التصعيد الإسرائيلي يستهدف استنزاف المقاومة وتأكيد معادلة الردع من دون بلوغ مواجهة شاملة في قطاع غزة

غزة - دنيا الوطن
رغم ارتفاع نبرة إسرائيل العسكرية تجاه التصعيد الميداني في قطاع غزة والحديث المتواصل عن تعاظم قدرات الفصائل الفلسطينية المسلحة، إلا أن المعطيات الراهنة لا تشير إلى وصول الأمور إلى ذروتها خلال المرحلة الحالية، خصوصاً وأن طرفي الصراع غير جاهزين لتحمل تبعات أي حرب يمكن أن تنشب في أي لحظة.

بيد أن هذا التشخيص لا يمنع محاولات إسرائيل المتواصلة لاستنزاف المقاومة الفلسطينية واستدراجها لردود أفعال لا تقوي على تحمل تبعاتها، خصوصاً في ظل الفارق الهائل في ميزان القوة العسكرية بين إسرائيل والفلسطينيين وحرص حركة "حماس" المسيطرة على القطاع على تثبيت أركان حكمها، وفقاً للمختص في شؤون الأمن القومي الدكتور محمد حبيب.

وأكد حبيب أن التصعيد العسكري الإسرائيلي يحمل بالأساس رسائل لفصائل المقاومة الفلسطينية ولـ "حماس"، مفادها أن السماح باستمرار المجموعات المسلحة بإطلاق الصواريخ صوب الأهداف الإسرائيلية تتحمل نتائجه "حماس" فقط، لافتاً إلى موازنة الردع التي تشكلت في أعقاب عدوان "الرصاص المسكوب، والتي بمقتضاها أصبح الاستقرار الذي تبحث عنه "حماس" مرهوناً بالهدوء على حدود القطاع مع إسرائيل.

وشن الطيران الحربي الإسرائيلي أول أمس سلسلة غارات جوية على أهداف متفرقة في القطاع، بينما واصلت فصائل المقاومة الفلسطينية إطلاق عدد من الصواريخ صوب الأهداف الإسرائيلية، الأمر الذي ساهم في تطور الأوضاع الميدانية إلى حد لم تبلغله منذ انتهاء الحرب الأخيرة.

وإثر ذلك وصف نائب وزير الدفاع الإسرائيلي الوضع على حدود القطاع بأنه "يحمل من دون شك بصمات حرب استنزاف"، بينما حذر رئيس هيئة أركان الجيش غابي أشكنازي من تدهور الأوضاع الراهنة في المنطقة الحدودية مع قطاع غزة، واصفاً إياها بـ "الهشّة والقابلة للاشتعال".

ودفعت هذه الأوضاع عضو الكنيست الإسرائيلي أريه إلداد إلى الدعوة إلى شن عدوان عسكري أوسع ضد القطاع، خصوصاً في أعقاب سقوط صاروخ فلسطيني قرب روضة للأطفال جنوب إسرائيل.

لكن الدكتور حبيب استبعد شن جيش الاحتلال أي عدوان شامل في المرحلة الراهنة في ظل التزام فصائل المقاومة الفلسطينية الرئيسة الصمت إزاء ما يحدث من اعتداءات إسرائيلية، لافتاً إلى إدراك الجميع في القطاع لخطورة الانجرار وراء ردود الأفعال على التجاوزات الإسرائيلية، خصوصاً وأن مقرات "حماس" وتحركاتها أصبحت الآن مكشوفة تماماً بفعل وجودها في السلطة، بخلاف أوضاعها الاستراتيجية السابقة.

في المقابل، يؤكد محلل الشؤون الإسرائيلية أحمد فياض أن إسرائيل لم تسقط من حساباتها خيار المواجهة الشاملة، لكنه ربط ذلك بأمرين: الأول يتعلق بمعلومات استخبارية أكيدة بوجود تهديد استراتيجي عسكري عليها من القطاع، والثاني تعاظم ردود الفعل بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة إلى الحد الذي لا يمكن لإسرائيل أن تقف عنده.

وأوضح أن معادلة الردع الحالية المبنية على قوة ردة الفعل الإسرائيلية تختلف عن تلك التي أعقبت الحرب واعتمدت على قصف الأنفاق مقابل كل صاروخ فلسطيني، مؤكداً أن الجميع يلاحظ أن إسرائيل ضاعفت من قوة ردود أفعالها العسكرية.

وغيرت قوات الاحتلال أمس من قواعد استعداداتها على حدود قطاع غزة، خشية تصاعد الأعمال العسكرية ومواصلة إطلاق الفصائل الفلسطينية للصواريخ، وفقاً للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، التي كشفت عن صدور تعليمات عسكرية بزيادة حالة التأهب وحرية التحرك العسكري في المنطقة الأمنية التي أقامتها إسرائيل داخل حدود القطاع.

وأكد فياض أن إسرائيل تحاول بتصعيدها العسكري تشديد رسائلها الى حركة "حماس" بأنها لن تصمت إزاء تصاعد إطلاق الصواريخ تجاهها، وان "حماس" فقط تتحمل مسؤولية الأمر ما دامت هي التي تحكم القطاع.

وأدخل فياض عملية تضخيم قدرات المقاومة في إطار تذكير العالم بوجود "إرهاب" في القطاع من حق إسرائيل القضاء عليه، لافتاً إلى محاولات الاحتلال جس نبض المقاومة والتعرف على قدراتها، ناهيك عن التمارين الميدانية لردود فعل حركة "حماس".

وبين أن استهداف إسرائيل لمواقع غير مهمة في الوقت الذي كان بإمكانها قصف أهداف أكثر أهمية ويمكن أن توقع خسائر يبين أن الهدف سياسي وليس عسكريا بالأساس، ويتمثل في جدية الاحتلال في التعامل مع أي اختراق بحزم.

التعليقات