واشنطن تلقت تحذيراً من إنتفاضة مصرية منذ العام الماضي

واشنطن تلقت تحذيراً من إنتفاضة مصرية منذ العام الماضي
غزة - دنيا الوطن
في أبريل/ نيسان من العام الماضي أطلعت مجموعة من نشطاء حقوق الإنسان والمحافظين الجدد وخبراء شؤون الشرق الأوسط وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على أن ما يبدو هدوءا على الجبهة السياسية المصرية ما هو الا قشرة خارجية تخبئ غليانا وراءها.

وجاء في خطاب مشترك لهذه المجموعة: "إذا امتنع نظام القاهرة عن اسغلال الفرصة من أجل الإصلاح الشامل فإن آفاق الاستقرار في مصر ستصبح معتمة". وكان هذا الخطاب حلقة في سلسلة من التحذيرات التي رفعت الى إدارة الرئيس باراك اوباما والتي تقول إن العلائم في مصر غير مشجعة وإن على واشنطن التنبه لهذا الأمر.

وحذرت المجموعة، التي تسمي نفسها "مجموعة عمل مصر" وتتألف أيضا من ديمقراطيين وجمهوريين على السواء، من أن الرئيس حسني مبارك "ينوي تزوير عدد من الانتخابات المقبلة، وهذ أمر ينظر اليه الشباب المصري بعين القلق والغضب وعليه لا فنستبعد سقوطه".

نبوءة تحققت

التقت المجموعة مجددا في مطلع العام الحالي وقالت إن الإدارة الأميركية لا تقدّر المعطيات على الساحة السياسية المصرية كما ينبغي. وأضافت أن مصر "مقبلة على مرحلة انتقالية، ومع هذا فيبدو أن الولايات المتحدة - وغيرها في المعسكر الغربي - لا تتنبه لهذا ولا تعد العدة لمرحلة ما بعد مبارك".

وتقول "وول ستريت جورنال" إن الثورة المصرية لم تفرز نوع الفوضى التي كان المراقبون يخشونها. لكن من شأن تردد الولايات المتحدة الأولي في الانحياز الى جانب المتظاهرين على نظام مبارك يساعد الآن على نهوض الموجة المطالبة بالديمقراطية في مخالف أنحاء العالم العربي.

ومثلما تجاهلت واشنطن الشباب المصري، تجاهلت أيضا مبارك، حليفها على مدى عقود. ومن شأن هذا أن يبعث برسائل مقلقة الى بقية الحكام العرب خاصة الموالين للولايات المتحدة الذين ظلوا يعتقدون أنها صديقة في وقت الشدة.

دبلوماسيّة هادئة

من جهتهم يقول مسؤولو الإدارة الإدارة الأميركية إنهم ركزوا منذ البدء على ترقية الديمقراطية في الدول العربية وكانوا مدركين للمشاكل العميقة التي تجتاح مصر. لكنهم قالوا إنهم تعمدوا تجنب إيصال الرسالة الى النظام المصري عبر الخطب العامة - على عكس نهج إدارة جورج بوش - لأن هذا الأسلوب يستعدي الحكومات.

وبدلامن ذلك كان الرئيس اوباما ووزيرة خارجيته يثيران الأمر مع المسؤولين المصريين وراء الأبواب المغلقة. وعلى سبيل المثال، طرح اوباما في ثلاثة اجتماعات مع مبارك على مدى 18 شهرا ضرورة رفع الرئيس المصري قانون الطوارئ الذي ظل يحكم به البلاد لثلاثين عاما، وإطلاق الحريات العامة، وإجراء انتخابات نزيهة وحرة. ومن جهتها حثّت كلينتون الحكومات العربية - المصرية وغيرها - على السماح بتدفق المعلومات ورفع القيود على الإنترنت والمواقع الاجتماعية مثل فيس بوك وتويتر.

سابقة في الشرق الأوسط

يقول دانيال ليفي، وهو مفاوض إسرائيلي سابق في محادثات السلام: "تمكن مبارك من الصمود في وجه العديد من التحديات. ولهذا فلم يكن ثمة اعتقاد جاد أنه معرض للسقوط. هذا النوع من التحرك (الثورة الشعبية) شيء لم يحدث من قبل في الشرق الأوسط".

لكن "مجموعة عمل مصر" أرسلت خطابا آخر، بعيد قرار مبارك في مايو/ ايار الماضي تمديد العمل بقانون الطوارئ خمسة أعوام أخرى، جاء فيه: "هذا القرار يضيف الى مخاوفنا من أن الدبلوماسية الهادئة التي تنتهجها الإدارة الأميركية لا تأتي بثمارها المطلوبة".

شكوى بلا مجيب

بعد انتخابات يونيو/ حزيران لمجلس لمجلس الشعب المصري التي اتضج بجلاء أنها كانت مزورة، اشتكى "المعهد الديمقراطي القومي" الأميركي، الذي كان يدرب كوادر مصرية لمراقبة انتخابات مجلس الشورى اللاحقة، من تعرض هذه الكوادر لحملة ترهيب واسعة النطاق من جانب قوى الأمن المصرية.

وإثر هذا تحركت رئيسة المعهد وسابقا وزيرة الخارجية الأميركية، مادلين اولبرايت، مع السناتور السابق، رَس فاينغولد، مدير "المعهد الجمهوري الدولي" بغرض وقف حملة التخويف هذه. فكتبا خطاب رجاء مشتركا الى الرئيس مبارك في أواخر يوليو/ تموز يطلبان فيه سماحه بإشراف مراقبين دوليين على الانتخابات لكنهما لم يتلقيا ردا منه حتى رحيله.

الجنّي المصري

بالنسبة لمحللي الشؤون المصرية فقد كانت المخاطر المتصلة بالانتخابات واضحة. وفي هذا الصدد قال روبرت كاغان، من "مجموعة عمل مصر" في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: "إذا تمكن الحزب الحاكم من تغيير مبارك برئيس آخر، فالأرجح هو أن الجنّي المصري سيخرج من قمقمه. الإدارة الأميركية تمارس لعبة الحرب الباردة هذه وتتمسك بالدكتاتور مبارك بسب خشيتها من بديل مجهول يمكن ان يكون شخصا راديكاليا".

وبعد انقضاء أسابيع على هذا التصريح التقت كلينتون بنظيرها المصري أحمد ابو الغيط في واشنطن. لكنها لم تذكر له ضرورة الحاجة الى الشفافية في الانتخابات - على الأقل في خطاباتهما العامة. وبدلا من ذلك راحت تعدد محاسن النظام المصري باعتباره "حجر الزاوية" في اسقرار الشرق الأوسط.

ستغوصون في الرمال

في أواخر 2010 نال "الحزب الوطني الديمقراطي" بزعامة مبارك 93 في المائة من المقاعد في انتخابات مجلس الشورى التي اعتبرت "الأسوأ والأكثر تزييفا في تاريخ مصر". وحدا هذا بأوباما لانتهاج مسلك أشد صرامة مع الرئيس المصري وزعماء المنطقة الآخرين.

وفي يناير/ كانون الثاني من العام الحالي خاطبت كلينتون قمة عربية في قطر، أثناء جولة خليجية لها. وحذرت السامعين بقولها: "ستغوصون في الرمال إذا امتنعتم عن فتح باب الإصلاح والتغيير". ولكن حتى مع بدء الانتفاضة المصرية، راحت إدارة اوباما تخطو مترددة تارة الى الأمام وأخرى الى الخلف.. مرة مع النظام من أجل الاستقرار والخوف من البديل، ومرة مع المتظاهرين من أجل الحرية والديمقراطية.. وهكذا دواليك!

التعليقات