابة و11 طائرة قتال.
وقد تسربت مؤخرا من هيئة الأركان والحكومة الإسرائيلية وثائق سرية توضح حجم الهزيمة التى تعرض لها الكيان الصهيوني ويعتقد أنه يوجد الكثير منها لأحداث مشابهة لكنها ما زالت طي الكتمان أو يمنع نشرها .
  ومن أبرز تلك الوثائق ، أن موشيه دايان اعترف بأنه أخطأ تقدير قوة المصريين والسوريين كما أنه قرر الانسحاب من الجولان فى ثانى أيام حرب أكتوبر تحت وطأة الهجوم السورى .
هذا بالإضافة إلى أن الوثائق المسربة تضمنت أيضا أن عشرات الجنود الإسرائيليين قتلوا وأصيبوا "بنيران صديقة" ، كما أن المخابرات المصرية اخترقت الحكومة الإسرائيلية ودست معلومات مضللة على جولدا مائير وأعدت أيضا كتابا يحتوى على أسماء وصور كل الضباط الذين كانوا يخدمون بجيش الاحتلال الإسرائيلي بدءا من رئيس الأركان حتى رتبة رائد ووزعته على خطوط الجبهة ، وبجانب الأسرار المثيرة السابقة ، فإن هناك أيضا اعترافات أكثر إثارة  للمسئولين الإسرائيليين حول حقيقة ما حدث في أكتوبر.
 والبداية مع الوثائق السرية التي نشرتها صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية عشية الذكرى الـ 37 لحرب أكتوبر والتي تضمنت محاضر مداولات "سرية جداً" بين رئيسة الحكومة حينئذ جولدا مائير ووزير الحرب آنذاك موشيه دايان في 7 أكتوبر 1973 أي بعد يوم من اندلاع الحرب.
 ووفقا للمحاضر السابقة ، فإن دايان توقع أن يهزأ العالم بإسرائيل كـ "نمر من ورق" جراء عدم صمودها أمام الهجوم العربي الأول رغم تفوقها النوعي ، وكان رد مائير "لا أفهم أمراً ، لقد ظننت أنكم ستبدأون بضربهم لحظة يجتازون القناة ، ماذا جرى؟" ، وأجاب دايان " دباباتنا ضربت وطائراتنا لا يمكنها الاقتراب بسبب الصواريخ فهناك ألف مدفع مصري سمحت للدبابات بالعبور ومنعتنا من الاقتراب ، هذا نتاج ثلاث سنوات من الاستعدادات".
 ورغم أنه تحدث في هذا الصدد عن المواقع العسكرية الإسرائليية التي تتساقط واحداً تلو الآخر في سيناء والجولان ، إلا أن أبرز ما طالب به دايان خلال اجتماعه مع مائير هو السماح بالتخلي عن الجنود الإسرائيليين المصابين في أرض المعركة ، قائلا :" في الأماكن التي يمكن فيها الإخلاء سنخلي ، أما في الأماكن التي لا يمكننا الإخلاء سنبقي المصابين ، ومن يصل منهم يصل ، وإذا قرروا الاستسلام ، فليستسلموا".
وقدم أيضا تقريراً عن مئات الخسائر والكثير من الأسرى ،قائلا : "كل ما خسرناه وقع في قتال شديد ، كل ما فقدنا من دبابات ورجال كان أثناء القتال ، والصامدون على خط النار يرجون أرييل شارون أن يصل إليهم وهم لا يزالون يقاتلون".
  واعترف دايان في هذا الصدد بأنه أخطأ تقدير قوة المصريين والسوريين ، قائلا :" هذا ليس وقت الحساب ، لم أقدر بشكل صائب قوة العدو أو وزنه القتالي وبالغت في تقدير قوتنا وقدرتنا على الصمود ، العرب يحاربون أفضل من السابق ولديهم الكثير من السلاح ، إنهم يدمرون دباباتنا بسلاح فردي ، والصواريخ شكلت مظلة لا يستطيع سلاحنا الجوي اختراقها ، لا أدري إن كانت ضربة وقائية ستغير الصورة من أساسها
وكانت إسرائيل قد قضت السنوات الست التي تلت حرب 1967 في تحصين مراكزها في الجولان وسيناء، وانفقت مبالغ هائله لدعم سلسله من التحصينات علي مواقعها في مناطق مرتفعات الجولان "خط الون" وفي قناه السويس "خط بارليف". ففي 29 اغسطس 1967 اجتمع قاده دول الجامعه العربيه في مؤتمر الخرطوم بالعاصمه السودانيه ونشروا بياناً تضمن ما عرف "باللاءات الثلاثه": "عدم الاعتراف باسرائيل، عدم التفاوض معها ورفض العلاقات السلميه معها".
وفي 22 نوفمبر 1967 اصدر مجلس الامن التابع للامم المتحده قرار 242 الذي يطالب الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي التي احتلتها في يونيو 1967 مع مطالبه الدول العربيه المجاوره لاسرائيل بالاعتراف بها وبحدودها.
وفي سبتمبر 1968 تجدد القتال بشكل محدود علي خطوط وقف اطلاق النار بين اسرائيل وكل من مصر وسوريا بما يسمي حرب الاستنزاف، مما دفع الولايات المتحده الي اقتراح خطط لتسويه سلميه في الشرق الاوسط، وكان وزير الخارجيه الامريكي وليام روجرز قد اقترح ثلاث خطط علي كلا الجانبين الخطه الاولي كانت في 9 ديسمبر 1969، ثم يونيو 1970، ثم 4 اكتوبر 1971.
وتم رفض المبادره الاولي من جميع الجوانب، واعلنت مصر عن موافقتها لخطه روجرز الثانيه وادت هذه الموافقه الي وقف القتال في منطقه قناه السويس، وان لم تصل حكومه اسرائيل الي قرار واضح بشان هذه الخطه.
في 28 سبتمبر 1970 توفي الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وانتخب نائبه انور السادات رئيساً للجمهوريه العربيه المتحده، وفي فبراير 1971 قدم انور السادات لمبعوث الامم المتحده غونار يارينغ، الذي أدار المفاوضات بين مصر واسرائيل حسب خطه روجرز الثانيه، شروطه للوصول الي تسويه سلميه بين مصر واسرائيل واهمها انسحاب اسرائيلي الي حدود 4 يونيو 1967.
ورفضت اسرائيل هذه الشروط مما ادي الي تجمد المفاوضات.
وفي 1973 قرر الرئيسان المصري أنور السادات والسوري حافظ الاسد اللجوء الي الحرب لاسترداد الارض التي خسرها العرب في حرب 1967م.
وكانت الخطه ترمي الاعتماد علي المخابرات العامه المصرية والمخابرات السورية في التخطيط للحرب وخداع اجهزه الامن والاستخبارات الاسرائيليه والامريكيه ومفاجاه اسرائيل بهجوم غير متوقع من كلا الجبهتين المصريه والسوريه، وهذا ما حدث، حيث كانت المفاجاه صاعقه للاسرائليين.
وشنت مصر وسوريا هجوما متزامنا علي اسرائيل في الساعه الثانيه من ظهر يوم 6 اكتوبر الذي يوافق عيد الغفران اليهودي، هاجمت القوات السوريه تحصينات وقواعد القوات الاسرائيليه في مرتفعات الجولان، بينما هاجمت القوات المصريه تحصينات اسرائيل بطول قناه السويس وفي عمق شبه جزيره سيناء
وقد نجحت مصر في اختراق خط بارليف خلال ست ساعات فقط من بدايه المعركه، بينما دمرت القوات السوريه التحصينات الكبيره التي اقامتها اسرائيل في هضبه الجولان، وحقق الجيش السوري تقدمًا كبيرًا في الايام الاولي للقتال واحتل قمه جبل الشيخ مما اربك الجيش الاسرائيلي كما قامت القوات المصريه بمنع القوات الاسرائيليه من استخدام انابيب النابالم بخطه مدهشه، كما حطمت اسطوره الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر، في سيناء المصريه والجولان السوري، كما تم استرداد قناه السويس وجزء من سيناء في مصر، وجزء من مناطق مرتفعات الجولان ومدينه القنيطره في سوريه.
وحدد الجيشان المصري والسوري موعد الهجوم للساعه الثانيه بعد الظهر بعد ان اختلف السوريون والمصريون علي ساعه الصفر، ففي حين يفضل المصريون الغروب يكون الشروق هو الافضل للسوريين، لذلك كان من غير المتوقع اختيار ساعات الظهيره لبدء الهجوم، وعبر القناه 8,000 من الجنود المصريين، ثم توالت موجتا العبور الثانيه والثالثه ليصل عدد القوات المصريه علي الضفه الشرقيه بحلول الليل الي 60,000 جندي، في الوقت الذي كان فيه سلاح المهندسين المصري يفتح ثغرات في الساتر الترابي باستخدام خراطيم مياه شديده الدفع.
في اسرائيل دوت صافرات الانذار في الساعه الثانيه لتعلن حاله الطوارئ واستانف الراديو الاسرائيلي الارسال رغم العيد ، وبدا عمليه تعبئه قوات الاحتياط لدفعها للجبهه.
وانجزت القوات المصريه في صباح يوم الاحد 7 اكتوبر عبورها لقناه السويس واصبح لدي القياده العامه المصريه 5 فرق مشاه بكامل اسلحتها الثقيله في الضفه الشرقيه للقناه، وانتهت اسطوره خط بارليف الدفاعي وقد واصلت القوات المصريه تدعيم روؤس الكباري لفرق المشاه الخمس كما قامت بسد الثغرات التي بينها وبين الفرق المجاوره داخل كل جيش طيله يوم 7 اكتوبر وبحلول يوم 8 اكتوبر اندمجت الفرق الخمسه في راس كوبريين في جي           
   وقد ألهبت أحاسيس النصر والعبور العظيم أقلام مشاهير الصحافة والفكر والكتابة فى مصر .. فكانت كلماتهم مثل الأقوال المأثورة فى لحظة نادرة من لحظات الحماس والشعور بالعزة والانتصار بعد الهزيمة والانكسار .. تعالوا نقرأ ما كتبه نجيب محفوظ ويوسف إدريس وأحمد بهجت وغيرهم عن انتصار العاشر من رمضان :
-      نجيب محفوظ : " عودة الروح .. ردت الروح بعد معاناة طعم الموت ست سنوات ، رأيت المصرى خلالها يسير فى الأسوق مرتديا قناع الذل يثرثر ولا يتكلم يضحك بلا سرور يتعامل مع المكان وهو غريب ويساير الزمان بلا مستقبل . من حوله عرب متقاربون وقلوبهم شتى .. ما العمل ما المصير ؟ القتال منا يقال محال والاستسلام محال والاستنزاف لا يتوقف ثم ردت الروح بعد معاناة الموت .. روح مصر تنطلق بلا توقع تتعملق وتحلق بلا مقدمات تتجسد فى الجنود بعد أن تجسدت فى قلب ابن بار من أبنائها تقمص فى لحظة من الزمان عصارة أرواح الشهداء العظام من زعمائها .. فإلى الأمام فقد ردت إلينا الروح والعصر والمستقبل "
  - يوسف إدريس : " بضربة إرادة واحدة تمت المعجزة .. بضربة إرادة واحدة ردت إلينا كرامتنا وعادت إنسانيتنا .. لم أكن من قبل أؤمن بدور الفرد فى التاريخ .. لم أكن أعلم أن الفرد باستطاعته حين يجمع إرادته أن يحتوى فيها إرادة أمة وتاريخ شعب وقدرة حضارة ولكن البطل أنور السادات غير من مفهومى .. سحق الهزيمة الكامنة فى كل منا حين قرر العبور "
-أحمد بهجت : " لقد كانت أول كلمة ترتفع فوق سيناء والعلم المصرى يعود إليها كلمة تقول " الله اكبر " وهكذا قاتل الإيمان مع جنود مصر كما قاتل معهم العلم والشجاعة بعدما انهزم المستحيل وتبددت الأسطورة وعادت رايات النصر واليقظة ولا نحسب أننا نبالغ لو قلنا أن بعث الإنسان والوطن قد بدأ بحركة تحرير سيناء "
-أحمد بهاء الدين : " مصر تنهى غربتها .. لقد أنهى الرئيس السادات غربتنا الكبيرة بقرار أكتوبر 1973 .. قرار ربما كان كلمة واحدة ولكنه خلاصة لكل الآمال العظيمة والآلام العظيمة الكبار المختزنة منذ سبع سنوات وقد أنهت قواتنا المسلحة غربتنا بالطريقة الفذة التى نفذت بها القرار ..إنهم هناك تحت اللهب والنار وكأنهم حملوا الغبار الثقيل إلى العدو .. السماء تنقشع كلها لحظة واحدة عن وجه مصر الحقيقى "
-عبد الوهاب المسيرى " لا لم نصنع الأساطير والمعجزات وإنما تحركنا مع تاريخنا العربى وتحرك معنا .. دفعناه إلى الأمام ودفعنا .. إنك أيها الإنسان العربى لن تستسلم للأشياء ولا الأصنام حتى ولو أخذت شكل نابالم حارق أو فانتوم قاتل أو أموال صهيونية يهودية لا تعد ولا تحصى وامدادت أمريكية لا تنتهى و جيش اسرائيلى لا يقهر فى مركز الكون .. فلتقف أيها الانسان العربى ولتغرس راية العروبة والحق فى أعلى القمم "
- مكرم محمد أحمد : " يظن الجميع أن مصر نائمة على حين تقبع روحها انتظارا لوثبة يصعب حسابها إنه النصر الذى يسرى هادئا وعميقا فى أوصال الأمة نصر يسرى فى الدم الداكن المتغير لونه فيزهر فى قتامته الفجر الوردى انه ذلك الذى نحسه وئيدا يدخل أعماقنا يدفقه القلب إلى الجسد الممتد على طول الشطآن بطول النيل فتصحوا فيه الأوصال ويصحوا فيه الرأس وتنهض فيه القامة هامات مرفوعة "
-    وكتب صلاح عبد الصبور شعرا جميلا إلى أول مقاتل قبّل تراب سيناء : ترى .. أرتجفت شفاهك ، عندما أحسست طعم الرمل والحصباء / بطعم الدمع مبلولا وماذا استطعمت شفتاك عند القبلة الأولى / وماذا قلت للرمل الذى ثرثر فى خديك أو كفيك ، حين أنهرت تسبيحا وتقبيلا / وحين أراق فى عينيك شوقا كان مغلولا ومد لعشقك المشبوب ثوب الرمل محلولا .
-     أحمد حسين : " أعظم نصر حربى للشعب المصرى فى كل التاريخ .. كما أنه أعطم انتصار فى دنيا الحرب أن يكون بقدرتك أن تضلل العدو رغم يقظته الخرافية "
-    وقال محمد زكى عبد القادر أحد أكبر كتاب الأخبار الراحلين:  إن آثار حرب أكتوبر لا تزال تفعل فعلها فى المجتمع .. وليس صحيحا أن حادثا أو ثورة أو انتفاضة أو نصرا أو هزيمة تغير المجتمع بين يوم وليلة ولكن الصحيح أن هذه الحوادث الخطيرة تكون قمة تغير أو تطور لما سبقها من زمن وما أرهص لها من مقدمات وتصبح فى ضمير الشعب والمجتمع عاملا جديدا للتقدم والتغيير "
-     الدكتور حسين مؤنس : " إنها ليست مجرد نصر إنها ميلاد عصر جديد ... عصر يعود فيه العرب إلى مكانهم فى صدارة الأمم وبالنسبة لإسرائيل والصهيونية نهاية الحلم الكاذب"


التعليقات