سياسيو العراق.. الشعب يهتف ضدهم كل جمعة.. والمراجع يغلقون الأبواب في وجوههم

سياسيو العراق.. الشعب يهتف ضدهم كل جمعة.. والمراجع يغلقون الأبواب في وجوههم
صورة أرشيفية
غزة - دنيا الوطن
لا يوجد في العراق من لا يعرف المثل الشعبي الشهير «لا حظت برجيلها ولا خذت سيد علي»، وهو يطلق عادة على من هو غير قادر على الاحتفاظ بما هو عليه على أمل الحصول على الأفضل فيفقد الاثنين. الطبقة السياسية الحالية في العراق التي تعتقد أنها حظيت بثقة الشعب عبر ثاني انتخابات برلمانية في غضون أقل من ثمانية أعوام تواجه اليوم ومنذ انطلاقة ما بات يصطلح عليه «ربيع العرب» غضبا شعبيا تزيد من حدته الملفات المفتوحة وأخطرها ملفات النزاهة والفساد، فضلا عن مفاهيم الشراكة الوطنية والالتزام بالدستور وكيفية إدارة الدولة. وبينما كانت الطبقة السياسية الحاكمة ممثلة بكل الأحزاب والقوى والكتل البرلمانية تستند حتى وقت أواخر العام الماضي تقريبا إلى دعم المرجعية الشيعية وبالذات دعم المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني مما يجعلها في حاجة دائمة إلى الاتكاء عليه كلما أحست أن هناك من هو قادر على حصرها في زاوية ضيقة فإنها فوجئت باتخاذ المرجع قرارا هو الأخطر من نوعه منذ سقوط النظام العراقي السابق عام 2003، وذلك برفضه استقبال القادة السياسيين. وبينما حاول رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي جس نبض المرجعية من جديد، حيث يروم زيارة النجف خلال الفترة المقبلة في سياق جولة له في كل محافظات العراق حين أعلن أن القادة السياسيين هم الآن أحوج ما يكونون إلى «نصائح السيستاني» فإن جواب السيستاني لم يتأخر كثيرا وجاء بالرفض من خلال خطبة صلاة الجمعة في كربلاء وعبر كبير معتمديه الشيخ عبد المهدي الكربلائي الذي أعلن صراحة بما يفيد ما هي الفائدة من الحديث عن نصائح لا تطبق على أرض الواقع. ومع أن هذه كانت إشارة كافية لاستمرار غضب المرجعية إلا أن البيان الذي أصدره أحد المراجع الأربعة الكبار باسم المرجعية كلها، والذي أشار صراحة إلى أن المرجعية لا تزال ترفض استقبال السياسيين فقد قطع الشك باليقين، وهو ما أعاد وضع الطبقة السياسية في الزاوية الأكثر حراجة الآن بسبب التعقيدات السياسية التي تتفاقم يوما بعد آخر دون أن يلوح في الأفق مما يشير إلى إمكانية حلها ليس عبر التوافقات أو الترضيات أو الصفقات وليس من خلال الدستور.

وبالنسبة إلى وضع كالوضع العراقي فإن الطبقة السياسية العراقية يمكن أن تكون قد وضعت نفسها في «مأزق» العلاقة الملتبسة بين شرعيتين.. الشرعية الجماهيرية من خلال صناديق الاقتراع التي حصدت النسبة الأكبر من أصوات المقترعين الأحزاب والقوى القومية والعرقية والمذهبية على حساب من طرحت نفسها منافسة لها في الانتخابات من تيارات وقوى ليبرالية وعلمانية والشرعية الدينية ممثلة بالمرجعيات الدينية، لا سيما بالنسبة لأطراف التحالف الوطني الشيعي، والتي تحتل العدد الأكبر من مقاعد البرلمان العراقي (159 من 325 مقعدا). وفي حين كانت كل من هاتين الشرعيتين الجماهيرية والدينية تنتظران تطبيق البرامج التي تم الإعلان عنها أثناء الحملات الانتخابية على أرض الواقع فإن المحصلة حتى الآن هي عدم اكتمال الحكومة نفسها (الوزارات الأمنية) وفي ظل أوضاع أمنية بات بعضها يرتقي إلى حد المخاوف من اندلاع أعمال عنف طائفي مجددا (مثلما حصل في النخيب مؤخرا)، بالإضافة إلى استمرار التفجيرات الإرهابية هنا وهناك وفي مناطق ذات حساسية عالية.

وليس هذا فقط، بل إن رجال الطبقة السياسية بعد ما لم يتمكنوا من تنفيذ الوعود المتقابلة فيما بينهم فإن لغة خطابهم السياسي انحدرت إلى مستويات لم يعهدها الخطاب السياسي من قبل، وهو ما يؤشر استمرار الأزمة على أشدها في وقت لا تتوفر على نحو واضح الإرادة والقدرة على الحسم. وبالتالي فقد تحول رجال الطبقة السياسية من رجال دولة إلى رجال أزمات. فما أن يعبروا أزمة حتى يواجهوا غيرها وفي حين بدأوا يشعرون بأنهم بحاجة إلى الشعب ومراجع الدين فقد وجدوا أنفسهم أمام شعارات أسبوعية تهتف ضدهم في ساحة التحرير تذكرهم دائما بأنهم لم يقدموا أقل بكثير مما وعدوا به، وكذلك أمام عدم رضا من قبل مراجع الدين الذين كان يتوقع أن يتدخلوا لإيجاد مخرج للأزمة وإذا بهم يرمون عليهم يمين القطيعة.

التعليقات