تفاصيل اختطاف المخابرات الأمريكية لعالم الفيزياء النووي الإيراني شهرام أميري

تفاصيل اختطاف المخابرات الأمريكية لعالم الفيزياء النووي الإيراني " شهرام أميري " أثناء أدائه العمرة في السعودية

بقلم : د . سمير محمود قديح
باحث في الشئون الأمنية والإستراتيجية

وسط حربٍ إعلامية ودعائية مرشحة لمزيد من التصعيد بين واشنطن وطهران، عاد عالِم الفيزياء الإيراني، شهرام أميري، إلى بلاده، التي ستعطي عنه رواية جديدة، لكنها لن تكون أقل لغزاً مما سمعناه عن اختفاء هذا العالِم الفيزيائي الشاب الثلاثيني.
فقد تعددت الروايات حول ما كان يقوم به في إيران قبل اختفائه، وحول ما إذا كان حقيقة داخل البرنامج النووي أم لا.
قصة اختفائه تحولت إلى قصص عديدة : الأولى أتت من طهران وهي تقول أنه اختطف من السعودية. والثانية أتت من واشنطن وهي تقول أنه أتى إليها بمحض إرادته. أما القصة الثالثة فتنحاز للثانية، ولكنها تقدّم مزيداً من التفاصيل، إذ تروي أنه غادر بلاده بعد عملية استخباراتية معقدة، شارك فيها أكثر من جهاز، وبدأت خيوطها تحاك في فرانكفورت، حيث التقاه أحد عملاء أجهزة الاستخبارات في مؤتمرٍ علمي قبل اختفائه بعام.
وقصة عودته للظهور حملت ألغازاً أكثر من قصة اختفائه. فكيف تمكن هذا المختطف من الهرب من خاطفيه المحترفين ؟

أما عملاء المخابرات هم الذين سلموه إلى سفارة باكستان بعد أن عجزوا عن إجباره على سرد روايته تلفزيونياً، كما قال هو في تسجيلاتٍ متعددة ومتناقضة.
ولكن لماذا يعود ؟ هل تعرّض لضغوط نفسية عبر مكالمات هاتفية من طهران، تنذره بالمساس بزوجته وأولاده وذويه الذين تركهم في إيران ؟ أم أن هناك صفقة تبادل ؟
هل عاد شهرام أم أُعيد ؟ وهل اكتشف المحققون المحترفون خلال عام أنه كاذب وأعطى معلومات غير صحيحة، وقرروا إعادته ليلقى مصير صهر صدّام حسين؟
هل كان عميلاً مزدوجاً ؟ قد يكون كذلك وقد لا يكون. ولكن قصص شهرام ستبقى لزمنٍ طويل تحمل وجهَين، ولن تستطيع التحدث عنها بغير الأسئلة والتساؤلات.
ففي 13 يوليو / تموز ، فوجيء الجميع بأن أميري حي يرزق وموجود في سفارة باكستان في الولايات المتحدة ، بل وسارعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون للإعلان أن العالم الإيراني جاء إلى الولايات المتحدة بإرادته وأقام فيها بحرية وهو يملك حرية العودة ، معربة في المقابل عن قلق بلادها من مواصلة احتجاز طهران لثلاثة أمريكيين كانت أوقفتهم العام الماضي لدى دخولهم الأراضي الإيرانية عبر الحدود مع العراق. ومن جانبه كان قد أعلن وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي قائلا :" لقد تلقينا نبأ وجود شهرام أميري في الولايات المتحدة وأنه لجأ إلى مكتب رعاية المصالح الإيرانية في السفارة الباكستانية بواشنطن". وجاءت التصريحات السابقة بعد أن ظهر أميري في قسم رعاية المصالح الإيرانية الملحق بسفارة باكستان في واشنطن وأكد من هناك أن عملاء استخبارات أمريكيين اختطفوه قبل 14 شهرا خلال وجوده بالسعودية ، موضحا أنه تعرض للتعذيب وضغوط نفسية كبيرة وأنه كان تحت حراسة مشددة . ورغم أنه لم يكشف عن مكان احتجازه ولا كيف تمكن من الوصول إلى مكتب رعاية المصالح الإيرانية ، إلا أن وكالة أنباء "فارس" الإيرانية ذكرت أن عناصر الاستخبارات الأمريكية قاموا بتسليم أميري إلى قسم رعاية المصالح الإيرانية ووصفت الخطوة بأنها هزيمة للمخابرات الأمريكية ، قائلة إن الجهود الاستخبارية والإعلامية الإيرانية أرغمت واشنطن على تسليم أميري .
وفي المقابل ، رجحت مصادر إيرانية أخرى أن أميري نجح في الفرار من أيدي الاستخبارات الأمريكية ولجأ إلى سفارة باكستان في واشنطن ، مستندة في هذا الصدد إلى شريط فيديو كان عرضه التليفزيون الإيراني في 14 يونيو الماضي وظهر فيه عالم الفيزياء النووي الإيراني شهرام أميري وهو يؤكد أنه أفلت من قبضة عملاء الاستخبارات الأمريكيين ، قائلا :" نحن في الرابع عشر من يونيو/ حزيران، أنا شهرام أميري مواطن من الجمهورية الإسلامية تمكنت قبل دقائق من الإفلات من قبضة عملاء استخبارات أمريكيين في فيرجينيا". وأضاف "قد يعتقلني العملاء الأمريكيون في أي لحظة ولو حدث شيء ولم أعد حيا إلى بلدي ستكون الحكومة الأمريكية هي المسئولة عن ذلك" ". وطالب أميري المسئولين الإيرانيين ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان بتشديد الضغوط على الحكومة الأمريكية للإفراج عنه كي يتمكن من العودة إلى بلده ، مؤكدا أنه لم يقدم على "خيانة" بلده ولم يفش أي أسرار.
وكان أميري والذي رجحت مصادر أمنية عديدة انه عاد إلى إيران بسبب تهديد زوجته وأولاده بالقتل في اقل من 48 ساعة إن لم يعود إلى طهران . قال بعد عودته إلى إيران إنه اختطف وخدر عندما كان في العمرة ثم وجد نفسه في أميركا؟ إلا أن مسؤولي الاستخبارات الأميركية قالوا إنه كان جزءا من شبكة صغيرة لعملاء كانوا يقدمون معلومات عن البرنامج النووي الإيراني وجرى إعادة توطينهم في الولايات المتحدة بعد منحهم مكافآت مالية بما في ذلك 5 ملايين دولار خصصت لأميري. وقال المسؤولون إن بعضهم نقل لأنه أراد الإقامة في مكان آخر، لكن أميري وشخصا آخر نقلا بعد شكوك في أنهما كشفا لأجهزة الأمن الإيرانية.
وقال المسؤولون إنه بالإضافة إلى الاثنين اللذين نقلا إلى أميركا السنة الماضية، جرى نقل 6 جواسيس إيرانيين من إيران إلى أميركا خلال السنوات القليلة الماضية. وإن كل واحد منهم منح مبلغا كبيرا من المال، رصد في حسابه في بنك أميركي من دون أن تتصرف فيه «سي آي إيه». واختار المكان الذي أراد أن يعيش فيه.
وقال مسؤول أميركي: «ليست عندنا منتزهات تقاعد. يختار كل واحد ما يريد». وإن «سي آي إيه» تتفق مع كل جاسوس، عند بداية تعاون منتظم معه، على قيمة المكافأة، وعلى النقل إلى أميركا إذا شعر أنه سيكتشف.
وقال المسؤول إن أغلبية الذين نقلوا خافوا من اكتشافهم. وإن واحدا منهم «تصرف في غباء» في اتصالاته مع ضباط «سي آي إيه». وإن واحدا «بقي لفترة أكثر مما كنا نريد له».
وقال مسؤول استخباراتي أميركي سابق أنه في هذه اللحظة يلقى أميري استقبال الأبطال في إطار الحرب الدعائية مع أميركا، لكنه سيواجه لاحقا تحقيقا شاقا داخل إيران عن ماذا فعل مع الأميركيين وولائه. وأعرب المسؤول عن اعتقاده بأن أميري سيواجه صعوبة في توضيح روايته بأنه اختطف، ثم كيف فر منهم بسهولة ووصل إلى السفارة الباكستانية، وسمحت له الولايات المتحدة بعد ذلك باستقلال طائرة تجارية عائدا إلى بلاده. وقال تشارلز فادس الذي قاد لفترة وحدة أسلحة الدمار الشامل في قسم مكافحة الإرهاب بـ«سي آي إيه» إن أميري سيواجه مشكلات لفترة طويلة.
وقالت «واشنطن بوست» إن معاملات «سي آي إيه» مع جواسيسها، إيرانيين وغير إيرانيين، ونقلهم إلى أميركا تعتمد على قوانين موضوعة منذ سنوات الحرب الباردة. ويشرف عليها مركز إعادة التوطين التابع للوكالة (نروك).

- قصة الاختفاء والظهور في الرواية الايرانية .

يبدو أن الشريط السابق كان نقطة البداية على طريق الإسراع بتحديد مصيره حيث استدعت إيران السفير السويسري في طهران وسلمته وثائق تثبت أن الولايات المتحدة خطفت أميري ، مطالبة بتحريره على الفور .
وكان شهرام أميري "32 عاما" وهو باحث أكاديمي يعمل في هيئة الطاقة الذرية الإيرانية اختفى في يونيو/ حزيران 2009 بينما كان يؤدي مناسك العمرة في السعودية ، واتهمت إيران حينها الرياض بتسليمه إلى الولايات المتحدة وهو ما نفته السعودية .
وبعد شهور من تضارب التقارير حول مصيره وما إذا كان على قيد الحياة أم لا ، فوجيء الجميع ابتداء منذ مطلع العام الحالي بعدد من شرائط الفيديو التي يظهر فيها شهرام أميري ولكنه يدلي بروايات مختلفة ، ففي أحد الشرائط ، قال أميري إنه اقتيد إلى الولايات المتحدة وعذب ، وفي شريط ثان نشر على يوتيوب ، قال أميري إنه في واقع الأمر يدرس في الولايات المتحدة .
وفي الخامس من نيسان/ إبريل الماضي ، تحدث أميري في تسجيل مصور وصل بطرق خاصة إلى الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية عن ظروف اختطافه ووضعه الحالي ، وأضاف في التسجيل الذي عرضه التليفزيون الإيراني لمرات عديدة أنه موجود في مدينة تاكسون في ولاية أريزونا الأمريكية وأنه اختطف في الثالث من حزيران/ يونيو 2009 بالمدينة المنورة خلال عملية نفذتها فرق اغتيالات تابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية "سي.آي.أيه".
وفي 7 يونيو/ حزيران الماضي ، بث التليفزيون الإيراني شريط فيديو آخر أكد فيه أميري أن الاستخبارات الأمريكية اختطفته وأنه محتجز في تاكسون في أريزونا غرب الولايات المتحدة ، قائلا :" الشريط الذي نشرته الحكومة الأمريكية على يوتيوب والذي قلت فيه إنني حر وإنني أرغب في مواصلة دراستي بأمريكا غير حقيقي".
ومن جانبها ، ذكرت شبكة "ايه بي سي" التليفزيونية الأمريكية أن أميري فر إلى الولايات المتحدة وأنه يساعد المخابرات المركزية الأمريكية.
وأخيرا ، فوجيء الجميع في 13 يوليو بإعلان باكستان أن عالما إيرانيا يزعم أنه اختطف من قبل عناصر من الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي.آي.أيه" لجأ إلى السفارة الباكستانية في واشنطن والتي تمثل المصالح الإيرانية في الولايات المتحدة وتجري طهران الاستعدادات لإعادته إلى بلاده.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية عبد الباسط :" سلم شخص ما العالم الإيراني إلى مكتب رعاية المصالح الإيرانية ، طلب الإيرانيون منا أن نجري استعدادات لإعادة العالم إلى إيران ، باكستان يمكنها تقديم المساعدة للولايات المتحدة وإيران للتواصل مع بعضهما حول تلك القضية ".
وأضاف "لقد اضطلعنا بدور ساعي البريد بين البلدين لعقود ، ونستعد أيضا الآن للاضطلاع بذلك الدور في قضية العالم الإيراني " ، وذلك في إشارة إلى أن إيران والولايات المتحدة لا ترتبطان بأي علاقات دبلوماسية على مدى أكثر من ثلاثة عقود وتمثل سفارتا سويسرا في طهران وباكستان في واشنطن مصالحهما الدبلوماسية .
ويبدو أن التصريحات السابقة فاجأت واشنطن ، ولذا جاء رد فعلها مرتبكا ، حيث أعلنت كلينتون أن العالم الإيراني جاء إلى الولايات المتحدة بإرادته وأقام فيها بحرية ، وهو ما يتناقض مع موقف الخارجية الأمريكية السابق الذي رفض بشدة اتهامات إيران لأمريكا باختطاف أميري ، ولم ينف أو يؤكد حينها وجوده في الولايات المتحدة.
- حقائق وتساؤلات صادرة عن مسئولين ايرانيين .

طرح البعض عدة تساؤلات تفضح المسئولين الأمريكيين في هذا الصدد من أبرزها : لماذا لجأ أميري إلى سفارة باكستان إذا كان جاء إلى الولايات المتحدة بإرادته وأقام فيها بحرية ولماذا ظل مصيره مجهولا لمدة عام كامل ؟.
ورغم أن التساؤلات السابقة لن تجد إجابة قاطعة حتى وصول أميري إلى بلاده وانكشاف المستور ، إلا أن ما يجمع عليه كثيرون هو أن الظهور المفاجئ لأميري يمثل فضيحة كبيرة للاستخبارات الأمريكية وسواء كانت سلمته أو فر منها بمساعدة عملاء المخابرات الإيرانية ، فإن النتيجة واحدة وهي أنها فشلت على الأرجح في الحصول على أية معلومات منه حول برنامج بلاده النووي ، أو أن أميري لم يكن من الأساس يعرف شيئا في هذا الصدد وهو ما يؤكد سوء التخطيط لعملية الاختطاف .
صحيح أن البعض قد يعتقد أن واشنطن نجحت بتجنيد أميري ولذا تريد إرساله لإيران مجددا أو أنها حصلت على معلومات منه وتريد الآن التضحية به لاستعادة مواطنيها المحتجزين في إيران ، إلا أن هذه الأمور باتت غير قابلة للتطبيق في عالم اليوم ، خاصة وأن طهران تطالب بالإفراج عن عشرة إيرانيين آخرين معتقلين بصورة غير شرعية في الولايات المتحدة ، مقابل الإفراج عن الأمريكيين الثلاثة ، بالإضافة إلى أن أميري بعد عودته لطهران لن يكون على الأرجح في أي منصب حساس .
وتبقى حقيقة هامة وهي أن أميري لو كان تعاون مع الاستخبارات الأمريكية ما كان أحد ليعرف مصيره أبدا ليس من أجل مصلحته وإنما لأن هذا الأمر من شأنه أن يضرب مصداقية الـ " سي آي أيه " أمام عملائها في كافة أنحاء العالم .
[email protected]

التعليقات