5 اتجاهات مقلقة سادت العالم العربي في العام 2010 وقد تحدد شكل المنطقة في السنة الجديدة

غزة - دنيا الوطن
  نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" اليوم الخميس مقالا للكاتب رامي خوري يشير فيه الى اتجاهات "مقلقة" سادت العالم العربي في العام الماضي ابرزها الاعتداءات على المسيحيين في العراق ومصر، واتجاه جنوب السودان نحو الانفصال، وتحول الصراع العربي-الاسرائيلي الى صراع اقليمي اوسع، واستمرار غياب الحياة السياسية الديموقراطية والتعددية المحلية في العالم العربي. وهنا نص المقال: "في بداية عام جديد هناك دوما لحظة مناسبة للنظر إلى الماضي والمستقبل. لكن هذا التمرين مؤلم في الوضع الحالي للعالم العربي.

سأشير إلى خمسة من الاتجاهات المقلقة من عام 2010 والتي من المرجح أن تحدد شكل الشرق الأوسط وتسوده خلال العام الجديد.

- الاعتداءات الوحشية ضد المسيحيين في العراق ومصر تعكس عمل اقلية صغيرة من المجرمين المهووسين، ولا تمثل آراء الغالبية المسلمة في العالم العربي. لكنها جزء من اتجاه نحو إلغاء التعددية، واستقطاب وحصر ثابت للمجتمع العربي، سواء أكان السكان المعنيون هم المسيحيون، ام الأكراد، ام الفلسطينيين، ام الأشوريين، ام الشيعة، ام السنة أم غيرهم من الجماعات المنفصلة التي تعيش في مجتمعاتها الخاصة بدلا من العيش المشترك في مجتمعات مختلطة.


هذا الفشل الكبير في العالم العربي الحديث يعكس ضعف كل من جهود بناء الدول في الأجيال الثلاثة السابقة إضافة إلى عدم قدرة الغالبية في كل المجتمعات على إيقاف التخريب الذي تقوم به الأقليات الصغيرة من المسلحين فيها.


• الاستفتاء في جنوب السودان نهاية هذا الأسبوع من المتوقع أن ينتهي إلى تصويت بغالبية كبيرة لصالح انفصال الجنوب عن السودان وتشكيل دولة مستقلة جديدة. وستشكل تلك لحظة تاريخية في تاريخ العالم العربي الحديث حيث يتواصل إلغاء التعددية كما ذكرنا أعلاه، كما يمثل حالة نادرة اذ يعاد رسم حدود الدولة التي تركت على حالها منذ انسحاب قوى الاستعمار الأوروبي القرن الماضي. يحدث ذلك في أعقاب عقود من الحروب التي أسفرت عن تهجير ما بين أربعة ملايين وخمسة ملايين سوداني ومقتل مليونين آخرين، إضافة إلى إتهام الرئيس السوداني بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قبل محكمة الجنايات الدولية.


• يجب أن يعتبر الحراك السوداني تطورا إيجابيا إذا ما نتج عنه تحول سلمي في استقلال السودانيين الجنوبيين.

كما أنه يحمل اهمية لما يمكن أن يعنيه لأجزاء أخرى من العالم العربي حيث يعتبر تشكيل دولة أمرا هشا. 
من الواضح في أماكن مثل فلسطين والعراق ولبنان وسوريا والصومال واليمن أن العالم العربي يواجه بعض التحديات الخطيرة في جمع دول مستقلة في ظل قيادة وطنية واحدة تتطلب احتراما دوليا والشرعية والولاء.


أما الدول العربية الأخرى التي لا تواجه إشكالات كهذه فهي عادة ما تكون كذلك بسبب قوة الإجراءات الأمنية لدولة المركزية، وهو ما يستنزف من مفهوم المواطنة الكثير من الحريات والحقوق والحيوية.


والخيار بين دولة مقسمة أو دولة شرطة ليس خيارا لطيفا للمواطن العربي العادي، لكنه يلوح بشكل متزايد على أنه الواقع التعيس بالنسبة الى معظم العرب.


• ان تحول الصراع العربي - الإسرائيلي الذي كان محليا في السابق إلى مركز لمواجهة إقليمية أوسع مع مؤشرات دينية قوية ينذر بالسوء في المنطقة لسنوات مقبلة.


ويمهد الصراع العربي- الإسرائيلي حاليا لمواجهة اكثر عنفا وتعقيدا تعمل فيها بعض الدول العربية (مثل سوريا بالذات)، وإيران وحركات المقاومة العربية الإسلامية القوية مثل "حماس" وحزب الله معا من أجل صد الاعتداءات الإسرائيلية الإقليمية، وليس ذلك فقط بل إبعاد ما يعتبرونه طموحات أميركية-إسرائيلية للهيمنة على الشرق الأوسط العربي والإسلامي.


لقد تحولت الصراعات الفلسطينية - الإسرائيلية الضيقة في زاوية صغيرة من الإقليم إلى معركة وجودية إقليمية شبه عالمية بين القوى التي تبدو جاهزة للقتال حتى النهاية.


وسوف يكون من السهل الآن على الصراعات الإقليمية والعالمية الكبرى أن تجد وكلاء محليين لخوض المعركة، بينما تتجه الصراعات المحلية إلى التصاعد السريع لتصبح صراعات أكثر ضراوة وشدة بسبب ارتباطها بلاعبين أجانب.


• الغياب المستمر للحياة السياسية الديموقراطية والتعددية المحلية في العالم العربي كله مصدر مزمن وربما متنام للضعف المحوري على مستوى كل من المجتمع والدولة وهو نتيجة للنزعات الإشكالية المذكورة سابقا.

ويبدو أن أنظمة الحكم في العالم العربي مقاومة بشكل غريب للتطور والتقدم. وتؤكد انتخابات عدة جرت خلال الاشهر الأخيرة في بعض الدول- وبصورة خاصة في مصر والأردن والبحرين- أن سياسات الانتخاب ليست ساحة جدية للتغيرات السياسية أو تقاسم السلطة في العالم العربي.

وتقدم مؤسسات المجتمع المدني وسياسات الانتخابات البرلمانية وسائل محدودة لتلبية تطلعات المواطنين، وهمومهم وآمالهم، لكن هذه الظواهر لا تترجَم إلى سياسات حكومية.

ان اجراءات مثل التصويت الذي جرى في البرلمان اليمني الأسبوع الماضي للسماح ببقاء رئيس الجمهورية في منصبه مدى الحياة، إنما تبرز ضحالة وخواء انظمة الحكم السياسي الداخلي.

ان واقع هذه الاحوال المؤسفة سيكون من الصعب تغييره بسرعة، لكن استمرارها إلى ما لا نهاية هو في حكم المستحيل. ومن المحتمل أن يشهد هذا العام استمرارها كلها، إلى أن تصل مجموعة من المواطنين العرب نقطة الانفجار لتقرر تغيير هذا السيناريو المقلق".

التعليقات