إبراهيم ابوالنجا : وانتصر الكف على المخرز

وانتصر الكف على المخرز

بقلم
إبراهيم ابوالنجا
ابووائل


لكل حدث مقدمات ، ولكل مقدمات نتائج ، ولكل نتائج تداعيات ، ولكل تداعيات تأثيرات شرّاً كانت أم خيراً .
وتاريخ أمتنا حافل بكل ما تقدم .
في عصور النهضة والفتوحات ونشر الثقافة والحضارة العربية في بلدان ما وراء البحار والأنهار والمحيطات ، وشواهد ذلك ماثلة على الأرض لا تمحى ، ورغم التقادم ومحاولة طمس ذلك للتخلص منه لأنه يحكي ويذكر بالفتوحات والتي تعني في نظر الكثير من شعوب هذه البلاد حالة احتلال ، ولكن عندما حاولت هذه الدول النهوض ، وجدت نفسها أمام عبقرية أناس ليسوا مستعمرين أو متسلطين ، أو ناهبي ثروات أو طامسي الشخصية ، فلم يجدوا بدّاً من الإبقاء على هذا الموروث العظيم الذي وظفوه توظيفاً صحيحاً في العلم ، والثقافة ، والعمران ، والطب ، والهندسة ، والرياضيات ، وأشكال المعرفة والفنون كافة .
ولئن شكل ذلك بداية الخطر على أمتنا خوفاً من المد الذي ينهي قومياتهم ويدخلهم في بوتقة الأمة العربية الإسلامية الكبرى ، ومن هنا أخذ التفكير ، العملي في إزالة ووقف هذا السيل الجارف ، من خلال توحدهم واصطفافهم حول هذا الهدف ، ودعم مشروعهم هذا ، حالة الترهل التي مثلها القادة ، والإقليمية ، والطائفية ، والتفرد ، والوحدانية ، والتمزق ، وجريهم وراء كل ما من شأنه أن يضعفهم ويفتت شملهم ، ولئن كان الأمراء والملوك والسلاطين والحكام كافة ، يعرفون النتيجة المحتومة إلّا أنهم لم يتنبهوا لخطورة ما ينتظرهم وينتظر أقطارهم ، واعتقد البعض أن صداقاتهم بأعدائهم ستكون كفيلة بنجاتهم مما يحاك ضدهم كافة .
ولعل حادثة أبو عبد الله الصغير حاكم غرناطة خير دليل على ذلك ، حيث استشعر الخطر وآل ملكه إلى السقوط ... ذهب باكيا .. شاكياً إلى أمه .. فقالت له : ابك كالنساء ملكاً لم تدافع عنه كالرجال .
بدأ مسلسل الانهيار ، والاندحار ، والانحدار . أصبح جسم الأمة مريضاً ... لا يقاوم أقل الأمراض فتكا ، فتقاسمت بلادنا دول يقودها الحقد والكراهية وحب الثأر والانتقام ، وزاد من نهمها ، بعد محطات استطاعت هذه الأمة بعد أن قيض الله لها قادة يدحرون مغول أسيا والتتار ، والفرنجة ، ليستعيدوا وحدتهم ، وقوة شوكتهم ، ولكن سرعان ما انهارت هذه الآمال وحلت بالأمة عواصف الاحتلال المتعدد الجنسيات .
لقد وعى المستعمرون المعادون لبعضهم البعض خطر التوحد العربي ، فنسوا خلافاتهم ، والتفتوا إلى الهدف الواحد ... وهو إضعاف الأمة بطريقة لا تنهض بعدها ، ولا تقوم لها قائمة .
يذكرنا التاريخ بالأربعة قرون العجاف ، تلك هي عمر الحكم العثماني الذي لم تتقدم في عهده أمتنا العربية قيد أنملة بل تأخرت عصوراً إلى الوراء .
لم يقف الأمر عند هذا الحد ولكنه كان مدخلاً لمؤامرة سميت سايكس بيكو ...
تلك التي قسمت وطننا الكبير إلى دويلات تنسجم والسياسة العالمية الهادفة إلى عدم التئامه .
توالت النكبات على أمتنا وعلى رأسها النكبة التي حلت بشعبنا الفلسطيني ، الذي وجد نفسه خارج أرض آبائه وأجداده ، وينعم الصهاينة بما وعدوا به .
ولكثرة ما أحاط بنا كأمة عربية من مؤامرات حرمنا بسببها من الفرح والتنمية ، والتطور ، والنماء والارتقاء ، كبقية شعوب الأرض التي لا تملك ما نملك من مقدرات وليس لها تاريخ كتاريخنا الحافل بالأمجاد والعزة .
لقد أصبحنا نتلقف أي خبر حسن بتلهف شديد ، ونستقبل أي إنجاز بغبطة لا حدود لها ، ولا أدل على ذلك من فرحة أبناء الأمة العربية بانتصار فريق جمهورية مصر العربية لكرة القدم ، ونيله كأس إفريقيا ثلاث مرات متتالية .
وصدمنا عندما لم يصل أي فريق عربي إلى الثمن أو الربع النهائي ولا نقول النصف النهائي في مهرجان كرة القدم الدولي في جنوب إفريقيا .
أمام مجمل الانكسارات والإحباطات والمؤامرات التي تلفنا ...
استطاعت الشقيقة قطر إحراز تقدم في مواجهة دول عظمى .. لم يكن أحد يتوقعه ، حتى أن هذه الدول من فرط غضبها عبرت قائلة ... إن اختيار قطر لاحتضان المهرجان العالمي لكرة القدم عام 2022 خطأ كبير .
إنه اختراق يستحق أن تفخر به كأبناء للأمة العربية في وقت لا تملك قطر ما تملكه هذه الدول .
فلا الأرض القطرية بمساحة أرض أي من هذه الدول ، ولا تملك من القوة ما تملكه هذه الدول القادرة على إبادة العالم ست مرات ، ولا شعب قطر بتعداده يتعدى سكان أصغر حي من أحياء هذه الدول .
إنها الحنكة إذن وليست المواجهة العسكرية .
إنها القدرة على تحقيق الانتصار بطريقة غير تقليدية ومتعارف عليها .
ولأهمية هذا الإنجاز فقد سارع الرئيس محمود عباس ، والرئيس محمد حسني مبارك ، ورؤساء وملوك دول عربية وغير عربية تشاركنا نفس الهموم بتهنئة أمير قطر .
إنها الخطوة الأولى على الطريق ، ولكن يجب أن تتلوها خطوات من أهمها أن لا تقف الأمة متفرجة بل عليها أن تساهم بإعلامييها وسياسييها وسفرائها في العالم بعملية اصطفاف يشعر العالم أن قطراً كبيرة ، بشقيقاتها وأن القطريين كثر بأشقائهم .
كما أن على الشقيقة قطر عتاباً عربيا وفلسطينياً في غنى عن ذكره فهي تعرف كيف تتفاعل مع قضايا أبناء أمتها ، وخاصة في المجالات كافة دون انتقاء .
وسنكون جميعاً على موعد مع الفرحة الكبرى التي يشارك فيها أكثر من فريق عربي في هذا المهرجان الكروي الكبير على أرض قطر الحبيبة .
فبانتصار قطر على الدول الكبرى ينتصر الكف على المخرز .

التعليقات