إخفاء العقم..هل يفسخ عقد الزواج؟

إخفاء العقم..هل يفسخ عقد الزواج؟
غزة - دنيا الوطن
تنظر المحاكم المصرية حالياً في قضيتين متشابهتين في مضمونهما، وإن اختلفت التفاصيل. القضية الأولى أقامتها زوجة ضد زوجها لأنه خدعها ولم يخبرها قبل الزواج بأنه عقيم، وطالبت بفسخ عقد الزواج. والقضية الثانية لزوج فوجئ بأن من تزوجها قد أجريت لها عملية استئصال للرحم ولم تعد قادرة على الإنجاب، ولم تخبره بذلك فطالب بتطليقها دون منحها أي حقوق. والقضيتان تفجران سؤالاً واحداً وهو: هل يجيز إخفاء العقم فسخ عقد الزواج؟ واجهنا علماء الدين بالسؤال واستمعنا إلى إجاباتهم.

في البداية أكد الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، أن الخداع أمر مذموم شرعاً، و«الصراحة راحة» كما يقول العامة، ولهذا فإن الأفضل للزوجين أن يصارح كل منهما الآخر بما فيه من عيوب، وخاصة ما يتعلق بالإنجاب الذي يعد السعي إليه فطرة في البشر. ولكن إذا حدث الخداع أو الإخفاء فإن المخدوع له حق الاختيار بين فسخ عقد الزواج والصبر، وينال عن ذلك ثواب الصابرين. فقد قال تعالى: «وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» آية 96 سورة النحل.  وقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها، إلا أجره الله في مصيبته وخلف له خيراً منها».

وأضاف: «لا شك أن علم الزوج بأنه عقيم يوجب عليه إخبار من يريد تزوجها بذلك، خروجاً من النزاع الذي سيحدث بعد الزواج إذا علمت بالأمر، لأنه يجوز للمرأة طلب فسخ الزواج إذا علمت أنَّ زوجها عقيم، ولا ترضى بذلك. وليعلم أي رجل أنَّ رفض الزواج به بسبب عقمه خير من الزواج بخدعة سوف تكتشفها الزوجة. وكذلك على الزوجة غير القادرة على الإنجاب لاستئصال الرحم أن تخبر من يريد الزواج بها بالحقيقة، فهذا خير لها من أن يطلّقها أو يتزوج عليها رغماً عنها».

العيوب المستحكمة

وأشار أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة طنطا الدكتور أحمد عبده عوض إلى أن جمهور الفقهاء يرى أن عقم الرجل أو عجزه عن الإنجاب لا يدخل ضمن العيوب المستحكَمة التي توجب الطلاق للزوجة، ولكن إذا اقترن ذلك بعلمه المسبق فمن حق الزوجة أن ترفع أمرها إلى القضاء للنظر في مشكلتها ودرس مختلف جوانبها، مع التأكيد أن الدين يرفض الغش والخداع، ويدعو إلى الصدق في كل أمور الحياة، وينهى عن الكذب، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً». والأمر نفسه بالنسبة الى الزوجة التي أخفت استئصال رحمها، فالزوج هنا من حقه تطليقها أو الزواج عليها، أو رفع أمره للقضاء لفسخ العقد نظراً لما تعرض له من الخداع نتيجة إخفاء استئصال الرحم. 

نصيحة

وقال الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر الدكتور أحمد عمر هاشم: «الخداع أمر مرفوض شرعاً في كل الأديان السماوية، ولهذا فإن من يخفي على شريك حياته أمراً متعلقاً بعدم القدرة على الإنجاب آثم شرعاً. وقد اختلف الفقهاء حول حق كل منهما في فسخ عقد الزواج، فهناك من يرى حق كل منهما في الفسخ، مع العلم أن الزواج يكون صحيحاً في الفترة التي تم خلالها، طالما كان مكتمل الشروط والأركان. ولهذا فإن حل القضية يكون بيد القاضي، لاختلاف القوانين في الدول العربية والإسلامية حسب المذهب الفقهي الذي تعتمد عليه في الزواج والطلاق وفي القضاء».

وأشار إلى أنه «لا بد أن يؤمن كل من الزوجين بأن قضية الإنجاب وعدمه بيد الله وحده، لهذا قال سبحانه: «لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ» الآيتان 49-50 سورة  الشورى. وبالتالي فإن المسألة ليست في يد الرجل أو المرأة، لكن يظل جانب الكذب أو الإخفاء مثار الجدل، فإذا كان هناك ضرر من الزوج يقع على زوجته أو العكس، فمن حق الزوجة طلب الطلاق أو الخلع أو الفسخ لعدم قدرة الزوج على الإنجاب، أو أن ترضى بقضاء الله وتعلم أن الخير فيما اختاره الله لها، فربما يكون في الإنجاب شقاؤها وهلاكها.

وكذلك بالنسبة الى الزوج الذي أخفت زوجته عدم قدرتها على الإنجاب، فله أن يطلق أو يفسخ أو يتزوج عليها أو يصبر عليها. وننصح أن يغفر كل منهما للآخر كذبه على صاحبه، وليتذكر الطرفان قول الله تعالى: «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون» آية 216سورة البقرة».

الخلع وليس الطلاق

وتقول أستاذة الفقه في جامعة الأزهر الدكتورة إلهام شاهين إن هناك فقهاء يرون أن عقم الرجل لا يدخل ضمن العيوب التي توجب فسخ عقد الزواج، حتى وإن كان الزوج يعلم ذلك قبل الزواج، لأنه لا دخل للزوج في ذلك، إلا إذا اقترن ذلك بعيب آخر كالعجز الجنسي. أما إذا كان الزوج يقوم بكل واجباته الزوجية تجاه الزوجة وكل ما يعانيه هو أنه عقيم، فليس من حقها الطلاق للضرر، ولكن من حقها الخلع، وهذا لا ينفي إثم الزوج لكذبه أو إخفائه عدم قدرته على الإنجاب . وكذلك فإن إخفاء الزوجة لعدم قدرتها على الإنجاب يجعلها آثمة شرعاً ولكن ذلك لا يعطي الزوج حق فسخ عقد الزواج طالما أنه يستمتع بها، وعليه أن يكون نبيلاً لأنها إنما لجأت إلى ذلك رغماً عنها، وعليه الصبر عليها وخاصة إذا كانت أخلاقها كريمة، لأن العفو من صفات الكرام والنبلاء. 

فتوى

ويقول الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الدكتور محمد الشحات الجندي: «من الطبيعي أن يشعر كل من الرجل والمرأة  بالحنين إلى الأبوة أو الأمومة، ولهذا أباح الإسلام الزواج الشرعي ليحقق تلك الغاية. ويأثم شرعاً من يكون لديه مانع أكيد لذلك، كعقم الزوج أو استئصال رحم الزوجة، ويتعمد إخفاءه عن من يريد الارتباط به، ولهذا فإن على من تعرض للخداع أن يرفع أمره للقضاء ليفصل في الأمر، مع العلم أن دار الإفتاء المصرية سبق أن أصدرت فتوى أكدت فيها أنه ليس من حق الزوجة طلب الطلاق بحجة عدم قدرة الزوج على الإنجاب، طالما يقوم بواجباته الزوجية من المعاشرة بدون مشاكل، لأنه ليس شرطاً من شروط صحة الزواج القدرة على الإنجاب.

والوضع نفسه نراه بالنسبة إلى عدم قدرة الزوجة على الإنجاب، خاصة أن هناك مخرجاً شرعياً للزوج، وهو أن يتزوج عليها من تنجب له. لكننا نحذر من أن تكون بداية الحياة الزوجية الكذب والخداع، لما يترتب على ذلك من مشكلات تصل بالحياة الزوجية إلى الفشل، فقد قال النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا، وَإِنْ كَانَتْ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ فِيهِ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ» .

لا فسخ إلا بالشرط

ولفت العميد الأسبق لكلية أصول الدين في جامعة الأزهر الدكتور عبد المعطي بيومي إلى أنه لا يجوز شرعاً للمرأة أن تطلب من زوجها الطلاق بحجة أنه لا ينجب، لأن عقد الزواج لم ينص على ذلك، وهذا لا ينفي أنه آثم شرعاً لكذبه، والحكم نفسه ينطبق على الزوجة التي تخفي عدم قدرتها على الإنجاب. أما إذا تم تضمين العقد شرطاً ينص على أنه في حالة عدم الإنجاب يكون للزوجة الحق في الطلاق، فعندئذ يجب الوفاء بما ورد في العقد، وعلى هذا تطلق الزوجة وتحصل على كل حقوق المطلقة، وذلك لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» آية 1 سورة المائدة . وقوله، صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً حلل حراماً أو حرم حلالاً». وكذلك فإن الزوجة التي أخفت عدم قدرتها يحق لزوجها فسخ العقد دون أن يعطيها حقوق المطلقة.

الزوجة مُخيَّرة

أما العميد السابق لكلية الدعوة الدكتور عبد الله بركات فيؤكد أن عدم الإنجاب ليس من المبررات الشرعية لفسخ عقد الزواج، لأن الزوجة إذا لم تكن تريد الحياة مع الزوج فإن الإسلام لا يجبرها على أن تعيش مع زوج لا ترتضيه، وجعل لها الحق في أن تفتدي نفسها باللجوء إلى الخلع. ويجب أن تدرك الزوجة أن الأيام قد تأتي بما لا تتوقع، ومع تقدم الطب قد تنجب مستقبلاً، وكل شيء غير مستبعد، فنبي الله زكريا، عليه السلام، تقدم في العمر وكانت زوجته عاقراً ومع ذلك رزقه الله بنبي الله يحيى، عليه السلام، وقد تناول القرآن الكريم هذه القضية في قوله  تعالى: «قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا(4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا(6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا(7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا(8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا(9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا(10)» الآيات 4-10 سورة مريم».

وأضاف بركات: «يجب أن يدرك الزوجان أن قضية الإنجاب بيد الله، وكل الاحتمالات فيها واردة، فقد ينجب من يظن أنه عقيم بالعلاج، وقد يمن الله عليه بالشفاء، لأن عدم الإنجاب ليس من مبررات التطليق، فهو سبب غير مستديم ولا دخل للزوج فيه. وقد لا ينجب من ليس فيه مانع للإنجاب، لأن الأمر كله بمشيئة الله. ولكن طالما تم الزواج، رغم إخفاء أحد الزوجين عدم قدرته على الإنجاب، فإن الزوجة في هذه الحالة مخيرة في طلب التطليق لرغبتها في الأمومة، أو البقاء مع زوجها بإرادتها واقتناعها، لأن بعض الفقهاء أعطوا المرأة التي تزوجت من رجل لا ينجب، الحق في الطلاق، في حين ذهب فريق آخر من الفقهاء إلى أن عدم الإنجاب ليس مبرراً لطلب الطلاق مادام الزوج صالحاً للمعاشرة الزوجية ولا يعاني عجزا جنسياً. أما إذا كان الزوج عاجزاً عن المعاشرة فلها طلب الطلاق محافظة على عفتها».

 وأنهى الدكتور بركات كلامه بقوله: «ننصح  الزوج، إذا كان يعلم بعجزه عن الإنجاب قبل الزواج، أن يخبر الزوجة ولها الحق في أن توافق على الزواج منه أو ترفض، وكذلك الزوجة إذا كان فيها أي عيب يمنع الإنجاب عليها أن تتحلى بالصدق والشجاعة وتخبر من يريد الزواج منها بعدم قدرتها على الإنجاب. ولكن إذا تعمد أحدهما إخفاء ما فيه من عيب، فإن للطرف الآخر مطالبة القاضي بفسخ عقد الزواج، مع العلم أن هناك من الفقهاء من يرى أن العقم ليس عيباً يثبت طلب فسخ عقد الزواج، إذا وجده أحد الزوجين في الآخر، طالما أن العيـب لا يمنـع الرغبة في الجماع والاستمتاع به».

ثواب

وتنصح عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة عفاف النجار «الأزواج والزوجات الذين تعرضوا لنوع من الخداع في ما يتعلق بقدرة الآخر على الإنجاب، أن يتحلوا بالصبر، وأن المؤمنة أو المؤمن قد يتعرض للابتلاء في هذه الحياة، وعدم الإنجاب هو نوع من الابتلاء، فإذا صبروا فلهم الثواب من الله لقوله، صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، ولا يكون ذلك لأحد إلا للمؤمن». ولهذا نطالب الجميع بالصبر على هذا الابتلاء حتى ينال ثواب الصابرين، يقول تعالى: «وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» آية 177 سورة البقرة». وتكمل الدكتورة النجار: «الأفضل أن يرضى كل منهما بما قسمه الله لها، فالخير كله في الرضا بالقضاء والقدر، وخاصة إذا كان شريك الحياة شخصية طيبة ويتحلي بالأخلاق الكريمة، وقد يكون الأبناء مصدر شقاء، وبالتالي فإن الخير في ما اختاره الله».

التعليقات