سياسيون عرب يستبعدون وجود تسريبات رسمية مقصودة وراء نشر وثائق "ويكيليكس"

غزة - دنيا الوطن
استبعد عدد من السياسيين العرب الذين استطلعت "العربية.نت" آراءهم أن تكون هناك رغبة رسمية في الولايات المتحدة الأمريكية وراء تسريب وثائق "ويكيليكس"، التي نشرت أخيراً، وسببت حرجاً شديداً للكثير من دول العالم.
كما سجل عدد من المحلليين ملاحظات حول مسار هذه الوثائق واعتبروها في جوانب عدة " انتقائية" وتصب في جانب واحد وهو خدمة إسرائيل وأمريكا، والتركيز على الجوانب السلبية تجاه العرب.

موقف إيران من الوثائق

ورفض الكاتب السياسي في جريدة "الشرق الأوسط"، مشاري الذايدي، الحكم المبكر على طبيعة تسريبات ويكيليكس، والجزم بأنها تسريبات مقصودة (كما قال بذلك 60% من قراء "العربية.نت")، وطالب بالمزيد من الصبر حتى اكتمال نشر بقية الوثائق التي يقول مؤسس الموقع جوليان أسانج إن لديه أكثر بكثير مما نشر.

وقال الذايدي في حديثه لـ"العربية.نت": "من الصعب الجزم بحقيقة الأمر.. فالقضية في مجملها سياسية، ولهذا نجد أن المستفيدين مما احتوته الوثائق أشادوا بها ومن ورد ذكرهم فيها بشكل سيئ في بلادهم قالوا إنها غير حقيقية وانتقدوها"، وأضاف: "لنر موقف إيران على سبيل المثال.. فلأن إيران لا تريد أن تدخل في مواجهة مفتوحة وصريحة مع الدول العربية قالت إنها وثائق مزورة.. فإيران لا تستطيع احتمال مثل هذه المواجهة لهذا شككت في مصداقيتها".

وشدد على أن ما ظهر من الوثائق هو القليل منها ويجب انتظار اكتمال التسريبات لإصدار حكم كامل على الأمر، قائلاً: "من المبكر إصدار الأحكام.. فما نشر من الوثائق هو جزء يسير منها، وبحسب القائمين على الموقع فإن هناك أضعافاً مضاعفه منها.. وأستغرب من يقول إن إسرائيل لم ترد في الوثائق فمازال هناك الكثير منها لم ينشر.. وما شاهدناه منها هو فقط رأس جبل الجليد.. وعلينا ان ننتظر قليلاً حتى تكتمل الصورة أكثر".

وأكد الذايدي أن نظرية المؤامرة ستظل موجودة ولا يمكن التحكم فيها: "لا أستطيع أن أقول إن الوثائق سربت بمعرفة الولايات المتحدة الأمريكية أو ضد رغبتها.. فهذا يبقى احتمال ولكن يظل في إطار التحليل وليس المعلومة.. ولا دليل أو برهان على ذلك، فهي ستظل نظرية تحليلية كما هي نظرية اغتيال الرئيس الأمريكي السابق جون كيندي أو تفجيرات 11/9 وغيرها".. 

وأكمل قائلاً: "القائمون على الإعلام الجديد، مثل ويكيليكس وغيره، يرون أنه يجب فضح الحكومات والشركات الكبيرة التي لديها ما تخفيه.. وهم يعتقدون أن من حق الجمهور أن يعلم، ولو نظرنا إلى أول التسريبات التي قام بها الموقع كانت ضد الحزب اليمني المتطرف في إنجلترا فقام بنشر أسماء القائمين عليه وحساباتهم البنكية.. وكان المستفيدون من هذه التسريبات هم المسلمون لكون هذا الحزب ضد الإسلام.. ثم قام الموقع في هذا العام بتسريب وثائق أمريكي عسكرية وسرية حول الانتهاكات التي قام بها الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان، وكان العرب والمسلمون هم المستفيدون منها.. فلماذا لم تظهر نظرية المؤامرة إلا الآن عندما تضرر بعض العرب منها. هذا هو السؤال". 

ويختم الذايدي: "أعتقد أنه حكم غير موضوعي، والدليل أن السلطات في الولايات المتحدة وأوروبا تلاحق القائمين على الموقع، واعتقلوا بالفعل جوليان أسانج وإن كان بجريمة أخرى".

الوثائق تجاهلت الحديث عن إسرائيل

من جهته، قال الباحث والكاتب اللبناني رضوان السيد إن نشر الوثائق السرية على ويكليكس لم يكن مقصوداً مثلما يعتبره البعض لأنه جنى خسائر كبيرة للولايات المتحدة التي تسير على استراتيجية عالمية، مشدداً أنه "لا يرغب أي بلد بفعل ما يضره ويكشف مداولاته مع حلفائه أمام العالم".

وأكد السيد ضرورة الاهتمام بالفرق بين الوثائق التي نقلت تصريحات لمسؤولين وبين الآراء التي وجهها سفراء الولايات المتحدة الامريكية الى واشنطن، قائلاً: "إن هذه الآراء لا يمكن أن نعتبرها صائبة بل حملت تحليلات خاطئة في بعض الأحيان". مشيراً الى وثيقة عبرت عن توجهات حزب سياسي في ألمانيا اعتبر أن الولايات المتحدة تقوم بتخزين صواريخ تحمل رؤوساً نووية في مناطق سكنية داخل الأراضي الألمانية.

وأضاف رضوان السيد أن "الوثائق ركزت على قضايا الشرق الأوسط لكن لم تتطرق الى إسرائيل الأمر الذي جعلها تستغل الحدث للترويج الى أن البلدان العربية تهتم بقلقها من إيران أكثر من موقفها من إسرائيل، ورأت نفسها في ظرف مناسب للاستمرار بسياساتها مثل بناء المستوطنات".

"ويكيليكس" سيجعل المسؤولين العرب أكثر محافظة

أما المحلل السياسي اللبناني رفيق خوري فقد اعتبر أن ما قام به موقع ويكليكس سيؤدي الى تحويل الارتباط بين البلدان المختلفة الى ارتباط بين أجهزة المخابرات خشية تسريب معلومات أخرى تؤدي إلى إحراج مسؤولي البلدان المختلفة.

وأكد أن وزارات الخارجية تنشر عادة معلومات عن علاقاتها مع البلدان المختلفة بعد مرور سنين طويلة، لكن ما أثاره ويكيلكس يتعلق بالوقت الراهن وفترة حكم مسؤولين لا يزالون في السلطة، خاصة أن ما نشر يتناقض مع التوجهات المعلنة للبلدان التي سلط الموقع الضوء عليها.

ورأى خوري أن نشر الوثائق سبب "نكسة كبيرة" للولايات المتحدة الامريكية، وأنها ستواجه صعوبة في "إقناع أصدقائها العرب لتفادي تسريب مثل هذه الوثائق مستقبلاً". قائلاً "إن المسؤولين العرب أخذوا يتبنون مواقف محافظة في اللقاءات الدبلوماسية مع المسؤولين الامريكيين".

وأكد أن "الولايات المتحدة الامريكية تحتاج الى مرور فترة طويلة لاجتياز المشاكل التي سببها ويكليكس قائلاً: "إنها لا تستطيع حتى ملاحقة مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج قضائياً لأنه لم يسرق الوثائق بل حصل عليها من عناصر تعمل في الإدارة الامريكية".

وقال إن "مواقف البلدان وتوجهاتها ستنقل بشكل مباشر في ظل الوضع الراهن الذي أحرج الكثير من المسؤولين العرب والأمريكيين وسيتحول الارتباط بين أجهزة المخابرات لتفادي تسريب مثل هذه المعلومات.

استبعاد نظرية المؤامرة

من جهته، لا يعتقد الكاتب السياسي السعودي نائب رئيس تحرير جريدة "الرياض"، يوسف الكويلت، أن تكون التسريبات التي قام بها موقع ويكيليكس متعمدة لأهداف سياسية ويراهن بذلك على خطورة التسريبات ذاتها على الولايات المتحدة الأمريكية.

وقال في حديثه لـ"العربية.نت": "لا أعتقد أنها تسريبات مقصودة وإلا لما لاحقت الولايات المتحدة الأمريكية الرجل.. فالمعلومات سرقت بطريقة تقنية متفوقة عبر التلصص على الهواتف الذكية التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية للاتصال مع سفاراتها المختلفة".

وتابع: "ما الهدف الذي سترتجيه الولايات المتحدة الأمريكية من إفساد علاقتها مع الدول الأخرى وبالذات مع زعماء تلك الدول.. هذا الأمر سيلحق ضرراً كبيراً بالسياسة الأمريكية"، مضيفاً: "هناك تخوف أمريكي من أن تكون أستراليا أو روسيا أو الصين هي من خلف هذه التسريبات، خاصة أنه لا يمكن القول إن هناك معلومات قد تمر عبر الهواتف وتكون سرية، فالهكرز منتشرون في كل مكان بغض النظر عن قدرات الدول التقنية، فالكل قادر على الوصول إلى المعلومات إن توفرت له تقنية خاصة.. ولا تهم الملاحقات القانونية بعد نشر الوثائق؛ لأن الضر قد وقع، والآن نشاهد أن جوليان أسانج ملاحق بتهمة الاغتصاب مع أنه كان يتنقل بحرية في مختلف دول العالم دون أن توجه له أي تهمة ولكن الآن يلاحق قانونياً بعد أن نشر تلك الوثائق".

ورفض الكويليت تبرير نظرية المؤامرة بخلو الوثائق مما يمس إسرائيل وقال: "أولاً لم تنشر كل الوثائق ومازال هناك الآلاف منها في طريقه للنشر، وعلينا أن ننتظر إلى أن نقرأها.. ومن ثم إصدار الحكم النهائي".

بين أحمد عز وجوليان أسانج

وفي تحليله لوثائق ويكيليكس يرى د. مأمون فندي، الكاتب السياسي المعروف، صدق الحس الشعبي بأن هذه الوثائق مسربة؛ لأن - وفق ما يقوله د. فندي لـ"العربية.نت" - معظم التسريبات الأمريكية في مثل هذا النوع لا يعبر عن خلل في النظام الأمريكي من حيث تأمين هذه الوثائق، لكنه ينتج عن قوى متصارعة داخل النظام الأمريكي فتلجأ بعض هذه القوى للرأي العام لإحداث نوع من التوازن في السياسة الأمريكية".
ويؤكد فندي، الذي سينشر مقالا عن هذه الرؤية يوم الاثنين المقبل، أن "أبرز ما كشفته هذه الوثائق أنها أعطتنا إحساساً جديداً بالزمن، وحرك جوليان أسانج عجلة الزمن، فعادة تخرج أي وثائق سرية بعد وقوع أحداثها بـ30 عاماً على الأقل، لكن ما حدث في وثائق ويكيليكس أنها نقلت إلينا أحداثاً منذ عام أو عامين، فمن الطبيعي وفق الدورة الزمنية لمثل هذه الوثائق ألا نتعرف إلى ما جاء فيها إلا بعد أن يبلغ الشاب الثلاثيني اليوم عامه الستين، لكن أن يرى شباب اليوم الذين عاشوا أحداث وثائق ويكيليكس قبل عامين موثقة فهذه نقلة نوعية وإحساس جديد بالزمن".

وهنا يقارن د. فندي في تحليله لوثائق ويكليكس في هذه النقلة النوعية للزمن بين أسانج مسرب وثائق ويكليكس الذي تقدم بالزمن أكثر من 30 عاماً مرة واحدة، وبين أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني الحاكم مهندس عمليات الانتخابات التشريعية المصرية الأخيرة، و"كيف عاد بالزمن 60 عاماً الى الوراء، أي الى الاتحاد الاشتراكي وعهد الحزب الواحد، حيث حقق أحمد عز قفزة زمنية هائلة، ولكن الى الوراء بتشكيل مجلس شعب من حزب واحد من خلال ما قرأناه من تقارير رقابية عن عمليات تزوير لبطاقات الترشيح وتسويد بالجملة لصالح مرشحي الحزب الوطني، في حين قفز بنا أسانج قفزة هائلة الى الأمام بالتقدم في عمر تسريب الوثائق 30 عاماً مرة واحدة". 

وهنا يخرج د. مأمون فندي من خلال هذه المقارنة بنتيجة تؤكد مدى الفجوة الزمنية التي نحتاجها في بلدان الشرق الأوسط للتقدم.

وعن تأثير هذه الوثائق دولياً وأمريكياً يقول فندي: "غالباً في مثل هذه الوثائق لا تؤثر في السياسة الخارجية الأمريكية، ولا تعكس كيفية اتخاذ القرارات في الخارجية الأمريكية، فهي لا تستفيد بها معلوماتياً، مثل السي آي أيه، ولكن المؤكد أن هذه التسريبات ستؤثر في النظام الأمريكي، فهي إما ستجعله أكثر شفافية أو أكثر انغلاقاً".

أما على المستوى الدولي والعربي فيرى د. فندي "أنه ليس في كل ما تم تسريبه ما لا يعرفه الناس ولا يدركه الحس الشعبي، فكل ما قيل كان يعرفه الناس بحدسها الطبيعي، ولكن ويكيليكس قدم لهم الدليل والوثيقة، فالجماهير قادرة بفهمها على استنباط كل ما جاء في الوثائق، وفي اعتقادي أن تأثير هذه الوثائق على المجتمعات العربية أنها ستؤدي الى مزيد من الانغلاق وحالة من الارتباك في العلاقات".
حالة فصام سياسي في العالم العربي

ويرى د. عمار علي حسن، الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي، "أن أبرز ما أفرزته هذه الوثائق حتى الآن أنها عززت الصورة النمطية للشعوب العربية عن حكامها، من أنهم تابعون للإدراة الأمريكية، كما أنها كشفت لهذه الشعوب أن ما يصدر من قرارات من قبل حكامهم ليست قرارات وطنية، بل ربما اكتشفت هذه الشعوب أن بعض الحكام قد يضحون بمثل هذه المصالح الوطنية من أجل بقائهم على سدة السلطة".

ويضيف د. عمار علي حسن في حديثه لـ"العربية.نت" تعليقاً على تسريبات ويكيليكس "أن هذه الوثائق كشفت حالة الفصام السياسي في العالم العربي، حيث كشفت أن ما يقال ليس هو ما يتم عمله من قبل الحكام".

وعن رأيه في الرؤية الشعبية لهذه الوثائق بكونها تسريبات مقصودة يقول د. حسن: "وارد جداً أن تكون مسربة عمداً فهناك عدة أسباب تؤيد هذا الحس الشعبي، أولها الانتقائية التي تمت في هذه الوثائق، فما نشر حتى الآن يصب في اتجاه واحد وهو خدمة إسرائيل والإدارة الأمريكية الحالية، حيث أظهرت هذه الوثائق حقائق كثيرة عما كان يفعله الجمهوريون في العالم العربي، ومثل هذه الانتقائية لا يفعلها سوى عقل مدبر ومن داخل البيت الواحد".

ويضيف "ومن الأسباب التي تعزز فكرة تسريب هذه الوثائق عمداً الأوضاع داخل الولايات المتحدة نفسها؛ فالإدارة الحالية تتعرض لانتقادات داخلية كبيرة من قبل الجمهوريين ويتهمونها بالتراخي خارجياً والفشل داخلياً، وبالتالي فإن الادارة الحالية تكشف عورات الإدارة السابقة والتخريب الذي تسببت به لتقول للرأي العام الأمريكي والعالمي إنهم معذورون ويحتاجون بعض الوقت لأن العبء ثقيل على الإدارة الحالية".
أسانج رهن الاعتقال

ومن الروايات التي تنسج حول جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس على الانترنت، بأنه حاد الذكاء، وحاسم وعاطفي، وأحيانا مصاب بجنون الشك والأرتياب، وقد أعلنت الحكومة البريطانية إنها ألقت القبض عليه بناء على أمر اعتقال أوروبي أصدرته السويد.

ولد أسانج في يوليو/تموز 1971 ببلدة تاونزفيل على ساحل ولاية كوينزلاند الأسترالية وقضى حياته في السفر وكان والداه يعملان في المسرح ودائمي الترحال.

وفي مرحلة المراهقة اشتهر أسانج بأنه مبرمج كمبيوتر ماهر قبل أن يعتقل عام 1995 ويقر بالاختراق الإلكتروني ولم يسجن بشرط ألا يكرر ارتكاب الجريمة.

وفي أواخر العشرينات من عمره التحق بجامعة ملبورن لدراسة الرياضيات والفيزياء. وأسس أسانج موقع ويكيليكس عام 2006 وأتاح لكل من لديه وثيقة يريد تسريبها مكاناً على الموقع.

التعليقات