استخبارات القذافي ..جهاز فاشل أصابه الذعر والشلل

استخبارات القذافي ..جهاز فاشل أصابه الذعر والشلل
غزة - دنيا الوطن
عُثر على الملفات التي اطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال في مكتب رئيس جهاز الاستخبارات وجهازين أمنيين آخرين بعد هروب جلاوزتها من مكاتبهم مع تصاعد الانتفاضة الشعبية.

وترفع الملفات الغطاء عن ثقافة جامدة ومتكلّسة في تفكير دولة القذافي البوليسية أثبتت عجزها عن إبداء أي مرونة في خوض حرب حقيقية.

وأخفقت الإمكانات الدعائية في التحول إلى تحليل ميداني متسببة في دفع الجنود إلى الإحباط والاستياء وأحيانا إشاعة البلبلة بينهم.

ويشكو قائد عسكري في إحدى الوثائق التي عُثر عليها في مكتب رئيس الاستخبارات السابق عبد الله السنوسي من غياب العمل الاستخباراتي الحقيقي قائلا انه لم يتلق أي معلومات من أي مكان، وأعرب عن اعتقاده بعدم وجود "جهاز واحد لديه معلومات دقيقة أو حتى غير دقيقة" عن الثوار المطلوب منه أن يهزمهم.

وتشير وثائق من بداية العام إلى استهانة مسؤولي النظام بالانتفاضة، وكتب ضابط ميداني مع بدء الانتفاضة في شباط/فبراير إلى رؤسائه في طرابلس أن المحتجين في مدينة المرج التي يتمركز فيها هم مجرد حفنة من المشاغبين المخمورين من أهل المنطقة.

واعتبر تقرير من تاجوراء إحدى ضواحي طرابلس أن المتظاهرين فيها مصدر إزعاج يشبهون "الكلاب السائبة".

ولكن بحلول نهاية الربيع بدأ قادة الأجهزة الأمنية يهرشون رؤوسهم بشأن اتصالات هاتفية بين الثوار تمكنوا من اعتراضها لكنهم لم يستطيعوا فك شفراتها.

وأدت حالة الذعر المتزايدة إلى مشاحنات ومكائد بين أركان النظام أنفسهم. وفي مذكرة بتاريخ 1 ايار/مايو حمل ضابط برتبة مقدم في شعبة التحقيقات والمراقبة على زملائه قائلا إن الشعبة أصبحت مكتب سكر ودعارة وسرقة ممتلكات المعتقلين.

وتابعت المذكرة أن مدير المكتب أحضر فتاة مصرية وأعطاها حبوبا أفقدتها الوعي ثم أغلق باب مكتبه عليها وحاول ان يغتصبها لكنها صرخت وأنقذها أحد الوكلاء.

ومع تصاعد زخم الانتفاضة لجأ جهاز المخابرات الى أساليبه المفضلة فاقترح ضابط أمن في مذكرة كتب عليها عبارة "سري للغاية" زيادة عدد المخبرين في صفوف الجهاز بتوجيه كل عنصر الى التجسس على 20 عائلة من جيرانه.

وبعد 42 عاما من الخبرة في ملاحقة الخصوم ومراقبة المواطنين ورصد تحركات المعارضين لم تفعل الأجهزة الأمنية سوى مجاراة الدعاية الرسمية بتقارير تؤيد ادعاءات النظام في اتهام المنتفضين بأنهم مدمنون وإرهابيون إسلاميون ومجرمون عتاة وتجار مخدرات.

ومن بين عشرات التقارير الميدانية التي اطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال في مقر جهاز الأمن الداخلي ومقر جهاز الاستخبارات، لم يكن هناك تقرير واحد يلفت إلى احتمال أن تكون للانتفاضة قاعدة اجتماعية أوسع من هؤلاء.

ويتحدث تقرير بتاريخ 24 شباط/فبراير عن اختراق خلايا الثوار في مدينة المرج شرقي ليبيا ويشير إلى 12 شخصا وعائلة بوصفهم منظمي الانتفاضة في المدينة ولكنه يخلص في النهاية إلى أن الخطر الحقيقي لا يأتي منهم بل يتهم "سيطرة المسلمين الشيعة" على قنوات فضائية تبث برامجها باللغة العربية.

وفي اواخر آذار/مارس بعدما أصبحت مدينة المرج ومناطق واسعة من شرق ليبيا بيد الثوار وجه قادة الأجهزة الأمنية للنظام أنظارهم نحو انتفاضات محلية اندلعت في مناطق أخرى مثل مصراتة والزاوية والجبال الغربية فوجدوا أنفسهم في حيرة لا يستطيعون جمع معلومات أساسية عن خصومهم في هذه المناطق.

وتشير صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن نظام القذافي حقق قدرا من النجاح باختراق قيادة الانتفاضة، إذ يقول تقرير كان على مكتب نائب السنوسي إن كاتبه عميل مزدوج يعمل لأحد وزراء المجلس الوطني الانتقالي.

ولكن التقرير الذي يقع في ست صفحات مليء بمعلومات غير مفيدة او غير دقيقة، ومن بين ثغرات التقرير ان صاحبه يخطئ في اسماء مسؤولين كبار في قيادة الانتفاضة.

بحلول نيسان/ابريل بدأت الانتفاضة تتسع ومعها ترتفع درجة الذعر في طرابلس، وأخذ مكتب السنوسي يتلقى معلومات ذات مصداقية لكنها كانت تنقل أنباء مشؤومة، وكانت تصله تقارير تقول ان الثوار يستغلون حدود ليبيا الجنوبية المفتوحة لتلقي السلاح والمساعدات.

وتضمن احد التقارير اتصالات هاتفية اعترضتها استخبارات القذافي بين قادة عسكريين في تشاد تحدثوا عن قوافل من الأسلحة القطرية متوجهة الى حدود ليبيا الجنوبية مع السودان في طريقها إلى الثوار.

وحذر تقرير آخر بتاريخ 4 نيسان/ابريل من شحنات أسلحة فرنسية في طريقها إلى الثوار عبر الأراضي السودانية.

ولكن الانهيار الحاسم في النشاط الاستخباراتي حدث في نيسان/ابريل وايار/مايو عندما بدأ النظام يواجه مصاعب في السيطرة على معابره الحدودية مع تونس ومنطقة الجبال الغربية.

ففي تلك الفترة بدأ الثوار يحشدون قواتهم في منطقة الجبال الغربية الأقرب إلى طرابلس بنية التقدم نحو العاصمة.

ومن بين الملفات التي اطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال مئات الصفحات من الاتصالات الهاتفية التي اعترضتها مخابرات القذافي بين الثوار خلال شهري نيسان/ابريل وايار/مايو.

ولكن الصفحات تزخر بالأحاديث المبتسرة والمشفَّرة بين الثوار الذين كانوا يعرفون أن هواتفهم تحت المراقبة.

في النهاية بدا ان ضعفا خطرا أصاب قوات القذافي عندما قامت في 17 نيسان/ابريل بهجوم واسع لطرد الثوار من الجبال الغربية وتأمين الحدود مع تونس.

وعلى امتداد أربعة أيام قصفت قوات القذافي التلال والقرى المحيطة بمدينة نالوت قرب المعبر الحدودي مع تونس.

ولكن الثوار تمكنوا رغم ذلك من السيطرة على المعبر وأجبروا مئات من قوات القذافي على التقهقر.

وابدى الفريق محمد العيساوي الذي قاد الهجوم استياءه بسبب الهزيمة في مذكرة لاذعة من 8 صفحات وجهها في 26 نيسان/ابريل الى قائد الجيش الليبي.

وقال الفريق العيساوي ان محاولتيه لتدمير مقر الثوار في الجبال فشلتا بسبب عدم توفر المعلومات الاستخباراتية عن الثوار وتحديدا عددهم وتسليحهم وتدريبهم وانتشارهم.

وحمل الفريق العيساوي على القيادة العليا لاستخدامها وحدات ليست مدربة لخوض معارك برية قائلا إن طرابلس أرسلت له نحو 300 جندي من منتسبي السلاح الجوي والبحرية ليس لديهم خبرة في القتال البري.

وقال ان المعنويات كانت "كارثية"، واضاف ان نقص المعلومات الاستخباراتية من القادة القابعين في طرابلس أبقى جنوده مكشوفين لعداء السكان المحليين واثأر غضب الجنود لدفعهم في مواجهة قوات متفوقة عليهم.

وكتب يقول ان الثوار "أكثر عددا وأقوى عدة منا"، وأُعفي الفريق العيساوي من منصبه بعد فشل محاولته الثانية في الجبال، بحسب مذكرته نفسها ، وما زال مكان وجوده مجهولا.

بحلول أيار/مايو كان الثوار يتقدمون نحو طرابلس، وبعث بعض أعوان النظام مذكرات يحاولون فيها تنبيه طرابلس إلى الخطر.

وأرسل اللواء عجيلي عقيل تقريرا حذر فيه من أن النظام يواجه خطر التفريط بولاء قرية وقفت طيلة أسابيع سدا منيعا بوجه تقدم الثوار على طريق استراتيجي الى طرابلس.

وقال اللواء عقيل ان ولاء القرية بدأ يتحول بسبب سنوات من فساد المسؤولين المحليين مشيرا إلى ان "بعض المسؤولين والوجهاء الموالين للقذافي في هذه المنطقة أساؤوا التصرف بأخذ السيارات والمال والسلاح لأنفسهم".  وما زال مكان اللواء عقيل مجهولا. 

في منتصف ايار/مايو قصفت قوات حلف شمالي الأطلسي مجمع الاستخبارات.

وعلى طاولة اجتماعات واسعة في مكتب السنوسي ترك رئيس الاستخبارات كتابا بالعربية عنوانه "سرطان الفساد الاداري".

وكانت على مكتب نائب السنوسي أكداس من الأوراق لعلها آخر التقارير التي اطلع عليها قبل فراره.

ويقول احد التقارير ان غالبية العاملين في إدارة المخابرات حاليا ليسوا مؤهلين للقيام بواجبات استخباراتية.

ويطلب صاحب التقرير موافقة رؤسائه على قيامه بتجنيد مزيد من الكوادر "ذوي المؤهلات الأكاديمية والمهنية".

ويقترح تقرير آخر طريقة قديمة لمعالجة إخفاقات النظام في مجال جمع المعلومات وهي أن يعمل كل موظف في مكتب المخابرات جاسوسا على أهل الحي الذي يسكنه.

ويقترح صاحب التقرير انه "إذا أخذ كل شخص على عاتقه مهمة مراقبة العائلات الخمس على يسار منزله ويمينه وأمامه وخلفه فإننا نستطيع بهذه الطريقة أن نجني فائدة من العدد الضخم للعاملين في هذه الوحدات" الأمنية.

التعليقات