حرب مخابرات واتصالات بين نظام القذافي والثوار

حرب مخابرات واتصالات بين نظام القذافي والثوار
جانب من الدمار الذي خلفته غارة لطائرات الناتو
غزة - دنيا الوطن
بعد ساعات فقط من مطالبة الدكتورة عائشة، ابنة العقيد الليبي معمر القذافي، بتعليق من وصفتهم بعملاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذين يزودونه في داخل ليبيا بالإحداثيات لتوجيه غارته الجوية على الأعمدة ليكونوا عبرة لغيرهم، قالت السلطات الليبية في تهديد هو الأول من نوعه على الإطلاق إن أي مواطن يملك جهازا من نوع «الثريا» المتصل بالأقمار الصناعية لا بد أن يحمل ترخيصا باستخدامه، وإلا تعرض لعقوبة الإعدام. وقالت وكالة الأنباء الليبية الرسمية إنه نظرا لقيام من وصفتهم بجواسيس من الخونة عملاء حلف الناتو بإبلاغ هذا الحلف بإحداثيات بعض المواقع عن طريق جهاز هواتف «الثريا» لقصفها، فإن أي مواطن يملك جهازا من هذا النوع، لا بد أن يحمل معه ترخيصا باستخدامه وفق القوانين واللوائح المرعية.

وهددت بأن من سيخالف ذلك سيعاقب وفقا للقانون الذي يجرم التخابر مع العدو أثناء الحرب، والذي قد تصل عقوبته إلى حد الإعدام، معتبرة أنه على الأجهزة الأمنية والضبطية القيام بتنفيذ ذلك بحزم واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في هذا الصدد.

ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من مقر شركة «الثريا» للاتصالات الفضائية في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة التي تتهمها سلطات القذافي مع قطر بمساعدة وتمويل المجلس الانتقالي الوطني الممثل للثوار الساعين للإطاحة بالقذافي. وتستخدم وسائل الإعلام الأجنبية أجهزة هواتف «الثريا» على نطاق واسع في الحالات التي تكون فيها الاتصالات العادية معرضة للتعطيل وسيطرة الدولة.

وكانت عائشة ابنة العقيد القذافي قد انتقدت قبل يومين على شاشات التلفزيون الليبي الرسمي من وصفتهم بعملاء الناتو على الأرض الذين يزودونه بإحداثيات المواقع التي تتعرض للقصف لاحقا بواسطة مقاتلات حلف الناتو، كما طالبت بتوقيع أقسى العقوبة عليهم. وهذه هي المرة الثانية التي يشير فيها أحد أبناء القذافي إلى فكرة وجود عملاء يزودون حلف الناتو بإحداثيات المواقع العسكرية التابعة للقذافي التي تتعرض للقصف في مختلف المدن الليبية. وسبق للمهندس سيف الإسلام نجل القذافي أن انتقد خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي استمرار عمل هؤلاء العملاء، داعيا السلطات الليبية إلى ضرورة التعامل معهم لتقليل الخسائر البشرية والمادية الناتجة عن قصف الناتو.

إلى ذلك، كشف محمود شمام العضو البارز بالمجلس الانتقالي الوطني الليبي، لـ«الشرق الأوسط»، عن تمكن المجلس من الحصول على نحو ألفي تسجيل لمكالمات هاتفية بين كبار المسؤولين في نظام وحكومة العقيد معمر القذافي، تكشف المزيد من التفاصيل غير المعلنة عن الكيفية التي تدار بها شؤون الدولة الليبية في الفترة الأخيرة.

وبدأت قناة «ليبيا الأحرار» الفضائية التي تبث عبر الأقمار الصناعية من العاصمة القطرية الدوحة وتعبر عن وجهة نظر المجلس الانتقالي في بث أجزء من هذه المكالمات، حيث أذاعت مساء أول من أمس تسجيلا قالت إنه لمكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء الليبي الدكتور البغدادي المحمودي وبعض المسؤولين الحكوميين تكشف قيام نظام القذافي بتجميع الجثث من بعض المستشفيات الليبية لإعادة وضعها مجددا في الأماكن المعرضة لقصف وغارات حلف الناتو.

وبدا أن هذه التسجيلات هي بمثابة تأكيد لما انفردت به «الشرق الأوسط» قبل عدة أسابيع حول تمكن الثوار المناهضين للقذافي من اختراق شبكة اتصالاته السلكية واللاسلكية ونجاحهم في التجسس على غالبية المكالمات الهاتفية التي تتم من وإلى العاصمة الليبية طرابلس. وقال مسؤول بالمجلس الانتقالي «لقد حصلنا مؤخرا على معدات تقنية حديثة من دولتين إحداهما عربية والثانية أوروبية، حيث بات بإمكاننا الآن أن نتجسس على كل المكالمات الهاتفية التي تتم في العاصمة طرابلس».

واعتبر المصدر نفسه أن قدرة الثوار على التجسس على مكالمات نظام القذافي تمثل نقلة نوعية في الحرب الأمنية والاستخباراتية التي يخوضها الثوار والمجلس الانتقالي لإسقاط نظام القذافي.

وسبق للتلفزيون الليبي الرسمي أن بث عدة مكالمات هاتفية، قال إن المخابرات الليبية نجحت في تسجيلها لرئيس المجلس الانتقالي المستشار مصطفى عبد الجليل وهو يتحدث إلى مسؤولين أميركيين وبريطانيين عبر الهاتف في شهر مارس (آذار) الماضي.

وهكذا، وإلى جانب المعارك الطاحنة التي يخوضها نظام القذافي ضد الثوار المتمردين على نظام حكمه والساعين لإسقاطه، تدور بشكل غير معلن وخلف الكواليس والغرف المغلقة معركة أخرى من نوع مختلف تتمحور حول الأمن والاتصالات والاستخبارات.

والى جانب أصوات المدافع والقذائف الصاروخية التي يتبادلها الطرفان، فإن ثمة حربا سرية لا تقل أهمية عن الحرب المعلنة على الأرض وفي ميدان القتال في مختلف الجبهات، تدور رحاها في الخفاء من دون أن تثير أي جلبة أو ضوضاء. وبينما يقول مسؤولون في المجلس الوطني الانتقالي إن الدائرة الأمنية والاستخباراتية حول القذافي بدأت تنهار بالفعل، فإن مسؤولين في حكومة القذافي سخروا في المقابل من هذه المبالغات، وبرهنوا على ذلك بعدم قدرة أي جهة على تحديد المكان الفعلي لوجود القذافي منذ بدء العمليات العسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في ليبيا في شهر مارس الماضي.

وقال دبلوماسي غربي أنهى الشهر الماضي عمله في العاصمة الليبية طرابلس لـ«الشرق الأوسط» إنه وفقا لمعظم التقديرات فإن جهاز المخابرات الليبية الذي يقوده أبو زيد عمر درودة قد فقد مؤخرا نحو 70 في المائة من كوادره البشرية القادرة على العمل، مشيرا إلى أنه ووفقا لأحاديث أجراها مع مسؤولين عن أجهزة الاستخبارات الغربية مؤخرا فإن الجهاز الليبي يعمل بنحو 30 في المائة فقط من قدرته الحقيقية.

وتحدث معارضون ليبيون ودبلوماسيون غربيون عن عزوف معظم العاملين في جهاز المخابرات الليبية عن ممارسة عملهم لأسباب قالوا إنها أخلاقية تتعلق برفضهم المشاركة أو التورط في أي عمليات تستهدف محاولة إجهاض موجة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مختلف المدن الليبية اعتبارا من السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي.

في المقابل، لم يعلن المجلس الانتقالي رسميا عن امتلاكه جهاز مخابرات مناهضا للقذافي في إطار الحرب السياسية والعسكرية بين الطرفين، لكن مصادر في المجلس قالت إن عملية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس القائد السابق لهيئة الأركان العامة لجيش تحرير ليبيا الوطني برهنت على الحاجة إلى جهاز أمني قوى لإجهاض محاولات التجسس والإرهاب التي يمارسها نظام القذافي ضد الثوار.

إلى ذلك، أجرى الدكتور البغدادي المحمودي رئيس الحكومة الليبية اتصالا هاتفيا مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، حيث وضعه، وفقا لوكالة الأنباء الليبية الرسمية، في صورة ما وصفه بالمجازر البشعة ضمن عمليات الإبادة الممنهجة التي يقترفها حلف الناتو الصليبي ضد الشعب الليبي والتي كانت آخرها مجزرة منطقة ماجر في مدينة زليتن التي راح ضحيتها أكثر من 85 شهيدا وشهيدة.

وقالت الوكالة إن مون أبلغ المحمودي بأنه سيدعو مجلس الأمن لعقد جلسة خاصة خلال الساعات القادمة لمناقشة ما تتعرض له الأحياء السكنية والمواقع المدنية من قصف عشوائي أدى إلى قتل المدنيين وتدمير البني التحتية في ليبيا.

وكان المحمودي قد زار أمس الحي السكني الذي تعرض لما تسميه السلطات الليبية بمجزرة الصليبيين في منطقة ماجر بمدينة زليتن، حيث أعلن أن القذافي وجه بضرورة بناء وحدات سكنية جديدة لكل من تضرر بيته وتقديم كل المساعدة للمتضررين.

وقال البغدادي في تصريح مقتضب «لقد وجه القذافي بأن نبدأ فورا في بناء وحدات سكنية لكل من تضرر بيته وتقديم المساعدات الضرورية حتى نثبت للآخرين أننا قادرون على البناء، وقادرون على حمل السلاح، وقادرون على التصدي».

ونفذ عدد من ممثلي القبائل والعشائر الموالية للقذافي وقفات احتجاجية أمس بالعاصمة الليبية طرابلس أمام مقر سفارة المجر التي تتولى حاليا رئاسة الاتحاد الأوروبي للمطالبة بوقف غارات الناتو المستمرة منذ العشرين من مارس الماضي.

التعليقات