المراحيض العامة في الخليل "مكاره صحية" بامتياز !

المراحيض العامة في الخليل "مكاره صحية" بامتياز !
رام الله - دنيا الوطن-هيثم الشريف
    تخدم أسواق مدينة الخليل أكثر من 300 ألف نسمة فضلا عن آلاف المتسوقين الذين يقصدونها من الداخل الفلسطيني، ولكن، لا يتوفر لهؤلاء سوى أربعة مراحيض عامة، ليس اقل من أن توصف بأنها "مكاره عامة".

   وتتوزع هذه المراحيض وسط المنطقة التجارية التي تزدحم  فيها المحلات على مساحة لا تتجاوز أربعة كيلومترات مربعة، وليس من السهل العثور عليها بسبب عدم وجود لافتات واضحة تشير إلى مكان معظمها.

   وحتى من يعرف موقعها، فانه يتحاشاها ويبحث عن بدائل أخرى لقضاء حاجته، كاللجوء إلى المراحيض الملحقة بالمساجد أو مراحيض المحال التجارية التي بات أصحابها يتبرمون من كثرة من يطرقون أبوابهم طالبين استخدامها.

   يقول مأمون عبيد، وهو تاجر ملابس في منطقة باب الزاوية "هذا الأمر بات يسبب لنا الضيق فعلا, مع ذلك فإننا نسمح للمضطرين باستخدام مرحاض المحل رأفة بهم".

   ويضيف "هم يقصدوننا رغم وجود مرحاضين عامين في هذه المنطقة من السوق, ولكن يبدو أنه يصعب الاستدلال عليها, ناهيك عن أنها ليست نظيفة بالمطلق, ومن الصعب جدا استخدامها".

   ومن جهته، يقول جاره تاجر الأحذية مصطفى إمام انه ليس لديه مرحاض في محله، ما يضطره للاعتذار عشرات المرات كل يوم من المتسوقين الذين يقصدونه بحثا عن مرحاض، ويرشدهم بدلا من ذلك إلى المراحيض العامة رغم علمه بأوضاعها السيئة.

    ويضيف "أنا شخصيا حين أحتاج إلى استخدام المرحاض فإما أن أذهب إلى أحد جيراني من أصحاب المحلات, أو الجأ إلى مراحيض المسجد القريب". 

   مسؤولية البلدية 

    وتتعدد صور معاناة المواطنين بسبب الأوضاع المتردية للمراحيض العامة، وتتخذ صورا أكثر حدة, خصوصا مع من تضطرهم طبيعة عملهم للتواجد في أسواق المدينة لأوقات طويلة.

   ومن هؤلاء رجل شرطة قال لنا انه يجد نفسه مضطرا في كل مرة إلى ترك موقعه والتوجه إلى مركز الشرطة القريب من المنطقة لقضاء حاجته.

   وهو إذ يحمل البلدية المسؤولية عن الحال السيئة التي آلت إليها أوضاع مراحيض المدينة، فانه يتساءل مستغربا "لماذا هذا الإهمال من البلدية؟ ولم لا تقوم على رعاية ونظافة ومراقبة هذه المراحيض وزيادة أعدادها؟".

   وهناك أيضا سائق سيارة الأجرة طاهر إرزيقات الذي قال ان "المراحيض العامة وسخة غالبا وغير قابلة للإستخدام".

    واضاف "اضطر في معظم الأحيان الى دخول مراحيض المساجد والمحلات التجارية، وأحيانا ينتابني الحرج فأحشر نفسي الى حين عودتي للبيت".

   وكما يرى ازريقات فإن "عدد المراحيض العامة لا يكفي, على إفتراض أنها قابلة للإستخدام, خاصة مع وجود زوار عرب الداخل، والحركة الكبيرة للمتسوقين, واعتقد أن المسؤولية كاملة تقع على عاتق البلدية".

   داخل احد المراحيض العامة التي كانت تنبعث من جنباتها روائح نفاذة يصعب تحملها، كان أحمد الحروب قد فرغ لتوه من الوضوء وعلامات التبرم والسخط بادية في وجهه.

   وقال وهو يشير بيديه الى الاوساخ المتناثرة والجدران المصفرة والانابيب التي اقتلعت حنفياتها ومقاعد المراحيض والمغاسل المهشمة: "أين الصيانة؟ أين التنظيف؟ أين العمال؟.. هذا وضع سيء إلى أبعد الحدود".

   واضاف  "أنا كما ترون أتوضأ وسط النجاسة، ولكن كما يقول المثل: شو ودّاك على المرّ غير الأمرّ منه!".

   مواطن آخر هو عدنان الحروب كان داخل المرحاض وقال معلقا "هذا منظر بشع, لا يعجب ولا يرضي أحد!. النجاسة والقرف داخل كل وحده!! وفوق كل هذا هناك أشخاص لا يتورعون عن سرقة الحنفيات والإباريق والمغاسل!". 

مطلوب حل جذري 

    وكما يؤكد تجار في السوق، فان المراحيض العامة ليست متاحة للاستخدام باستمرار، حيث يتم اغلاقها لعدة أيام أحيانا نتيجة عدم توفر المياه في خزاناتها.

   يقول غالب الحرباوي وهو صاحب محل لبيع مواد البناء يقع قريبا من احد هذه المراحيض ان  "المياه تنفد من حين لاخر في المرحاض، وهو ما يؤدي الى انبعاث روائح كريهة جدا في المنطقة، ويدفعنا للضغط على البلدية من اجل اغلاقه الى حين امداده مجددا بالماء".

    ويؤكد الحرباوي ان "عمليات الصيانة في المرحاض معدومة, وأن مستوى النظافة فيه لا يليق بصورة البلد".

   وهو إذذاك يقترح فرض رسم دخول رمزي يساعد البلدية على تحسين اوضاعه وتعيين موظفين يتابعونه باستمرار ويحافظون على مستوى افضل للخدمة فيه.

   ويقول "نحن مع اية أفكار من شأنها إدامة النظافة والصيانة في المراحيض العامة, كأن يدفع المواطن مثلا مبلغا زهيدا مقابل إستخدامها, كما هو متبع في العديد من دول العالم, وذلك مقابل وجود نظافة مستمرة وصيانة دورية ومواد تنظيف وغيرها".

  وقد لقيت هذه الفكرة ترحيبا من فوزي العداربة، وهو متسوق كان يستمع لحوارنا مع الحرباوي.

   وقال العداربة "من ناحيتي أنا مستعد لان أدفع شيكلين ( نحو 30 سنتا) مقابل مراحيض نظيفة ومريحة ومفتوحة باستمرار".

 واضاف ان "أي شخص قد تضطره الحاجة الى المرحاض خلال تواجده في السوق, وبالتالي هناك أهمية لوجود حل جذري لهذه المشكلة". 

   مديرية الصحة: وضع مزر 

    وضعنا المشاهدات التي وقفنا عليها وكذلك شكاوى المتسوقين والتجار امام مديرية صحة محافظة الخليل وطلبنا تعليقها عليها، ولكنها استمهلتنا الى حين ايفاد فريق للكشف على المراحيض العامة في المدينة وتقييم اوضاعها.

   وقد خلص تقرير فريق الكشف الى نتيجة مفادها ان وضع تلك المراحيض "مزر جدا"، كما ابلغنا مدير قسم صحة البيئة في المديرية الدكتورياسر عيسى.

  وقال عيسى انه تبين بعد الكشف ان "الكثير من أبواب المراحيض مهتكة, ومعظم الحنفيات اما معطل أو مكسور، وكذلك مقاعد المراحيض، كما ان كميات كبيرة من الكلس الأصفر تتراكم فيها ما يؤدي الى إنبعاث غازات البورين والروائح الكريهة".

واضاف ان "الجدران وسخة فيها جميعها, وتُعشش خيوط العنكبوت على جدرانها وسقوفها، ولا يوجد فيها شفاطات لسحب الهواء إلى الخارج, كما أن معظمها لا تتوفر فيه سلال مهملات".

   ومضى قائلا انه تبين كذلك ان "بلاط المراحيض بعضه مهشم وبعضه الاخر مخلوع من مكانه ما يخلق بيئة لتكاثر البعوض والصراصير, فضلا عن تجمع المياه الآسنة، كما أن هناك الكثير من براميل المياه دون اغطية, ما يجعلها عرضة للعبث والتلوث, وايضا لوحظ تراكم القاذورات وبقايا الأطعمة الفاسدة التي تزيد من نشر الروائح الكريهة".

   وقد تبين لفريق الكشف ايضا، كما يبلغنا رئيس قسم صحة البيئة بمديرية صحة الخليل، عدم وجود عمال من البلدية في المراحيض وافتقارها التام لمواد التنظيف.

وبناء على تلك المشاهدات قال عيسى انه "تم تصنيف هذه الوحدات الصحية بأنها باتت فعليا مكرهة صحية".

    واضاف ان مديرية الصحة ستقوم بتوجيه كتاب بالخصوص الى بلدية الخليل، مع اشارته الى ان المديرية كانت ارسلت في السابق كتابا للبلدية في ذات الشأن ولكن "لم يتم عمل شيء كمايبدو" على حد تعبيره.

   واكد عيسى انه "بات من الضروري إعادة تأهيل المراحيض وليس ترميمها أو صيانتها, ليتم بعد ذلك مراقبتها ومتابعتها, لعلها تصبح وحدات صحية بمعنى الكلمة, شرط أن لا يكون العمل والإهتمام بها موسميا, وسنعمل من جانبنا على مراجعة ومتابعة تلك الوحدات أسبوعيا". 

  رئيس البلدية يرفض التعليق 

   رئيس بلدية الخليل خالد عسيله رفض التعليق على قضية المراحيض العامة، واكتفى بالرد علينا قائلا "ما بعلق على هيك مواضيع".

واعتبر بدلا من ذلك ان "هناك مشاريع بيئية (للبلدية) طرحها أهم من طرح موضوع (المراحيض)".

   وعلى صعيده، شكك رئيس قسم الصحة في بلدية الخليل رائد الأشهب في دقة المعلومات التي نقلناها اليه باديء الأمر حول وضع هذه المراحيض، كما نفى تلقي البلدية أي كتاب من مديرية صحة المحافظة بشأنها.

وقال "لو كان وضع المراحيض بالصورة التي تصفونها لوصلتني 5 آلاف شكوى يوميا".

   واضاف شارحا "هناك اربع وحدات (مراحيض) موزعة في مركز المدينة, وهي تعمل من السادسة صباحا وحتى السادسة مساء يوميا, ويتناوب على كل منها موظفان يتقاسمان الوقت بينهما, ويشرفان على تنظيفها, حتى أننا نعمل على تنظيف المراحيض التابعة لمسجد الأتقياء رغم أنه يعود لوزرة الأوقاف, من منطلق أن دورنا هو الصحة العامة".

   واكد ان "البلدية توفر كافة المستلزمات لتلك الوحدات, وهناك رقابة يومية من قبل10 مفتشين ومراقبين على عمال النظافة والوحدات الصحية".

   وقال الاشهب انه "إذا كانت حالة المراحيض بالحالة التي تصفونها فنحن كبلدية نتحمل كامل المسؤولية, فالبلد مساحتها 44 كم 2 ولن نعجز عن مرحاض هنا أو هناك, وبالتالي فإن أي تقصير قد يكون موجودا فنحن مستعدون للتعامل معه بشكل سريع".

 وبعد مضي نحو اسبوع  على لقائنا مع مسؤول الصحة في البلدية، قمنا بجولة اخرى على المراحيض، فوجدنا انه لم يحصل أي تغيير على وضعها المتردي.

وعندما عرضنا عليه الصور التي التقطناها خلال جولتنا الثانية، اقر بان "الأمر بحاجة لإعادة تأهيل وليس مجرد تنظيف".

  واكد الاشهب ان البلدية سبق وان قامت باعمال صيانة لجميع المراحيض، ولكنه قال ان "إستهتار البعض وتخريبه لهذه الممتلكات يؤدي لبعض الظواهر السلبية التي نشاهدها".

   وقدم وعدا "بمعالجة هذه القضية بالصورة المناسبة, بعد رفع تقرير بذلك للمجلس البلدي لإتخاذ ما يلزم من إجراءات, وبتوفير جزء من ميزانية البلدية لتأهيل هذه الوحدات الصحية". 

    وفي الختام فإنه رغم أنه لا يمكننا إنكار إنجازات بلدية الخليل لمشاريع هامة عملاقة باتت واقعا  ملموسا  في المحافظة منذ تسلم خالد عسيله رئاسة البلدية, كإفتتاح أكبر صالة ألعاب رياضية مغلقة على مستوى الوطن, وافتتاح ملعب الحسين الدولي, وتوسعة الشوارع وإنارتها, والكثير من المشاريع التنموية التي  جعلت بلدية الخليل تصبح وفي فترة زمنية قياسية, رائدة البلديات على مستوى الوطن, بحسب العديد من إستفتاءات الرأي المحلية. بحيث لا يختلف على ذلك إثنان, مع ذلك لا يمكننا أيضا إغفال ما قد يكون سقط سهوا  من حسابات بلدية الخليل, بما يتعلق بمقدار الإهتمام بنظافة المرافق الصحية العامة, ومدى صلاحيتها للإستخدام الآدمي, ظنا منها كما يبدو بأن المشاريع الكبيرة هي الأولوية الأولى, في كل مراحل التطوير, وبأن ما في آخر سلم الأولويات, يجب أن يُرحّل مرة تلو مرة, في كل مرة!.

التعليقات