محمد المصري: دفاعاً عن الوطنية الفلسطينية

محمد المصري: دفاعاً عن الوطنية الفلسطينية
دفاعاً عن الوطنية الفلسطينية ..

- تتجه الأنظار من كل نواحي الأرض لمعرفة ورصد أي تغيير في مواقف السيد الرئيس محمود عباس "أبو مازن" الرافض بالمطلق لبدء أي نوع من المفاوضات "مباشرة أو مقاربة أو موازية" دون الوقف الكامل والواضح للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية أو القدس وكذلك تحديد مرجعية واضحة للمفاوضات حتى لا تتحول المفاوضات إلى هدف بحد ذاتها كما ترغب القيادة الإسرائيلية.
- هذا الاهتمام بمواقف السيد الرئيس نابع من كونه الطرف الأساس والمهم، بل وربما المتحكم بمصير المنطقة وربما بالسياسة الدولية المتشابكة مع خيوط الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فالعملية التفاوضية بين القيادة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية بحال توقفها أو نجاحها لها تداعياتها ولها ما بعدها.
- رغم هذه الأهمية لموقف السيد الرئيس ولتداعيات فشل أو نجاح المفاوضات نجد أن البعض ينظر لهذه القضية بسطحية وبدون عمق ويتطرق لها وفق رؤية مصلحيه ضيقة ويربطها بمدى ما تحققه من مصالح حزبية وفئوية وحتى شخصية من خلال اعتقاده الخاطئ أن فشل المفاوضات وفق منطق الرئيس القائم على أساس الحفاظ على الثوابت وإصراره على وقف الاستيطان كخطوة أولى يعني فشل البرنامج أو النهج وبذلك فشل الرئيس والمؤسسة الشرعية للمنظمة وللسلطة الوطنية.
- هذا العبث بذاته "كما المفاوضات بدون وقف الاستيطان وتحديد مرجعية لها وهذا وصف السيد الرئيس نفسه"، العبث في هذه النظرة الضيقة كونها تنطلق من أسس ومنطق بعيد عن المصلحة الوطنية، ففشل المفاوضات وفق موقف الرئيس يعني تأسيس قواعد للقيادة الحالية أو التي تلي أن المفاوضات وسيلة وليست هدف أن المفاوضات أداة لتحقيق الثوابت الوطنية وليست ترفاً أو مصالح ضيقة.
- ففي ظل إصرار السيد الرئيس على الثوابت وعدم خضوعه للاملاءات والضغوط الدولية والإقليمية وصموده أمام سياسة الابتزاز الداخلي والخارجي كان من المفترض وطنياً أن يجد الدعم والإسناد والالتفاف الحزبي والشعبي، حتى يواجه أكثر وحتى يصمد أكثر وحتى تخفف الضغوط وحتى ينتزع مواقف لاتجاه الثوابت الوطنية.
- الصلف الإسرائيلي والتطرف والتملص من استحقاقات عملية السلام خاصة في الملفات الحساسة كملف الحدود والقدس واللاجئين وغيرها، لا يعني للسيد الرئيس إلا أن الطرف الإسرائيلي لا يرغب بالمفاوضات ولا يهتم بإيجاد حل تاريخي للصراع، وهو بذلك يعبر عن حقيقة هذا الكيان وفلسفته القائمة على أساس الإقصاء والتوسع والحروب والدماء؟
- تمسك السيد الرئيس بالمفاوضات والسلام كاداوت لحل الصراع يلقي تفهماً إقليماً ودولياً ليس هذا وحسب بل إن هذا التمسك يعني وضع إسرائيل في الزاوية والعمل على كشف وجهها الحقيقي وعزلها دولياً وإقليمياً وتهديد مشروعية وجودها التي تعني عودة دولة الكيان إلى سنوات نهاية الأربعينيات من القرن الماضي التي تركزت على انتزاع شرعية وجودها.
- هذه هي المعادلة الحقيقة، معادلة الصراع بين من يقاتل لانتزاع الثوابت والحقوق الوطنية وبين طرف صلف متطرف متغطرس لا يهتم بحل الصراع واتجاه المنطقة نحو الاستقرار والنمو، على طرفي هذه المعادلة يقف الجانب الفلسطيني بكل أطيافه السياسية والأيدلوجية المتصارع والمفتت والمختلف على قضايا بعيداً ما تكون عن المصالح الوطنية وتنحصر للأسف برغم شدة الهجمة الإسرائيلية تنحصر بمحاصاصات على كعكة السلطة التي ترزح تحت الاحتلال سواء في غزة أو الضفة الغربية.
- وما كل المبررات والأقاويل بأن الخلافات سياسية وعلى قاعدة الخلاف على برنامج وطني فإن الحقائق تكذب هذه الادعاءات، فماذا يعني انتهاء الانقسام وإعادة اللحمة للجسد الفلسطيني متوقف على المحاصصة على الملف الأمني والمطالبة بالمشاركة بهذا العدد اوذاك في هذا الجهاز الأمني أو ذاك؟ فأين الخلاف حول البرنامج السياسي أو المصالح الوطنية؟
- لا أريد أن أتوقف كثيراً عند مواقف البعض الذين ينطلقوا في صراعهم مع السيد الرئيس من قاعدة البديل أو الانقضاض على المنظمة والسلطة كجزء من برنامجهم السياسي، لكن ما يستوقفني وبمرارة تعرض الرئيس ومواقفه للنهش والتجريح والنقد، واعتباره تخلي عن الثوابت وباع القضية الوطنية، مواقف وانتقادات تخالف الواقع والمنطق والحقيقة، فأين المفاوضات التي يطالب الكثيرين من الشركاء الحقيقيين شركاء البيت الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية؟ أين تجري هذه المفاوضات أين مكان انعقادها ومن هو المفاوض؟
- أتفهم وربما أساند مواقف تدعو لوقف المفاوضات فيما لو جرت دون وقف الاستيطان بما يعني التراجع عن المطلب الفلسطيني الشرعي بوقفها؟ وربما أتفهم لو كانت الانتقادات من داخل المؤسسة ومن داخل البيت، أتفهم الانتقادات لو كانت وفق مراجعه وطنية تهدف للحفاظ على الثوابت الوطنية، وهنا أوجه همسة للشركاء، لأخوة الدم والتاريخ خاصة القوى اليسارية التي دائماً ما وجدت مكانها داخل البيت الفلسطيني، انتقدت وهاجمت مواقف وقيادات وكانت محل احترام وتقدير حتى من تنتقدهم وتجرحهم وتتطاول عليهم، أما الانتقادات لمجاراة البعض الذين يستهدفوا الرئيس وفتح والتاريخ الفلسطيني فهي مواقف ليست مفهومة ومن دوافع الحريص والصديق أتوجه للقوي الوطنية أن تراجع مواقفها وان تنحاز للموقف الوطني، تنحاز لموقف الرئيس الرافض للمفاوضات دون وقف الاستيطان وتحديد مرجعية لها حتى انتزاع الحقوق والثوابت، ويجب أن يظهر ذلك جلياً في خطابهم السياسي والإعلامي وتعاميمهم الداخلية لمحازبيهم دفاعاً عن الوطنية الفلسطينية، التي عنوانها مواقف الرئيس الثابتة.
- في الوقت الذي أطالب القوى الوطنية بمراجعة مواقفها أجد نفسي مندهشاً ومستغرباً لأنني سأطالب فتح صاحبة المشروع الوطني والعمود الفقري للسلطة الوطنية الفلسطينية بلملة صفوفها وتوحيد طاقاتها لتقف موحدة وقوية خلف السيد الرئيس وتغادر وللأبد مربع المحاور والولاءات لهذا القائد أو ذاك، ففتح عقدت مؤتمرها السادس الذي من المفترض أن يكون قد وضع حداً للإشكاليات التنظيمية، وكذلك على فتح استحضار أحداث 2007، وما آل إليه الوضع الفلسطيني، فجزء من نتائج أحداث 2007 الماضي نتيجة لواقع فتح الذي كان وضعاً شجع الآخرين على الاستقواء على المشروع الوطني والنظام السياسي الفلسطيني.
- هذه الكلمات التي سطرتها أرغب بأن تكون إنذار للكل الوطني وأخص الفتحاوي بأن الوضع لا يحتمل الكثير من المناكفات، فليس فقط إسرائيل المستفيدة من هذه المناكفات فكذلك الخصوم من داخل البيت الفلسطيني، الرئيس متجه وبخطوات واثقة نجو انتزاع الحقوق صامد أمام الضغوط يقاوم الابتزازات منطلقاً من قناعات وطنية ضاربة جذورها بعمق التحاقه بالعمل الوطني الفلسطيني، يبدو مرناً وبرجماتياً لكنه صلباً لا ينحني أمام الضغوط يناور ويسير على حد السيف لا يتخلي عن شعبه كرئيس أو كمواطن، وحسناً قال: "لن أتخلى عن السلطة، ولن أقوم بحلها".

رئيس المركز الفلسطيني
للبحوث والدراسات
الإستراتيجية
د. محمد المصري

التعليقات