معلومات متضاربة حول انشقاق مدير جهاز المخابرات السورية : من هو رستم غزالي

معلومات متضاربة حول انشقاق مدير جهاز المخابرات السورية : من هو رستم غزالي
غزة - دنيا الوطن
تضاربت المعلومات أمس بين مصادر المعارضة من جهة ومصادر النظام السوري من جهة أخرى عن انشقاق اللواء رستم غزالي، مدير المخابرات السورية، والذي تولى منذ اندلاع الثورة السورية رئاسة الفرع 227 في المخابرات العسكرية في دمشق. وفي حين أشارت معلومات عن مصدر في المعارضة السورية إلى أن الشبيحة اقتحموا قرية قرفا في منطقة درعا مسقط رأس غزالي، وقاموا بحرق السيارات والمنازل وطوّق الجيش السوري منزله في القرية، مع تأكيدهم أنّ أفراد أسرته وصلوا إلى الأردن وهم موجودون في أحد مراكز إيواء اللاجئين في العاصمة عمان، نقلت قناة «الدنيا»، الموالية للنظام السوري، نفيا للخبر قالت إنّه على لسان غزالي نفسه، وهو أن الأنباء عن هروب عائلته إلى الأردن محض افتراء وصنيعة غرف سوداء يظنون أنها ترفع معنويات الإرهابيين في الداخل والخارج.

وقال غزالي نقلا عن قناة الدنيا «أمارس مهامي وعملي الطبيعي مع جميع أفراد عائلتي وهم موجودون بين أهلهم». ومعتبرا أن ذلك «دليل إفلاس القنوات المحرضة والشريكة في سفك الدماء السوري».

غير أن مصدرا قياديا في الجيش الحر، أكد لـ«الشرق الأوسط» انشقاق الغزالي، وقال «المعلومات التي بحوزتنا تؤكّد هروب غزالي»، مضيفا «منذ زمن وهو يحاول الهروب لأنّه يعرف أنّه شخص محكوم بالإعدام من قبل النظام السوري، نظرا إلى أنّه أحد الشهود الأساسيين في قضية مقتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري».

من جهته، قال أحمد رمضان، عضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني، لـ«الشرق الأوسط» «وصلت إلينا معلومات عن انشقاق رستم غزالة، لكننا لم نتمكّن من التأكّد من الخبر، وقد يكون نفي النظام لهذا الخبر على غرار ما قام به عند انشقاق العميد مناف طلاس، الذي عاد وأكدّه»، مشيرا إلى أنّها المحاولة الثالثة لهروب غزالي. ويضيف «قبل شهر ونصف تقريبا، تواصل غزالي مع المعارضة السورية وأبلغهم رغبته بالفرار إلى الأردن ومن ثم إلى باريس، وجرت ترتيبات على هذا الأساس لكن غزالي ما لبث أن تراجع عن الأمر لأسباب خاصة قد تكون متعلّقة بخروج عائلته من سوريا». لافتا إلى أنّ النظام السوري وبعدما اكتشف إشارات نية غزالي للانشقاق، عمد إلى تفجير سيارته قبل دقائق معدودة من وصوله إلى مكتبه.

وتوقّع رمضان المزيد من الانشقاقات في الفترة المقبلة لافتا إلى أنّها تصيب الدائرة القريبة من الأسد، لكنها تعمل قبل ذلك على تأمين خروج عائلاتها، معتبرا أنّ هذا الواقع دليل على أنّ عمر النظام بات محدودا جدا وانهياره أصبح قريبا.

من جهته، رأى سمير النشار، عضو الأمانة العامة في المجلس الوطني، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنّ انشقاق رستم غزالي، إذا ثبت، دليل على أنّ النظام السوري يتأكل من الداخل، مبديا أسفه عن أنّها تطال فقط الشخصيات السنية، وهو مؤشّر خطير على دخول سوريا في حرب أهلية، وهو الهدف الذي يسعى له الأسد ونظامه. مضيفا «المجازر التي يرتكبها النظام السوري تجاه السنة تصب كلّها في هذه الخانة وهو يدفع بذلك سوريا والمنطقة إلى حرب طائفية مغطاة من قبل روسيا التي تقدّم له الغطاء السياسي باسم خطّة أنان وتؤيد بذلك بقاءه في السلطة». وفي حين لفت النشار إلى أنّ المعارضة ولا سيما المجلس الوطني ترحّب بأي انشقاق من الشخصيات الموالية ولا سيما رجال النظام الذين يساهمون بذلك في تداعي بنية النظام، أكّد أنّ هذا الأمر لا يعني تعامل المعارضة معهم، خاصة مع من تلوّثت أيديهم بدماء الشعب، وهم بعد ذلك سيحاكمون محاكمة عادلة.

بدوره، أكّد عادل العمري الناطق باسم اللجان المحلية في درعا، أنّ قوات الجيش النظامي داهمت منزل رستم غزالة صباح أمس في غياب أي تفاصيل أخرى عن الموضوع. وقال لـ«الشرق الأوسط» «البارحة انشق أحد أقاربه وهو ضابط في المخابرات الجوية، أما اليوم فوصلتنا معلومات عن انشقاقه، لكنها لم نتمكّن من الحصول على أي تفاصيل أخرى». ورفض العمري اعتبار الغزالي منشقا بل هارب، مضيفا «هو خائن لم ولن نقبل أن ينضم إلى صفوف المعارضة التي لطالما كان له اليد الطولى في قمع المظاهرات وقتل شبابها، فهو متورّط في دماء الثورة، وكان يصدر أوامر القتل والاعتقال. مضيفا «رغم أنّنا نعتبر أن المجلس الوطني ممثل شرعي لنا لكن نحن الناشطين على الأرض نعلم الواقع ونعاني أكثر مما يعانيه أعضاء المجلس الوطني».

وعن عمل غزالي خلال الثورة السورية، قال العمري «كان يتولى قيادة العمليات في مبنى حزب البعث في درعا، وكان دائما حاضرا لإصدار الأوامر بقتل الأهالي واعتقال الناشطين»، مع العلم أنّ عددا كبيرا من أقربائه كانوا من المعارضين وناشطين في الثورة، كما أنّ عددا كبيرا من ضباط عائلته سبق لهم أن أعلنوا انشقاقهم، حتى أطلقنا على بلدة قرفا، لقب (أيقونة المنشقين). وكان غزالي قد تولى مهمّة التفاوض مع أهالي درعا في بداية الثورة وقالت حينها المعارضة السورية البارزة سهير الأتاسي التي كانت معتقلة آنذاك «حين كنا في الاعتقال جاءنا رستم غزالي ليستعرض لنا القوة التي ستواجه الشعب إذا تجرأ وفعل ما يفعله الليبيون. لقد أفهمنا وأوصل رسالة النظام بأنّهم سيقتلون الشعب».

تخرج رستم غزالي المولود في قرية قرفا بدرعا، في الكلية الحربية في حمص، قبل أن يعين برتبة ملازم في كتيبة المدرعات في إحدى القطع العسكرية المقاتلة التي تم نقلها في ما بعد إلى لبنان عام 1982، ليتولى بعدها مفرزة الأمن في بلدة حمانا في جبل لبنان ثم «مفرزة الحمراء» في بيروت، قبل أن ينقل إلى ما بات يعرف بـ«قسم البوريفاج»، حيث تولى منصب مسؤول الاستخبارات السورية في بيروت، التي اشتهرت بمركز تجميع المعلومات الذي يشتمل على معتقل تمارس فيه أقسى أنواع التعذيب. وفي عام 2002 تسلم غزالي خلفا للواء غازي كنعان، رئاسة جهاز الأمن والاستطلاع لدى قوات الأمن السورية في لبنان، حيث يعرف بـ«أبو عبدو» وسطع «نجمه المخابراتي»، وبقي في هذا الموقع الذي كان بمثابة «رجل سوريا في لبنان وكاتم أسرارها»، إلى حين خروج القوات السورية من لبنان في عام 2005 بعد مقتل رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري، لينتقل بعدها إلى سوريا ويتولى رئاسة جهاز المخابرات العسكرية، ويصبح أيضا منذ بدء الثورة السورية، رئيسا لفرع الأمن العسكري في ريف دمشق، من دون أن يبتعد عن الحلقة الضيقة للنظام السوري. وقد نقلت جريدة «لوموند» الفرنسية، أن «أبو عبدو»، استفاد من عمله في بيروت للحصول على «دكتوراه في التاريخ» من الجامعة اللبنانية، وقد تولى أحد الأساتذة المشرفين عليه كتابة الدكتوراه، لافتة إلى أن «نصف السياسيين اللبنانيين حضروا مناقشة رستم غزالي وأن مدرج الجامعة كان مليئا بباقات الزهور». كما شارك العديد من السياسيين اللبنانيين في حفل زواج ابنته، الذي تم في قريته. وقد كان كنعان واحدا من ست ضباط سوريين كبار تم استجوابهم في قضية اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، في محكمة فيينا، بعدما رفضوا الحضور إلى مقرها في بيروت.

ولم يقتصر عمل غزالي على «الأمن العسكري» إنما تعداه إلى المهام السياسية من خلال تنفيذه أجندة النظام السوري في ما يتعلق بالسياسة اللبنانية. وهذا ما لفت إليه، النائب السابق والقيادي في «تيار المستقبل»، مصطفى علوش، لـ«الشرق الأوسط»، حيث قال «كان رستم غزالي المفوض السامي في لبنان على مدى خمس سنوات، وكان أحد المنفذين الأساسيين للسياسة القمعية التي قادها بشار الأسد على المستوى اللبناني، وكان أحد المخططين لسياسة إدارة لبنان عن طريق الإرهاب على أيدي ما سمي بالنظام الأمني السوري - اللبناني، وبالتالي كان جزءا لا يتجزأ من منطق القمع الذي يرأسه بشار الأسد». ووصف علوش المرحلة التي كان فيها غزالي «حاكما عسكريا أمنيا وسياسيا» في لبنان بالقول «هي مرحلة الإرهاب السياسي والبلطجة التي كانت أهم سمات غزالي في لبنان، والذي كان نموذجا صارخا لسياسة النظام السوري على امتداد 4 عقود المبنية على التهديد وممارسة العنف واستخدام الكلمات البذيئة». ويقول علوش «لم يكن راتب غزالي في لبنان يتعدى مئات الدولارات، بينما كان يعرف ببزاته وربطات عنقه التي يفوق سعرها راتبه عشرات المرات، وهذا دليل واضح على الثروات الهائلة التي سرقها خلال وجوده وممارساته في لبنان». وعن دور غزالي في اغتيال الحريري، قال علوش «المعلومات التي تم تداولها في ما يتعلق بدور غزالي في هذه القضية، منطقية، وهي أنه ليس ممكنا تدبير عملية بهذا الحجم من دون معرفة أجهزة المخابرات السورية، وبالتالي تواطئها. لكن المعطيات التي تم التوصل إليها، انطلاقا من المطلوبين للعدالة، كشفت أن التخطيط والتنفيذ كان على أيدي حزب الله»، مضيفا «لكن مما لا شك فيه أن غزالي ساهم بشكل واضح في نقل الدسائس إلى الرئيس الأسد، موهما إياه بأنه أصبح خطرا على لبنان ويخطط لتحريره من الاحتلال السوري». وفي حين يرى علوش أن انشقاق غزالي دليل واضح على نهاية النظام السوري، يؤكد أن هذا الانشقاق لا يمحو جرائمه، أما إذا كان يريد أن يكفر عن ذنوبه، فما عليه إلا أن يبوح بالأسرار في محكمة العدل الدولية.

التعليقات