المتخصصة في شؤون التربية والتعليم منى الشماس :للمدرسة دور أساسي في تنمية الاقتصاد الوطني

بيروت- دنيا الوطن- حاورها عبد معروف
يؤكد الباحثون وعلماء الاجتماع أن للتربية والتعليم دور بارز في تنمية الشعوب وحضارتها ونموها الاقتصادي ، وتلعب المدرسة الدور الرئيس في ذلك من خلال رسالتها في تعليم وتطور وعي الأجيال .
لأهمية المدرسة والدور التربوي في تطور المجتمعات ، وما تساهم به من تنمية اقتصادية وحضارية ووطنية ، التقينا مديرة مدرسة الاتحاد الثانوية في مدينة صور المتخصصة في شؤون التربية والتعليم منى الشماس وأجرت معها هذا الحوار:
· ما هو دور التربية والتعليم في التنمية الاقتصادية الوطنية؟
= يتكون المجتمع من مجموعة من الأنظمة المتعددة، يشكل النظام التربوي أحدها ان لم يكن أهمها على الإطلاق حيث تتمثل وظيفته في تزويد المواطن بالمعرفة الفاعلة ومنهجية في التفكير وإكسابه منظومة من القيم والاتجاهات والمهارات تمكنه من التكيف مع مجتمعه والإسهام في تطويره ،وذلك ضمن فلسفة تربوية ومناهج مدرسية وأساليب تعليم . وقد تضمنت فلسفة التربية في النظام التعليمي جملة من المبادئ التي تسعى إلى إعداد التلميذ وتكوينه ليغدو مواطنا يؤدي دوره في بناء وطنه وتنميته وحمايته.
· أين دور المدرسة في مثل هذه الحالة؟
= المدرسة هي مؤسسة اجتماعية تمثل أداة المجتمع في تحقيق أهداف المنهج المدرسي التربوية التي تضمنها فلسفة التربية بأبعادها التربوية والنفسية والاجتماعية وتعمل المدرسة على تنمية شخصية التلميذ الإدراكية والانفعالية والوجدانية والجسمية ، وكذلك غرس قيم ومعتقدات المجتمع في نفوس التلاميذ وتكوين اتجاهات ايجابية تجاهها .
تحقق المدرسة تلك المهام التربوية عن طريق خلق بيئة تعليمية وتعلميّة
وذلك وفق نظريات التعليم والتعلم حيث تمثل العملية الأولى في المفهوم
السلوكي لدى علماء النفس التربوي جملة من الإجراءات تتمثل في تحديد
الأهداف ،وتحديد المحتوى التعليمي والأنشطة ، وخلق البيئة التعليمية
والموقف التعليمي التي تحقق أهداف التعليم ،وتحديد ما يجب على المتعلم
لإتقانه، بينما تحدث عملية التعلم وفق المنظور السلوكي نفسه نتيجة
الارتباط بين المثيرات ( البيئة) والاستجابات التي يقوم بها المتعلم أثناء
تفاعله مع تلك البيئة حيث يلعب التعزيز والممارسات والتدريب دور تثبيت هذه
السلوكيات ، وأما عملية التعلم وفق النظريات المعرفية فهي تقوم على أن
يحدث تفاعل إدراكي بين الإنسان والخبرات التعلمية ويتمثل ذلك في تطوير السلوكيات العقلية والوجدانية و المهارية عن طريق العمليات العقلية العليا .
وحيث أن المواطنة تدخل في إطار النسق القيمي للمجتمع فان عملية التعليم والتعلم
الإجرائية الخاصة بها سوف تنبثق من نظريات التعلم والتعلم المذكورة وحيث
أن القيمة لها مكون معرفي فيجب أن تسعى المدرسة لتنمية المعرفة النظرية
بمفهوم المواطنة فتبين جملة الحقوق والواجبات ، وتبين أهمية إدراك التلاميذ لهذه
الحقوق والواجبات .
وتعمل المدرسة بمجموعة من المواقف التعليمية سواء تلك التي تشمل
الأنشطة الصفية أو اللاصفية في تكوين اتجاه إيجابيا في نفوس التلاميذ نحو
هذه القيم بحيث تصبح جزء من تكوينهم الوجداني ومن سلوكهم مع أنفسهم ومع
زملاؤهم ،وحيث أن المواطنة كقيمة لها مكون اجتماعي يتمثل في كون الإنسان
كائن ذو صبغة إنسانية اجتماعية لا يستطيع العيش بمفرده بل هو في حاجة ماسة لان يعيش وسط مجتمع يحقق فيه الشعور والأساس بالانتماء ،والمدرسة تنمي هذا الانتماء في نفوس التلاميذ وتخلق لهم جملة من الأنشطة التي تمكن التلاميذ من معرفة قضايا مجتمعه وأرزها الاقتصاد وحركة الانتاج والاهتمام بها والمساهمة المتواضعة في الأنشطة المجتمعية ؟
وبالإضافة إلى ذلك ويتحدد دور المدرسة أيضا في تنمية قيم المواطنة من خلال وجود إدارة تربوية تعي مفهوم التربية الحديثة ،وتعمل على خلق بيئة تعليمية فاعلة من خلال نسج علاقات تواصل إنسانية وتربية مع المعلمين والمتعلمين على حد سواء وبخصوص دور المعلم في تنمية قيم المواطنة فأنه يتجسد عن طريق القدوة الحسنة أمام التلاميذ وقيامه بدور المربي الفاضل الذي تتجسد في شخصية تلك القيم فهو أبعد ما يكون عن الديكتاتورية بل يكون علاقة ودية مع تلاميذه ويحترم دواتهم ويعطف عليهم ويتلمس مشكلاتهم ويحترم آرائهم ويتقبلها حتى يستطيع أن يساهم في تنمية الانتماء في نفوس التلاميذ نحو المدرسة والذي بدوره يشكل أساس الانتماء الوطني ؛كما يقتضي ذلك تطوير قدراته ومعارفه خاصة في مجال طرق التدريس الحديثة .
وللمدرسة دور أساسي في التنمية الاقتصادية لكل الأمم والشعوب ، ذلك لأن في المدرسة يتلقى رواد المجتمع العلم والمعرفة ومنها ينطلقون إلى حياة العمل والانتاج . كذلك فالمدرسة تمنح المواطن الوعي والثقافة والمعرف التي من خلالها يعلم أهمية الوطن وتطويره ، ويسعى من خلال هذا الوعي الوطني ليكون له مكانة في العمل والانتاج والمحافظة على الوطن .
بالإضافة إلى ذلك ، فالمدرسة تساهم في تحريك الاقتصاد وفي حال ارتفع مستوى التعليم لدى الشعوب ، فالكثير من المغتريين والعرب والأجانب يرسلون أولادهم لتلقي تعليمهم في لبنان ، وهذا بدوره يجلب إلى لبنان الأموال ، ويساهم في تحرك الدورة الاقتصادية في البلد .
والمقصود هنا ، أن تطور عمل المدرسة يساهم أولا في تعليم وتوعية الأفراد ، وثانيا يساهم في جلب الطلبة من الخارج ويشجع الكثير من أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في مجال افتتاح المدارس على أن لا يكون هذا الاستثمار تجاريا ، يفقد المدرسة رسالتها التعليمية .
· هل استطاعت المدرسة في لبنان أن تلعب هذا الدور ، وأن تؤدي الرسالة كما هو مطلوب منها ؟
= طبعا ، لقد أدت المدرسة في لبنان رسالتها على أكمل وجه ، وقامت بتعليم القيادات وساهمت في وعيهم وأطلقتهم إلى حياة العمل والكفاح من أجل الوطن والفرد ، ومعظم القيادات البارزة ، بل إن معظم المبدعين والنوابغ بالمجتمع اللبناني تلقو تعليمهم في مدارس لبنانية .
لتكن هناك نظرة لرجال السياسة والاقتصاد والتنمية والقانون والثقافة في لبنان نرى أن معظمهم تلقوا تعليمهم في مدارس لبنان ، ربما غادروا لبنان بسبب الحرب ، وربما واصلوا تعليمهم الجامعي في الخارج ، لكن معظم الشخصيات الاقتصادية ورجال الأعمال والسياسة والصحافة في لبنان تلقوا تعليمهم وارتفع وعيهم في المدرسىة اللبنانية .
ولا ننكر أن هناك مدارس لبنانية أهملت رسالتها وشوهت عملها ولم تؤد رسالتها بأمانة ، لكن تلك الحالات نادرة وشاذة عن التقاليد والأعراف اللبنانية .ومع الدور الريادي الذي تميزت به المدرسة ، عملت الإدارة على توسيع رسالتها واستقبال أفواج الطلاب التي كانت تتدفق لمتابعة دراستها في المدرسة ، وكان حرص الإدارة على أولا تأدية رسالتها الوطنية بما يساهم في وعي وتطور الانتاج والاقتصاد الوطني ، وكان حرصها أيضا على عدم إضاعة الفرصة أمام الأجيال القادمة والشابة لمتابعة تعليمهم خوفا من البطالة والجهل .
ومن هذه المنطلقات الأخلاقية والتربوية ، لم تتراجع المدرسة خطوة واحدة إلى الوراء ، ولم تتوقف رغم سنوات الحرب والتدمير وتقطيع أوصال الوطن ، وبرهنت إدارة المدرسة على تحمل مسؤوليتها وحققت بجهود العاملين معها خطوات مشهودة في ميادين التربية والتعليم وعملت بكل الجهود المتوفرة من أجل تحقيق أهدافها ونالت المدرسة ثقة أبناء المنطقة ونالت تقديرهم واحترامهم .

التعليقات