من الكي جي بي .. مع الحب

من الكي جي بي .. مع الحب
من الكي جي بي ، مع الحب

د.عبدالله عيسى
 كاتب فلسطيني-موسكو

الفضيحة حول الإمبراطورية الإعلامية روبرت موردوك تثير اسئلة جديدة . ففي الفترة الأخيرة أعلن أحد أقطاب الامبراطوريات الإعلامية الكسندر ليبيديف في حوار له مع مراسل " بلومبيرغ "أنه يريد شراء " نيوز اوف ذا وورد " .
News of the World

لكنه فييما بعد يعلق على تصريحه هذا بأنه " نصف مزحة " فمالذي أراده ليبيديف المعروف بأنه شخصية تتمتع "بعقل بارد " ، وما هي اللعبة التي ينتهجها ؟
كثيرون يعتقدون أنه لقراءة شخصيته اليوم لا بد من تذكر تاريخه . عميل الكي جي بي السابق هذا ، ومباشرة بعد انهيار الإتحاد السوفيتي مارس العمل التجاري .وفي ذلك الوقت كان الأمر عادياً . فجل عملاء الكي جي بي الذين لم يعودوا ، لسبب أو لآخر ، اتجهوا إلى استخدام علاقاتهم وخبراتهم في عالم البيزنس ، وبنوا امبراطوريات بناء على المعلومات والامكانات التي حازوها عبر عملهم في جهاز المخابرات العريق هذا ، خاصة ما تعلق بحسابات المخاطر واللعب بالبيضة والحجر ، على مبدأ مؤسس الكي جي بي فيليكس ديرجينسكي أن على العميل أن يمتلك " عقلا ً باردا ً و قلبا ً حاراً ويدين نظيفتين " ، وكانت هذه المعادلة تعني أيام الاتحاد السوفيتي : " حسابات دقيقة ، حماس في التنفيذ ، وعدم إبقاء أي آثر " .
وباقتفاء هذه المعادلة ، وانطلاقا ً من تجربته أصبح ليبيديف بنكيا ً مشهوراً وامبراطور إعلام . فهو مالك جريدة "الجريدة الجديدة " الروسية واسعة الانتشار مع ميخائيل غورباتشيوف ، وفي بريطانيا مالك " انديبيندينت " و " يفينينغ ستاندارت " .
أما تصريحاته بخصوص " نيوز اوف وورد " فيربطها ليبيديف بانسحاب روبرت مرديوك من عالم الدعاية والاعلام في روسيا . وبخبرته السابقة وعقله الحاذق وامكانيته بالحصول على المعلومات ، وحسب معلومات صحفية ، تمكن من القبض على عمليات فساد بين ممثلي مؤسسة " نيوز كابريشين " العاملة في روسيا وشركة الدعاية " نيوس آوتدور" الشهيرة وحكومة موسكو . وانتهت المسألة بأن أقيمت دعوى جنائية في المحاكم الروسية تحت بند الفساد ، طالما قدم ممثلو حكومة موسكو المعنيون بأمر الدعاية تسهيلات فيها تحايل على القانون كلفت حكومة موسكو خسارة تقدر بنصف مليار روبل . وحكمت المحكمة على موظفي حكومة موسكو ، وعلى شركة " نيوس آوتدور : بدفع المبلغ المذكور للخزينة . وبعد هذه الفضيحة سارع ميردوك بالاعلان عن بيع ممتلكاته .

وبهذا يكون ليبيديف قد وجه ضربة قاسية لعدوه اللدود رئيس حكومة موسكو السابق يوري لوشكوف ( الذي عزله الرئيس الروسي دمتري مدفيديف عام 2010) وأبعد ميردوك أحد ملاك سوق الدعاية والاعلان في روسيا الذي يمتلك علاقات ليست جيدة مع السلطة الروسية .
الخدمة التي قدمها ليبيديف للكرملين ينتظر ردها بجميل آخر . فعلاقاته الخاصة مع المؤثرين في النحبة السياسية الروسية تؤكد امكانية أن يترأس شركات تابعة لمؤسسات اقتصادية كبيرة .
فعلى سبيل المثال دفع بنك " ن . ب . ب " المملوك له في روسيا مبلغا على شكل مخالفة بعد خرق واضح لقانون الضرائب الروسي ، ولو لم يكن يمتلك هذه العلاقات المؤثرة لتم سحب رخصة البنك ، وحوكم صاحبه .
فمعايير العقوبة في روسيا ، كما دلت التجارب ، مرتبطة بمدى ونوعية علاقة رجل الأعمال برجالات السلطة . وخير مثال على ذلك ، مصير صاحب يوكوس النفطية ميخائيل خادركوفسكي القابع في السجن نتيجة علاقته السيئة مع فلاديمير بوتين الرئيس الروسي السابق واللاحق ورئيس الوزراء اليوم ، على الرغم أن خادركوفسكي كان يمتلك حسابات شفافة واتهم بتهربه من الضرائب ..أما لبيبديف فعلى علاقة طيبة ببوتين ، فقد أصبح أحد أجنحة " جبهته الداخلية " . ولكي يبقى كذلك فعليه أن يقدم خدمات ملموسة كعارف ببواطن أمور السياسة والمخابرات ، خاصة وأنه معروف بحصافته ومقدرته على إدارة الأزمات وقواعد اللعب الكبيرة ، بما فيها الخطيرة والمعقدة على من هو سواه .
وطالما أنه تعلم في مدرسة الكي جي بي مهارة السيطرة في الحروب الاعلامية والنفسية ، فقد غدا على أهلية كبيرة بتملك وإدارة عوالم الاعلام والدعاية ، وبعلاقات مؤثرة مع رجالات السياسة والأعمال . وهو ما منحه أيضاً قدرة طرح أفكار جريئة .
فمثلا ً ، يعتبر الفساد أحد المشاكل الكبرى للكرملين ، ومعروف أن روسيا من كبريات الدول التي تمارس فيها حالات الفساد الكبرى . وأصبحت قضية محاربة الفساد أحد عناوين الحملات الانتخابية الرئاسية التي ستشهدها البلاد قريبا ً .
وفي هذا السياق ، ليبيديف حصان رهان للكشف عن الفساد في عالم الإعلام والإعلان في روسيا وخارجها ، خاصة وأنه يمتلك تجربة وتأثيراً إستثنائيين . فبالنسبة لعميل من أبرز خريجي مدرسة الكي جي بي ، فإن الكشف عن عملاء مخابرات دول أخرى يعملون صحفيين ليس أمرا ً صعبا ً . والفضيحة حول نشاط ميردوك ، التي كشف عنها هزت الأوساط الاعلامية خاصة ، ليس فقط في بريطانيا ، بل وفي الولايات المتحدة .
لكن ليبيديف لم يكتف بذلك ، بل سعى لتوسيع دائرة المناداة بحقوق الصحافيين .
ففي حوار له في راديو " صدى موسكو " أعلن أن " القوانين التي تحمي الشخصيات المؤثرة والأغنياء كثيرة ، ليس فقط في روسيا ، بل وفي أوربا وأمريكا . ولا يمكن لنا أن نستسلم للفساد في هذا الحقل ، سيما وأن الكثير منه لانعرفه ، ومن أجل محاربته لابد من الاعتماد على الصحفيين , أعتقد لابد من توسيع دائرة حقوق الصحفيين "
خلاصة الأمر أن درس ميردوك يعني أن عملاء بوتين خرجوا للصيد ، ولاتهمهم إلا الفرائس السمينة .
فلماذا يصرح ليبديف عن نواياه بشأن " نيوز أوف وورد " ليقول أنها نصف مزحة ؟
المسألة أشبه بتوقيع الفنان في زاوية اللوحة .
فكرة من كانت ، ولماذا تم تثمينها عاليا ً هنا ؟

التعليقات