العربة التي قصمت ظهر النظام

العربة التي قصمت ظهر النظام
العربة التي قصمت ظهر النظام

عدنان الروسان

القشة التي قصمت ظهر البعير ، مثل عربي شائع نستخدمه كل يوم ، إلا أن البوعزيزي التونسي  أدخل الى معجم السياسة العربية مثلا جديدا صار في متناول الجميع ،  ويبدو ان استعماله شاع وسرى سريان النار في الهشيم اوسريان الثورةا لتونسية في أصقاع العالم العربي ، تونس لم تهدأ بعد وبقايا النظام القديم تناضل جاهدة للإبقاء على مايمكن الإبقاء عليه من ارث الزعيم المخلوع ، بينما تتكرر الصورة ذاتها في مصر واليمن وربما في بلدان عربية أخرى ، شوارع القاهرة  و صنعاء تمتليء بالغضب الجماهيري ، والشرطة تقمع المتظاهرين والرؤساء يدعون أن بلادهم ليست تونس وأنهم ليسوا بن علي و بالتالي فإنهم يتصرفون بنفس العنجهية التي تصرف بها الرئيس التونسي المخلوع .

لماذا لا يرغب الزعماء العرب في الإستماع الى أصوات الشعوب ، لماذا يجد بعض الزعماء العرب  غضاضة كبيرة في أن يعترفوا بأخطائهم اوأخطاء حكوماتهم ولماذا لا يستطيع الحاكم أن يتنازل ولو مرة واحدة لشعبه بينما نراه يتنازل الف مرة للولايات المتحدة الأمريكية او اسرائيل اوقوى ودول عظمى كثيرة ، إن تعامل الحكام مع شعوبها يبين غياب البعد الأخلاقي لدى الحكام أنفسهم  لتصورأبعاد الحياة السياسية العربية ، والإحتياجات الفطرية والمكتسبة للشعوب ، من الخبز والماء الى الحرية والكرامة ، بل والسيادة الوطنية أيضا .

إن ظاهرة الدور واحدة من الظواهر الطبيعية القاهرة ، وهي واحدة من نواميس الكون والسنن التي تتشابه مع  قوانين الفيزياء والرياضيات وبالتالي لا فكاك منها مطلقا ، وهذا مالا يستطيع أويريد بعض  الحكام العرب أن يفهموه أويتفهموه ، وظاهرة الدور تعني أن لا أحد ولا شيء باق على حاله في هذا الكوكب وبالتالي فإن الدور الذي كان منوطا بحكم قوانين الطبيعة أوالسياسة ، بحكم العلة اوالزمن والحكم كما هومعلوم يدورمع علته وجودا وعدما ، سيتغير ، والسعيد من يتعظ بما يرى ويتمكن من التأقلممع ضرورات التغيير التي هي سنة من سنن الكون المقضية بالتالي ،.

ولا أريدأن أدخل  القاريء في التعقيد الفلسفي للمشهد السياسي ، والبحث في العامل الميتافيزيقي للتاريخ والتغيير والذي هوواضح للعيان وحاضر لدى الخاصة والعامة ربما ، إلا أننا لا نستطيع أن نغفل حركة عقارب التاريخ التي تدور باتجاه عقارب الساعة ولا تتوقف انتظارا لأحد ، ومن هنا فإنه لا بدلنا من قراءة المعطيات الإنسانية والأخذ بعين الإعتبار المعطيات الأخلاقية كي نستعيد دور كل ذلك في الصياغة السياسية وفي أدوات الإدارة التي تستخدمها الحكومة حتى نتمكن من تخطي الحواجزالناشئة عن كل العوامل التي ذكرنا والتي ترتكزعلى أسباب محددة ، فعوامل الدور والسنن الكونية وإنكانت حتمية الا أنها لا تخلق من العدم ولا تأتي عبثا بل تنشأ عن أفعال وأليات مخلة بالدور الإنساني وتتسبب في النهاية فيما تسببت به عربة البوعزيزي الشهيرة .

إن  وجود قيادات سياسية ، وزعامات حقيقية تتحسس الواقع وتتمثل القيم الأخلاقية والوطنية هي الضمانةالوحيدة لوقف كل اسباب ودوافع الوهن والإحباط والإنهيار ، و هي فقط القادرة على خلق حركة انقاذ حقيقية لدى الشعوب والمجتمعات لا تتحرك فقط عند الضرورات المرغمة ولحظات تفجر الغضب الناتج عن الإنكسار ، بل تكون امتدادا للفكر الرشيد الذي يعي متطلبات الشعوب ومحركات الغضب والثورة عندها ، كما يعي احتياجاتها الضرورية والحقيقية من الخبزوالماء والحرية والكرامة الوطنية .

إن منظومة القيم التي سادت حتى اللحظة في النظام الرسمي العربي و في الحكومات التي كانت وما تزال تسير عربة ذلك النظام اصطدمت اليوم بعربة البوعزيزي التونسي وإن نتائج التصادم بين العربتين نتج عن انهيار نظام بن علي كما نتج عنه تصدع النظام الرسمي العربي والإقليمي والذي ينذر بالإنهيار التام اذا لم يتمكن القائمون على ذلك النظام من تدارك الأسباب التي أدت الى كل هذا المشهد الجديد .

[email protected]

التعليقات