محمد نجيب .. أول رئيس لمصر

محمد نجيب .. أول رئيس لمصر
غزة - دنيا الوطن
''كنت رئيسا لمصر''.. تلك كانت آخر ثلاث كلمات خطها في صفحات مذكرات اللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر بعد إعلان الجمهورية الأولى وانهاء عهد الملكية. عاش نجيب ''أسيرا'' 30 عاما يطل على المحروسة من نافذة ''منفاه'' بقصر زينب الوكيل زوجة مصطفى النحاس باشا بالمرج، حتى وافته المنية في 28 أغسطس سنة1984، موصيا بأن يوارى جسده الثرى بمسقط رأسه بالسودان.

يقول نجيب في مذكراته أنه عندما تلقى وهو في منفاه خبر جلاء القوات البريطانية عن مصر عادت به الذاكرة حين كان يمليه مدرس الانجليزي كلمات ''أن مصر يحكمها البريطانيون''، فهم نجيب واقفا – بعد أن امتنع عن الكتابة - وقال له ''لا يا سيدي مصر تحتلها بريطانيا فقط ولكنها مستقلة داخليا وتابعة لتركيا''، فثار المدرس الإنجليزي وغضب وقاده إلى مكتبه وأمر بجلده عشر جلدات على ظهره واستسلم للعقوبة المؤلمة دون أن يتحرك أو يفتح فمه.

حامل علم مصر وبجواره مجموعة من الضباط الصغار جالسا على سلالم بيت الأمة مشاركا في ثورة 1919 على الرغم من مخالفة ذلك لقواعد الجيش، حيث جاء من السودان مكان خدمته  بالكتيبة '' 17 '' بعد تخرجه في الكلية الحربية في أبريل عام في 23 يناير 1918.

حصل محمد نجيب على شهادة الكفاءة، ودخل مدرسة البوليس لمدة شهرين، واحتك بمختلف فئات الشعب المصري، وعاد مرة أخرى إلى السودان عام 1922 مع الفرقة ''13'' السودانية وبسب تأييده للمناضلين السودانيين عاد إلي القاهرة  منتقلا إلى الحرس الملكي في أبريل 1923، ثم انتقل إلى الفرقة الثامنة بالمعادي.

ورغم مسؤوليته فقد كان شغوفا بالعلم ففي عام 1927 كان نجيب أول ضابط في الجيش المصري يحصل على ليسانس الحقوق، ودبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي ودبلوم آخر في الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1931 كان يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والعبرية.

قفز فوق سطح منزل مصطفى النحاس، وعرض عليه تدخل الجيش لإجبار الملك على احترام رأي الشعب، عند إقالة حكومة النحاس حل البرلمان في غضب من الملك على الوفد وحكومته ممثله في النحاس والذي رفض مساعدة نجيب وقال له ''أنأ أفضل أن يكون الجيش بعيدا عن السياسة، وأن تكون الأمة هي مصدر السلطات، كان درسا هاما تعلم من خلاله الكثير حول ضرورة فصل السلطات واحترام الحياة النيابية الديمقراطية، وهو الدرس الذي أراد تطبيقه بعد ذلك عام 1954''.

كتب وصيته لأولاده حين وجد الدماء تنفجر من صدره اثر إصابته في معركة التبة بحرب 1948  قال فيها ''تذكروا يا أبنائي أن أبيكم مات بشرف.. وكانت رغبته الأخيرة أن ينتقم من الهزيمة في فلسطين ويجاهد لوحدة وادي النيل'' وفي مشهد درامي لا يكرر عاد نجيب مصابا إلى القاهرة.

وعندما تم نقله إلي المستشفى اعتقد الأطباء أنه استشهد، ودخل اليوزباشي صلاح الدين شريف لإلقاء نظرة الوادع علي جسده فنزع الغطاء وسقطت دمعة علي وجه محمد نجيب، فتحركت عيناه فجأة فأدرك الأطباء أنه لا يزال علي قيد الحياة وأسرعوا بإسعاف.

ومنها هنا ارتفعت شعبية محمد نجيب وقتها حصل علي نجمة فؤاد العسكرية الأولى تقديرا لشجاعته في هذه المعركة فقد كان أول ضابط مصري يقود ما يربو علي الفيلق بمفرده.

هرول عبد الحكيم عامر إلي جمال عبد الناصر ليخبره ان وجد كنز وبالفعل كان الكنز هو ''محمد نجيب'' الذي انضم بعدها للضباط الاحرار وكان الصدام الاول مع الملك عند رفضه ترقية حسين سري وكيل لسلاح الحدود الذي يرأسه، فامتعض الملك منه، وقام بتعين حسين سري مديراً لسلاح الحدود بدلاً منه، وعين محمد نجيب مديراً لسلاح المشاة.

انتخب رئيسا لمجلس إدارة نادي الضباط في 1 يناير 1952 بأغلبية الأصوات ولكن الملك فاروق أمر بحل المجلس وهو ما فجر غضب ضباط الجيش وعلي رأسهم الاحرار وهو ما كان بداية الحقيقة للتخطيط لثورة يوليو والذي كان احد قادتها والمخططين والمنفذين لها.

ترددت الأقاويل عن أسباب عزلة عن منصبة كرئيس للجمهورية في نوفمبر من عام 1954 ومنها أنه به عروق سودانية وليس مصري خالصا وهو ما ينفيه كتاب ''الأوراق السرية لمحمد نجيب أول رئيس جمهورية في مصر''، للكاتب الصحفي محمد ثروت والذي يؤكد على  ''أن جذور اللواء محمد نجيب ترجع إلى قرية النحارية بمركز كفر الزيات محافظة الغربية وهي إحدى قرى الوجه البحري بمصر''.

ويضيف الكتاب ان والد نجيب اليوزباشي ''يوسف نجيب''، ينتهي لقبه بـ  ''قطب قشلان'' نسبة إلى عائلة مشهورة بالزراعة في ذلك الوقت ويشير الكتاب ايضا إلى أن أم نجيب كانت السيدة زهرة محمد عثمان ابنة الأميرالاي محمد عثمان وهو ضابط مصري كبير بالجيش المصري بالسودان، وكانت تعيش أسرته في أم درمان، حيث كان قائدا لحامية بواب المسلمية أحد معاقل الخرطوم الجنوبية.. وقد أنجب يوسف نجيب من زهرة التي تزوجها عام 1900''.

محمد نجيب  ''الأسير والضحية''  أم ''الخائن والعميل''  كان عنوان للعديد من التهم التي اتسقت به ومنها اتهام الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل عام 1972 في كتابة ''عبد الناصر والعالم''، بالعمالة للولايات المتحدة الأمريكية من خلال واقعة تلقيه مبلغ 3 ملايين دولار كاعتماد أمريكي خالص لبناء برج لاسلكي للاتصالات العالمية ''برج القاهرة حاليا''، وذلك عن طريق وكالة المخابرات المركزية ''CIA''.

برأئه كتاب ''مايلز كوبلاند'' رجل المخابرات المركزية، والذي أكد أن المبلغ تسلمه حسن التهامي أحد المقربين من جمال عبد الناصر ومستشار الرئيس السادات فيما بعد.

وبتلك الكلمات كتب نجيب نص استقالة من منصبة كأول رئيس للجمهورية ''بسم الله الرحمن الرحيم ''السادة أعضاء مجلس قيادة الثورة.. بعد تقديم وافر الاحترام، يحزنني أن أعلن لأسباب لا يمكنني أن أذكرها الآن أنني لا يمكن أن أتحمل من الآن مسئوليتي في الحكم بالصورة المناسبة التي ترتضيها المصالح القومية''.

وتابع ''ولذلك فإني أطلب قبول استقالتي من المهام التي أشغلها، وأني إذ أشكركم على تعاونكم معي أسأل الله القدير أن يوفقنا إلي خدمه بلدنا بروح التعاون والأخوة''.





التعليقات