خفايا وأسرار ثورة يوليو تُنشر لأول مرة : الفلول أنقذوا الثورة والثوار !

خفايا وأسرار ثورة يوليو تُنشر لأول مرة : الفلول أنقذوا الثورة والثوار !
غزة - دنيا الوطن
60 عاماً ومازالت كل الصفحات مفتوحة .. سنوات طويلة مرت وعلامات الاستفهام تحيط بثورة 23 يوليو من كل جانب .. عشرات الشهادات والمذكرات والبرامج التليفزيونية والأفلام لكن النتيجة في النهاية أننا أمام حقائق إما ناقصة أو متناقضة ، ولذلك روايات ما حدث في الشهور الأولي من ثورة يوليو كانت تحمل عشرات الأوجه .. لذلك قررنا مع احتفالنا بمرور 60 عاماً علي ثورة يوليو أن نرجع لمصدر لا يمكن أن يخطيء – قدر الإمكان – وهو صحف هذه الأيام والوثائق النادرة التى تم اكتشافها والإفراج عنها علي مر السنوات الماضية ، وميزة هذا المرجع التاريخي أنه كان مواكباً للحدث ويتعامل مع الأمور من باب الخبر الموضوعي بعيداً عن الرأي ، كما إن صانعي ثورة 23 يوليو كانوا لايزالون حاضرين بالكامل ومن الصعب " التقول " عليهم أو فبركة الحكايات . الرئيس الأول حبيب الملايين !

ظل المصريون لا يعرفون شكل زعيم الثورة ولا أحد من قادتها لمدة 4 أيام ، ونشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر يوم 27 يوليو 1952 وبعد رحيل الملك فاروق بيوم واحد أول صورة تظهر للمصريين لقائد الحركة محمد نجيب ولم تكن فوتوغرافية، وإنما كانت " بورتريه " من رسم الشيخ عبد المجيد وافي رسام الأهرام ، ثم توالت الأخبار عن القائد الجديد والتى كانت تركز بشكل كبير على تواضعه ، فهو مثلاً حسبما قالت الأهرام في ديسمبر 1952 رفض كل الامتيازات المادية التى تمنح لرئيس الوزراء واكتفي براتبه العسكري ، وحتى عندما سافر للحج في العام التالي صمم علي دفع الرسوم الخاصة بالتطعيم من جيبه الخاص ، لكن اللافت هنا تحقيق في عام 1953 نشرته اخبار اليوم بعنوان " لماذا اخترنا نجيب رئيسا للجمهورية ؟ " وفيه تحدث عدد من الضباط الأحرار عن الدور الكبير الذى قام به نجيب ، كما كان اللافت كثرة اسفار نجيب في كل المحافظات .. فقد خطب في طنطا وسط حشد من الناس وقال " مصر لم تعد عقاراً يتوارثه الأبناء والاحفاد .. وشرف الأمة أغلى من رفاهيتها " ، وحسبما قالت مجلة آخر ساعة .. فقد كان أول شخصية عامة يخطب في قاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية باللهجة العامية رغم إنه كان يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والعبرية، والسبب هو رغبته في أن يسمعه كل المصريين البسطاء عبر الراديو ، لكن من بين عشرات الوثائق نتوقف عند ما كتبه نجيب بيده ، صحيح أن الأشهر هي مذكراته " كنت رئيساً لمصر " ، لكننا اكتشفنا كتاباً له تمت مصادرته سنة 1955 قام بتأليفه خلال فترة وجوده تحت الإقامة الجبرية بعنوان " مصير مصر " ، وهناك أسرار كثيرة رواها نجيب عن الفترة التى سبقت الثورة منها مثلاً غضبه الشديد بعد حادث فبراير 1942 عندما حاصرت الدبابات قصر عابدين لإجبار الملك فاروق على تكليف النحاس باشا بالوزارة ، وهو ما دفعه لتقديم استقالته من الجيش لكن الملك رفضها ، كما روي كيف كان معارضاً بشدة لحرب فلسطين – التى اصبح أبرز أبطالها فيما بعد- والسبب كما قال " لأننا لا نكسب شيئاً ونخسر كثيراً بإظهار ضعفنا الحربي ، وكان أفضل لنا أن نحصر انفسنا في عمليات حرب العصابات مساعدين بذلك حركة المقاومة الداخلية للعرب " ، كما روي كيف تعرضت قواته للخيانة في فلسطين خلال الحرب التى وصفها بأنها كانت سلسلة من الهدنات تتخللها معارك صغيرة ، وبينما كانت المدفعية المصرية توقف نيرانها احتراماً للهدنة كان اليهود يتزودون بالذخائر لدرجة أنهم ادخلوا شحنة من ورق التواليت تم الاكتشاف فيما بعد انها ألغام وقنابل يدوية ، وهناك سر أذاعه نجيب – ولم يشر إليه مطلقاً أى من ضباط مجلس قيادة الثورة في حواراتهم ومذكراتهم الشخصية – وهو إن اللواء أحمد فؤاد صادق قائد القوات المصرية في فلسطين كان المفروض أن يكون هو قائد تنظيم الضباط الاحرار عقب حرب 1948 لكنه رفض حتي لا يعرض وظيفته للخطر وقام بترشيح محمد نجيب بدلاً منه ، وأكد نجيب أنه لم يلتق قبل الثورة إلا بـ5 أعضاء فقط من مجلس قيادة الثورة .. كما إن جمال عبد الناصر كان هو القائد في البداية لكنه تسلم منه القيادة عقب حريق القاهرة في يناير 1952 ، ولكي يرد علي الاتهامات بأنه كان زعيماً صورياً .. سرد نجيب في كتابه حكايات عن كفاحه في التنظيمات السرية منذ عام 1913 ، وقال " عبد الناصر الذى ترقي إلى رتبة البكباشي تحقق عنده إن الثورة الناجحة لا يمكن تنفيذها بواسطة جماعة من الضباط الصغار إذا لم يتزعمهم ضابط كبير ذو مؤهلات خاصة ، وبوصفي رئيساً للحركة صرت أقوم بعمل قائد عام لها ، وعبد الناصر الذى أتخذ لقب السكرتير العام صار رئيساً للأركان " ، كما رد علي الاتهام بأن أعضاء مجلس القيادة كانوا من الإخوان وقال " نعم كان لنا جميعاً اصدقاء من الإخوان ، لكننا كنا معارضين لهدف الأخوان المسلمين الذي يرمي لأن يجعل مصر حكومة دينية "  .. وكان نجيب يري أنه " ليست مهمة الجيش أن يحكم ..لكن أن يحمي الذين يحكمون من أعدائهم في الخارج والداخل ، ولكن هناك فى تاريخ كل بلد أزمان يصير فيها الجيش غير قادر على أن يقف بمعزل عن السياسة ، فالجيش – كي يستطيع أن يقوم بواجبه – لابد له من حكومة تستحق أن يحميها " وأضاف " إننا انتزعنا السلطة لأننا لم نعد نحتمل الإهانات التى كنا معرضين لها مع بقية الشعب المصرى " ..
محمد نجيب

جمال عبد الناصر حبيب الملايين !

هناك مجموعة خطابات من عبد الناصر إلي صديق له اسمه حسن النشار نشرتها مجلة آخر ساعة في بداية الثورة ، منها خطاب ارسله في 4 سبتمبر 1935 قال فيه  "لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة واستقبلنا غبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأساً على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم أن كانت مالكة العالم ، أين من يخلق خلفاً جديداً لكي يصبح المصري الخافت الصوت الضعيف الأمل الذي يطرق برأسه ساكناً صابراً على اهتضام حقه ساهياً عن التلاعب بوطنه يقظاً عالي الصوت عظيم الرجاء رافعاً رأسه يجاهد بشجاعة وجرأه في طلب الاستقلال والحرية " .

ورسالة أخرى من جمال عبدالناصر إلى حسن النشار بعث بها من جبل الأولياء سنة 1941 قال فيها:  عزيزي حسن..أكتب إليك وأنا ثائر في نفسي ثورة داخلية.. على العموم يا حسن أنا مش عارف ألاقيها منين واللا منين.. هنا في عملي كل عيبي أني دوغري لا أعرف التملق ولا الكلمات الحلوة ولا التمسّح بالأذيال وشخص هذه صفاته يُحترم من الجميع، لكن الرؤساء يا حسن يسوؤهم ذلك الذي لا يسبّح بحمدهم، فهذه كبرياء وهم شبّوا على الذلّة في كنف الاستعمار والويل كل الويل لذلك المتكبر كما يقولون الذي تأبى نفسه السير على منوالهم يعاديه الجميع من تلاميذ العهد القديم ، يحزنني يا حسن أن أقول إن هذه السياسة قد نجحت نجاحاً باهراً فهم يصهرون نفوس الشبان.. وكلهم شبان لم تصهرهم الأيام ، ويحزنني يا حسن أن أقول إن هذا الجيل الجديد قد أفسده الجيل القديم فأصبح منافقاً متملقاً!!ويحزنني يا حسن أن أقول إننا نسير إلى الهاوية.. الرياء.. النفاق.. التملق.. تفشت في الأصاغر نتيجة لمعاملة الكبار ، أما أنا فقد صمدت وما زلت، ولذلك تجدني في عداء مستحكم ومستمر مع هؤلاء الكبار ، أخوك.. جمال عبدالناصر”

ولكي ندرك حجم التشابه بين ثورتي 1952 و2011 .. نتوقف عند عبارة قالها جمال عبد الناصر في كتابه فلسفة الثورة  وهي " كنت أتصور قبل 23 يوليو أن الأمة كلها متحفزة متأهبة وأنها لا تنتظر إلا الطليعة تقتحم أمامها السور فتدفع الأمة ورائها صفوف متراصة منتظمة زاحفة ، وتصورت أن دورنا هو الطليعة ، وكنت أتصور أنه لن يستغرق أكثر من بضع دقائق يلحق بنا بعدها زحف الصفوف المنتظمة "  لكن أقسي مفاجأة فى حياته كانت " الخلاف والفوضى والأحقاد  والشهوات التى أنطلقت من عقالها فى تلك اللحظات ، كل منها يحاول بأنانيته أن يستغل الثورة لتحقيق أهداف بعينها " !!.
كتاب عن انور السادات تأليف جمال عبد الناصر

السادات .. نجم المرحلة !

نتوقف عند كتاب اسمه " صفحات مجهولة " قام بتأليفه أنور السادات في نوفمبر 1954 عن الثورة ، وقد كتب مقدمته جمال عبد الناصر ، وقال " إن شخصية أنور السادات لجديرة بالإعجاب ، خليقة بالإطراء ، فعبقريته العسكرية الممتازة وشجاعته ورباطة جأشه واخلاصه وتفانيه في خدمة المثل العليا إلي جانب قوة إرادته ورقة عواطفه جعلته أهلاً بدور التمهيد لثورة 23 يوليو والسير بها قدماً للنجاح  " ، وبعيداً عن كلام عبد الناصر فإن تجربة الحياة المميزة التى عاشها السادات جعلت منه الأكثر نجومية بين زملاءه من ضباط مجلس قيادة الثورة علي مستوي الصحافة وقتها ، خاصة وأنه سبق وعمل مراجعًا صحفيًا بمجلة المصور في الأربعينيات خلال فترة فصله من الجيش بسبب اغتيال أمين عثمان ، كما إنه أذاع بصوته بيان الثورة وأسندت إليه مهمة حمل وثيقة التنازل عن العرش إلى الملك فاروق .. ولذلك كان الوجه الأول الذى يخرج على المصريين من القادة الجدد ، وفي عام 1953 أنشأ مجلس قيادة الثورة جريدة الجمهورية وأسند إليه رئاسة تحريرها  .. ولذلك تمتع بشهرة كبيرة في بداية الثورة ، لكن هناك سبباً آخر اكتشفناه وهو أنه ظل طوال العامين الأولين للثورة يخطب الجمعة في مساجد عديدة بمحافظات الجمهورية ، وبسبب بلاغته وطلاقة لسانه وتدينه اصبح " سفيراً " للثورة لدي الطبقات البسيطة من المصريين الذين منعتهم الأمية من قراءة الصحف والفقر من شراء الراديو .. وهما الوسيلتان المعروفتان حتي وقتها إعلامياً ، فمثلاً في خطبة لها بأحد مساجد قرية الشهداء قال " يا أيها العيون الناظرة إلي ربها اكتبي بدمك تاريخ الوطن " ، وفي أكتوبر 1953 ألقي خطبة الجمعة في مسجد قريته ميت أبو الكوم بالمنوفية وقال " يا بلدتي الآمنة المطمئنة .. ويا أهلي وعشيرتي ، مهما طوحت بي الحياة فى مناكب الأرض ومهما صعدت وهبطت في الغايات ومهما اختلفت علي المنازل فإن أحب نداء إلي نفسي أنادي به بلدتي الوادعة الآمنة " يا أعز بلاد الله علي " ، بل وقام السادات في 14 سبتمبر 1953 بإلقاء خطبة في كنيسة حارة الروم قال فيها " إذا ما بعثنا انفسنا بالأمل في الله والحب في الله فإننا واصلون إلى غايتنا ، ولن تستطيع قوي الأرض بأجمعها أن توقف عجلة الحركة لا لشيء إلا لأنها من صنع الله " ، بل وربما كان الوحيد بين ضباط الثورة الذى يجري حوارات بعيدة عن السياسة ، وهو ما يؤكد النظرة لها باعتباره من نجوم المجتمع ، فمثلاً آخر ساعة أجرت معه حواراً في نهاية عام 1953 عن المرأة ، ومما قاله في المرأة المصرية " فتاة اليوم تجري وراء المظاهر التافهة وليس لها هدف ولا مثل أعلي ولا تستطيع أن تجيد إلا الشكوي المستمرة ، والمشكلة بالنسبة لنا مشكلة أخلاق .
السادات يطمئن الشعب

علي ماهر .. زعيم الفلول منقذ الثورة  !

 عندما قامت ثورة 23 يوليو لم تستبعد كل خبرات النظام السابق بل أبقت على العديد منهم لإدارة شئون البلاد، ومنهم على ماهر، الذى كان رئيساً للوزراء أكثر من مرة قبل الثورة وشغل منصب الديوان الملكى في عهدي الملك فؤاد وعرف بحنكته السياسية ودهائه في معالجة المهمات الصعبة .. ورغم ذلك عينته الثورة فى 24 يوليو 1952 رئيسا للوزراء.. وقال محمد نجيب لمجلة لايف الأمريكية عام 1953 " تم تسليم عدد من المطالب إلى السراي الملكي في أول يوم للثورة ، كان من أهمها تولي علي ماهر رئاسة الوزراء، لأنه الوحيد القادر على تطهير حكومتنا " ، وحسبما يؤكد الأستاذ محمد حسنين هيكل في جريدة السفير اللبنانية في مقال له بمناسبة مرور 50 عاماً علي ثورة يوليو ، فإن فإن على ماهر لم يكن اختيارا مقصودا لذاته من ضباط ثورة يوليو، بل كان اسما طرحَ عليهم وقبلوا به، ومن الوثائق التاريخية الموجودة الآن بمكتبة الإسكندرية خطاب خاص بالمعاش الذى حصل عليه علي ماهر أول رئيس وزراء لمصر بعد الثورة وصدر بتاريخ 9 اغسطس 1953 وقيمته 125 جنيهاً فقط لا غير ، وهناك وثيقة أخري بخصوص " إخلاء طرف " له من جهاز الكسب غير المشروع بعدما لم يثبت عليه أى تربح من وظيفته ، علماً بأنه كان وقتها يمتلك نحو 180 فداناً وفيلا بالعباسية .

التعليقات