سجن الذهبي "إدانة" لمرحلة بأكملها..وجدل بشأن محاكمات الفساد بالأردن

سجن الذهبي "إدانة" لمرحلة بأكملها..وجدل بشأن محاكمات الفساد بالأردن
غزة - دنيا الوطن
طوال الأشهر القليلة الماضية وجهت السلطات الأردنية عدة رسائل لمدير المخابرات الأسبق المثير للجدل محمد الذهبي تجاهلها تماما كلها وأصر على الخروج عن مألوف تقاليد رجال المخابرات حتى انتهى الأمر بالرجل في سجن الجويدة جنوبي العاصمة عمان مرتديا بدلة السجن الزرقاء وجالسا بالقرب من أبرز خصومه في الماضي وهو الدكتور أحمد العويدي العبادي.

شخصيات متعددة من نخبة رجال الدولة أوفدت للذهبي وطلبت منه الهدوء والتوقف عن النشاطات العامة والتحريضية.. حسب معلومات 'القدس العربي' زاره وزير الأوقاف الأسبق الدكتور أحمد هليل وزاره زميلان له وكذلك شقيق له يقيم ويعمل في جنيف ونخبة من شخصيات البرلمان على أساس تقديم نصائح تجاهلها الرجل تماما.

 الملاحظات التي كانت توجه للذهبي تتعلق بمسائل محددة مثل إيقاف احتضانه للقيادي الفلسطيني محمد دحلان والتوقف عن مجالسة الصحافيين وتحريض المواقع الإلكترونية وأخيرا عدم استخدام المال لتحريض بعض نشطاء الحراك المقربين منه.

عمليا تجاهل الرجل كل هذه النداءات وبدأ يخالف تقاليد جنرالات الأمن ويساهم في التأزيم والتوتير ويلعب سياسة وإعلاما بطريقة غير نظيفة إلى أن أصبح رأسه مطلوبا للشارع ضمن قائمة من رموز الفساد يتحدث عنها الناس.

 خلال ذلك كان البنك المركزي يتتبع قضية متعلقة بغسيل أموال وتشير بعض خيوطها للجنرال المتقاعد، وفي السياق طبقت بحرص شديد كل المعايير القانونية والقضائية فلم تستعجل السلطات الزج بالذهبي خلف القضبان وحظي الرجل بإجراءات قضائية أولية عادلة ومنصفة تماما تخللها جمع أدلة والاستماع لإفادة العشرات من الخبراء والموظفين السابقين الذين عملوا معه وبينهم مدير مكتبه وآخرون.

أمس وبقرار توقيف الذهبي 14 يوما على ذمة التحقيق في قضية غسيل الأموال بدأت رسميا محاكمة الذهبي التي يفترض ان يتخللها العديد من مفاجآت العيار الثقيل، فالتسريبات تتحدث عن كميات هائلة من أموال العراقيين دخلت بصورة غير شرعية وأرقام بالملايين في حسابات الذهبي الشخصية يبحث الإدعاء عن تفسير لها كذلك عن طائرات استخدمت في إدخال مال نقدي.

 عليه يكون الجنرال الذهبي هو الشخصية الأرفع التي تخضع للمحاكمة مدنيا هذه المرة حيث يحقق الإدعاء المدني في قضية غسيل الأموال وحيث لم تقم بعد للرجل محكمة خاصة بدائرة المخابرات التي تبذل هذه الأيام جهدا كبيرا في دعم تحقيقات الفساد وتوفير ملاذات آمنة إستراتيجيا لاحتواء الحراك.

وخلافا لما حصل سابقا مع الجنرال سميح البطيخي يحاكم الذهبي علنا أمام محكمة أمنية وينقل فورا إلى سجن الجويدة وتقدم الأدلة ضده فيما تعامل البطيخي مع القضية التي أثيرت ضده قبل سنوات على طريقة الكبار، فقد حوكم الرجل وسجن وأنهى محكوميته بدون أي ظهور علني له بعدما دخل عالم الصمت واهتم فقط لسنوات بالانزواء خلف الأضواء وبزراعة الأزهار في حديقته المنزلية متصرفا كما يفعل كبار الجنرالات الأمنيين خلافا للصورة التي رسمها الذهبي لاحقا وهو يتحول بعد التقاعد إلى طرف علني في الإشتباك والتجاذب السياسي في البلاد.

يأتي سجن الذهبي ليوجه ضمنيا 'إدانة مباشرة' لمرحلة بأكملها، فالرجل كان لاعبا أساسيا طوال ثماني سنوات، وفيما يؤكد الجميع بما بمن في ذلك زملاؤه بأن الصفات السيئة والإجرامية عند الذهبي 'شخصية وليست مؤسسية' وتخصه دون غيره تكشف الوقائع في المستوى الإعلامي على الأقل بأن أشرس الأقلام التي تناولت الذهبي مؤخرا وشنعت فيه هي نفسها التي انقلبت عليه قبل ودون غيرها بعدما طاح الرجل وبعدما سبق له أن استخدمها في اللعب غير النظيف.. تلك بحد ذاتها مسألة أخرى تماما.
  
أثار قرار مدعي عام عمان توقيف مدير المخابرات الأردنية السابق محمد الذهبي بتهم غسيل الأموال واستثمار الوظيفة تساؤلات لدى سياسيين بشأن ما إن كان الأردن بدأ بما وصفه مراقبون بإعدام سياسي لرجال المرحلة السابقة المتهمين بالفساد، أم أن ما يجري مجرد محاولات لتهدئة الشارع المتعطش لرؤية "الفاسدين" خلف القضبان؟

ولم تمض ساعة على قرار المدعي العام توقيف الذهبي (مدير المخابرات بين عامي 2005 و2008) 14 يوما حتى سارعت الصحف الإلكترونية لنشر خبر عاجل بأن الذهبي "ارتدى بدلة السجن الزرقاء" وتم أخذ بصماته باعتباره نزيلا جديدا، في رسالة طمأنة للشارع بأن الرجل لن يحظى بامتيازات خاصة في السجن الأكثر شهرة في البلاد "الجويدة".

وجاء توقيف الذهبي إثر قضية حركتها دائرة "مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب" في البنك المركزي الأردني، في قضية مساعدة رجال أعمال عراقيين على تهريب أموالهم للأردن التي تتجاوز قيمتها ثلاثين مليون دينار (42.2 مليون دولار)، إضافة لتهم باستثمار الوظيفة والاختلاس تتعلق بتلقيه أموالا لتسهيل حصول مستثمرين عرب على الجنسية الأردنية.

تكرار التهم

واللافت –بحسب مراقبين- أن الذهبي هو ثاني مدير مخابرات يحاكم بتهم الفساد المالي خلال عهد الملك عبد الله الثاني، حيث حوكم قبله سميح البطيخي، مدير المخابرات الأول في عهد الملك مطلع الألفية الجديدة فيما عرف بقضية التسهيلات المصرفية التي أدت لأزمة في عدة بنوك فيما انهار أحد هذه البنوك بسبب القضية.

لكن التهم للذهبي تبدو أخطر بكثير، حيث إنه متهم مع ضباط مخابرات آخرين بالمساعدة على تهريب الأموال في دائرة كانت إحدى مهامها مكافحة غسيل الأموال في ذروة الحرب العالمية على ما يسمى الإرهاب.
 
وإضافة لقضية الذهبي ينظر الادعاء العام بقضايا شبهات فساد في ملفات أمانة عمان الكبرى وكازينو البحر الميت وبرنامج التحول الاقتصادي وخصخصة شركات إستراتيجية وغيرها من الملفات في عملية بدت أشبه بمحاكمة كل ما صنف على أنه "إنجازات" للعهد الجديد.

غير أن دعوات أطلقها سياسيون معارضون لضرورة محاكمة رجال العهد السابق منذ تسلم الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية عام 1999 سياسيا بالإضافة لمحاكمتهم بتهم الفساد المالي خاصة أن العديد منهم ارتكب "جرائم سياسية" ومنهم الذهبي المتهم بالوقوف خلف تزوير الانتخابات البرلمانية والبلدية عام 2007.

 ويذهب الدكتور عبد الرحيم ملحس -الوزير الأسبق والنائب في البرلمان في عهد تولي الذهبي إدارة المخابرات- إلى أن محاكمة الذهبي لا تكفي رغم أهميتها، وأن المطلوب محاكمة كل "الشركاء" في العهد الجديد.

وقال للجزيرة نت "السبب في كل هذا الفساد هو أن النظام دخل في شراكة مع الفساد والفاسدين لجمع أموال وصلت لمليارات، وهو ما أدى لتورط معظم رجال هذا العهد بالفساد".

وتابع "الآن بدأنا تغييرا في السلوك بعد أن جمعت أموال كبيرة، ورغم التضحية بعدد من الرؤوس الكبيرة إلا أن الفساد لا زال مستمرا وإن بوتيرة أقل".

ويرى ملحس أن المطلوب محاكمة المرحلة السابقة سياسيا وعدم الاقتصار على المحاكمات بتهم الفساد المالي، وتابع "مطلوب أيضا إعادة جهاز المخابرات لدوره بعيدا عن التجارة بعد أن شهدنا اتهامات بالفساد لرئيسي مخابرات خلال عشر سنوات".
 
مطالب الحراك

وتذهب رئيسة تحرير صحيفة الغد اليومية جمانة غنيمات إلى أن توجيه التهم لأسماء بعينها كانت حتى زمن قريب من الخطوط الحمر التي لا يمكن الاقتراب منها "يعكس مزاجا رسميا جادا في الاستجابة لمطالب الحراك المنادي بالإصلاح ومحاسبة الفاسدين".

وقالت للجزيرة نت "ما يزيد من قيمة الخطوة أنها تعد بمثابة إعدام سياسي لبعض الأسماء التي ظنت أنها ستبقى فوق القانون إلى الأبد ولن تخضع للحساب يوما على ما ارتكبت من أخطاء وجرائم".

وأضافت غنيمات "الإعدام السياسي لهذه الطبقة مهم ويحمل قيمة معنوية لا حدود لها فهو يعني أنها لن تعود إلى العمل العام يوما، ويؤكد أيضا أنها لن تتولى شؤون الناس من جديد، لتعاود تكرار الخطأ، الأمر الذي يشي بأن المطالبة بمحاسبة الفاسدين أثمرت ولو سياسيا".

ووسط هذا التفاؤل بدخول الأردن مرحلة جديدة من محاربة الفساد تطال الرؤوس الكبرى يتساءل كثيرون ومنهم معارضون عن دور رجال الحكم ومسؤوليتهم عن هذه المرحلة، وإن كانت هذه المحاكمات ستساهم في تهدئة الشارع أم إنها ستخلق مناخا لمزيد من حالة عدم الثقة بين الشارع والنظام بعد أن اطلع الناس على حجم الفساد الذي ظل مسكوتا عنه حتى هبت رياح الربيع العربي؟القدس العربي والجزيره

التعليقات